نصوصنصوص مسرحية

نص مسرحي: “الزقورة”/ جبار القريشي. 

المكان: 

آثار بناء متدرج قديم شاخص في عمق الصحراء، أشبه ما يكون بزقورة سومرية.

الممثلون:

1– عالم آثار. 

2– محارب سومري. 

3-ثلاث اشخاص كهنة. 

4– ثلاث اشخاص قادة جند. 

5– حارسان، أحدهم المحارب السومري. 

6- خادمان لتحريك المراوح. 

 7 – ملك سومري. 

8 – سياف وبواب. 

9 – نافخ بوق. 

10- شاعر البلاط. 

 

(الخطاب المسرحي): 

(عالم آثار ملتحي بقبعة ولوازم أشبه ما تكون بعدة مقاتل، يعلق في حزامه زمزمية ماء، ويضع الى جواره حقيبة نسيجية كبيرة، العالم منهمك بعملية التنقيب، ينبش التراب بفرشاة خاصة، وأحيانا يزيحه بمجرفة صغيرة، تلوح له قطعة فخار، يزيح التراب عنها بفرشاته، يلمح عليها بعض النقوش والصور، يلبس نظارة التكبير ويتفحصها باهتمام واضح من خلال تعابير وجهه، يضعها في كيس، ويعاود التنقيب، فجأة وتصطدم مجرفته بشيء ما، يزيح التراب عنه بحذر شديد، يظهر له أشبه ما يكون بتابوت فخاري، علامات فرح وسعادة تلوح على ملامح وجهه، يبالغ بإزاحة التراب من فوقه، يصور وجه التابوت الخارجي بكامرته، يكرع قليلا من الماء من زمزميته ويزيح عرقا متصببا من وجهه وجبهته، ثم يدون في سجله بعض المعلومات، يحاول فتح التابوت بحذر شديد، يبذل جهدا مضنيا ليزحزح الغطاء قليلاً، ينظر الى ما في داخل التابوت، تظهر علامات دهشة على ملامح وجهه، يتلفت الى كل الاتجاهات كأنه يحاول أن يخبر الجميع بقيمة واهمية ما اكتشفه، يعاود النظر الى التابوت، مظاهر إعياء تبدو عليه، يتهالك جانبا ليستريح قليلاً، يتمدد على الارض مسنداً رأسه الحقيبة ومخفيا وجهه تحت قبعته، مستسلما لإغفاءة بسيطة لبعض الوقت).

(يغرق المكان بالظلام، مؤثرات صوتية لقرع طبول ونفخات أبواق صاخبة تتعالى في المكان، يصاحبها أصوات صليل سيوف وصرخات جند، وهدير نهيم فيلة، بقعة ضوء تظهر عالم الآثار ما زال غارقا في نومه، لحظات ويُفتح باب القبر ببطيء، ينسل منه شخص ضخم بلامة حرب غريبة ولباس قصير، هيئته توحي وكأنه جريح حرب ترك في أرض معركة غادرها المتحاربون منذ دهور، وقد عادت به الروح من جديد، ينفض التراب عنه وهو ينظر الى ما حوله مندهشاً، كأنه استفاق بعد انجلاء تراب المعركة، يؤدي حركات قتالية، ويصدر أصوات وصرخات غريبة، يقف والدهشة تتلبسه).

المحارب: من طرق أبواب سباتي المؤصدة منذ دهور!؟، من أيقظتني من رقادي الأزلي بحق الإله (أنليل) .!؟.

(يدور حول نفسه، يفتش بنظراته المكان بدهشة). 

المحارب: أين ذهبوا!؟ لقد كانوا هنا، أين ذهب ذلك الجيش الجرار الذي يسد عين الشمس؟، كأن الأرض ابتلعتهم؟.

(يشم بخياشيمه اتجاهات مختلفة.) 

المحارب: ما زالت رائحة الدم المهراق من جماجم ورقاب وسواعد المحاربين الأشداء تعفر خياشيمي المتخمة بالأنفة!، ما زال صليل السيوف يضج في مزاغل مسامعي الطافحة بالضجيج كالعاصفة وهي تعزف انشودة الموت التي طالما رقصنا على إيقاعها عند مداخل بوابات زقورة أورنا العظيمة، ما زال ملكنا المؤيد بالآلهة (أوتو- حيگال) وهو ينازل العيلاميين بكل وحشيتهم ببسالة منقطعة النظير، وقد هزمهم شر هزيمة.

(يمشي خطوات.. يقف أمام جدار  يتأمل النقوش المرسومة على صفحته، تبدو على وجهه ملامح تقديس وهيبة للمكان، يُنَكِس سيفَهُ، يقف بخشوع ويقرأ بوقار وهو مقاطعاً يديه أمام وجهه عبارة.). 

أيا كُنت، ومن أي مكانٕ جئت، إِِنحَنِ تعظيما وتبجيلا وأنت تدخل بوابات أور العظيمة، ستبقى أور حاضرة الدنيا على مر الأزمان.

(المحارب.. ينحني الى اليمين ثم الى الشمال، ثم الى الأمام، ثم يقف منتصبا وسيفه ما زال منكساً بكل خشوع. ) (ينظر إلى البوابة نظرة تأمل.). 

المحارب: هناك، عند هذه البوابة كان يقف ملكنا المبجل أوتو حيگال الذي البسوه تاج القداسة، وعمدوه بماء الطُهر كهنة معبد نيبور المبجلون، ليذود عن مملكتنا العظيمة أور، محاطا برجال أشداء لا يهابون الموت.

(يتقدم خطوات) 

المحارب: وعلى جدار بوابة معبد أورنا العظيمة مجدته شاعرة البلاط «إنخدوانا» بكلام كُتب بماء الذهب.

(يبحث عن شيء منقوش على الجدار، يمسح عنه التراب بيده، يهتف..) 

 أوووو.. ها هو ذا..

(يقرأ.. مجموعة أصوات مسجلة ممتزجة مع بعضها ومع صوته وهو يقرأ:).

أور.. مدينتنا المقدسة..

المحمية بسواعد أهلها..

وبسالة ملكها المؤيد بالآلهة.. أوتو حيگال.

أور.. تغفو بأنفة على ضفاف نهرها الخالد .. (فرات آو).

