نصوصنصوص مسرحية
نص مسرحي : ” بدلة الرئيس” / تأليف جبار القريشي
(صَمّتْ الحق أقوى من كل ألسنة الباطل.).
الممثون:
1/ شخص الرئيس.
2/ صفوان، المرافق الشخصي للرئيس.
3/ الكاتب.
4/ الطبيب.
5/ الخياط.
6/ رئيس جهاز المخابرات.
7/ رئيس الوزراء وعدد من الوزراء.
8/ فريق عمل رئاسي.
9/ عدد من حراس الشرف.
بيئة العرض:
(واجهة قصر فخم بنوافذ شرقية اسلامية، صالة فارهة، باحة وممر، مكتب رئاسي، مجموعة هواتف أرضية واير ليس، شاشة كبيرة، ولوازم أخرى يحتاجها مكتب الرئيس.).
يبدأ العرض:
(مجموعة من حرس الشرف بملابس حراسة خاصة، يؤدون حركات رشيقة بالسلاح مصحوبة ببوق ترحيبي خاص، سلام رئاسي منسق لتحية الرئيس.).
(يدخل الرئيس لمقره الرئاسي، يتبعه مرافقه الشخصي).
(نشاهد في قاعة الاجتماعات عددا من الأشخاص بملابس عسكرية بدون غطاء رأس، يجلسون حول طاولة مستطيلة طويلة يتزعمهم شخص أصلع بدين، لحظات ويدخل الرئيس، يتبعه مرافقه الشخصي، الجميع من في القاعة ينهضون ويقفون في حالة استعداد وأياديهم مرفوعة الى الأعلى لتحية الرئيس، الرئيس يجلس على كرسيه الدوار في المقدمة، وأمامه أكليل ورد كبير، ثم يأذن لهم بالجلوس.
أحد عمال الضيافة في القصر بملابسه الرسمية الخاصة يضع أمام كل واحد منهم قنينة ماء وأخرى عصير، مع علبة كلينيس ودفتر وقلم، الصمت يطبق على المكان، والكل ينتظر الاوامر ليدونها في دفتره، الرئيس يهمس بإذن مرافقه الشخصي الذي يقف الى جواره للخلف قليلا، ويصغي له جيدا، وبذات الوقت يرمق الجالسين بنظرات حادة غامضة وهو يدون بدفتر صغير ما همس له به الرئيس، والذي يبدو منشَداً الى شاشة التلفاز وهي تعرض عواجلها مقرونة بمارشات عسكرية، وأناشيد وطنية حماسية، يخرج المرافق على عجل.).
(أحد الوزراء يهمس في إذن صاحبه)
أحدهم: يبدو أن الأمر بات وشيكاً، وإن الحدث الذي يجري التخطيط والإعداد له لابد أن يكون كبيراً بحجم قلق الرئيس.
الآخر: (همسا) يبدو كذلك.
(الرئيس وقد وضع ساقاً على ساق، وأشعل غليونه، ونفث دخانه متحسراً)
الرئيس: أخبروني، هل كل شيء في وزاراتكم يدعو للاطمئنان؟
(بصوت واحد، كما يفعل طلبة الروضة.)
الجميع: نعم سيدي، كل شيء على أحسن ما يرام.
(بكرسيه الدوار ينحرف بجسده منشغلا عنهم بمتابعة ما يبث التلفاز من عواجل وبيانات، بينما الوزراء يترقبون ما يَصدِر عنه من أوامر، كل يمسك بقلمه فاتحا دفتره، وكلما ضرب الرئيس بكفه على الطاولة متفاعلا مع عواجل التلفاز، فزع الجميع واشرأبت أعناقهم)
(التفت اليهم بوجه مقطب غامض.).
الرئيس: لا شيء عندي ما أقوله لكم الآن سوى أنني أدعوكم لتضاعفوا الجهود، وتكونوا بمستوى المسؤولية.
(رد كبيرهم، رئيس الوزراء، الأصلع البدين، بلسانه البارز اللتغ، والذي ينطق الراء واوا).
رئيس الوزراء: أموك سيدي الوئيس.
(الرئيس وهو منحرفا بكرسيه ينظر الى الاخرين نظرة استهجان وتوبيخ من فوق أكتافه)
الرئيس: وأنتم؟ مالكم صامتون؟ أخرسٌ أصابكم!؟.
(بصوت واحد مرتفع، كفرقة إنشاد).
الجميع: أمرك سيدي الرئيس. نحن جميعا رهن إشارتك.
الرئيس: حسنا، حسنا.
(ثم يؤشر لهم بظاهر يده لكي ينصرفوا، ينهضون ويغادروا القاعة بالتعاقب خلف كبيرهم كقطيع خنازير تجري مذعورة، رؤوسهم ونظراتهم مصوبة نحو الأرض، يسلكوا ممراً يؤدي بهم خارج القصر، لا يلتفتون يمينا ولا شمالا، حسب تعليمات القصر).
(في مكان أشبه ما يكون بحوض حافلة من الداخل نجدهم محشورين وقد عاد الدم في عروقهم، وكأنهم تنفسوا الاوكسجين لتوهم، يضحكون ويتمازحون فيما بينهم)
رئيس الوزراء: ألا توون (ترون) أن الدولاو(الدولار) في تصاعد مظطود(مضطرد).
أحد الوزراء: نعم دولة الرئيس، احتلال دولة الحظر حتما سيشعل الأسعار.
وزير آخر: أسعار النفط، وسعر صرف الدولار يتوقفان على القرارات التي سيصدرها فخامة الرئيس.
رئيس الوزراء: بالتأكيد، فالعالم بأسوه (بأسره) يتابع باهتمام بالغ ما سيصد و(سيصدر) عن الوئيس من قواوات (قرارات) قد تؤثو(تؤثر) على مجمل الاقتصاد العالمي.
أحد الوزراء: دولتك، أعتقد أن الساعات المقبلة ستكون عصيبة وحاسمة، لأن تعابير وجه الرئيس توحي الى عزمه القيام بفعل كبير يوازي ضخامة الحدث، أو ربما يتجاوزه.
وزير آخر: شرود أفكاره تحمل ألغازاً يصعب قراءتها، برأيكم، ماذا سيتخذ الرئيس من قرارات؟.
