نصوصنصوص مسرحية

نص مسرحي: “معنى الحياة” / تأليف: حيدر خلف محمد

الشخصيات

جلجامش

انكيدو

الهاجس

الكاهن 1

الكاهن2

المشهد الاول

(نعش يتوسط احدى قاعات قصر جلجامش )

جلجامش : صفة الارباب لم تنفع انسي هاهو انكيدو جثةً هامدةً باردةً, آه ان غدرك ظنك الذي كنت تزهو وتعلو به اليوم هو وغدا تكون أنت, أي آلهة و أي نصف آلهة نفتخر بها ومنتهانا الى جحيم الموت مكبلين. فما قتلت خومبابا ولا الثور السماوي إلا وكان غياب الاجل هو حافزي, فلا أنا رباً كما قيل والموت لا يمسني أو ابن الهة من جحيم الموت يشفع, فسحقاً وكفراً بكل الارباب التي نعكف اليها وننذر الارواح والاموال.

الهاجس : ها انت وقد ابصرت فناء انكيدو فلا مفر من الموت يا جلجامش فلا تنفعك شفاعة (نيسون) ولا عبادة شمش العظيم.

جلجامش : ليس جلجامش الذي ينتظر موته مكبلاً يقاد الى العالم السفلي, أنا مذل عشتار والناجي من شراكها, لن تبرد النار المستعرة في صدري حتى أخذ ثائر أخي انكيدو , سوف اعلن الحرب على الالهة واقتل كل عكفٍ وساجدٍ لصنم.

الهاجس : وهل هذا يجعلك تنجو من الموت؟

جلجامش: (صمت قليلا) لا ادري لكن لعل النار المستعرة في صدري تبرد وانا احارب الارباب وفاءً مني لصديقي انكيدو.

الهاجس : إنّ مصيرك في ما أنت مقدم اليه سيكون اشبه بمصير انكيدو, من المتوقع أن ترسل لك الالهة داءً لا ينفعه دواء يتسلل لجسدك يذهب بقواك ويجعلك هامداً مسجا كالذي أنت واقفٌ أمامه.

جلجامش : وليكن فلا معنى للحياة التي نحيا بها ومصيرنا خط على جباهنا بالموت والفناء.

الهاجس : ثمت طريق يكون فيه الخلود والحياة الابدية.

جلجامش : أو يمكن لأنسي الخلود.

الهاجس : يمكن.

جلجامش : كيف؟

الهاجس : نبتة الخلود عند الحصول عليها يمكنك الخلود, الدهر كله, وأن تحيا حياةً الشباب والحيوية كل يوم بتجدد وقوة.

جلجامش : وأين تكون هذه النبتة؟

الهاجس : مكانها بعيد محفوف بالمخاطر ما سعى اليها احد من الاولين إلا وخاب وهلك وهو يبحث عن مبتغاه, فعليك اجتياز ابحر ملعونهٍ والدخول في كهوفٍ مسكونةٍ من اعتا وحوش الارض .. ياجلجامش وإنّ أنا مَن اوحى اليك آلا أنّ الامر خطير.

جلجامش : ليس اخطر من حال رجل, كان معتقداً أنه من الموت ناجٍ , واليوم يرى أن الموت يلوح اليه, وليكن فتلك المخاطر اهون من الجلوس في احدى زوايا القصر منتظراً أجلَ يومٍ لا علم به, ولا ارضاً او بحرا اكون فيه, ان الذي سوف يشد من عزمي وارجوه في سعي ان تلك النبتة تحي رفيقي انكيدو.

الهاجس : سل بذلك من اقتات منها ونجى من الطوفان (اوتنابيشتيم) جدك وجد كل انسي سار على الارض بعد الطوفان المدمر, فهو يعلم سرها ومكانها وهو الحافظ لها.

جلجامش : اذا الى (اوتنابيشتيم)

(يخرجان)        

 

 المشهد الثاني

( المكان داخل باحة معبد من معابد دولة اوروك التي كانت تحت ظل حكم جلجامش )

الكاهن 1 : لقد طال الانتظار لم يعد في الصبر اتساع. عندما رحل لا اعرف احسست انه وداع ما بعده رجعة، ان احساسي يلهمني عن خيبة من سعى و كان نداً للإلهة، يا لتعاستنا على الايام التي ذهبت. ونحن نرجو وننتظر من غائبا دون رجعة دون أن نصنع شيئاً غير الانتظار.

