عندما كتب هنريك ابسن مسرحيته الخالدة بيت الدمية والتي أصبحت أشهر الأعمال الواقعية بل وجُعلت مرجعا للمسرحية الواقعية بتفاصيلها وإنسانيتها لم يكن يحسب أن نورا هيلمر ستترك دفتي الكتاب وخشبة المسرح لتعيش في قلوب العاشقين لفن المسرح ودارسيه علي مر الزمان لتحيا تلك الشخصية المتفردة دراميا وتتجدد مع كل عرض مسرحي إنسانيا حتي انه قيل ان في أول عروض بيت الدمية صفعة باب نورا هيلمر عند خروجها من منزل هيلمر هزت أوربا بأسرها وأصبحت ايذانا ببدء حركات تحرر المرأة
علي خشبة مسرح الهناجر للفنون بالقاهرة وضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في نسخته الحادية عشر دورة الكاتب محمود دياب قدمت فرقة الالسن مسرحيتها ( العش ) دراماتورج فيصل رزق عن (بيت الدمية ) لهنريك ابسن وفيه تحولت نورا ( الدمية ) الي نورا ( العصفور ) الذي سجن داخل العش حتي استحالة الحياة فأثرت الهروب والانطلاق الي أفق الحرية قام الدراماتورج باختزال اشخاص بيت الدمية الي ثلاث شخصيات وحسب ( الزوجة / نورا – الزوج /هيلمر – العجوز/ رانك ) واحتفظ بالاسماء الرنانة لمسرحية بين الدمية ( نورا / هيلمر ) واحتفظ بالخط الاساسي لتلك الزوجة الشابة التي اقترضت اموالا واستدانت أخري لمساعدة زوجها فثارت ثائرت الزوج واندلع منه غضبا اصابها بالوهن فاستكانت حينا وهادنت حينا ولما لم تحتمل انفجرت رافضة كل دعاوي التدجين . واختلفت العش عن بيت الدمية في ان العش كان الزوج كسولا دائما وساعيا الي فرض السيطرة والقهر وحسب وان الزوجة استدانت والتحقت بالعمل لتلبية متطلبات البيت وزوجها يتهما بالتبذير ويرفض ان تعمل الزوجة تحت أي ظروف في حين ان بيت الدمية كان الزوج مريض فاقترضت نورا وزورت امضاء الاب فلما علم الزوج ان زوجته استدانت شعر بالمهانة وقرر من فوره الانفجار فيها بدعوي رفضه للاقتراض ايا كان الدافع واتفق العرض والنص والاعداد في رفض نورا للتدجين تحت أي وضع او وصف او هدف .
بدء العرض بلوحة تعبيرية بسيطة عن فتاة مقيدة اليدين تنظر الي النور المنادي لها بأشعته المركزة أن تتبعه وتبدو عليها سيماء الضعف والوهن حتي اقترب منها شاب فك قيدها وجعلها تشعر بالأمان للحظات حتي ان اطمأنت لها قيد يداها من الخلف . وبهذا قالت ( الأوفرتير) ما كان من علاقة الفتاة بوالدها ثم علاقة الفتاة بزوجها لتبدأ المسرحية تسرد ما سرد حيث رجل ممد فوق سريره في كسل مفتعل وامرأة تحضر مستلزمات بيتها للاحتفال بعيد الميلاد لنكتشف ان الرجل هيلمر وان المرأة نورا هيلمر وتتابع الاحداث الساكنة بين الرجل والمرأة في هدوء مشتعل عمد فيه المخرج الي تضييق خشبة المسرح بسينوغرافيا أحمد فتحي لكوخ فقير نسبيا تحيط خيوط واهية أشبه بخيوط العنكبوت وتحيطه من السقف شبكة كتلك التي تستخدم لافخاخ الطيور بغية صيدها وفي نهاية العرض وقبيل اعلان نورا التحرر من قبضة الرجل الساعي لوئد أحلامها نزلت تلك الشبكة في مقدمة المسرح لتصنع حاجزا بين المنصة وصالة النظارة لتصبح ايذانا بحبس الافكار الرجعية العتيقة وتحرر نورا والجمهور خاصة بعد انضمام نورا للجمهور واستكملت السينوغرافيا بتشكيل علي اليسار لسرير الرجل الكسول هيلمر وعن اليمين شجرة ذابلة لعيد الميلاد وفي المنتصف منضدة وكرسي هزاز يتنقل تبعا لمقتضي الحال واستمرار في اضفاء حالة سكون مشتعل جاءت خطوط التشكيل الحركي بسيطة وهادئة فاحتفظ الممثلون بقدراتهم الصوتية والنفسية دون انهاك بدني وبدا ان العرض مرسوم من اتجاه نظر نورا هيلمر للحياة كونها رتيبة تقترب من الموت في حركتها الساكنة دائما الا من قفزات الزوج الغير قادر الا علي الصراخ ومع ثبات التشكيل السينوغرافي العام الا من بعض التغييرات الطفيفة في وضع البوفات والكرسي الهزاز بدا المنظر المسرحي اقرب للسجن المظلم ساعدته اضاءة محمود طنطاوي التي نجحت في تأطير المنظر واقتطاع اماكن تخيلية نفسية من المكان المادي العام للمنظر فتدفق الايقاع البصري وابتعد عن الرتابه علي الرغم من المنظر العام الواحد وخطوط الميزانسن البسيطة والهادئة والثابته في احيان كثيرة حتي ان الممثلون جلسوا في ثبات كامل يلقوا حوارهم مدة ليست بالقليلة دون ان يخبو الايقاع اويصيب المتلقي بملل ينهي التواصل ويرجع ذالك بشكل أساسي الي خبرات تمثيلية أراها كبيرة ممثلة تحديدا في ميشيل ميلاد في دور العم العجوز رانك ذالك الممتلك زمام الصنعة المسرحية بشكل لافت فدنا منه الايقاع وتلاعب بمفردات الشخصية ليرسم سخريتها وحزنها وغضبها في سهولة ويسر فأضحك الجمهور وقتا وجعاله يحبس انفاسه وقتا وتعاطف معه حين اعترف بحبه لنورا وقتا كما جاء اسلام علي في دور هيلمر مجسدا للرجل المتسلط الرافض بلا سبب والمتلذذ بفرض سلطة لا يمتلكها علي شخصيات لا تنتمي له فأعلن عن موهبة تمثيلية تستحق مكانة مميزة أما نانسي نبيل فقد جاهدت في نقل احساسات نور المتداخلة والمتشابكة والمعقدى كونها زوجه تحاول ارضاء زوجها وامرأة تسعي للحرية .
العش عن بيت الدمية لهنريك ابسن دراماتورج فيصل رزق اخراج ابراهيم أحمد محاولة لرفض التدجين