رئيس الوزراء: (ناهراً) أوجوك معالي الوزيو، غيو مسموح لك ولا لأي أحد التكهن بما يفكو به فخامة الوئيس، ولا ما سيصدو عنه من قواوات(قرارات).
أحد الوزراء: بالتأكيد دولتك، لكننا نبني استنتاجاتنا على ضوء ردود أفعال الرئيس، وتعابير وجهه.
وزير آخر: كان يبدو عليه إثناء لقاءه بنا، غاضبا، وفي رأسه أمورا كثيرة.
رئيس الوزراء: وهذا أيضا غيو (غير) مسموح به، استنتاجاتكم وتكهناتكم كلها توهات (ترهات) لا قيمة لها، ولا مبوو (مبرر) على الاطلاق (بنبرة حازمة) نصيحتي أن تنشغلوا بوزاواتكم فحسب، فمكة لها وب(رب) يحميها، مفهوم؟.
الجميع: مفهوم دولة الرئيس.
(كبيرهم رئيس الوزراء يستشيط غضبا): عجيب! حتى عباوة دولة الوئيس هذه أوجوكم( أرجوكم) لا أويد (لا أريد) أن أسمعها بعد اليوم، أخشى أن يقولها أحدكم أمام سيادته، وتتفجو بواكين(وتتفجر براكين) غضبه، ونحن في غنى عن ذلك، نادوني فقط وئيس وزواء.. وكفى، لا أويد(لا أريد) مشاكل، مفهوم؟.
(الجميع.. يهز رأسه، ثم يتفرقون، كل يذهب باتجاه)
(الرئيس ما زال منشدّا الى شاشة التلفاز، يتابع باهتمام ما يذاع من بلاغات وعواجل، يدخل المرافق الشخصي ومعه شخص طويل نحيف، يحمل بيده شريط قياس، أبقاه المرافق في الباب ودخل على الرئيس الذي بادره بالسؤال)
الرئيس: أأحضرته؟
(المرافق، وعلى وجهه بريق ابتسامة).
المرافق: نعم سيدي، وها هو في الباب، إن سمح سيادتكم لإدخاله؟.
(الرئيس، يهز رأسه موافقا، المرافق يجري نحو الباب، ويلقي على الرجل بعض التعليمات على عجالة، ثم يشده من ذراعه، ليدخله ويوقفه أمام الرئيس، الرجل يبدو عليه ملامح رهبة وارتباك، يتأمله الرئيس مليا، والرجل يتمايل ويهتز كسعفة،
الرئيس موجها كلامه الى مرافقه، ومصوبا نظراته نحو الرجل الذي أوشك على السقوط من الخوف).
الرئيس: هذا!؟.
المرافق: نعم سيدي، هو من حدثتك عنه، وهو ماهر جدا في عمله، والكل يشهد له بالكفاءة والاتقان.
الرئيس: وأموره الأخرى، هل دققتموها؟.
المرافق: كلها تمام سيدي.
الرئيس: حسنا، ليباشر إذاّ.
المرافق: أمرك سيدي.
(يؤشر له كي يباشر، الرجل لا يلتفت لإشارة المرافق، يقف سارحا بفم فاغر، كأنه في غيبوبة، يلكزه المرافق، ينتبه ثم يتلافى الموقف سريعا، يحاول بيدين مرتعشتين إخراج شيء من جيب سرواله الخلفي، المرافق يمسك يده بقوة، يتجمد الرجل، يسلمه دفتر صغير وقلم، الرجل يأخذ الدفتر مرتبكا، ويعلق القلم في إذنه، ثم يتحرك صوب الرئيس تحت النظرات الحذرة للمرافق الشخصي، ويبدأ يذرع أكتاف الرئيس الذي انتصب أمامه واقفا، ومنشداً يتابع العواجل التي يبثها التلفاز).
(بنبرة آمرة):
الرئيس: إسمع يا هذا، أريدها جاهزة غدا أو بعد غد.
الرجل: اليوم إن شاء سيادتكم.
الرئيس: لا.. لا..لا أريدك أن تتعجل، لكي لا ترتكب خطأً قد يكلفنا كثيرا، رغم أن الأحداث تتسارع، وكل شيء بات واضحا، لكن العجلة قد تسبب لنا مشاكل نحن في غنى عنها، وقد تفشل جميع خططنا، سيما ونحن مقبلون على تحدي كبير، وأيام قد تكون عصيبة، ويجب أن يكون الجميع بمستوى التحدي.
الرجل: مثلما تحب سيدي، وسأكون عند حسن ظن سيادتكم بأذن الله.
الرئيس: (بسباته محذرا) ولكن حذاري، ليكن عملك بسرية تامة، وإن احتجت أي شيء اتصل بمرافقي الشخصي حصراً، مفهوم؟
الرجل: مفهوم سيدي.
الرئيس: إياك أن تُطلع كائنا من كان على مهمتك، ولا تبوح بالسر حتى لأقرب الناس اليك، وإلا فلا تلومنَّ إلا نفسك.
(الرجل.. وهو يرتجف).
الرجل: أمرك سيدي.
(الرئيس يؤشر برأسه للمرافق ليخرجه، فيسحبه من كتفه ويرمي به خارج الصالة، وابتسامة مصطنعة تلوح على وجه المرافق).
(الرئيس لوحده في القاعة، يذرعها ذهابا وإيابا، وشاشة التلفاز تبث عواجلها، والقلق واضح على هيأته)
(لحظات ويدخل مجموعة من الأشخاص يسوقهم المرافق، كل يحمل بيده اضبارة قماش يقومون بعرضها على أنظار الرئيس بالتعاقب، والرئيس يتصفحها بإمعان، ثم ينقر بإصبعه على إحداهن، ويتحدث مع المرافق بشأنها، والمرافق يهز رأسه مؤيدا، ثم يؤشر للأشخاص كي ينصرفوا).
(يرن أحد الهواتف الأرضية، يجري المرافق نحوه ليحمله الى الرئيس، يرن الآخر، ثم الثالث، والرابع، والمرافق يقدم للرئيس الحاكيات والرئيس يرد تباعا.
وكأنَّ أمراً جللا قد حدث، حيث يخرج المرافق مسرعا، وإمارات قلق وتحسّب تظهر على وجه الرئيس. ).