الكاهن 2: دعك من هذا الكلام, ما خاب يوم جلجامش في سعيه او في وجهته, ان جلجامش نصفه اله ونصفه من حماقات وجنون الانس خلق لشهوة, والصراع و التحدي، اتذكر حين سعى في قتل خومبابا وحش غابات الارز أو حين تحدى فسق آلهة عشتار واطاح بثورها ذي الانفاسِ الحارقة صريعاً فأرجعها تسحب خيباتها ومن خلفها جلبابها ملطخاً يقطر دماً وهي التي كانت عروس الآلهة.

الكاهن 1: سمعت من كبير العرافين ان تلك الحادثة قد اغضبت الآلهة, فقررت على اثرها عشتار قتل إنكيدو خليله ورفيقه لأنه كان خير عون وخير سند في كل ما كان يسعى من تحديات، لا اظن ان الآلهة سوف تصمت او تكتفي وهي تنظر الى انسي يتحداها هكذا في العلن وان كان نصفه من آلهة.

الكاهن 2: لن يستطع احداً ردعه, الحزن والغضب الذي تجلى على وجه جلجامش وهو يودع إنكيدو والذي ارتسم على تقاسيم وجهه كفيل في ارجاع الإله شمش العظيم ومبيته خوفا خلف طيات الغروب، ان عشبة الخلود تعتقنا من عبادة الالهة وتجعلنا نعش طوال الدهر لا نشيب ولا نشيخ, ان جلجامش أمل الأنس في الخلاص من مكبلات الحياة من عبادة وتضرع.

الكاهن 1: وهل هذا ممكن؟ أن نعشَ دون ان نعبد الالهة؟ دون ان نكتسب رزقنا على السذج من الذين ينذرون لنا المال والنساء.

الكاهن 2 : أنه ممكنٌ وليس ممكناً , فإن الالهة التي نصنعها بأيدينا ونزخرفها بأجمل الاشكال والاحجام ونغذي انفاسها في البخور والنذور, ممكن ان لا نعبدها ومن الممكن ان نستغني عنها, فهي الهة صنيعة الوهم وايمان السراب فمن منا ملك قوة او سحرا وابدع في صنعه اشرنا اليه بالإله, فهذا جلجامش نصف إلهة ايقن بعد فناء إنكيدو ان لا خلاص من الموت وان كنت ملكا او ان تصفك الناس بإله.

الكاهن 1 : ستغدو حياتنا جوفاء دون ان نعبد او نتعبد دون حس أو امر من الآلهة يتجلى ويتجسد في تلك التماثيل، من المحتمل ان يضيع اثرنا او لا يكن للوجود معنى.
الكاهن 2: لن يضيع اثر من خلد وكسا الشباب جسده بالقوة والحيوية دون مرض او سقم، ان جلجامش سوف يطعمنا من ثمار الخلد لنحيا الدهر كله دون رقاد او فناء تحت الثرى, ان جلجامش ذهب يثبت للبشرية المقدرة ان يكون الانسان خالداً دون فناء دون وسيط من شمش او انانا او انليل او غيرهم من الهة.
الكاهن 1 : ومن قال ان جلجامش سوف يطعمنا من نبتة الخلود فما الذي يمنعه ان يخصها لنفسه فقط.
الكاهن2 : (صمت قليل) حقا الامر ليس بالسهل, لكن نحن كهنة المعبد, وجلجامش ان خلد سوف يحتاج الى كهنة ولن يجد غيرنا من يدير شؤونه, من المحتمل يطعمنا منها لنكن مخلدين معه.

المشهد الثالث
(تقرع الطبول خلف الكواليس يدخل جلجامش وبرفقته خادمه وهو بهيأة رجل كبير اثار المرض عليه واضحة وبين يديه عشبة )

