
- على هامش مشاركته في اجتماع لخبراء المسرح المدرسي بالشارقة
وزارة التعليم في المغرب لا تملك إستراتيجية واضحة للتعاطي مع الفنون.
انعقد خلال الأسبوع الماضي بالشارقة بالإمارات العربية المتحدة، اجتماع للجنة الخبراء التابعة للهيئة العربية للمسرح لدراسة وتقييم المخطط العشاري المتعلق ب”استراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي في العالم العربي” التي أقرتها الهيئة للفترة الممتدة ما بين 2015 و 2025، وشارك في اجتماع لجنة الخبراء عدد من الباحثين والمتخصصين في المسرح المدرسي من مختلف الدول العربية. ومن المغرب شارك الباحث والناقد المسرحي الدكتور محمد لعزيز الذي أفاد بيان اليوم بمجريات هذا الاجتماع في الحوار الذي أجرته معه بعد عودته.
والدكتور لعزيز محمد كاتب وباحث وناقد مسرحي، خريج كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس زمن المرحومين محمد الكغاط وحسن المنيعي، تقلب في أسلاك وزارة التربية الوطنية المغربية مدرسا ومؤطرا وإداريا، وهو عضو في لجان التأليف للكتاب المدرسي. له العديد من الكتابات موزعة بين منابر مغربية، وعربية، كما أن له مشاركات كثيرة في لجان التحكيم داخل المغرب وخارجه، وهو عضو اتحاد كتاب المغرب من أهم إصداراته: “في قراءة النص المسرحي”، “لاوافد مسرحية”، “المنجز المسرحي : قراءة في تجارب مسرحية مغربية”، “دراسات في المسرح المغربي الأمازيغي”، “دينامية التواصل في مسرح الطفل والمسرح المدرسي”، “حدود التأويل: قراءة في إبداعات مسرحية”، “المسرح المدرسي قضايا وتصورات..” تمت تسميته أخيرا عضوا في لجنة مراجعة وتحيين استراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي إلى جانب ثلة من الخبراء العرب وهي المناسبة التي درات حولها الدردشة التالية :
شاركت مؤخرا في اجتماع لخبراء الهيئة العربية للمسرح بالشارقة لتقييم الايتراتيجية العشرية للمسرح المدرسي في العالم العربي، ما هي خلاصات ومخرجات هذا الاجتماع ؟
** أولا شكرا لجريدة بيان اليوم على مواكبتها لشؤون الفنون عامة والمسرح خاصة، وعلى سعيها الدؤوب لافادة قرائها واطلاعهم على مستجدات الفن.
لابد من الإشارة في البداية إلى أن السياق الذي وردت فيه تسميتي عضوا في لجنة مراجعة وتحيين استراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي إلى جانب ثلة من الخبراء العرب فيما بين 12 و17 يونيو 2025 بالشارقة نور المسرح العربي وضياؤه، وجد في النفس هوى المشاركة وشرف الانتماء، والرغبة الجامحة للمساهمة في تنمية وتطوير مشروع ظلت أصداؤه تتصادى في الذات والوجدان إيمانا بقيمة المسرح وقوته في تغيير مجتمعاتنا، وإنساننا العربي، ونبع هذا الإنسان الذي هو المتعلم/ طفل المدرسة العرببة. أصداء زكتها فرصة حضورنا حفل استقبال خصه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الاعلى لاتحاد الامارات العربية المتحد حاكم الشارقة والرئيس الاعلى للهيئة العربية للمسرح في يناير 2014 – إن لم تخني الذاكرة، لحوالي مائتي رجل مسرح من أنحاء اوطن العربي، والذي أعلن خلاله على ” ضرورة إطلاق مشروع تنمية المسرح المدرسي بالوطن العربي” مشددا على قيمة هذا الفصيل المسرحي في تنمية المسرح العربي، وترقيته حضاريا. لتنطلق اشغال لجنة تأسيسية صاغت الجزء الأول من الاستراتيجية، أقول الجزء الأول لأن اللجنة حددت لنفسها 20 سنة لاختبار ما رسمته من معالم لتحقيق نهضة مسرحية مدرسية، ارتأت أن تعيد النظر في العشرية الأولى، وتتوقف لتضبط عقارب الزمن على ما ينبغي تصويبه، أو إضافته، أو حذفه عقب ما تم إنجازه، خلال العشرية الأولى الممتدة من 2015 الى غاية 2025 تحت شعار ” المسرح المدرسي أساس التنمية المسرحية” .
