كثيرة هي التجارب الإبداعية التي تناولت العلاقة الجدلية أو قل تيماتيكية بين المسرح والجنون لكون المشترك هو الاستحضار والمحاورة والخطاب والجدل الذي تخلقه هذه الثنائية، إذ يخاطب المسرح عبر روحه الداخلية والخارجية الواقع من عدة مواقع قد يخاطبه ندا لند أو من تحته أو من فوقه، كما أن للواقع تحايل هو الآخر إّذ يخاطب المسرح من عدة مداخل، هذه الجدلية التحاورية التي تخلق الفرجة وقد مارسها عدة كتاب في شتى الأزمنة.
في لقاء تحاوري وإبداعي مسرحي خلقه في البدء أفق الانتظار مع مسرحية: “بارانويا”،تأليف وإخراج: صلاح الدين مجود، سينوغرافيا: أسامة السروت، مساعد المخرج: حمزة بنحيدا، إضاءة: حمزة باهي، الصوت: زينب الطويل، التواصل: أيوب طرنباطي، تشخيص: أسامة زهار، صلاح الدين مجود، رشيد إد سعيد، زهرة بروان، هند قوبي، قدم هذا الإبداع في مسارح الدار البيضاء، حيث إلتأمت التجربة الإبداعية تحت لواء جمعية سيدي مومن النسوية للتنمية، التلقي الذي عشته مع المسرحية كان مدخله أفق الانتظار وكان الاستحضار وكانت الفرجة المسرحية الحدث مع الإبداع الجديد لفرقة إبداع مسرحية “بارانويا”
في البدء عدت لمراجع علم النفس التي تقول عن “البارانويا”أنهاجنون الارتياب لكونها اضطراب نفسي عصبي يشعر به المريض ويظن أنه معرض للاضطهاد والتهديد ويشعربالخطر والملاحقة من الآخرين،وتكون لديه شكوك غير عقلانية، ومعروف عنه أنه لايثق بالآخرين، وهو بذلك متأهب للأسوء ويشعر بالقلق والخوف والريبة والاكتئاب، لأن المصاب بالبارانويا يعاني من انفصام الشخصية، ولديه أفكاراً تجلب له سلوكيات مرتبطة بجنون العظمة.
في حضرة المسرحية كنا مع تيمات ناقشت عبقرية الجنون، من خلال مجموعة من الكتاب ينتشون بلذة الخواء، إذ تحول جنونهم إلى وسلة للامتاع والمؤانسة، جعلتنا أمام إبداع مسرحي يندرج في خانة التهجم الصارخ والكشف الفاضح، يخاكبنا من ناحية النفس وخلفية العقلانية التي تختبئ ورائها حقيقة جنونها الذي تختفي وراء أوهام والضنون، من تم طرحت المسرحية بفنية كبيرة فوضى معرفية وسياقية تعج برؤى مختلفة لتأويلات مختلفة، وبذلك وجدت شخوص المسرحية نفسها خارج حسابات التاريخ، فحضر التطهير بمعناه النفسي والروحي والوجودي، مع كتابة دنكشوتية تتوهم زعامة وهمية فكان الاسقاط على الواقع لحياة فوق الواقع، وعبر الاسترجاع الزمني والفكري المقهور تمت محاكمة الضمير الجمعي، لاكتشاف ولادة عالم جميل له مريدوه الذين ينقلوه لنا عبر حسهم الإنساني الصادق فوق الحلم والواقع وفي مقام الجنون، من تم اكتشفنا فرجة تتداخل شخصياتها من شخصيات وحالات عرفها تاريخ الحمق والتفلسف، حيث تداخلت الرؤية الفنية للمسرح داخل المسرح أو قل المسرح فوق المسرح.