(إيقاع وموسيقى صاخبة يصدرها مؤثر صوت، يجلس الرئيس متهالكا على كرسيه، ويبدو عليه التعب والقلق والارهاق.
(يتوقد مصباح أحمر على باب صالة الرئيس، وحركة غير اعتيادية تحدث في القصر، الكل يجري الى اتجاهات مختلفة حاملا شيء ما، ومع تصاعد الموسيقى وأصوات قرع الطبول والإيقاعات يتزايد قلق الرئيس الذي ما زال على حاله)
(تطفئ الأضواء، يغرق المسرح بالظلام، حزمة ضوء تظهر لنا الرئيس منهمكا وهو يرسم بقلم ماجك على سبورة بيضاء بعض الخطوط والرسومات، كأنه يحدد فيها المهام التي تقع على عواتق العسكريين الذين يجلسون بإصغاء مبالغ فيه قبالته ببزاتهم العسكرية، ورتبهم، أحدهم يرفع يده مستفهما عن شيء ما، والرئيس يوضح، ينهض الأشخاص العسكريون بهمة وحزم، لينصرفوا مسرعين).
(يعاود الظلام مطبقا على المكان، بقعة ضوء تظهر لنا الرئيس واقفا والقلق بائن على هيأته، ممسكا بريموت، يدوِّر شاشة التلفاز بين القنوات وهي تعرض صور حيّة لجماهير محتشدة في ساحة عامة وهم يرفعون لافتات تحمل شعارات حماسية، تتعالى من حناجرهم الهادرة هتافات تناصر دولة الحظر، وتندد بالعدوان ومصدره، وتحث الرئيس على اتخاذ قرار حاسم لردع المعتدى وإيقافه عند حده).
(في الأثناء يخرج وزير الإعلام على الشاشة ويدعو الجماهير الغاضبة الى ضبط النفس، والاطمئنان الى حكمة الرئيس، وسلامة إجراءات الحكومة الرشيدة).
( الرئيس وهو يتابع تصريح الوزير يعلق ضاحكا).
الرئيس: كان خطأً فادحاً أن جعلتك وزيراً للثقافة، كان الأنسب أن أجعلك وزيراً للغباء القومي.
(الرئيس يطلب من مرافقه الشخصي أن يحصل له مدير المخابرات على الهاتف، المرافق يحمل الهاتف الى الرئيس.).
(الرئيس .. غاضبا وبلهجة حادة):
الرئيس: ما الذي يجري؟، أيعقل أنه الى الآن لم يصلني الموقف؟.
مدير المخابرات: في الطريق اليكم سيدي الرئيس، أرسلته قبل قليل بيد المؤتمن.
الرئيس: أي كلام هذا!؟، في ظروف كالتي نمر بها، لا يجوز إرسال الموقف بيد كائن من كان، الموقف يصلني يوميا، وبيدك حصراَ، مفهوم!.
مدير المخابرات: أمرك سيدي.
الرئيس: تعال عندي حالاَ.
مدير المخابرات: أمرك سيدي.
(يعاود الرئيس يتابع قنوات التلفاز، وما يجري وما يذاع من عواجل).
المرافق: سيدي مدير المخابرات في الباب.
الرئيس: ليدخل.
(يدخل مدير المخابرات وبيده ملف، الرئيس يؤشر له ليجلس).
الرئيس: ماذا اتخذتم من اجراءات؟.
مدير المخابرات: سيدي، صَعَّدنا إجراءات الطوارئ في البلاد الى المستوى جيم، وطالبنا الجهات ذات العلاقة بإغلاق الطرق والشوارع المؤدية الى القصر والوزارات المهمة والسفارات الأجنبية. كذلك أعلمتنا وزارة الدفاع انها جادة في تنفيذ كل توجيهات سيادتكم، وان قواتنا المسلحة بكل تشكيلاتها هي الان في حالة تأهب قصوى، وتم إيقاف إجازات الضباط والمراتب، وجرى تهيئة الاسلحة والأعتدة وكل ما تتطلبه المعركة.
الرئيس: طيب، وماذا بعد؟.
مدير المخابرات: ننتظر أوامر وتوجيهات سيادتكم، سيدي الرئيس.
الرئيس: اتخذوا كل تدابير الحيطة والحذر، ولا تسمحوا لأي أعمال شغب يحاول أن يقوم بها بعض المندسين في التظاهرات المنددة بالعدوان على دولة الحظر، ومحاولة استغلال تلك التظاهرات لأغراض أخرى تستهدف تقويض النظام، وأمن المواطنين.
مدير المخابرات: أمر سيادتكم.
(يغادر مدير المخابرات، المسرح مضاء، الرئيس خلف مكتبه يتصفح بعض الصحف المحلية، والمرافق يقف قبالته، يرفع رأسه بهدوء، وينظر إلى المرافق من فوق نظارات القراءة، ثم يقول، وبلهجة فيها وعيد:).
الرئيس: لا أريد أن تتكرر قضية الأزرار كما في المرة السابقة مع ذلك الزنجي القبيح، ويجب أن تشرف بنفسك على ذلك، وألا.. مفهوم؟
المرافق: إن هذا الأمر لن يغيب أبدا عن اهتمامي سيدي الرئيس.
(وذيّل المرافق جوابه بابتسامة ماكرة. ).
(الرئيس بوجه غاضب.)
الرئيس: ما لذي يضحكك؟.
المرافق: معذرة سيدي، تذكرت ذلك الزنجي وما حصل له في قصة الازرار، وكيف خرج كأنه جرذ من جحره الذي اودعته فيه بعد أن لقنته درسا قاسيا سوف لن ينساه.
الرئيس: ظننت أنك تحمل أخبارا سارة.
المرافق: من أين لي بالأخبار سيدي؟، وأنا لم أفارقك لحظة واحدة.
(الرئيس .. منزعجا).
الرئيس: حسنا.. حسنا.. سأمنحك إجازة تتمتع بها قريبا مع عائلتك.
المرافق: لا سيدي، لا أريد إجازة ما لم ينجلي الموقف.
الرئيس: حسنا (لمرافقه.. وهو يتوجه الى قاعة القصر الداخلية ليترأس اجتماعاً طارئاً لحكومته والأجهزة الأمنية) اليوم عصراً لابد أن يكون كل شيء جاهزا، لأن الوقت يداهمنا.