ستبقى مملكة أور العظيمة عصيَّة على الأعداء.

أسوارها تعانق الشمس..

ومزاليج أبوابها المؤصدة..

لا تفتح إلا على تراتيل كهنتها المبجلون.. عبيد الآلهة، وأمناء المُلك.. والمَلِك.

(يهتف وهو يطوح يده عاليا..) 

فالتحيا أورنا العظيمة.. قبلة الدنيا..

يرعاها الإله أنليل.

وروح ملك الملوك (أور نمو).

وحكمة وشجاعة ملكنا المؤيد بالآلهة أوتو حيگال.

(المحارب..  يتأمل مندهشا كل الاتجاهات، تعابير وجهه توحي إلى أنه قد تذكر شيء ما.). 

يا إلهي.. هناك، نعم هناك، فوق تلك التلة، أضرم  خزنة النار أضخم محرقة تصاعدت ألسنتها حتى لامست عنان السماء، لم يجرأ أن يمر من فوقها طائر الشاهين مهما حلق عاليا، وإن فعلها فسيهوي في جوفها كالنيزك، ليحترق ويتلاشى في لحظات.

(يدور منتشيا).. 

حتى كأَنَ الإله ( أوتو) إله الشمس والعدل ورب الحقيقة، نزل بذاته المقدسة ليوقد جذوتها، ويحرق الأرض ومن عليها.

(المحارب.. يمشي خطوات نحو التلة التي أشار بإصبعه صوبها). 

يا إلهي.. مِن هناك نافورة لهب هائلة تصاعدت ألسنتها الى عنان السماء، نار لا تبقي ولا تذر، يُسمع لها تغيضاً وزفيرا، كنا قد جمعنا حطبها من كل الأرجاء بأمر الرب المطاع ملكنا المفدى أوتو حيگال، ومباركة الكهنة، لم نبقي عوداً ولا قشاً ولا شجرة إلا واحتطبناه، كي يُلقى في أتونها بالمنجنيق ذلك الساحر المدَّعي، الجاني على نفسه، المتجرئ على مقام الملك والآلهة، المدعو.. المدعو..

(كأنه ينبش ذاكرته.. يتذكر، ) 

المدعو… إبراهام إبن حارس تماثيل الآلهة..آ آ آ.. آزر.

نعم، إبراهام الساحر الذي تمرد على سطوة الآلهة، وسلطان الملك الرب، قاهر الخصوم، ونمرود زمانه، زاعماً أنه مبعوث من قبل إله قال أنه عظيم.

(يضحك ساخراً…) 

ههه.. إله عظيم.. إدعى أنه يسكن أعالي السماء. إبراهام، ذلك الرجل الخرف الذي زعم أنه نبياً مرسلاً من قبل ذلك الإله، وأنه عظيم، وانه واحداً أحد

(يستمر بالضحك والسخرية..). 

ههه.. كيف لإله واحد أن يقود الكون كله بمفرده، وتنحني له كل الآلهة.. ومعهم الملوك والكهنة والناس أجمعين!؟، ههه.. كيف لإله واحد أن يفعل كل هذا!، غير معقول.!، شيء  لا يمكن تصديقه على الإطلاق.

(العالِم يفتح عينيه، يجد نفسه بمواجهة هذا المخلوق الغريب، يصاب بالدهشة والفزع، يحاول الهرب والاختباء، يصرخ به المحارب.. وقد أخذ وضع التأهب للمبارزة.). 

المحارب: مكانك.. أيها المخلوق الغريب، مكانك ولا تهرب.

(يتقدم نحوه خطوات،  وما زال متحفزاً للمبارزة) 

أجزم أنك عيلاميا، جئت لتتجسس على مداخل مدينتنا المقدسة.

(العالم.. يقف مفزوعا في زاوية من زوايا المسرح، وهو ممسك بجهاز يطلق بيدين مرتعشتين أشعة ليزرية خضراء يوجهها نحو عينّي المحارب الذي يتقيها بكفيه، العالم يحاول أن يتمالك نفسه) 

العالم:  مهلا.. مهلا، فلستُ عيلامياً، ولن أَمسَكَ بشيء.

المحارب: (وهو يلوّح بسيفه) ما الذي جاء بك لتتسلل تحت جنح الغفلة وتدخل مدينتنا المحروسة بعيون الآلهة!؟، وحراسها اليقظون.

العالم:  بل أنت، قل لي من أنت؟،  وماذا تصنع هنا؟.

المحارب: أنا؟،  وما لك أنت لتسأل عني من أنا؟.

(يدور متبخترا). 

أنا الحارس الشخصي للملك المعظم أوتو حيگال، وهذه مدينتي. أنت من يجب أن تُعرِّفني بنفسك أيها المشبوه!؟.

(العالم وما زال ممسكاً بجهاز الأشعة الليزري). 

العالم: هوّن عليك، وأنزل سيفك، فلستُ عيلاميا، ولا عدوا لأحد، أنا.. أنا.. عالم آثار، مهمتي البحث عن حضارات الامم السالفة.

المحارب: (ملوحا بسيفه) لا تحاول أن تخدعني أيها المخادع، لا أفقه شيء مما تقول، قل لي من انت والا قتلتك.

العالم: قلت لك لست مخادعا، ما قلته لك هو الحقيقة، وها أنت ترى ليس لدي سيفا ولا رمحا ولا خنجرا ولا أي سلاح  أقاتل به. يبدو أننا من أزمنة مختلفة.

المحارب: إسمع يا هذا، هيئتك الغريبة لا تدعو للاطمئنان. ما هذا السلاح الذي بيدك، والذي حاولت أن تفقأ به عيني!؟.

العالم:  إهدأ قليلاً وسأخبرك بكل شيء.

المحارب: آها.. عرفتك، أنت المغامر الذي جندك الساحر الكذاب إبراهام لتصفية الملك، وقد فضحك الكهنة بما يمتلكون من قدرات خارقة أمدتهم بها الآلهة، وألقوا بك في غيابة السجن، وقد هربت بمعاونة أحد الحراس المتواطئين، ممن يدين في سره بدين المخرف إبراهام الساحر. الآن وقد أمسكت بك أيها المغامر الساحر المراوغ، لا تحاول الهرب مرة أخرى.

