الصورة الشعرية عند شكسبير/ محمد محسن السيد

مقدمة عامة:
تشكل الصورة بؤرة لمفاهيم متداخله تتقاطع فيها فتون متعددة، وبناءا على هذا يمكننا ان نتحدث عن الصورة في الرسم، السينما، الاداب، ومنها الصورة الشعرية، وعلى الرغم من العناصر الكثيرة التي تشترك بها هذه المفاهيم فاننا نستطيع ان نميز الصورة من كل فن منها انطلاقا من الاداة الاساسية التي تتشكل منها الصورة بواسطتها. ))(1) وعليه فالصورة الشعرية اداتها اللغة.
اذن فالصورة الشعرية في ابسط معانيها: (رسم قوامه الكلمات وهذه الكلمات تحمل المخزون السيوسولوجي لمبدعها ومجتمعه، وتعكس طبيعته النفسية، وتعطي كشفا فومنولوجيا لظواهر الوجود وتقدم دلالة انزياحية عما هو مالوف وجوديا ولغويا ، وتقيم علاقات لغوية بين المتشابهات او المتباعدات او المتناقضات او يساعد الخيال على ابتكارها .
ان الصورة الشعرية رغبة كامنة عند الشاعر في اعادة التوازن الى (أناه) من خلال خلق عالم خاص به من صنعه هو ، لا يخضع لقوانين العالم الواقعي ، تتمثل فيه رؤيته الفكرية والكونية للعالم كما يجب ان يكون لا كما هو كائن ، وهو من خلال الصورة يحاول ان يقاوم الفناء بخلق صور فنية يقول فيها ، هكذا كان شاعر من الشعراء يرى العالم)(2)
الصورة الشعرية لديه :
لعل السبب الاول في خلود مسرحيات شكسبير هو اسلوبه الشعري الشاعري، الذي مكنه من ان يعبر عن التجربة الانسانية تعبير لا يقوى عليه الا الشعر ، ولا اعني بالشعر هنا مجرد النظم الذي يلزم الوزن والقافية ، فذلك شي قليل الاهمية . وانما تلك اللغة الحساسة التي تنقل الينا ما يعجز عنه النثر ، وهي لغة قوامها كلمات معينة هي المعادل لتجربة الكاتب، وايقاع خاص هو المعادل العاطفي لهذه التجربة ، واخيرا صور شعرية ترمز الى هذه التجربة وتؤكد مافيها من معان . وعليه فللصورة الشعرية في مسرح شكسبير دور خطير ، بحيث لو اننا حذفناها لما استحقت هذه المسرحيات الخلود . لان حذفها معناه تقويض ركن هام من اركانها . ويمكننا القول ايضا بان الصور في اي مسرحية من مسرحيات شكسبير الناضجة – خاصة التراجيديات – تكون فيما بينها نصا داخل النص، مكتوبا بلغة وحدة التعبير فيها صورة وليست كلمة ، ولولا ذلك النص – داخل – النصي والذي هو في نفس الوقت جزءا لا يتجزء من بناء المسرحية العام . لكانت مسرحيات شكسبير تدور حول احداث فردية لا تهمنا الا في القليل . والمؤكد ان شكسبير لم يطور وحدة الصورة الشعرية لديه الا بعد سنوات من الكتابة المسرحية، ومن ثم لتصبح الصورة عنده وسيلة لرسم الشخصية وفي التعبير عما يجيش بداخلها من انفعالات . اي وسيلة في تصويرها داخليا ، الى جانب تصويرها خارجيا ، وليس فقط في وصفها وصفا خارجيا) (3).
