في ظل الأوضاع الراهنة التي يعيشها الانسان عامة و المسرحي خاصة في ربوع العالم، وما يخالجه من أحاسيس وهاجس متضاربة لترقب مستقبل مجهول تهيمن عليه تكهنات تتراوح ما بين الطموح و الاستيسلام. ويبقى للفنان والمثقف نظرة مختلفة عن باقي مكونات المجتمع الذي يشيد على مثلث متساوي الاضلاع: العلم، الأدب و الفن. فهنا نتساءل هل هذا المجتمع، في شخص مسؤوليه، استطاع أن يوفر للعالم و الفنان سبل العيش الكريم؟ و هل صان كرامة مرآته التي تعكس ذواته؟؟ للاجابة عن هذه الاسئلة و اخرى، كان لموقع مجلة الفرجة لقاء مع الدراماتورجي والكاتب و المخرج المسرحي المغربي (الزيتوني بوسرحان)
*******************
الفرجة : نبدأ من اليوم العالمي للمسرح .. كيف عاشته الحركة المسرحية بالمغرب ؟
بوسرحان: في البداية أشكر موقع الفرجة على مبادرة اجراء هذا الحوار حول وضعية المسرح المغربي. أما فيما يتعلق بالسؤال، فالمؤكد أن المسرحيين مثل عموم الشعب المغربي، وشعوب الأرض يعيشون في قلق جراء التهديد الذي يتعرض له الوجود الإنساني جراء بسبب تفشي فيروس كرورنا. إن الفن في هذه اللحظة هو فن الإحساس بالإنسان والعمل من أجله ومساعدته ليستعيد سيطرته على الوجود.
ـ لا يمنع هذا من الإشارة أن شريحة واسعة من المسرحيين عاشته أيضا بألم خاص، فهي تتعرض إلى هجوم مزدوج، هجوم فيروس كرورنا مثلهم مثل الجميع من جهة، ومن جهة أخرى جراء الخلل الذي يعيشه تدبير ملف المسرح بوزارة الثقافة والشباب والرياضة ، من خلال تأخر غير مبرر لصرف ارزاق ومستحقات العاملين بهذا القطاع … ذلك أن 12فرقة مسرحية لم تتلق لحدود تاريخه أي مستحقات على مدى سنة كاملة، وللعلم فإن هذه الفرق تشغل في المتوسط أكثر من 140 بين ممثلين وتقنيين، كما أن فرقا لم تتلق شطر مستحقاتها الأخير، وهو ما يحرم أيضا أكثر من 420 بين ممثلين وفنيين وتقنيينمن مستحقاتهم المالية. وهو ما وضع غالبية المسرحيين المحترفين في عنق الزجاجة خلال هذه المواجهة والتي عصفت، لضرورة فوق ارادتهم ، باية إمكانات لمصادر دخل استثنائية، ما دام المنع شمل، للضرورة، الحفلات والسهرات والعروض الفنية.
ـ والغريب ، رغم المناشدات والتغريدات والاستغاتات التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي فان السيد الوزير، لم يظهر ولو إشارة بسيطة لطمأنة المسرحيين المتضررين، وخاصة الذين لا مصادر دخل لهم سوى عروض المسرح (على قلتها)، ونظرا لكون أن وزارة الثقافة، لظروف تاريخية، ظلت هي المستهلك الوحيد لهذا العروض، يعيشون في ضائقة مستمرة ومستحكمة (على مدى 20 عاما). وهي بدل أن تحل مع تطور الانتاجات المسرحية وانجازات المسرح المغربي فغنها ازدادت استفحالا، خاصة خلال الفترة السنوات الأخيرة.
الفرجة : هل تقصد أن الوزير مسؤول عما يعيشه المسرح المغربي الان ؟
بوسرحان: سأكون متجنيا على الوزير الحالي لو قصدت ذلك، لكنه للأسف صار جزءا من مشاكل المسرح المزمنة، ولم يكن جزءا من الحل، بل لقد بنى وتبنى مواقف غير سليمة في قراءة الوضع المسرحي الوطني، بل ربما استسلم لاتجاهات داخل الوزارة ظلت تتربص بالمسرح والمسرحيين المغاربة، واعطوه فكرة خاطئة عن إشكالات المسرح ومشاكله.
