مقالات

قراءة للنص المسرحي: “بدلة الرئيس ودخان القمة”/ إ. ماجد القيسي

“بدلة الرئيس ودخان القمة” لجبار القريشي، هي نص درامي يحمل في طياته نقداً لاذعاً وساخراً للواقع السياسي والاجتماعي، متمحوراً حول شخصية الرئيس ووزرائه وحاشيته. يستخدم الكاتب السخرية والتهكم لتسليط الضوء على الفساد، الانفصال عن الواقع، تضييع الأولويات، والتملق الذي يحيط بالقيادة.
الشخصيات وبيئة العرض
المسرحية تقدم مجموعة من الشخصيات النمطية التي تمثل شرائح مختلفة في السلطة:
 * الرئيس: محور الأحداث، يمثل السلطة المطلقة، الانفصال عن الواقع، الهوس بالمظاهر، والاهتمام بقضايا هامشية على حساب القضايا الجوهرية للوطن.
 * صفوان (المرافق الشخصي): الذراع اليمنى للرئيس، يعكس التملق، الطاعة العمياء، والقدرة على التحكم في سير الأمور الصغيرة.
 * رئيس الوزراء والوزراء: يمثلون القطيع، الخاضعين، المتملقين، الذين يرددون ما يرضي الرئيس دون تفكير أو مبادرة. شخصية رئيس الوزراء بلكنته المضحكة (إبدال الراء واواً) تزيد من سخرية المشهد وتبرز سخافة تملقه.
 * الكاتب، الطبيب، الخياط: شخصيات هامشية تظهر مدى انغماس الرئيس في تفاصيل حياته الشخصية ومظهره على حساب مهامه الرئيسية.
 * مدير المخابرات: يمثل الجهاز الأمني الذي يتحكم في المعلومات، لكنه أيضاً لا يخرج عن دائرة التملق والتبعية.
 * الشخص الثائر (في نهاية المسرحية): هو صوت الشعب المقهور والمنسي، الذي يكسر حاجز الصمت ويكشف الحقائق المرة.
بيئة العرض التي تصف “واجهة قصر فخم بنوافذ شرقية إسلامية، صالة فارهة، باحة وممر، مكتب رئاسي…” تؤكد على البذخ والترف الذي يعيشه الرئيس وحاشيته، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع معاناة الشعب.
الحبكة والأحداث:
تتطور الأحداث في المسرحية بشكل متسلسل ليكشف عن عمق الأزمة التي تمر بها البلاد. تبدأ المسرحية بتصوير الرئيس وهو يجتمع بوزارئه في قاعة الاجتماعات، حيث يتضح أن همه الأكبر هو مظهره الشخصي (البدلة، العطر) وليس قضايا البلاد الملحة. تكرار سؤال الرئيس عن “دولة الحظر” المحتلة لا يبدو نابعاً من هم حقيقي لتحريرها، بل مجرد مظاهر شكلية أو قضايا يمكن استخدامها للتضليل.
تتصاعد السخرية مع التركيز على اهتمام الرئيس بـبدلته الجديدة ذات الأزرار الذهبية، وعطره الذي يكلف عشرات الآلاف من الدولارات، والذي سيحمل اسمه وصورته. هذه التفاصيل لا تخدم سوى إظهار البذخ والانفصال عن الواقع الذي يعيشه الرئيس. القمة الطارئة التي تعقد في “مدينة الدخان” هي مجرد مناسبة أخرى للتفاخر والحديث عن إنجازات وهمية، حيث يصبح اهتمام الرئيس بالوسامة والعطور هو محور الحديث بدلاً من تحرير “دولة الحظر”.
النقد والسخرية:
القريشي يستخدم أساليب ساخرة قوية في المسرحية:
 * التهكم اللفظي: من خلال حوارات الوزراء وتملقهم، وخصوصاً شخصية رئيس الوزراء الذي يبدل حرف الراء واواً، مما يضفي بعداً كوميدياً ساخراً على المشهد ويزيد من إبراز غياب الجدية.
 * المبالغة: في وصف بذخ الرئيس واهتمامه بالتفاصيل التافهة مثل عطر “حليب الحمير وبول البعير” الذي يكلف ملايين الدولارات، وذلك لتعزيز صورة الانفصال عن الواقع.
 * المفارقة الدرامية: عندما يتحدث الرئيس عن الديمقراطية بعد أن استغرب من طاعة رئيس وزرائه للطبيب، أو عندما يمنع الكاتب من ذكر قضية “الحظر” في خطابه، مما يبرز التناقض بين الخطاب المعلن والواقع المزيف.
 * رمزية “دخان القمة”: اسم المدينة الذي تعقد فيها القمة، “مدينة الدخان”، يرمز إلى الغموض، التضليل، وغياب الوضوح في القرارات. الدخان يغطي الحقيقة ويخفي الواقع.
 * صوت الحق: لحظة النهاية هي نقطة التحول الدرامية، حيث يصرخ “الشخص الثائر” (الذي كان أحد فريق العمل) بالحقائق المرة عن الجوع، الجهل، البطالة، والفساد، ليكسر جدار الصمت والنفاق. صراخه “نائمون… نائمون” يمثل صرخة ضمير الشعب المقهور.
الرسالة والمغزى
المسرحية تحمل رسالة واضحة وقوية: أن الأنظمة الشمولية والفاسدة التي تهتم بالمظاهر والترف على حساب مصالح شعوبها، والتي تبني إنجازاتها على الوهم والتضليل، هي أنظمة محكوم عليها بالفشل. كما تسلط الضوء على خطر التملق والتبعية الذي يحول المسؤولين إلى مجرد أدوات فارغة، ويسهم في تفاقم الأزمات. “صمت الحق أقوى من كل ألسنة الباطل” هي المقولة الافتتاحية للمسرحية، والتي تتجلى في النهاية عندما ينطق الشخص الثائر بالحق، وإن كان صراخه يبدو في البداية وكأنه جنون، إلا أنه الحقيقة الوحيدة التي تكسر وهم “بدلة الرئيس ودخان القمة”.
الخلاصة
“بدلة الرئيس ودخان القمة” هي مسرحية جريئة ومباشرة في نقدها، تستخدم السخرية السوداء لتسليط الضوء على قضايا الفساد، الترف، والانفصال عن الواقع في الأنظمة الشمولية. إنها دعوة للتفكير في أولويات القيادة الحقيقية، وإبراز صوت الشعب الذي يجب أن يكون مسموعاً. النهاية المفاجئة والثائرة تترك الجمهور في حالة من التساؤل حول مستقبل هذه الأنظمة ومدى قدرة صوت الحق على إحداث التغيير.
ماجد القيسي.

Related Articles

Back to top button