- كيف ترى مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي في اليوبيل الفضي له هذا العام ؟
مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر بتاريخه العريق الذي نحتفل في هذه الدورة بيوبيله الفضي حافظ هذا المهرجان على أهدافه الاستراتيجية التي انطلق منها ، وطور من مداخله الابداعية لينتج لنا مخارج معرفية فنية في التبادل الثقافي المسرحي العالمي .
لقد تابعت مستويات التخطيط الجادة لتفاصيل حلقات هذا الاحتفال المسرحي ، وتبين لي ان الاضافات جاءت رصينة لتحقق اهدافها المرسومة لعروض ومشاركات متنوعه وتجريبية من كافة قارات العالم تم اختيارها بعناية من لجنة متخصصة عالية المستوى والخبرة ، ندوات فكرية اخذت من انثربولوجيا التواصل الجسدي خصوصيات لمباحثها وطروحاتها شارك فيها مجموعة من الباحثين العرب والاجانب خضعت هي الاخرى للانتقاء من قبل اللجان ، ندوة عن مدن تحت وابل الرصاص والمدافع ، مهددة بالموت او الخراب .كيف يبحث مسرحيها عن وجود اخر اصله مقاومة الموت وبعث الحياة من جديد ، ندوة عن مفاهيم التجريب ومداخلات جمالية تؤطر هذه المفاهيم بخطاب مسرحي مشترك عن فهمنا للتجريب في المسرح .
فقرة في غاية الاهمية للتوثيق عبارة عن مجموعة من النشاطات تمثل ذاكرة المهرجان عبر سنواته الخمس والعشرون .
المهرجان تجربة غنية ورصينة بمعطياتها .. علينا نحن المسرحيين العرب ان نجعل منها ناقوس يدق لبدأ درسنا المسرحي الجديد ، لنشكل ثقافة مسرحية واعية منفتحة على الاخر ، تحافظ على سر وجودها الحضاري والانساني والتاريخي .
- ما هي مفاهيم التجريب، وما الجدوى منه ؟
التجريب حيرة كونية ، بحث فلسفي عن المجهول ، سياحة معرفية في عالم سرمدي ، انفلات من اسر المنطقي والمعقول ، ابحار في جماليات السحر والطقس والاحتفال ، مساحات التجريب منفتحة على الاكتشاف لا تعرف جغرافية تقليدية ، تشكل تضاريسها بفعل الخيال والحدس ، التجريب بحث في عالم المثال المطلق ، عن الجليل الفني ، عن المدهش والمثير ، وهو صدمه تحيل وعينا الساكن الى حيوات متحركة ديناميكية ، هو خلق جديد تكسير وتفكيك لاكسسوارات الحياة اليومية واعادة بنائها بلغة الفن والابداع .
التجريب صناعة تتجاوز اليات البخار التي تسير القطارات القديمة وهو تحدي لزمن سرعة الضوء ، انه كيميائية الاحتواء ، خيماء تحول المادة الرخيصة الى ذهب . التجريب عبر تاريخ المسرح منذ نشأته الى اليوم بشكل استمرارية في البحث عن التنوع والاختلاف فهو الفكر الغائب الحاضر ، ففي غيابة تمرد على المؤسسة المسرحية التقليدية السائدة ، وفي حضوره ركون الى فلسفة التجديد والمخالفة والبحث عن جماليات اخرى .
- وماذا عن دور المترجمات والمطبوعات التي توزع بالتوازي مع فعاليات المهرجان .
مطبوعات التجريبي بدوراته الخمسة والعشرون اثرت المكتبة المسرحية العربية ، وفتحت افاق ثقافية لزيادة المعلومات على مستوياتها النظرية والتطبيقية من خلال تنوع المطبوعات وتشكلاتها في طرح التجارب العالمية ، ولهذا فان الدرس الاكاديمي على الخصوص اخذ من هذه المترجمات والمطبوعات مصادر ومراجع اساسية فعلها الباحثين وادخلوها في مسار المثاقفة عن المسرح الذي لا نعرفه .