الفرجة : هل من حل لهذه الوضعية؟
بوسرحان: الجميع الان منخرط في دينامية مكافحة انتشار هذا الوباء، ويأمل أن تنفرج الأمور لما فيه مصلحة بلادنا… لكني متشائم من المستقبل الذي سيدخله المسرح ،مع تأخر الإعلان عن الدعم وانعدام خطة بديلة لحد الساعة، فالوزارة لم تعلن عن مرسوم الدعم الجديد بل وأن الإعلان عنه غير المتوقع في العاجل سيؤثر في الموسم المسرحي، فأكثر الفرق المسرحية التي عادة ما تستفيد من دعم الوزارة الثقافة لإنتاج وعرض مسرحياتها، لن تجد إمكانات ذلك،وبالتالي ستتقلص فرص العمل أمام المسرحيين ممثلين وتقنين وفنيين، وأتوقع أن يؤثر واقع كهذا، مع ضغط الانكماش الاقتصادي الذي سيعرفه موضوعيا العالم ما بعد كرورنا، على حركية العرض، ما لم تكن هناك مبادرات ذاتية، ومقترحات تحرر الفرق من كماشة التحكم في الأرزاق الذي يشكله الدعم المسرحي، بشكله الراهن وفروضات التحميلات غير المعلنة وكناش التحملات المعلن.
الفرجة : أتعتقد أن الوزارة ستتخلى على دعم المسرح ؟
بوسرحان: أنا أومن بالدولة المغربية، والدولة المغربية قد شرعت داخل الدستور مبادئ دعم الثقافة والفن المغربيين، لكني دائما أومن بأن المسرح كالعديد من الانتاجات إن لم تدخل ضمن منطق السوق لن تتطور ولن تسهم في تنمية فائض الدخل الوطني، فإلى جانب دعم الدولة لا بد من العمل لتشجيع الاستثمار في الفن … من جهة أخرى لا مناص من التمييز بين فئاته، وتصويب بنياته المكونة لشرائحه. ولا بد من التأكيد على أولوية دعم الفئات المحترفة فعلا له وإيجاد حلول لأوضاعها الاجتماعية.
الفرجة : هل تعني تحديدا أن المسرح سيعرف تراجعا في انتاج العرض المسرحي؟
بوسرحان: أكيد، إذا لم تتخذ الوزارة إجراءات استثنائية لدعم يتجاوز الإشكالات الدائمة التي تحكمت فيه. لأن الفرق المسرح لن تجد، بحكم العادات المستحكمة في الإنتاج المسرحي، ما يشجعها على الإنتاج وبالتالي التعاقد مع الفنانين. لهذا اشرت أعلاه الى الانكماش الذي سيعرفه القطاع، وسيضر بالفرق والشغيلة… وقد ينعكس الوضع على مهرجان المسرح العربي المفترض انعقاده بالمغرب في 10 يناير 2021.
الفرجة : على ذكر مهرجان المسرح العربي ، هل تظن أنه سينعقد فعلا بعد الظروف التي نعيشها ؟
بوسرحان: آمل ذلك، لكن هذا الأمر سابق لأوانه. ما يهمني أنا كمسرحي مغربي أن العلاقة بين المسرحيين والوزارة هي في أسوأ حالاتها، والمسرح المغربي المدعوم سيكون في مأزق انتاجي حقيقي، وربما كل هذا سيضر بالصورة التي نتمناها للمهرجان في بلادنا.
الفرجة : كلمة أخيرة ؟
بوسرحان: أتمنى السلامة لبلدي ولبلادنا العربية وللانسانية أن تنجلي الأزمة الحالية وأن نستفيد مما نعيشه في طرح الأسئلة الحقيقة بحثا عن أجوبة حقيقة … شكرا لموقع الفرجة.
الدراماتورجي والكاتب و المخرج المسرحي المغربي (الزيتوني بوسرحان)