المرافق: أمرك سيدي.
(يمشى الرئيس بخطوات واثقة نحو قاعة الاجتماعات، ينظر الى هندامه في مرآة كبيره، ثم يبخَ على وجهه وملابسه رذاذ عطر من زجاجة على هيئة برج إيفل الشهير، ليجلس خلف منتصف طاولة مستطيلة فاخرة بوجه غاضب، وقد وضعت أمامه باقة ورد كبيرة رتبت بأيادي ماهرة، الآخرون يجلسون أمامه متقابلين عن اليمين وعن الشمال، عامل الضيافة يوزع أمامهم قناني العصير، وعلب الماء.
رئيس الوزراء يشمشم بخياشيمه عطر الرئيس تملقا، ويردد)
رئيس الوزراء: الله!!!، سيدي لقد سبقك عطوك (عطرك) الينا، فقد شممناه قبل أن تشوّف (تُشرِّف) القاعة، ومن أويج(أريج) نسائمه العطوة (العطرة) عوفنا (عرفنا) بمقدمك الكويم.
(تنفرج أسارير الرئيس ويهتز بجسمه متباهياً)
الرئيس: تعلمون أن جميع عطوري خاصة ونادرة، ومن مناشيء أجنبية.
(الجميع يفغرون افواههم تعجبا وتملقا، وبعد أن يمسد الرئيس شاربيه يردف باسما).
الرئيس: أتدرون كم قيمة هذا العطر؟!.
(بعضهم قال مائتان دولار،آخر قال خمسمائة دولار، آخر قال ألف دولار).
الرئيس: عشرة آلاف دولار أمريكي للزجاجة الواحدة.
(الجميع يعقب ببلاهة وملق واضحَين).
الجميع: عشرة آلاف دولار !!؟.
(كل يحملق بوجه صاحبه متعجباً، منتهزين بشاشة الرئيس وانشراحه، يهز الرئيس رأسه ويستطرد مبتسماً بعد إن يسحب منديلاً ورقياً معطراً يجفف به شفتيه).
(الرئيس متفاخرا).
الرئيس: ما بالكم إذاً، سيأتيني غداً عطر بخمس مائة ألف يورو، على متن طائرة خاصة من فرنسا، صنعته الشركة خصيصاً لي، ويحمل إسمي.
(الجميع محملقين تعجبا): يورووو!!!؟.
(الرئيس يهز رأسه ويستطرد:)
الرئيس: وهناك مباحثات معمقة قطعت شوطاً كبيراً بيننا وبين الشركة المصنعة لوضع صورتي وإسمي على زجاجة العطر ليكون ماركة عالمية.
(مدير جهاز المخابرات يهتف بتملق).
مدير المخابرات: مبارك سيدي، ربما سيدخل ذلك في موسوعة (گينس) للأرقام القياسية في مجال أسعار العطور.
وزير الصحة: سيدي هذا بحد ذاته يعتبر إنجازاً وطنياً كبيراً نحن بأمّس الحاجة اليه في مثل هذه الظروف.
(الجميع يؤيدون رأي مدير جهاز المخابرات، فيبادروا بتهنئة رئيسهم بهذا الإنجاز، حيث يتعاقبون على مصافحته ويعودون الى أماكنهم).
(في لحظة انشغال الرئيس متحدثا مع مدير المخابرات، أحدهم استغل ذلك وسأل كبيرهم همسا..).
أحد الوزراء: ما معنى موسوعة گينس؟.
رئيس الوزراء: بصراحة لا أعوفها، لكنها بالتأكيد شيء مهم.
(أحدهم يتوجه بسؤاله همسا للجميع، فيهزوا رؤوسهم وأكتافهم على أنهم لا يعرفون. كبيرهم يطلب منهم التزام الصمت.).
رئيس الوزراء: إششششش.
(يصمتون).
الرئيس: دعكم الان من العطور وأسعارها، واخبروني كيف هي استعداداتكم ؟
رئيس الوزراء ومعه ردد القطيع بصوت واحد:
الجميع: ممتازة سيدي.
(وزير الأعلام الذي كان متهيأ لانتهاز فرصة الكلام ليكون أول المتحدثين بعد رئيسه.).
وزير الاعلام: عفواً.. سيدي.. لقد لمست حماسة منقطعة النظير لدى الجماهير تدعونا للاطمئنان والثقة.
(الرئيس وقد تجاهله وانصرف بنظراته الى مدير المخابرات).
مدير المخابرات: كل شيء جاهز سيدي الرئيس، تماماً مثلما وجه سيادتكم .
(يلتفت الرئيس الى وزير المالية، رجل سمين، يتكئ على حافة الطاولة كجاموسة جاثمة.).
الرئيس: قل لي، هل نستطيع أن نعطي لكل فرد من الشعب ما قيمته خمسة دولارات بمناسبة العيد؟.
وزير المالية: أمر سيادتكم (وبعد تردد وتلعثم) لكن ذلك سيدي الرئيس ربما سيسبب لنا مشاكل اقتصادية نحن في غنى عنها.
الرئيس: لماذا؟
وزير المالية: لأن ذلك سيدي وأنت سيد العارفين، سيسبب لنا زيادة في نسبة التضخم، وسيجبرنا على الاستدانة من البنگ الدولي بشروطه المجحفة، وستفشل جميع خططنا واجراءاتنا التقشفية التي تضمنتها موازنة هذا العام، والتي حرصنا لكي تكون متقنة وناجعة.
(هزّ الرئيس رأسه ولم يعقب على كلام الوزير، ثم أفرغ في جوفه قدح من عصير البرتقال الخالص، وأشار اليهم كي يشربوا عصيرهم، شربوا جميعهم باستثناء كبيرهم الذي كرع قدحأ من الماء وقال مبتسماً).
رئيس الوزراء: عذواً سيدي الوئيس، الفحوصات الأخيوة أظهوت بأني مصاب بالسكوي، وقد أموني الطبيب باتباع حمية خاصة.
الرئيس: (مازحاً) إنها مفارقة حقاً، إذ كيف لطبيب وهو مواطن عادي، يأمر رئيس وزراءه، والأخير يطيع؟ (يضحك بصوت عالي، ويستطرد متسائلا) هل هناك ديمقراطية في العالم أكثر مما نتعامل بها نحن؟.