ان استمرار العطاء الثرى في الترجمة والتأليف يلعب دورا كبيرا وفاعلية مميزة لا غناء الثقافة المسرحية العربية ، ويساعد على خلق جدل واعي لدى المسرحيين العرب بان التوثيق والتنظير هي عوامل تثبت حقيقة الوجود والتواصل المسرحي ، اذ يبرز دور المترجمات والمطبوعات ومساهمات رجال المسرح في انتاجها واخراجها الى الساحة الثقافية المسرحية بالتوازي مع فعاليات المهرجان ما هي الا تجليات كبرى في ترصين وتأصيل مسرحنا العربي وتواصله مع الاخر .
- هل من الممكن أن تشاركنا تجربتك بالمهرجان التجريبي في السنوات الماضية
التجريبي من وجهة نظري ( حياة ، ومتابعه ، وتفاعل ، وديمومة ، ومعرفة ) بدأت منذ ان اعلن المعنين بالثقافة في مصر التاريخ عن ضرورة اقامة هذا المهرجان ليؤسس فعل التداول الابداعي مع مهرجانات عربية اخرى مثل ( قرطاج ، دمشق ، بغداد ) .
وللتجريبي في ذاكرتي صور ومحطات ، قلق يزيد الامل ويفرش لطريق المعرفة في المسرح دروب للانفتاح . منذ دورته الاولى كنت متابعا اقرأ واسمع من الاصدقاء عن اصداء هذا الاحتفال المسرحي البهي وروعة تنظيمه ، حتى عام 2009 صرت مشاركا حاضرا في مصر الثقافة ، تجربة تتنوع عناوين مشاهداتها المسرحية ومشاركاتها الفكرية ، وتبادل خبراتها عن لغة المسرح الكونية .
انها تجربة ترسم في ذهني قانون التحدي لكتابة خطاب مسرحي جديد في رؤياه ، عمق بخبرته يتعامل مع المسرح ليس بوصفه ممارسة تقليدية جاهزة ، بل هو انفتاح على العالم بكل مكوناته وحثياته ، لذا جاءت مشاركاتي البحثية عن استنطاق تجربة برتولد بريخت في طريق التنظير المسرحي ومقارباتها عن التجريب ، وبحث اخر جمالي يؤسس للتجريب المسرحي مدخلا فلسفيا استاطيقا ، اما البحث الثالث من المشاركات فقد تم الوقوف عند زمن الحرب والمدافع والطلقات ، حروب العراق الذي مازال ينزف دما ، البحث سطر بعض التجارب العراقية المسرحية بمواجهة الحرب لكي يعبر عن موقف الفنان المسرحي العراقي برفضه للموت بتجاه تجديد الحياة .
لقد خلصنا معا الى تجربة مهمه باتجاه الدرس الاكاديمي اذ تم اختيار موضوعة بحث لشهادة الماجستير في كلية الفنون الجميلة جامعة البصرة موسومه بالعنوان ( الاجساد الثقافية وبنية اداء الممثل في المسرح المعاصر .. دارسة اثنوغرافية ..) للطالب علي محمد عبيد وعززنا هذا المنجز البحثي بتعاون مشترك عراقي مصري بمشاركة الاستاذ الدكتور حسن محمود عطية من أكاديمية الفنون المعهد العالي للفنون المسرحية والاستاذ الدكتور عبدالكريم عبود عودة من كلية الفنون جامعة البصرة . انها محاولة ظهرت من صدى المهرجان وعروضه التي تتمظهر في نتاجها الابداعي وتنتمي الى ثقافات عديدة ، اذ سلط البحث مشكلته على مفهوم الاجساد الثقافية من خلال دراسة اثنوغرافية للجسد المتحرر من سلطة الاداء التقليدي الكاشف عن عوالم البيئة الاجتماعية وخصوصيتها في الانتماء التاريخي والحضاري . مجتمع البحث وعينته كانتا عروض مهرجان المسرح المعاصر والتجريبي بدورته الثالثة والعشرون عام 2016 .
تجربتي ستبقى مستمرة مع عطاء التجريبي .. فهي ولادة لا تنتهي ، وقصة ابداع تكمن سرديتها بالاكتشاف والتجريب الذي لا يتوقف ابدا .
** ا.د.عبدالكريم عبود عودة