الكاتب المسرحي ديريك والكوت: شاعر الجزر الكاريبية وضمير الذاكرة الاستعمارية/ د. فاضل الجاف

حين يُمنح مخرج ما جائزة مرموقة، فإن التكريم لا يقتصر عليه وحده، بل يشمل بلاده، وشعبه، وهويته الثقافية.
هذا ما حدث حين نال ديريك والكوت جائزة نوبل في الأدب عام 1992، إذ شعرت جزر الهند الغربية، وعلى رأسها ترينيداد، بالفخر والاعتزاز.
في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، نشر الكاتب ديفيد مونتي نيغرو كتابًا بعنوان The Point of Departure، ضمّ سلسلة من الحوارات مع عشرة كُتّاب وشعراء بارزين، بهدف مناقشة قضايا الثقافة والتنوير وأسئلة الإبداع المعاصر.
وقد وضع مونتي نيغرو معيارين لاختيار ضيوفه: ألا يكون الكاتب تابعًا للدولة أو ناطقًا باسم حزب أو جهة سياسية، وألا يكون قد حوّل الأدب إلى سلعة في سوق الربح والاستهلاك.
أغلب المشاركين في هذا الكتاب كنّ نساء، وكان من بين الرجال اثنان فقط، هما ديريك والكوت، والشاعر الروسي الكبير جوزيف برودسكي، وكلاهما حاصل على جائزة نوبل.
تمحورت الأسئلة حول الرؤية الجمالية للكتابة، وعلاقتها بالقيم الأخلاقية والتاريخية، وما تثيره من تأملات حول الواقع والمجتمع.
فيما يلي ترجمة منتقاة لبعض فقرات الحوار الذي جمع بين ديفيد مونتي نيغرو وديريك والكوت:
مونتي نيغرو: في شعرك ومسرحك، تمنح ثقافة الهند الغربية موقعًا محوريًا. والآن، بعد حصولك على جائزة نوبل، أصبحت هذه الأصوات تُسمع عالميًا بصورة أوضح. أليس هناك خطر أن تفقد خصوصيتك الكاريبية بعد هذا الاعتراف الدولي؟
والكوت: لا، لا أستطيع أن أنفصل عن شعبي في جزر الهند الغربية. هم يشعرون بالفخر بي، وأنا أشعر بالفخر بهم. نحن نحتفي ببعضنا بعضًا. هذه الجائزة مهمة جدًا، لأنها منحت جزر الهند الغربية تمثيلًا مُشرّفًا؛ ليس بوصفها جنة سياحية أو مكانًا استوائيًا خلابًا، بل باعتبارها فضاءً حيًا للإبداع.
الأدب الكاريبي بات أكثر حضورًا، وهو يقول للعالم إن لدينا تاريخًا وثقافة وكتّابًا جديرين بالانتباه.
مونتي نيغرو: في كثير من قصائدك، ثمة غضب دفين، أو توتر داخلي يضفي على النص حالة من القلق والتأزم. كيف تصف هذا الغضب؟
والكوت: أعتقد أن الغضب جزء ضروري من أي كتابة صادقة، خاصة إذا أراد المرء أن يصف مجتمعه بعمق. غضبي موجه أساسًا إلى السياسيين في جزر الهند الغربية – سواء كانوا من السود أو من أصول آسيوية – فكلا الطرفين مارسا خطابًا عنصريًا، وسعيا إلى تقسيم المنطقة على أسس إثنية بغيضة.
أتمنى أن يُدرك الناس أن مثل هذه السياسات، التي تُبنى على مصالح حزبية أو فردية ضيقة، لا تخدم أحدًا.
حين عدت مؤخرًا إلى ترينيداد، كان الحديث لا يزال يدور حول الانقسام بين الآسيويين والأفارقة.
مونتي نيغرو: في أعمالك الأولى نلمس نضجًا لافتًا، ولكننا نلاحظ أيضًا تغيرات في الأسلوب والرؤية. كيف ترى هذا التحول؟
والكوت: أعتقد أن صوتي ظل على حاله. لكن في بداياتي كنت أحاول أن أستقر، أن أجد لنفسي موقعًا وسط هذا العالم. لم يكن لدي عمق تأملي كبير، ربما بسبب محاولاتي في عمر الثامنة عشرة للابتعاد عن النضج المفرط، أو عن الفهم المسبق للأمور.
بعض الشعراء الكبار، مثل ييتس وإليوت، كانوا يربطون الحكمة ببنية أسلوبهم. أما أنا، فقد كنت دائمًا أهرب من هذا التصنيف. حين كانوا يقولون لي: “ستكون شاعرًا كبيرًا”، كنت أشعر بثقل هذه التسمية أكثر من فرحتها. لطالما اعتبرتها مسؤولية لا مجدًا.
مونتي نيغرو: مع ذلك، ثمة كلمات في شعرك تنطوي على معانٍ مغايرة لما نعرفه في الشعر الإنجليزي التقليدي. خذ مثلًا كلمة “سكر” – فهي لا تشير فقط إلى الطعم أو المذاق، بل تحيل إلى العذاب والعمل القسري والتضحيات التي قدمها البشر من أجل زراعة قصب السكر. كأنك تعيد إلى الكلمة جوهرها المفقود.
والكوت: تمامًا، والكلمة الأخرى التي أراها بهذه الطريقة هي “قمح”. بالنسبة لي، هذه كلمة شعرية لا زراعية. حين يُزرع القمح، يكون له وظيفة اقتصادية أو غذائية. لكن في الشعر، يصبح رمزًا؛ كلمة متأملة، لا فاعلة.
أما “السكر”، فلا أحمل له المعنى الجمالي ذاته، رغم ما قد يوحي به من نعومة أو بياض. مزارع السكر في الكاريبي قد تكون ساحرة المظهر، لكنها مغسولة بالدم والعرق.
ونفس الشيء ينطبق على القمح في مناطق الشمال، أو الزيتون في اليونان، أو جوز الهند في سياق استوائي. في كل حالة، تختلف دلالة الكلمة بحسب السياق الثقافي، فتكون مرة حاملة لجماليات رمزية، وأخرى مشحونة بخلفيات مؤلمة.