الجميع: حقا مفارقة سيدي الرئيس.
(يضحك الرئيس ومعه ضحك الجميع، يتوقف عن الضحك فجأة وهو ينظر الى ساعته، ويقول)
الرئيس: هل لديكم ما تطلبونه مني؟.
الجميع: سلامتك سيدي.
الرئيس: (يقوم، ويأمرهم بالانصراف) قائلا: على بركة الله، لدي اجتماع بالغ الأهمية.
(ينهضون وينصرفون بنفس الكيفية التي دخلوا بها).
(يعاود الظلام من جديد فيطغي على المكان، بقعة الضوء تظهر لنا الناطق الرسمي على شاشة التلفاز وهو يذيع بيانا والرئيس في مكتبه يتابع البيان) :.
الناطق الرسمي: يا أبناء شعبنا العظيم، في ظل الظروف المعقدة التي تولدت نتيجة لاحتلال دولة الحظر الشقيقة، عقد هذا اليوم اجتماعا موسعا برآسة فخامة الرئيس، ضم عددا من السادة أعضاء الحكومة، ومدير جهاز المخابرات، لتدارس الأوضاع المحلية والدولية، والاجراءات الواجب اتخاذها لردع العدوان، وقد تمخض الاجتماع عن قرارات مهمة سوف تطرح خلال القمة الطارئة التي ستعقد في مدينة الدخان قريبا، والتي تتبنى مطالب الجماهير المشروعة.
(يعاود الظلام مطبقا وبقعة الضوء تظهر لنا مجموعة من الاشخاص يقفون في الباحة الداخلية لمكتب الرئيس، وأول من يدخل الرجل النحيف الذي يقف مسترخيا هذه المرة، ولا يبدو عليه الارتباك).
الرئيس: (مخاطباً مرافقة الشخصي) ها.. أين وصلت الأمور.؟
(همّ الرجل النحيف أن يجيب بصوت تزامن مع صوت المرافق الشخصي الذي لكزه بقوة أمام أنظار الرئيس فأخرسه.).
المرافق: لم يبقَ سيدي الرئيس سوى اللمسات الأخيرة، وبعد ساعة سيكون كل شيء جاهزا، أما الأمور الأخرى، فقد أحضرت الأعضاء الجدد بعد إكمال كافة الإجراءات لضمهم الى فريق العمل، ونحن بانتظار أمر سيادتكم لنبدأ بالعمل، كي يكون كل شيء جاهزاً عند الصباح.
الرئيس: (وهو يهز رأسه) على بركة الله.
(ثم يدخل صالة الرئاسة، وبإشارة من المرافق الشخصي يتقدم الرجل النحيف، وقبل أن يدخل لطم فمه، وعظ على لسانه اعتذارا للمرافق بسبب تسرعه بالكلام، فهمها المرافق.
وعاد الرجل النحيف يذرع أكتاف الرئيس بشريط قياس قماشي ويسجلها في دفتره الصغير).
الرئيس: (لمرافقه الشخصي) هل أحضرت الكاتب؟.
المرافق: نعم سيدي.
(ثم سحب أحدهم بقوة وأوقفه قبالة الرئيس بعد أن نحى الرجل النحيف.).
المرافق: هو ذا سيدي الشخص الذي كتب الخطاب بمناسبة عيد العمال العالمي العام الفائت.
(تأمله الرئيس ملياً)
الرئيس: حسناً، ليكن خطاباً موجزاً ليس فيه وعود ملزمة، واليكن مثلاً: سنناضل من أجل دحر الظلام، وصنع فجر جديد للحرية. أو شيء من هذا القبيل.
الكاتب: (يرد متلعثما) نعم سيدي.
الرئيس: وإياك أن تتعرض لما يجري لبلاد الحضر من أحداث، حتى ولا من بعيد.
الكاتب: أمرك سيدي.
(فرك الرئيس أنفه ثم أردف قائلاً):
الرئيس: لا نريد أن ندخل في مشاكل نحن في غنى عنها، لابد أن نتصرف بعقلانية، ولا نندفع وراء النزوات الرومانسية التي يطرحها بعض المهووسون من الشباب الفارغ ممن تحركهم جهات خارجية لا تريد الخير لبلادنا.
الكاتب: تمام سيدي، كما يأمر سيادتكم.
الرئيس: اليوم عصراً أريده جاهزا لأطلع عليه.
الكاتب: أمرك سيدي.
(بإشارة من يده يوعز الرئيس لمرافقه بأن يصرف الكاتب والرجل النحيف، يسحبهما المرافق ويلقي بهما خارج الصالة، ويعود سريعا.
الرئيس يتأمل فريق العمل واحدا واحدا، ثم يأذن لهم بإشارة منه ليبدأوا أعمالهم).
(يعاود الظلام فيغرق كل شيء في أتونه للحظات، بقعة ضوء تظهر لنا الرئيس ممددا على سرير، مجردا من ملابسه ماعدا الملابس الداخلية، وقد أحال فريق العمل جسده الى ميدان عمل حيوي استثمروه للتفنن في عرض مهاراتهم، وأقاموا عليه حفلة مساج لامثيل لها، حيث تناوب الجميع عليه، كل يؤدي دوره، الحلاق، والمساج، ومسؤول اللياقة البدنية، واختصاصيو الأسنان والعيون والقلب، واختصاص التجميل، حتى قارئ الكف والطالع.
(الرئيس على هيأته ممددا نادى على مرافقه)
الرئيس: أين أنت يا صفوان؟.
المرافق : نعم سيدي.
الرئيس: بلِّغ وزير المواصلات شخصياّ بإقفال جميع خطوط الاتصال مع العالم الخارجي، أما الداخلية، فحوّل المهم منها الى رئيس الديوان.
المرافق: أمرك سيدي.
الرئيس: بلِّغ رئيس الديوان لصرف مكافأة مجزية لفريق العمل هذا، وانقل خدماتهم فورا على ملاك القصر.
المرافق: أمرك سيدي.
الرئيس: والان دعهم ينصرفوا.
(المرافق يطلب من أحدهم بصدرية بيضاء ليقف قبالة الرئيس).
الرئيس: خير.. ما لأمر؟.