العالم: أبداً.. لست مغامرا ولا ساحراً، ولم أرَ قط في حياتي الملك ولا الكهنة ولا حتى إبراهام الذي ذكرت، فقط إهدأ وستعرف كل شيء. صدقني، ليس في نيتي أن أؤذيك، أنا رجل مسالم، ومهمتي اكتشاف أسرار العوالم السالفة.

المحارب: لسانك، وهيئتك الغريبة، تجعلني لا أطمئن لك أبداً.

العالم: هون عليك، و سأبين لك من أنا؟، وما سبب وجودي هنا؟.

المحارب: هيا، قل ما عندك.

العالم: اسمح لي قبل ذلك  بأن أوجه لك بعض الأسئلة.

المحارب:  هاتِ.. هاتِ ما عندك على عجالة، دون أي لف أو دوران، ابق في مكانك، وأنزل سلاحك اللعين هذا، ولا تحاول الهرب، وإلا قتلتك. 

العالم: (ينظر الى ساعته) أتدري في أي زمن نحن الآن؟.

(المحارب.. يتلفت حوله، كأنه ينظر الى ما يشبه ساعة كبيرة).  

المحارب: أها.. سبات، اليوم سبات، أول أيام شهر تموز الذي باركه الإله (تموز)، إله المطر والماء.

العالم: وما تلك الآلة التي نظرت لها؟

المحارب: هذه آلة نهتدي بها الى الوقت.

العالم: (مندهشاً) عظيم، بمعنى ساعة!؟، وهل الساعة معروفة لديكم!؟.

المحارب: نعم، هي آلة لمعرفة الوقت، وهي أحد اختراعاتنا، وقد أهدى ملكنا واحدة مماثلة إلى فرعون مصر المبجل.

العالم: وهل لديكم تواصل مع الفراعنة في مصر!؟.

المحارب: كيف لا، بالتأكيد، وقد ساهم بنائينا في بناء أهرامات مصرهم؟.

العالم:  عجيب!.

المحارب:  وما العجب في ذلك؟.

العالم:  تلك الأهرامات الضخمة والتي عُدت من عجائب الدنيا، ساهم في بنائها بنائيكم!؟.

المحارب: نعم، فلدينا بنائين مَهَرَة، ولقد ذهبوا تلبية لأوامر ملكنا المبجل، من أجل تعزيز العلاقة مع فراعنة مصر، وعادوا الينا بعد سنوات وهم محملون بالهدايا والنذور قدمت من قبلهم للملك والمعبد.

العالم: ولماذا لم يبنوا بنائيكم أهرامات في بلادهم!؟.

المحارب: الآمر ليس بأيديهم، إنما ذلك يخضع لرغبة وإرادة الآلهة، وهم من أمر أن تبنى معابدنا على شكل زقورات، كي نرتقيها ساجدين وبين أيدينا النذور والقرابين تقرباً للآلهة،  ذلك ما أخبرنا به كهنة المعبد المقدس. الزقورات كما ترى بهيئتها  أجمل وأبهى من الأهرامات.

(يلمح العالم ان هناك جرح على ساعد المحارب). 

العالم: هيأتك توحي وكأنك محارب، خرجت تواً من معركة طاحنة، وهذا واضح من تلك الجراح التي ما زالت تنز دما من على ساعدك.

(المحارب ينظر الى ساعده، والدم الذي ينزف منه، فجأة ويسود ظلام يغرق المسرح في أتونه، مؤثر صوتي لقرع طبول ونفخ أبواق وصليل سيوف). 

(بقعة ضوء تُظهر المحارب وكأنه يستعرض مشهدا يتجسد على المسرح بطريقة فلاش باك، عبارة عن صالة كبيرة، يصطف فيها عددا من الكهنة وقادة الجند، وعدد من الحرس، صوت ينطلق من فم نافخ البوق، يتبعه بوق بلحن خاص يعلن عن مَقدَم الملك. ).

نافخ البوق: الإله أتو حيگال، ملك الجهات الأربع يُشرِّف المكان…، تعظييييم. 

(الجميع من في قاعة الملك يخر ساجداً تبجيلاً للملك، يدخل رجل بلحية كثيفة مضفورة، أسمر طويل ضخم، مفتول العضلات، بملابس سومرية قصيرة، تكشف عن ساقيه، شعر رأسه مصفف طويل يجمعه تاج على شكل طوق من ذهب، مرصع ومطعَّم بأحجار ثمينة، يعلق في رقبته عددا من قلائد الخرز والخزف والذهب، يتخللها عدد من أنياب وأظافر الذئاب، يرتدي في قدميه نعلين مصنوعين من خيوط مفتولة، وقاعدة من نحاس، يمسك بيده قضيب من خيزران، يمشي بتفاخر واختيال، يرتقي كرسي فخم نحت على جانبيه تمثالين لرأس أسد، يحيط به حراس أشداء مقطبين، بملابس قصيرة، ودروع حراسة سومرية، كل يمسك رمحا، أحدهم المحارب ذاته، وهناك شخصان يحركان مراوح كبيرة مصنوعة من ريش النعام لتلطيف الجو، وشخص بوجه غليظ عبوس  يمسك سيفا يقف جانبا. 

الملك يرمق بنظرات حازمة جميع من في الصالة، بينما الجميع مازالوا مطأطئين رؤوسهم، والصمت يطبق على المكان، يتنحنح الملك ويضرب كفا بكف كإشارة لرفع رؤوسهم، يتوجه بكلامه الى كهنة المعبد).

الملك: قداسة الكاهن الأعظم، المقرب من الآلهة، أخبرني ماذا أعددتم لمعركتنا المقبلة مع العيلاميين؟.

(كبير الكهنة ينحني ومعه جوقة الكهنة الآخرين وقادة الجند والجميع في القاعة، يمشي خطوات وبيده يحرك مبخرة يعطر بها المكان. ). 

كبير الكهنة: ملكنا المبجل، رعتك الآلهة، إِلهَة الحرب (عشتار) تأمرك بأن لا تتعجل في هذا الأمر قبل أن يكتمل هلال شهر آراه ساحين (تشرين الثاني)، شهر الإله (مردوخ)، أكثر الآلهة حكمة، لترضَ عنك الآلهة، وتُنزِل عليك بركاتها.