الكاهن 1 : مَن !! جلجامش العظيم قد عاد.
الكاهن 2 : جلجامش .. جلجامش اصل الفحولة والرجولة ملك الارض قاتل خومبابا العظيم يعود الى اوروك .
(جلجامش صامت يجلس على كرسي يتوسط المعبد)
الكاهن 1: ما هذا يا جلجامش !! اين الشباب واسوداد خصلات شعرك المجعد, لقد اخذ منك المشيب كما اخذ منا وزداد عليك اضعاف, وارى ان المرض نهش من قوامك الممشوق واقتات من اكتافك الفارعة التي كانت كالمجداف تلوح بها, ما الذي اصابك.. اين نبتة الخلود؟
جلجامش : الخلود وهم الملوك وسعي الجبابرة في الارض، فما الخلود إلا فكرةٌ وتفكر وعمل لأجل بعيد, لا تنال منه الملوك إلا ذكر ينقش او يحفظه جيل بعد جيل، الخلود في الظاهر يكمن في جوف عشبة خضراء طرية ويانعة معظم من سعى اليها اعتقد من السهل اقتناءَها, وكل من اقتات منها يظن انه سيظل خالداً ولم يقتات منها احد غير اوتنابيشتيم جدنا الذي خلد ونسيا في جوف الكهوف المعدمة
الكاهن 2 : وهل حصلت على نبتة الخلود ؟؟
جلجامش: هذه هي في يميني منذ سنة ممسك بها خضراء طرية كل يوم تتجدد لا تذبل ولا وتصفر ابدعت واحترفت في صنعها الالهة.
الكاهن1 : وما يمنعك من الاكل منها لترجع شاباً شديد القوةِ.
جلجامش: وما فائدة الشباب دون الخليل وصحبة انكيدو العزيز طيب القلب, فنبتة الخلود لا تحيي الموتى ولا تعيد من تحت الثرى، فهي لا تعطي للحياة معنى وان كان في الحياة معنى يستحق الخلود .
الكاهن 1: وهل معنى هذا انك لا تريد الاكل منها.
جلجامش : اجل.
الكاهن 2 : اذا فمن سوف يستحق الظفر بها ويأكلها ويعش الدهر كله مخلداً, فليس من المعقول ان تجلب عشبة الخلود من غير أن يأكل منها أحد .
جلجامش : قال لي الحكيم ( اوتنابيشتيم ) الناجي من الطوفان العظيم, ان هذه النبتة لديها الارادة في تحديد من يأكلها وإلا فهي تأكل كل مَن اراد اكلها .
الكاهن 2 : اهو لغز ؟
الكاهن 1: ليس لغزاً, ان اوتنابيشتيم رجل نحس وحقود فكل من كان يريد البحث عن نبتة الخلود يعترضه بالأكاذيب, بعد ان اكل منها وخلد احتكر امر الخلود والبسه ملبس الاعجاز .
الكاهن 2: وان يكن فمن الذي سوف يأكل عشبة الخلود؟
جلجامش : فيما بعد… اخبركم .. في البدء اجمعوا لي اهل اورك ودعوا لي كل اخيارهم وكل فاجرهم وكل مومس وكل من تعففت وكل من سار فوق الثرى او طار فوق الاثير لأخبرهم بسرها ومن سوف يأكلها منها.
(يخرجــــــــــــان )

المشهـــد الرابـــع

الهاجس : ما هذا يا جلجامش؟
جلجامش : مثل ما رأيت وسمعت الذي لم تتوقعه مني قد حدث.
الهاجس : تحرم نفسك من الخلود فقط لان انكيدو لن يكون معك, لو كان انكيدو مكانك لأكل النبتة ورقص على جثمانك وهو يغني .. ها انا مخلد …ها انا مخلد .. مثل أي رب انجبته السماء.. لا يمسني سقم او بلاء .. انكح ما طاب لي من النساء .. دون تعب او تكاسل.. واقضي الدهر كله في شباب …لا اشيب …لا اشيخ .. مثل أي رب انجبته السماء.
جلجامش : يا ايه الشيء الذي توسوس في داخلي وتشغل افاق المخيلة بأجمل واروع الصور, ان انكيدو لوكان مكاني, ما كنت تجرؤ ان توحي لي بهذا الفحش ونكران الجميل بعدم الوفاء, ان انكيدو لو كان مكاني وكنت انا الميت بين يديه فقبل ان تنادي وتغور في اسراري احبس الانفاس انكيدو ورافقني الى العالم السفلي .
الهاجس : لا تضيع على نفسك سر الخلود بتفاهة نواميس الانس .
جلجامش : تلك افعال تخلد, تكمن بداخلها معنى الحياة, فما نفع حياة يسخر بها المرء فقط للملذات دون عمل او مواقفا تقف بعدها الاجيال برهة لتصفق مبهورة تنتشي.
الهاجس : أي افعال تخلد سوف يذكرك الناس قليلا وتكون منسياً.
جلجامش: لا ينسى من تدون الاجيال افعاله بل يخلد ويعبش بين القلوب والافعال النيلة .
الهاجس : سوف ينسى .
جلجامش : اصمت .
الهاجس : لن تخلد .