المرافق: سيدي هذا الطبيب المشرف على عمليات التجميل ضمن فريق العمل الجديد، وهو أمهر أطباء الرشاقة والتجميل في البلد، لديه بعض الملاحظات يرغب أن يطرحها أمام سيادتكم بما يخص عمله.
الرئيس: قل ما ورائك.
الطبيب: (مرتبكا) عفوا سيدي، لا ادري ماذا أقول؟.
الرئيس: قل ما عندك يا رجل، ولا تتهيب!؟.
المرافق: ( مبتسما ومترددا) عفوا سيدي، لديه غسول تكرم.(يلتفت الى الطبيب ليكمل)
الرئيس: (ناهرا) ما ذا.. ؟ تكلموا؟، أي غسول؟.
الطبيب: (بتردد) سيدي لدينا غسول خاص سيجعل من بشرتك صافية كالثلج.
(تنفتح أسارير الرئيس).
الرئيس: إي، وما ذا بعد؟.
الطبيب: عذرا سيدي الغسول يتكون من حليب…
الرئيس: (مندهشا) حليب..!!؟.
الطبيب: (متلعثما)حليب سيدي.. حليب… تكرم حليب حمير.
الرئيس: (ممازحا) حمير!؟. أيا حمير!!!.
المرافق: ليس هذا فحسب سيدي.
الرئيس: وماذا بعد!؟.
المرافق: حليب.. وبول.. سيدي
الرئيس: (مستغربا) بول !؟.
المرافق: (بعد تردد) نعم سيدي، تكرم .. بول.. بول بعير.
الرئيس: (مستغربا) ماذا!؟.. وأشربه!؟.
(الطبيب يشعر بالارتباك وينظر للمرافق كي يسعفه).
الطبيب: لا.. عفوا سيدي، غسول، تغتسل فيه.
الرئيس: أغتسل فيه!؟، كيف!؟.
الطبيب: هو هكذا يستخدم سيدي.
(الرئيس ينظر بعيون الدهشة للطبيب والمرافق، وهما ينظران لبعضهما بحيرة، الرئيس يتدارك الموقف ويخفف اللهجة، مبتسما.).
الرئيس: ها.. أغتسل به.. أهون، كنت أظن أنني..
الطبيب: لا سيدي، وهذا الغسول كما تؤكد الدراسات أنه من أفضل منقيات البشرة في العالم، وقد جلبوه بطائرة خاصة من فرنسا.
الرئيس: آآآ… حقاً من فرنسا؟، وكم كلفنا!؟.
المرافق: حسب قول السيد وزير الصحة، خمسة مليون دولار، عفوا يورو سيدي.
الرئيس: يورو.. دولار.. لا فرق!؟، لا بأس، واليكن عشرة أو عشرون، المهم أن يؤدي الغرض المطلوب.
الطبيب: بالتأكيد سيدي، وهو مضمون وفق العقد، وستلمس نتائجه عند الاستعمال بعد ساعة.
الرئيس: حسنا، وإن كان غير ذلك، من يتحمل المسؤولية؟ أنت أم وزير ال.. صحة؟.
(الطبيب.. مرتبكاً).
الطبيب: الوزير سيدي هو من أشرف على الصفقة، وهو من وقع العقد.
الرئيس: ها.. الآن تنصلت، حسنا. لا بأس. سبق وان حدثني عنه وزير الصحة، لكنه لم يذكر لي أنه.. (يضحك)، على كل حال، ما ذا بعد؟.
الطبيب: سلامتك سيدي، لكن يستحسن أن تنام مبكراً، وتصحو مبكراً، لكي تحافظ على حيويتك، وتستجيب بشرتك للمساج.
الرئيس: (ممازحا) يستحسن أم يجب؟.
الطبيب: وهل هناك ابن أنثى على وجه الأرض من يجرأ على اصدار الأوامر لفخامة الرئيس.
(الرئيس يطلق ضحكة عالية، يشاركه الضحك تملقا المرافق والطبيب. ثم يستطرد).
الرئيس: إلا الطبيب، أمره مطاع ويمشي على الجميع بلا استثناء.
(يضحكون).
(يعود الظلام ليلف كامل المسرح، حزمة ضوء ترينا الرئيس يعقد مؤتمرا صحفيا وأمامه عدد من المايكرو فانات لقنوات مختلفة، وهو يرد على أسئلتهم).
أحد الصحفيين: سيادة الرئيس، هل تتوقعون نجاح القمة الطارئة التي ستعقد غدا في مدينة الدخان؟.
الرئيس: أكاد أجزم أن القمة الطارئة هذه المرة هي التي ستضع النقاط على الحروف.
صحفي آخر: فخامة الرئيس، ستة أشهر مرت على اجتياح قوات فيفي دولة الحظر، هل هناك من بصيص أمل في ردع العدوان، وتحرير دولة الحظر الشقيقة من دنس الاحتلال.
الرئيس: كل التدابير قد اتخذت، والعمل يجري على قدم وساق لإعادة الأمور الى نصابها.
صحفي آخر: فخامة الرئيس، ماذا أعددتم للمواجهه؟
الرئيس: الكثير الكثير، والنتائج ستكون حاسمة.
صحفي آخر: لكننا لم نلمس سيادة الرئيس سوى تصريحات نارية لم تأتي بشيء.
الرئيس: أستطيع أن أؤكد لك وللجميع هذه المرة أن هناك ضوء في نهاية النفق؟.(الرئيس.. ينظر الى ساعته)معذرة، لدي اجتماع مهم، وأستقبل فقط سؤال واحد.
صحفي آخر: في تصريح سابق لوزير إعلامكم سيادة الرئيس ذكر أن هناك شركة عالمية مشهورة ستنتج عطرا يحمل صورة واسم فخامتكم، ما مدى صحة الخبر؟
(تنفرج أسارير الرئيس، وينظر حوله متفاخرا، وابتسامة عريضة تتوهج على كامل وجهه.)
الرئيس: لا أخفيكم سراً، واعتبروا هذا سبقاً صحفياً، العطر الذي كان حلما، بات حقيقة، وهو الآن في طريقه الى الأسواق.
نفس الصحفي: ويحمل اسمك وصورتك سيادة الرئيس؟.