(الملك يضع يديه متقاطعتين أمام صدره ووجهه.). 

الملك: السمع والطاعة لمقام الآلهة، التعظيم والتمجيد لإلهة الحرب عشتار، ولإله الحكمة مردوخ.

(الجميع ينحني راكعا، ويضع يديه متقاطعتين أمام صدره ووجهه، الملك يتأمل وجوه من حولة، ثم يعاود الكلام مستدركا). 

الملك: لكن.. ألا ترى إلهة الحرب عشتار أنه قد بلغ السيل الزُبى، فقد تطاول العيلاميون على بلادنا، وكثرت تجاوزاتهم، فاستخفوا بنا، وأهانوا آلهتنا، ودنسوا معابدنا، واستحيوا نسائنا، وعبثوا بمقابرنا، وأحرقوا مزروعاتنا، وبقروا بطون حيواناتنا، وصار لزاما علينا أن نوقفهم عند حدهم.

كبير الكهنة: أيها المبجل، الأمر أمركم، والرأي رأيكم، فأنت الإله الحاكم بأمره، المفوض من قبل الآلهة، وليس لنا إلا السمع والطاعة.

(كبير الكهنة، يقف قبالة الملك، يقاطع يديه امام صدره، وينحني. ). 

كبير الكهنة: لكننا أيها الملك المعظم، بما يمليه علينا واجبنا الروحي المقدس، باعتبارنا وكلاء الآلهة في الأرض أن نذكركم برغبة الآلهة، وما يصدر عنها من أوامر، فجميعنا مُلزم بطاعتها، والخشية في مخالفتها من أن بلادنا ستواجه عواقب وخيمة، وليس بعيداً أن تحل علينا اللعنة، ويصيبنا القحط، وتنزل علينا البلاءات، ونحن في غنى عن ذلك. ملكنا المعظم، ما الضير إن صبرنا لبعض الوقت طاعة للآلهة.

(الملك يخفض رأسه احتراما، ويقاطع يديه أمام صدره ووجهه) 

الملك: المجد للآلهة، والتبجيل والتعظيم لكهنة معابدنا المقدسة، بهم نهتدي، وببركاتهم نعيش.

(كبير الكهنة متبختراً يدور في مبخرته حول عرش الملك). 

كبير الكهنة: حفظتك الآلهة، إِبناً باراً لها، إلهاً معبوداً في الأرض، محمودا في السماء، كهنة معبد أور العظيمة ليل نهار يصلون لك ومن أجلك، نجمع النذور، وننحر القرابين، ونقدمها للآلهة تعظيماً لإسمك، وحفاظا على ملكك، ملكا مطاعا من قبل الجميع في مملكتنا أور العظيمة.

(الملك يقف ويقاطع يديه أمام صدره، ثم ينزل من عرشه ماسكا خيزرانته من الوسط بقوة، رافعها للأعلى، ويقول بنبرة فيها رفض وتحدي). 

الملك: لن أقف مكتوف الأيدي أمام عدوان العيلاميين المتكرر على بلادنا مهما كلفني ذلك من تضحيات، فالأمر بات لا يحتمل.

(الملك يمشي خطوات، والغضب واضح على ملامحه، وسط صمت الجميع ودهشتهم، لحظات ويعود مسرعا ويرتقي كرسيه والخيزرانه بيده المرتجفة غضبا). 

الملك: أنا الملك الرب آتو حيگال، ملك أور العظيمة، وحاكم الجهات الاربع، المفوض من قبل الآلهة.

(ينحني الجميع، وصوت بوق ينطلق في المكان). 

الملك: استناداً للتفويض الإلهي الذي بموجبه أصبحت حاكماً عاماً لبلاد ما بين النهرين أور العظيمة.

(ينطلق صوت بوق طويل، الجميع ينحني).

الملك: وبناءً على ذلك، فقد اتخذت قراراً لا رجعة فيه بمهاجمة العيلاميين في عقر دارهم، لدفع الخطر عن حدود مملكتنا، مملكة أور العظيمة.

(كبير الكهنة يبدي إستغرابه، من خلال ملامح وجهه، وحركاته المضطربة وهو ينظر ويهمس الى رفاقه الكهنة، الملك يرمقه بنظرة وعيد وتهديد تعبر عن انزعاجه، يفهمها كبير الكهنة فينحني تعظيما للملك). 

(ملامح غضب وانزعاج تبدو على وجه الملك). 

الملك: أنا الملك الإله آتو حيگال. 

(ينطلق صوت بوق طويل، الجميع ينحني). 

الملك: أعلن أنه إذا اقتضت الضرورة سأضطر لاتخاذ إجراء خاص قد يطال كهنة المعابد.

(كبير الكهنة يفزع من وقع ما سمع من الملك، يمشي خطوات حاملا مبخرته في حضرة الملك، ثم ينحني ويقول بنبرة تملق. ). 

كبير الكهنة: ملكنا المبجل، وإلهنا المفروض الطاعة، ما حباك بك رب الأرباب من سجايا تجعلنا صغاراً نحبوا أمام حكمتك وفطنتك، سر بنا أيها الإله العظيم لنعبر البحور لك طائعين، ونرتقي الجبال بك مقتدين، ونخوض الأهوال بك مهتدين، وسوف لن نرضَ إلا وراية النصر على الأعداء ترفرف في يمينك، سر برعاية الآلهة.

(يهتف كبير الكهنة، ومعه يهتف الكهنة الآخرون وباقي من في القاعة، لتضج القاعة بالهتاف)النصر لملك أور العظيمة أوتو حيگال.

(الملك يتجاهل الكهنة وكأنه لا يبدي لهم اهتماما، ينصرف بوجهه صوب قادة الجند، ويقول في صوت فيه حِدَة)

الملك: وأنتم، قادة الجند، ماذا أعددتم للحرب. 

(كبير القادة ينحني تبجيلا للملك). 

كبير القادة: ملكنا المفدى، نحن جميعا رهن إشارتك، فلقد عَبَئنا جيشنا، وأنهينا تدريباتنا، وأصبحنا على أهبة الاستعداد.