وعليه كان انضمامي للجنة مراجعة وتحيين الاستراتيجية يصعب علي مدكم بمخرجات ما اشتغلنا عليه بدقة وبتفاصيل لأن العمل على صياغة الإضافات والتنقيحات للاستراتيجية لا يزال مستمرا لحد الساعة، وحتى لا أستبق الأحداث، يمكنني الجزم أن اللجنة التي أشرف على اشغالها السيد اسماعيل عبد الله رئيس مجلس الأمناء والأمين العام للهيئة، وأدار أعمالها الأستاذ الدكتور يوسف عيدابي، بمعية الأستاذ والفنان غنام غنام، إلى جانب الخبراء المنتمين لدول عربية مختلفة طيلة الأيام المذكورة تطارحت جملة من الأفكار الجديدة، وكثيرا من الآراء النيرة بجهد فكري وفني وتربوي على قدر كبير من الأهمية، كثرت فيه الاقتراحات المجودة للفعل المسرحي في رحاب المدرسة العربية، دون إغفال استحضار ومناقشة الخلفيات الفكرية والمعرفية التي تسند كل مقترح يهم المستويات التعليمية المستهدفة. ولا أخفيك أن هذه الاجتهادات تختصر زمنا عربيا تأخر طويلا في إدخال المسرح للمدرسة العربية، سيطلع عليها المهتمون فور إنهاء الاشتغال عليها وفور إعلان الهيئة العربية للمسرح عن ما توصلت إليه لجنة الخبراء، وصادقت عليه لجنة عليا.
وماذا عن المسرح المدرسي ببلادنا؟
** سؤال مؤرق حقيقة …لقد أسس المسرح المدرسي لنفسه مكانة متقدمة في العديد من البلدان العربية استجابة للتربويين والفنانين والمثقفين الذين أدركوا قيمة المسرح كفن وكتربية وكمؤسسة متكاملة، ومع أن المدرسة المغربية التفتت مؤخرا إلى هذا الفن العميق والقوي حين أدرجته كمادة دراسية في المدرسة الابتدائية فقط، إلا أن ذلك الادراج لا يزال في حاجة إلى التفاتة أقوى بسبب إدراجه في مادة التربية الفنية التي تشمل كل من التربية التشكيلية والتربية الموسيقية والمسرح، وهو ما كان سببا في ضيق الحصص الزمنية للممارسة المسرحية، الأمر الذي استحال معه استفادة المتعلم المغربي من حصة المسرح كاملة ومفيدة، فضلا عن اقتصاره على المدرسة الابتدائية اذ لا يزال التطلع قائما لادراج المسرح في المؤسسات الاعدادية والثانويات التأهيلية إسوة بالمؤسسات التعليمة في البلدان المتحضرة، بل وفي البلدان في مستوانا الحضاري.
لا نزال في حاجة ماسة بالمغرب إلى مؤسسة تعليمية قادرة على صياغة سياسة ثقافية وفنية واضحة المعالم، من أجل صوغ إستراتيجية كي ينطلق ركب المسرح بالمدرسة بمختلف المستويات التعليمية، وهو الأمر الذي لا تعوزنا فيه لا الإمكانات ولا القدرات، ولا الأطر الكفأة. ولعل اقتصار المسرح ببلادنا على المدرسة الابتدائية يعكس تدبدب اعتراف الوزارة الوصية بقيمة المسرح، ودمجه في البرنامج التعليمي الوطني، فهي تقدم رجلا وتؤخر أخرى لأنها لا تملك إستراتيجية واضحة للفنون، بل إن بعض القائمين على الشأن التعليمي لا تزال الفنون جميعها من وجهة نظرهم زائدة ومضيعة لوقت التلميذ، ولم تنظر إليه على أساس أنه وسيلة تعليمية، صحيح أن ذلك انعكاس لنظرة المجتمع وثقافته والتي لا تزال قاصرة إلى الطفل والطفولة متجاهلة قدرات الفنون على بناء الجوانب النفسية والاجتماعية والقيمية والجمالية والحركية عند إنسان المستقبل.
إن فوائد المسرح التي يصدح بها القاصي والداني، في إفادة المدرسة والمتعلمين من أجل التخلص من مظاهر الكسل والتهاون، والهدر المدرسي الذي تعانيه مدرستنا، ونبذ العنف وكل أشكال السلوك المشين، وتجاوز الصعوبات التعليمية والمشكلات النفسية والاجتماعية واللغوية، وغير ذلك كثير وحدهم القائمون على الشأن التعليمي يصمون آذانهم، ويتجاهلون قيمة المسرح فيما يمكن أن يسديه للمدرسة بوابة المغرب نحو المكانة التي يستحقها بين بلدان العالم.
عن: جريدة بيان اليوم/ عدد: يوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 ـ 10279