الصورة ورسم الشخصية:
كما هو معروف ان الصورة الشعرية هي الاداة الحساسة التي تستطيع ان تعبر عن المعاناة الداخلية للاضرار ، لذا فان شكسبير يعتمد عليها اعتمادا كليا حين يصل الى مرحلة تراجيديات التي يقدم فيها ابطالا مزقهم الصراع الداخلي وهنا تصبح للصورة الشعرية وظيفة عضوية هامة في البناء المسرحي ، حيث تترجم ترجمة صادقة ما يدور في اعماق البطل التراجيدي ، وتكشف نواياه ، وافكاره ، وتشير الى الاحداث المقبلة او تتنبأ فيها . واكثرنا يعرف ما يدور في اعماق ماكبث وهاملت وعطيل ولير من هذه الصور .. ولنأخذ مثلا على ذلك “ماكبث” بعد اقترافه الجريمة وهو ينظر الى يده الملطخة بالدماء قائلا:
ماكبث: ان البحار الكثيرة لن تستطيع ان تزيل آثار الدماء. من عليها بل ان مياهها سوف تصطبغ كلها بلون الدم الاحمر )(4).
كذلك تشير الصورة الشعرية الى مدى ما يشعر به الابطال ، والى عمق التجربة ، والى قوة الانفعال او ضآلته والى ابعاد الشخصية ايضا ، فهذا هو (ريتشارد الثاني) يقول:
” كل ما في البحر الهائج من مياه
لن يغسل الزيت عن جبين الملك الممسوح
وانفاس اهل الدنيا تعجز عن خلع
الممثل الذي اصطفاه الرب” (5).
وفي مسرحية هاملت نسمعه يقول:
“طوبى للذين
امتزجت فيهم نار الدم برجاحة العقل فما عادوا كالناي تحت اصابع ربة الدهر تعزف بهم ما تشاء . اعطني امرءاً .
ليس عبدا لشهوته . اضعه
في حبة قلبي ، في القلب من قلبي! “(6).
الصورة والتعبير الدرامي:
وافضل مايتمثل هذا في مسرحية (الملك لير) التي تؤشر تطور ملحوظا في وحدة التعبير في هذه المسرحية .
ففي الفصل الاول منها نرى (لير) انسانا اسكره السلطان واعماه عن الحقيقة ، حقيقة نفسه وحقيقة الاخرين وحقيقة العالم الذي يعيش فيه ، فحين يريد صديقه(كنت) ان يبين له سوء فعلته يقول (لير) مشيرا الى نفسه ومهددا (كنت) :
: لا تأت بين التنين وغضبه” (7).
وحين يحاول هذا الصديق مرة اخرى ان يثنيه عن عزمه على نفي (كورديليا) يصيح(لير) مرة اخرى بجملة تحتوي على صورة ترمز الى بطشه ، وطيشه وقسوته وعدم تعقله:
لقد انثنى القوس وانطلق السهم ، فابتعد عن طريقه).
ومن كل ماتقدم نرى ان الصورة الشعرية في (الملك لير) درامية خالصة ، وخاصة حين تصبح وسيلة التعبير عن لير بعد ان يفقد عقله ، وهذا موضوع يستحق منا وقفة خاصة بموضوع مستقل .
مصادر البحث:
1- اليات القراءة الاسلوبية للخطاب الشعري عند شوقي بغدادي: طارق مقبل منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة دمشق 2112 ، ص159 .
2- تحولات الشعرية العربية: الانقطاع والمجاورة في الشعر العربي الحديث: د . حذام بدر ، دار فضاءات للنشر والتوزيع – عمان طبعة الاولى 2012 ، ص27).
3– مجلة مسرح المصرية العدد
4- مسرحية (ماكبث) تأليف: شكسبير ، ترجمة: جبرا ابراهيم جبرا ، تحقيق وتقديم: كينيث ميوار ( سلسلة من المسرح العالمي:124).
5- شكسبير معاصرنا : يان كوت ترجمة جيرا ابراهيم جيرا.
6– ما الذي يحدث في هاملت : جون دوفرولسون ، ترجمة: جيرا ابراهيم جيرا ، ص204).
7و 8- مسرحية(الملك لير) تأليف: شكسبير ، ترجمة: جيرا ابراهيم جيرا .
* محمد محسن السيد/ مدير المركز العراقي للمونودراما