الملك: حدثني عن إسلوب تعبئة تشكيلاتكم، وكيف جرى توزيعها.

(كبير القادة، يمسك بلوح طيني كبير وعود من فحم، ويبدأ برسم توزيع تشكيلات الجيش). 

كبير القادة: أيها الرب المفترض الطاعة. هدياً بتوجيهاتكم وببركات الآلهة، جرى توزيع تشكيلاتنا على النحو التالي: الفيلة والأسود ستكون في المقدمة، هاهنا، يرافقها المروضون والرماة والعيون، يتبعهم الرجالة، ومن خلفهم الخيالة، ثم المسعفين والمسعفات، وحراس الاسرى، وصناع السيوف والرماح، ورجال التموين، وجمّاع الغنائم، وحراس الأسرى، ومعهم العبيد ونساء الإمتاع، وأطفالهن.

الملك: عظيم، هذا جيد، وهل عملتم ممارسة لهجوم مفترض.

كبير القادة: نعم جلالتكم، وقد خضنا معارك مفترضة، وتحسبنا لأسوأ الاحتمالات، فعبرناها، عالجنا الثغرات، وهيأنا التموين والتجهيزات، وأتقنا فنون القتال.

الملك: عظيم، هذا جيد، وكيف هي معنوياتكم؟.

كبير القادة: بدعمكم وتوجيهاتكم السديدة، ومباركة الآلهة، ودعوات كهنة المعبد، لهم التقديس والتبجيل، صار لدينا جنودا أشداء، يهزأون بالموت، من أجل أن يبقى عرشكم مهابا، ومن أجل رفعة وقداسة مملكتنا أور العظيمة، بمعابدها العامرة، وحدودها المصانة الممتدة ما بين النهرين، لتبقى على مر الأزمان حاضرة الدنيا، محروسة بكم وبالآلهة، وبركات رب الأرباب، ودعوات كهنة المعابد لهم التبجيل والتقديس.

(شاعر البلاط الملكي يستأذن من الملك ليلقي قصيدة في حضرته، ينحني ويقاطع يديه أمام صدره، الملك يأذن له بينما الجميع يتابع بترقب).

شاعر البلاط: لنستل سيوفنا، ونمتشق رماحنا، ونثأر لضحايانا. الدماء التي خضبت بوابات أور تذكرنا بغدر العيلامين ووحشيتهم، لقد خربوا كل شيء بنيناه بعرق جباهنا.

دنسوا معابدنا.

هدموا مدننا وبيوتنا وحظائر حيواناتنا.

أخذوا الأغنام والأبقار من حظائرها.

طمروا قنوات الري فباتت تجلب ماءً عسرا،

حقول الحبوب قحطت، لم يعد ينبت فيها سوى الحشائش.

جفّ لبن الأمهات، ولم يعد باستطاعتهن إرضاع أطفالهن.

كل ذلك قد حدث بسبب غضب الإله ( آنو ) والإله ( انليل )

ولهذا أوقفت الإلهة (نتو) خلق الإنسان، حتى نهر فرات آو، قد تغير مجراه،

وليس بإمكان الناس أن يسكنوا بيوتهم، وعلى ضفاف النهر لم يعد ينبت سوى الأعشاب الضارة، الإله

آبي – سين قد أُخِذَ الى عيلام

وأصبح كالطائر الذي هُدِمَ عشه،

و كالغريب الذي لا يستطيع العودة الى وطنه، والناس لم تعد تستطيع السفر عن طريق الأنهار، والمدن جميعاً قد تحولت الى أنقاض، وشعب ذوي الرؤوس السود قد قُتل داخل المنازل، والأبقار لم تعد تعطي الحليب والزبد،

والإله ( شكان ) إله الحيوانات بدأ لا يجد الراحة، حتى القصب بدأ ينبت برؤوس مؤذية، وأشجار الفواكه والحدائق لم تعد تعط براعم..).(1)

(الملك.. بشيء من الحماسة، وكأن قصيدة شاعر البلاط ألهبته، يهتف وهو واقف، ممسكا بخيزرانته من وسطها بقوة). 

الملك: قسماً بإله الشمس (أوتو) وأبيه إله القمر (نانا) وإلهة الحب والحرب (عشتار) ، وكل الآلهة، سنخوضها حرباً ضروس، سنكسر بأسهم، وسنجعلهم طعاما لإسودنا، وكلابنا، وسننتقم لضحايانا في كل معاركنا المقدسة.

(يلتفت الى حراسه، ويقول بحزم وبإسلوب آمر). 

الملك: جوُّعوا الأسود، ولا تسمحوا لكائن من كان أن يقترب منها، لتصبح أكثر وحشية وشراسة، أريدها أن تلتهمهم واحدا واحدا، وأمام أعيننا.

(كبير الحراس.. ينحني). 

كبير الحراس: أمر مولاي الملك

(يعاود الظلام فيخيم على المكان من جديد، موسيقى خاصة تصدر من مؤثر صوتي، حزمة ضوء تظهر لنا  المحارب وهو ينهض فزعا، يدور في المكان، مثرثراً بلا وعي، كمن يصحو لتوه من التخدير)

المحارب: كان قراراً صائبا وجريئاً خالف به أوامر الآلهة، ورغبة كهنة المعبد المبجلون، قراراً حققنا بفضله نصرا مؤزرا على العلاميين. لقد دحرناهم وهزمناهم في عقر دارهم، ولقنّاهم درساً لن ينسوه أبدا. أعدنا الإله آبي- سين معززا مكرما ليًشرِّف معبد أور بعد إن قتلنا ملكهم، وهدمنا معابدهم، وبعثرنا قبورهم، وحرقنا مزارعهم، وغنمنا اسلحتهم ومؤنتهم وحيواناتهم، وسبينا نسائهم، جزاءً وفاقا لما اقترفوه ضد بلادنا، وثأراً وانتقاما لضحايانا.

(كأن الوعي عاد الى المحارب، تقع نظراته على العالِم الذي مازال واقفا يتابعه باندهاش، يعود المحارب متأهبا للقتال، ممسكا بسيفه بوضع المبارزة. ). 