(الرئيس.. بتفاخر، وبنوع من الانتشاء.).
الرئيس: بالتأكيد، إسمي وصورتي، وسيصبح ماركة عالمية.
جميع الصحفيين: مبارك سيدي.
الرئيس: (يرد على تهانيهم ببشاشة وانشراح ثم يعقب) نحن أمة حيّة، نمرض لكننا لن نموت.
(الجميع يصفقون، الرئيس يشعر بنشوة تجتاحه، يحيي الجميع).
الرئيس: (ينظر الى ساعته) لدينا متسع من الوقت، هل لديكم أسئلة أخرى بهذا الخصوص؟.
أحد الصحفيين: هل تلمس سيادتكم أن هناك تحمسا من قبل بقية الزعماء بخصوص مسألة دولة الحظر؟.
الرئيس: قلت لكم الأسئلة يجب أن تكون حصرا حول العطر.
( يقوم الرئيس منهيا مؤتمره الصحفي بعد أخذ صورة جماعية معهم، وملامح الارتياح واضحة على محياه وهو يدخل الصالة.).
( يعاود الظلام فيخيم على المكان، حزمة ضوء تظهر لنا الرئيس لوحده بملابس رياضية منتصبا أمام مجموعة مرايا ممسكا بميكرفون، وبيده ورقة، يتمرن على الخطاب، ويجرب نبرات صوته)
الرئيس: أيها.. أيتها الجماهير الغاضبة..
(يتنحنح.. يدوزن صوته برفع طبقته أحيانا او خفضها، ينظر لهيئته وطريقة وقوفه في المرايا، يكرر الخطابة، يضغط وجنتيه محاولا رسم ابتسامة جميلة على وجهه.).
(في صالة الضيوف بينما تتوالى العواجل والبلاغات على الشاشة المضاءة والتي تروّج للقمة الطارئة، وتتحدث عن أهميتها، يظهر الرئيس ببدلته الجديدة ذات الأزرار الذهبية، والى جواره مرافقه الشخصي وهو يتمرن على تفتيش حرس الشرف، يمشي خطوات محدودة، يحصل خطأ يعيد المحاولة لأكثر من مرة حتى يتقنها، يشعر بالارتياح ويؤشر بإصبعه لمرافقه (ok ).
(في زاوية أخرى، حزمة ضوء تظهر لنا حرس الشرف وهم يؤدون حركات رشيقة ببنادقهم، بين تنكب وتجنب، ومسير واستدارة وتوقف.).
(وسط ظلام مطبق وبصيص ضوء نشاهد الرئيس يفتش حرس الشرف الخاص على إيقاع وموسيقى السلام الوطني، والى جواره يسير مرافقه الشخصي، ليتقن تفتيش الحرس ومراسم استقباله المرتقبة.).
( تعاود الظلمة فتلقي بأرديتها على أنحاء المسرح، حزمة ضوء تظهر لنا الرئيس أمام بوابة الطائرة الرئاسية يلوح بيده محيياً مودعيه، ثم يتوارى داخلها.).
(نشاهد في الجانب الآخر وزير الاعلام وسط حشد المودعين من الوزراء ومسؤولي الاجهزة الأمنية وهو ينقل نقلا مباشرا وبصوت حماسي، وعلى شاشة كبيرة لحظات وصول الرئيس الى مدينة الدخان، مكان انعقاد مؤتمر القمة الطارئ).
وزير الأعلام: أيها الشعب العظيم، لنرفع أكفنا جميعا بالدعاء تضرعاً ليحفظ رئيسنا المفدى، أمد الله في عمره، وأن يوفقه في مهمته التاريخية التي ذهب من أجلها.
(تتعالى الاصوات بالدعاء لسلامة الرئيس،)
وزير الاعلام: هاهو رئيسنا بطلعته البهية، وبدلته السوداء الأنيقة ذات الأزرار الذهبية، يدخل قاعة المؤتمر، ويُستقبل بالحفاوة والترحاب، والتصفيق والهتاف المدوي من قبل الملوك والرؤساء والأمراء. انظروا أيها السادة.. ما شاء الله، إنه بحق أكثر الرؤساء أناقة ووسامة، وأكثرهم تألقا. لم ينطفئ بريق ابتسامته منذ أن دخل قاعة المؤتمر والى الآن. وهذا بحد ذاته يعد انتصارا كبيراً للوسامة الوطنية التي ظلت بعيدة عن المنافسات الإقليمية والدولية لعقود.
أيتها الجماهير الوفية، ها هو رئيسكم الانيق يتوجه الان نحو عارضة الازياء الفرنسية “ماريا” التي حضرت القمة الطارئة بدعوة من فخامته، وهناك تسريبات تؤكد أن الرئيس عازم على أن يقترن بها بعد القمة، من أجل أن يقوي أواصر العلاقات التصاهرية مع بلدها فرنسا، والتي ستنعكس حتما بشكل إيجابي على العلاقات الإيجابية بين شعبينا الصديقين. ولكن حذاري أن تصدقوا الإشاعات التي تدعي أن بلدها داعماً رئيسياً للعدوان على بلاد الحظر الشقيقة، إنها محض افتراء يا سادة.
(يعود الظلام فيخيم على كامل المسرح، حزمة ضوء تظهر لنا الرئيس ببدلته ذات الازرار الذهبية وقد رسم على وجهه ابتسامة باهتة مصطنعة وهو ينهى كلمته في القمة، فيحيه الملوك والرؤساء بالتصفيق).
(وزير الاعلام كما في المشهد السابق وهو ينقل نقلا مباشرة وقائع المؤتمر).
وزير الاعلام: هنيئا شعب الحظر الشقيق، فقد ورد إسم دولتكم، دولة الحظر ستون مرة في كلمات الرؤساء والملوك، أربعون منها على لسان رئيسنا، وهذا إن دلَّ على شيء إنما يدل على حرصه الواضح على سيادة دولة الحظر، فألف ألف مبارك لنا ولكم هذا الانجاز الذي يُشعرنا جميعا بالفخر.
(رقصة استعراضية جميلة يؤديها عدد من الراقصين والراقصات ابتهاجا بتألق الرئيس في مؤتمر القمة الطارئ، واختياره الأكثر وسامة بين الملوك والرؤساء في الاستبيان الذي أجرته مجلة “عرب كاش” واسعة الانتشار. ).