جلجامش : (يصرخ) اصمت واخرج من راسي فما انت غير بقايا من جلجامش الذي كان لا يعرف معنى للحياة غير فض بكارة العذارى وكسر قلوبهن وما ان جاء انكيدو حتى وهبني معنى الحياة .
(يخرج الهاجس )

المشهد الخامس

( المكان نفس في يجتمع اهل اوروك ويتوسط فيما بينهم الكاهن 1 والكاهن 2)
جلجامش : يا اهل اوروك من يريد منكم الخلود والحياة الأبدية يجب ان يعلم سر نبتة الخلود, هي تكفي لشخص واحد لا تهب الحياة للموتى ومن يأكل منها لن يعش بيننا ولن يكون له خليل ولا حبيب يعش منعزلاً مثل الالهة لكن دون قوة او مقدرة دون ان يعبد او حتى يذكره احد في خشوع وتضرع، خلود دون معنى دون مجد يذكر او اثر يتبع .
الكاهن 1: اذا هي عشبة تهب الحياة ولكن بنفس الوقت لا تهب معنى الحياة .
الكاهن 2 : وليكن فغريزة البقاء اقوى من هذا وان لم يعجبك دعني اكلها.
الكاهن 1 : ومن قال اني لا اريد ان اكلها. فانا أولى بها من غيري, لأني اقدم كاهن في مدينة اوروك.
الكاهن 2 : ألاّ يكفيك ما عشته في هذه الدنيا, فانا اولى منك بها, ان السقم ينهش بجسدي ومازلت في ريعان الشباب ولم احقق في هذه الدنيا شيء.
الكاهن 1 : لا بل أنا
الكاهن 2 : لا انا
(يحتدم الصراخ فيما بينهما انا… . لا انا… انا اولى يتشاجران , تعلو كذلك اصوات من عامة الناس المجتمعين انا… انا .. انا ، يصل الامر الى الشجار, ينزعج جلجامش )
جلجامش : (يصرخ بهم) كفى .. كفى أيها الاغبياء اخرجوا من هذا المكان واتفقوا وإلا سوف احرق تلك العشبة

(يخرج الجميع إلا خادم جلجامش )
( صوت شجار خلف الكواليس يحتدم الصراع وقرع السيوف الخادم يذهب خلف الكواليس ويرجع مهرولاً )
الخادم : انهم يتقاتلون
جلجامش : اذا سوف يفوز اشجعهم
(يذهب الخادم مرة أخرى خلف الكواليس ويرجع مسرعاً )
الخادم : لقد تقاتل الجميع فيما بينهم جند الكهنة وعامة الناس الكل يحمل السيوف والحجارة، الدم ملأ السواقي ان استمر القتال سوف يفنى اهل اوروك جميعا.
جلجامش : ليكن فكل الأحياء أموات اليوم أو غداً ,وما الأجل إلا يوم من العمر لا تعلم في البدء أو في المنتصف أو في اخره .
الخادم : وما فائدة الخلود الذي عليه يتقاتلون ان مات الجميع.
جلجامش : لا فائدة من الخلود ولا مبتغى يرجى من هذه العشبة التي خصصت الى الارباب دون سائر الناس، ان الخلود هو خلود الافعال النبيلة والصفات الحسنة، الملوك ان بحثوا عن ديمومة الحياة فوق رقاب الرعايا ماتوا وهم لم يملكوا من الملك، الخلود يكون لا لأجل عشبة تأكلها لتكن ممسوخا وحيداً منسياً في كهوف الجبال تروعك وحدتك ويؤنسك صدى صوتك، ان الخلود يكمن في اعمار الارض التي غداً او بعد جيل ينبت ما زرعت فيهم، ان الخلود الصادق قد فاز به اخي وصديقي انكيدو العظيم الذي أيقظ حب الخير وجعلني عطوفاً رقيق القلب، سوف ارحل واعتكف ادون مشاعر الخلود التي تكمن في صدري لأخي انكيدو لعلها تنبت الوفاء بين الناس, بدل ان يتقاتلوا.
( يخرج جلجامش، تخرج من زاوية المعبد افعى تأكل عشبة الخلود.. الخادم يصرخ النبتة.. النبتة سوف تأكلها الافعى, يصرخ خلف جلجامش افعل شيئاً يا جلجامش.. جلجامش لا يصغي لنداء الخادم .. يحاول الخادم منع الافعى دون فائدة .. يخرج الخادم ليخبر الجميع…. ويرجع وهو مندهش )
الخادم : لقد مات الجميع ماتوا من اجل نبتة الخلود التي اكلتها الافعى, لقد صدقت ياجلجامش ان الخلود خلود الافعال, ان الخلود خلود الافعال .
(( النهاية .. تمت المسرحية بعون الله ))

 

* ملاحظــة: لمن يرغب بإخراج المسرحية التواصل مع الؤلف على
الايميل haiderkhlaf86@gmail.com
وتساب : 07712689453
تأليف: حيدر خلف محمد

Related Articles

Back to top button