المحارب: أنت!؟.ما زلت هنا!؟، أها.. لقد عرفتك الآن، أنت أحد عيونهم، وقد جئت تتلصص وتتصيد الأخبار، لتعاودوا العدوان على مملكتنا، بعد الهزيمة النكراء التي لحقت بكم على يد ملكنا المؤيد بالآلهة أتو حيگال، والمنصور بدعاء كهنة المعبد. ها قد وقعت في قبضتي أيها المارق المنبوذ، وسأقتلك شر قتلة.

(يتقدم نحو العالٍم متأهباً.. العالم يوجه الأشعة الليزرية لعيون المحارب، والأخير يتقيها بيده ويتراجع. ).

المحارب: أبعد عني تلك الآلة الملعونة أيها المأبون، لا تفقأ عيني

(ينظر باستغراب للآلة التي تطلق الأشعة بيد العالم). 

المحارب: آلة غريبة، قطعاً إنها من ألاعيب سحرتكم المارقين، فأنتم كما هو ديدنكم دائما  تتفاخرون ببراعة ودهاء سحرتكم. لكن لا.. لن تنجحوا هذه المرة، فقد انكشفت ألاعيبكم، وبانت خططكم، وسينقلب سحركم على سحرتكم. لن ينجح سحركم هذه المرة، فسيبطله سحرتنا، سحرة المعبد المؤيدون بقوة الآلهة، وسيجعلونكم اضحوكة الدنيا، لن تنفعكم أساليبكم الخبيثة مهما تفننتم بها، وسنفاجئكم بأسلحة لن تخطر على بالكم ولا بال أحد.

(العالم ما زال ممسكا بجهاز إطلاق الأشعة موجهها نحو عيون المحارب، والمحارب يحاول أن يتقيها، ينزلها العالم ويقول). 

العالِم: عن أي سحر وسحرة تتحدث يا هذا؟، ما تراه في يدي نوع من أنواع الأسلحة الليزرية التي ندافع بها عن أنفسنا.

المحارب: إنزعها من يدك، وإلا..

العالم: إن شئت أن أنزع سلاحي، عليك أنت أيضاً أن تنزع سلاحك.

المحارب: لن تقنعني أبدا مهما حاولت بأن هذا الذي بيدك ليس سحرا. !؟.

العالم: قلت لك أنه نوع من أنواع الأسلحة المتطورة، طوره علماؤنا، لا بد أن تعرف إننا نعيش في زمان يختلف عن زمانكم.

المحارب: علماؤكم أم سحرتكم؟.

العالم: لا يا صديقي، العلم شيء، والسحر شيء آخر.

(المحارب… منتفضاً)

المحارب: لا تقل صديقي، فلسنا أصدقاء، ولا يمكن أن نكون كذلك، فالعيلاميون أعداءٌ تاريخيون لنا، طامعون بنا، ما إن تنتهي معركة وننشغل بتضميد جراحاتنا، حتى تباغتوننا بمعركة أخرى، كفاكم تجاوزاً على حدود مملكتنا، و تدخلا في شؤوننا.

العالم: هوِّن عليك يا أخي، هذا الذي أمامك ليس عيلاميا، ولا جوتيا، ولا حتى حيثيا، أنا يا صديقي إنسان من زمن آخر.

المحارب: قلتُ، لست صديقاً لأحد، ولن أدعك تفلت مهما حاولت المراوغة.

المحارب: لماذا لا نعقد صفقة صداقة بيننا؟. و سأوضح لك كل شيء.

المحارب: أي صداقة تلك التي أعقدها مع من يضمر السوء والضغينة لنا ولمملكتنا؟.

العالم: صدقني، لا أضمر لك ولا لسواك من البشر أي ضغينة في قلبي.

المحارب: وما الدليل في أنك لا تضمر لنا سوءا؟.

العالِم: صدقني أنا إنسان مسالم، وليس في نيتي أن أؤذي أحداً.

المحارب: وما تلك التي بيمنك؟.

العالم: قلت لك إنها آلة ليزرية بسيطة أستعملها للدفاع عن نفسي حين يداهمني خطرٌ ما.

(المحارب يصمت لبعض الوقت، وكأنه يناقش شيء في خياله، ثم يقول). 

المحارب: إقسِم بسطوة الآلهة، وقداسة كهنة المعبد من أنك لست عيلامياً، ولا تضمر لنا ولبلادنا أدنى سوء.

(العالم.. محاولا التودد له، وزيادة في اطمئنانه، يشبك يديه ويضعهما فوق رأسه).

العالم: انظر، هذا انا بلا سلاح، أُقسم برب الارباب الذي أعتقد به أنا.. أنني لن أتعرض لك، ولا لبلادك بأي أذى.

المحارب: اقسم با لإلة أنليل.

العالم: من أنليل هذا!؟.

المحارب: الإله (أنليل) إله السماء.

العالم: في عقيدتي، السماوات والارض يحكمها إله واحد.

(المحارب.. يضحك هازئاً). 

المحارب: إله واحد،!؟، كيف!؟.

العالِم: نعم، إله واحد، وما الغرابة في ذلك؟.

المحارب: الغرابة أنه، كيف لإله واحد أن يحكم الكون كله!؟، من أين له هذه القدرة؟، هذا مستحيل.! هذا ما ادعى به الساحر أيضاً….

(يضرب على جبهته ليتذكر..). 

الساحر.. الساحر.. بن حارس الآلهة آزر، آ.. تذكرت الساحر إبراهام، ادعى أنه مبعوث من إلهٍ يقول أنه واحد، ويسكن السماء،

(يضحك استخفافا)

المحارب: وهو نفسه، أي ذلك الإله يحكم الارض من هناك، أيُ خرفٍ هذا.!.

العالم: وكيف تعاملتم مع هذا الذي أسميته إبراهام؟.

المحارب: أضرمنا له ناراً ضخمة، جمعنا حطبها من شتات الأرض، أوقدناها، وألقيناه بها بالمنجنيق، لكنه نجا منها بأعجوبة.

العالم: كيف نجا وقد ألقيتموه بالنار؟.

المحارب: تبين أنه ساحراً ماهرا، أبطل بسحره النار، ولم تمسسه بأذى.

العالم: ولماذا لا يكون من خلق النار، هو من أمرها بأن تكون برداً وسلاما؟.