(الرئيس في قاعة المراسم الكبرى ببدلته ذات الأزرار الذهبية، وأمامه مجموعة من العطور التي تحمل إسمه وصورته، ليكرم فريق العمل بأوسمة بدرجات مختلفة، الأوسمة يحملها المرافق الشخصي ويسلمها واحداً واحدا الى الرئيس، والعطور يحملها عامل الضيافة، فريق العمل يقفون على شكل نسق، وعدد من الوزراء يقفون في الجهة المقابلة، الرئيس بتفاخر وانتشاء وهو يمسك بيده زجاجة عطر، ويرش منها في الهواء، ثم يرفعها الى الاعلى متفاخرا:).
الرئيس: أخيرا تحقق الحلم، فصار حقيقة.
(يستمر الرئيس برش العطر والجميع يتشممون بخياشيمهم).
الرئيس: ما رأيكم؟.
رئيس الوزراء: الله!!! ، كنت أسمع بعطوو الجنة، وها أنا أستنشق عبيوَها.
وزير آخر: هنيئا لنا ولك سيدي بهذا الإنجاز التاريخي الذي جعلنا جميعا نشعر بالفخر.
وزير آخر: مبروك سيدي، ستبقى الأجيال تتحدث بفخر عن روعة هذا المنجز الكبير، وهو بحق هديتك ليس للشعب فقط، وإنما للبشرية جمعاء.
الرئيس: سأهدي كل واحد منكم قارورة عطر، ويجب أن تقتصدوا بها، ولا تتطيبوا بها الا في المناسبات الوطنية والقومية.
( الرئيس وهو يضع الوسام على صدر الرجل النحيف، ويربت على أكتافه.).
الرئيس: أنت حقا ثروة وطنية لا يجوز التفريط بها، وانضمامك الى فريق العمل الرئاسي يعد بحق مكسب وطني كبير.
الرجل النحيف: أتمنى دائما أن أكون عند حسن ظن فخامتكم سيدي.
(وهو يضع الوسام على صدر الطبيب، ممازحا.)
الرئيس: كل هذا وقد اغتسلت به فقط، ماذا لو…؟.
الطبيب: (يرد بأريحية) ربما ستصغر عشرين سنة سيدي.
(يضحكون، ومعهم يضحك الوزراء.).
(أحد الوزراء يهمس في إذن نظيره الذي يجلس الى جواره).
الوزير: ما الذي يضحكك!؟.
الآخر: وماذا تريدنا أن نصنع أيها المجنون، وقد ضحك الرئيس؟، أنبكي مثلا؟.
(الرئيس يكرم الآخرين بأوسمة بدرجة أقل، يقول لأحدهم)
الرئيس: بعيدا عن الاوسمة وما تحمل من قيمة اعتبارية رمزية، كلكم في نظري بنفس القيمة، فلقد أديتم عملكم بكل أمانة وإخلاص، وأنا راضٍ عنكم، وكل ما تحقق من إنجازات كبيرة في القمة كان بفضلكم.
( يعود الرئيس ليجلس على كرسيه، وأمامه الميكرفون).
الرئيس: لقد أثمرت جهودكم، وأعطت نتائج باهرة أثلجت قلوبنا وقلوب أبناء شعبنا.
فريق العمل: شكرا سيدي، نحن سعداء وفخورون بخدمتكم.
الرئيس: كانت فرصة تاريخية جمعتنا مع عدد من الرؤساء والملوك لتبادل الآراء حول الإجراءات الواجب اتخاذها لتحرير دولة الحظر الشقيقة.
رئيس الوزراء: العالم كله سيدي كان مشدودا لسماع خطابكم التأويخي الذي زلزل الاوض بكلماته الناوية تحت أقدام الغزاة.
الرئيس: كنت حريصا قدر الإمكان على تلخيص معاناة جماهيرنا الغاضبة، وضمان حقها المشروع في أن تحلم بحرية.
رئيس الوزراء: وهذا بحد ذاته سيدي الوئيس يعد انجازا وطنيا وقوميا لصالح قضايانا المصيوية الكبوى ، ومنها قضية دولة الحظو المحتلة.
(الرئيس.. يهز رأسه).
رئيس الوزراء: سيدي ما تحقق في عهد سيادتكم من انجازات وانتصاوات هي بحق مفخوة لنا وللأجيال القادمة من بعدنا.
(الرئيس يمسد شاربيه، وينظر للجميع بتفاخر وانتشاء).
(فجأة وينتفض شخص من فريق العمل وسط دهشة الجميع ليرمي الرئيس بحذاءه، ثم يجري كالمسعور في القاعة وقد مزق أزرار قميصه، الجميع يفزعون هلعاً وقد تعرضوا لصدمة غير متوقعة بما فيهم الرئيس ويتركوا أماكنهم، الرجل يهز القاعة بالصراخ..).
الشخص: عن أي انتصار تتحدثون!؟، والشعب يموت جوعا، كفاكم نفاقا وتدليسا، عن المبالغ التي أهدرها الرئيس من أجل خياطة بدلته؟، أم عن تلك التي أنفقها من أجل صناعة عطر يحمل إسمه وصورته؟.
(يحاولون الامساك به لكنه يتفلت منهم ويستمر بالصراخ).
الرئيس: دعوه، دعوه يكمل.
(الشخص.. وما زالوا ممسكين به).
الشخص: الى متى وأنتم نيام!؟، تتحدثون عن انتصارات مزعومة وقد ضاع كل شيء!؟، الحظر وقد ضاعت، وأهلها ملأوا الشتات،ا؟، بأي شيء نحررها، بخطب الرئيس الرنانة؟، أم ببدلته وعطره ووسامته!؟، الشعب وقد بات يصارع الجوع، والجهل والمرض والأمية.. وأنتم نائمون!. المجتمع انتشرت بين صفوفه الجريمة، والبطالة، والمخدرات، وأنتم نائمون!.. نائمون.!.
(يتهاوى لاطما خديه، يبكي بمرارة.. وهو يردد ..) الى متى نائمون!؟، نائمون!. (يضعون الاصفاد في معصميه، ويُقتاد خارج القاعة وهو يردد عبارة.).. نائمون.. نائمون.
(ستـــــار)