المحارب: الإله (گارا) هو إله النار، وهو من خلقها، لم يخبرنا كهنة المعبد عنه من أنه هو من أمرها لتكون بردا وسلاما. بل بالعكس، فقد كان إله النار (گارا) من أشد الناقمين على ذلك الساحر إبراهام، لخروجه على طاعة الآلهة، وتسفيهه لهم، وادعائه بأن للكون إله واحد، وأنه نبي مرسل من قبل ذلك الإله.

(العالم يتودد للمحارب،) 

العالم: دعك الآن من الآلهة، واعطني فرصة كي أوضح لك من أنا؟، وما هي مهمتي هنا؟.

المحارب: لا.. لا.. لن أعطيك أي فرصة، وقد انكشفت هويتك، فطالما أنك تكفر بالآلهة، إذاً أنت أحد عيون ذلك الساحر الكذاب، أرسلك لتتقصى ما لذي حلَّ بنا بعد قصة النار التي أطفاها بسحره، والطوفان الكبير الذي اجتاح مدننا وقرانا، والذي كان من تدبيره. أعترف أنه كان ساحراً ماكراً لا يقوى على منازلته ملك الجن نفسه.

العالم: إن بقينا بهذا السجال  فسوف لن نصل الى نتيجة.

المحارب: وهل تظن أنني مغفل لأدعك تهرب، هذا محال، لابد انك تحلم.

العالم: إسمع يا هذا، لن تقدر أن تنال مني مهما حاولت، فكل اسلحتك التي تهددني بها بدائية متخلفة، ليست ذات قيمة أمام ما أمتلك من سلاح متطور، أستطيع بضغطة زر واحدة صهر سيفك ودرعك وخوذتك، بل صهر جسدك بالكامل. لكنني لن أقدم على ذلك، فلست عدوانيا، وقد أقسمت على ذلك. الأولى لك أن تهدأ، وتُنزِل سلاحك، لأوضح لك مهمتي.

المحارب: قل لي اولاً ما هذا اللباس الذي تتجلببه؟، أهو لباس عيلامي أم ماذا؟.

العالم: إنه لباس عصري.

المحارب: في معاركنا الكثيرة مع العيلاميين، لم نجد أحدا يرتدي مثل هذا اللباس.

العالم: هذا أنت قلتها بلسانك، ألا يثبت لك ذلك أنني لست عيلاميا.ً

المحارب: إذاً أنت ماذا!؟، أخشى أن تكون إلهاً.

العالم: لا.. ليس إلهاً، إنما أنا مجرد إنسان عادي.

المحارب: لكن هيأتك الغريبة، ولباسك، ولسانك، وحتى سلاحك لا يوحي إلى أنك إنسان عادي، قطعاً إنك.. إله.

العالم: لا لست إلهاً، ولكن طالما إنك تيقنت بأنني ليس عيلاميا، إذاً دعنا نتجرد من أسلحتنا، ونجلس قليلا لنتفاهم.

المحارب: قلبي لم يطمئن لك بعد، لماذا لا تلقي سلاحك.

العالم: عاهدني، واقسم برب الارباب أنك لن تؤذيني إن ألقيت سلاحي، وسوف ألقيه.

(المحارب، يضع يديه أمام صدره) 

المحارب: أعاهدك، وأقسم برب الأرباب، والسومري لا ينقض عهده، ولا يحنث في قسمه.

العالم: حسنا، حسنا صدقتك، وسألقي سلاحي، لكن حذاري من أن تغدر بي.

المحارب: العهود والمواثيق ترعاها الآلهة، والسومري يأبى الغدر والخديعة.

العالم: حسناً، وثقت بك.

(العالم يخفي الآلة ذات الشعاع في جيبه، ويرفع يديه الى الأعلى).

العالم: ها أنا قد تخلصت من سلاحي، ها أنذا مجرد من السلاح، تخلص أيضا أنت من سلاحك.

(المحارب، بعد تردد و نظرات ريبة، يضع سلاحه جانبا، ويمشي نحو العالِم بحذر، العالِم، يفتح ذراعيه، ويقول مبتسماً.) 

العالم: هيا اقترب مني يا صديقي، هل ما زلت مرتابا خائفاً مني يا رجل؟.

(المحارب، مترددا يتقدم بخطوات حذرة، يسحبه العالم إليه بقوة، يتعانقان لبعض الوقت، ثم يجلسان. ).

العالم: هل تأكدت الآن بأنني مجرد إنسان وليس إله، ولم أضمر لك أدنى سوء؟.

المحارب: الشيء الذي لم أتاكد منه بعد، هو، هل إنك إنسان، أم…

العالم:  أم ماذا؟.

المحارب: إنك.. إنك إله.

العالم: الإله يا صديقي.. لا يُرى بالعين المجردة، ولا يمكن أن تُدركهُ الأبصار.

(المحارب، مستغرباً) 

المحارب: كيف!؟ وكنا نجالسهُ و نأكل الطعام معه.

العالم: هذا الذي كنت تجالسه ليس إله يا صديقي، هذا إنسان عادي صنعه وصوّره لكم كهنة المعابد على أنه إله، حفاظا على مصالحهم.

(المحارب، ينتفض معترضاً).

المحارب: الكاهن، لا يمكن أن يخدعنا!!!؟، طالما أن الآلهة هي من تُشرف على اختياره وتنصيبه،

العالم: آ… الآلهة.. وهل رأيتم الآلهة بأعينكم؟ .

المحارب: كيف نراها وهي تسكن في أعالي السماء!؟.

العالم: وكيف عرفتم بأن الآلهة تسكن في أعالي السماء.

المحارب: كهنة المعابد هم من أخبرونا، وإنهم يتلقون منهم الأوامر والتوجيهات، ويجمعون لهم النذور، وينحرون لهم الذبائح، ويقيمون لهم طقوس العبادة والاحتفالات. حتى أنهم هم من يتولى تنصيب الملوك، وتأليههم.

العالم: من يتولى تنصيب الملوك وتأليههم؟.

المحارب: كهنة المعبد هم من يتولى تنصيب الملوك وتأليههم بطقوس خاصة يتواصلون بها مع الآلهة، وينفذون أوامرهم، وهذا ما وجدنا آباءنا عليه.

العالم: مساكين أنتم وآباؤكم، كانوا يخدعونكم، ويستغفلونكم، ولو أعطيتم فرصة لنبي الله إبراهيم لأنقذكم، وحرر عقولكم مما أنتم فيه من جهل وضياع.

المحارب: لا تحاول تزييف عقيدتي يا هذا، إبراهام كان ساحرا مخادعاً وليس بنبي كما كان يزعم، هذا ما أخبرنا عنه كبير الكهنة المعظم.

المحارب: كبير الكهنة لم يكن ناصحاً لكم، كان مخادعاً ودجالا، ضحك عليكم، وحجب عن عقولكم نور الهداية، فترككم تتخبطون بظلام جهلكم وتخلفكم.

المحارب: ومن هذا الذي تسميه… الله!؟، أهو الآخر إله؟.

العالم: الله.. هو الإله الحق، وهو من بعث إبراهيم لكم نبياً فحاربتموه، وجمعتم حطبكم، وأوقدتم ناركم، بمشورة الكهنة. لكن الله أبى إلا أن يتم نوره، فأمر النار أن تكون برداً وسلاماً على نبيه إبراهيم، فاستجابت طائعة.

المحارب: وهل هذا الذي تقول عنه، واحداً من الآلهة!؟.

العالم: بل واحداً أحدا، ولا إله سواه، وهو من خلق السماوات والأرض، وخلقني وخلقك، وخلق كل شيء.

(المحارب، محتجاً بقوة ومعترضاً).

المحارب: مستحيل، هذا هراء.

العالم: ما أقدمتم عليه جاء بمكيدة الكهنة، فأنجاه الله وأخزى ملككم مدعي الإلوهية، وكهنة المعبد المشعوذين، وفضحهم واخزاهم، وخيّب فألهم، لكنكم لم تستوعبوا الدرس، وصدقتم كهنتكم على أنه ساحرٌ كذاب وليس بنبي، وهو من أطفأ النار بسحره، وليس الله. فهجركم، وقصد أرض كنعان، وصار له اتباع كثر آمنوا به، وصدقوا رسالته، فأنقذهم من الظلمات الى النور، بعد إن صدقوه من أنه نبي مرسل، وأن الله واحد أحد، لا شريك له في ملكه، ولا إله غيره.

المحارب: إبراهام هذا أقدم على فعلته الفظيعة حين تجرأ على تماثيل الآلهة، وحطمها بفأسه.

(العالم، ينفجر ضاحكاً)

متحجرة لا روح فيها. إله إبراهيم هو الإله الحق، وما عداه محض افتراء.

(المحارب، يقوم منزعجا، ويبدو على وجهه الاستغراب.).

المحارب: ما هذا الذي تقول!؟، و آلهتنا، آنو وإنليل، وعشتار ومردوخ ونانا، وكل الآلهة الآخرين، أين تضعهم من إلهك هذا!؟.

العالم: لا وجود لآلهة بهذه الأسماء، إنها من نسج خيال عقول كهنتكم الذين أضلوكم، إن هي إلا  أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بها من سلطان.

المحارب: وملكنا، آتو حيگال، أليس إلهاً!؟.

العالم: لا.. ليس بإله، إنه إنسان عادي، خدعه الكهنة وألهوه.

(المحارب، مندهشاً).

المحارب: إنسان عادي!؟، كيف وقد نصبته الآلهة في معبد نيبور!؟، وباركه كهنة المعابد أجمعها في عموم البلاد، وتوِّج في إحتفال كبير ملكاً لمملكة أور العظيمة، ونال مرتبة الإلوهية.

العالم: لقد خدعكم كهنتكم، فانقاديتم لهم كالخراف، وصدقتم كل ما كانوا يقولون لكم، دون أن تحكموا عقولكم، إذ كيف يصبح الإنسان إلهاً وهو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ويمرض ويموت!؟.

(المحارب، يمشي مصدوما الى اتجاهات مختلفة، كأنه لا يريد أن يصدق ما سمعته أذناه، يسد اذنيه بكفيه، ويمسك سلاحه من جديد، ويصرخ.. ).

المحارب: لاااااا، كذب وهراء، أنت تكذب وتتجنى على آلهتنا، وسينزل بكَ البلاء لا محالة، كيف لك أن تتجرأ على قدسية الآلهة.

(العالم، يحاول أن يهدئ من روعه). 

العالم: إهدأ.. إهدأ و لا تزعق بصوتك، هذه الحقيقة، يجب أن تتجرعها شئت أم أبيت، كل الآلهة التي تؤمنون بها هي من نسج خيال كهنتكم، فليس للكون إلا إله واحد، هو الله، وكل ماعداه من آلهة، أسماء سميتموها أنتم وآبائكم ما أنزل الله بها من سلطان.

المحارب : لا تحاول يا هذا أن تلحس عقلي بكلمات جوفاء فارغة لا أساس لها من الصحة، كيف للكون أن يتحكم به  إله واحد!؟، هذا مستحيل، فهناك الكثير من الآلهة. ملكنا أتو حيگال كان ملكا إلهاً، وأنا كنت حارسه الشخصي.

(العالم يضحك هازئاً، فجأة ويغرق المكان بالظلام، تتعالى من مؤثر صوتي موسيقى لصفير رياح مخيفة، بقعة ضوء تظهر العالِم وهو يستيقظ لتوه من تلك الإغفاءة التي كما يبدو أنها استمرت لوقت طويل، يزيح القبعة من على وجهه، 

ينهض من فوره، يتأمل كل ما حوله مندهشاً، كأنه يبحث عن شخوص تلك الأحداث التي عاشها في منامه، يمشي نحو القبر ليتفحصه بنظراته، يجده على حاله مثلما تركه قبل أن يغلب عليه التعب والنعاس، يجمع أدواته ويضعها في الحقيبة، يحملها على ظهره، يقف في منتصف المسرح، يقول:).

العالم: يبدو أن لعبة السفر عبر الزمن رغم أنها ممتعة ومثيرة، لكنها لا تخلو من مخاطر.

(ستــــــــــــــــــــار).

16 كانون الأول/ ديسمبر 2022.

 

Related Articles

Back to top button