مقالات

الندوات التطبيقية في المهرجانات المسرحية: دورها وآليات تحليل العروض/ د. فاضل الجاف

تشكّل الندوات التطبيقية التي تتناول العروض المسرحية بالنقد والتحليل محطاتٍ أساسية ضمن الفعاليات المسرحية في المهرجانات، حيث تتيح فضاءً حيويًا للحوار والتحليل والتقويم. ومن خلال متابعتي ومشاركتي في عدد من المهرجانات العربية، سواء على المستوى الاحترافي أو الجامعي، لاحظت أن العديد منها بات يعتمد هذا النهج النقدي الفعّال في تحليل العروض المسرحية وتقييمها.

تُعد هذه الندوات ضرورة ملحّة لتطوير الرؤية النقدية وتعزيز الذائقة المسرحية، شريطة أن تُدار بكفاءة واحترافية. غير أن فعاليتها قد تتراجع عندما تغيب عنها الحرفية المسرحية، سواء في اختيار المحللين أو في إدارة الحوار وفق معايير نقدية واضحة.

تحليل العرض المسرحي في المناهج الأكاديمية

في المناهج المسرحية العالمية، تُدرَّس مادة تحليل العرض المسرحي كمادة مستقلة إلى جانب تحليل النص، وتُعدّ من الركائز الأساسية في برامج كليات ومعاهد المسرح. ففي جامعة ستوكهولم، حيث درستُ العلوم المسرحية في مطلع الثمانينات، كانت مادتا تحليل العرض المسرحي وتحليل النص المسرحي تُدرَّسان بشكل منفصل، مما أتاح للطلاب فرصة التعمق في كل منهما على حدة. أما في مؤسساتنا الأكاديمية، فلم تحظَ هذه المادة بعد بالاهتمام الكافي، مما ينعكس على نقص الخبرة المسرحية والنقدية فيما يتعلق بتقويم العروض المسرحية بطريقة منهجية واحترافية.

من الضروري أن يسير تدريس تحليل العرض المسرحي جنبًا إلى جنب مع تحليل النص المسرحي، إذ تكمل المادتان بعضهما البعض. ورغم أن تحليل النص والعلاقة الدراماتورجية قد حظيا بحضور نسبي في التدريس والملتقيات المسرحية، فإن تحليل العرض لا يزال في مراحله الأولى، ولم يُبحث أو يُحلل بالشكل الوافي حتى الآن.

يتطلب تحليل العرض المسرحي درايةً نظرية بالأدب المسرحي، إلى جانب خبرة تطبيقية في التقنيات المسرحية، وهو ما يشكّل التحدي الأكبر نظرًا لندرة التخصص في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، في جامعة ستوكهولم، يُطلب من طلاب قسم المسرح اختيار عروض مسرحية لمناقشتها وتحليلها من منظور نظري وتطبيقي ضمن مجموعات طلابية.

تكمن أهمية هذه التجربة في أنها تعتمد على المشاركة الجماعية في اختيار العروض ومشاهدتها ثم تناولها بالنقد والدراسة. وخلال الفصل الدراسي، يقوم الطلاب بتسجيل ملاحظاتهم النقدية حول العروض المسرحية وفق معايير دقيقة، مما يساعدهم على تطوير رؤية نقدية احترافية بعيدًا عن الانطباعات الذاتية.

إن تدريس تحليل العرض المسرحي لا يقتصر على النقاد أو الباحثين، بل هو ضروري لكل مسرحي مهما كان مجاله (تمثيل، إخراج، أو غيرهما)، حيث يشكّل ذلك جزءًا أساسيًا من تكوينه المهني. ومن هنا، تصبح المشاهدة الجماعية للعروض أمرًا جوهريًا، إذ يُناقش العرض في إطار جماعي، مما يُتيح للطلاب تمييز الجوانب المضيئة والوقوف عند نقاط الضعف لتجنبها في أعمالهم المستقبلية. وهذا يؤكد أهمية الندوات التطبيقية للمسرحيين المشاركين في المهرجانات.

معايير تحليل العرض المسرحي

يعتمد تحليل العرض المسرحي على عدد من المعايير الأساسية التي تساعد في تفكيك عناصر العمل المسرحي وتقييمه بموضوعية، ومن أبرزها:

الإخراج: يشمل لغة العرض المسرحي، توزيع الأدوار واختيار الممثلين، الإيقاع والوتيرة، والإعداد (التحوير، الحذف، أو الإضافة في النص).

فن التمثيل وآليات إدارة الممثل: يتناول أسلوب الأداء، التفاعل بين الممثلين، تفسير الأدوار، والتعامل مع النص.

السينوغرافيا: تتضمن الفضاء المسرحي، اختيار الألوان والخامات، الأزياء وأدوات الزينة، الإكسسوارات والملحقات المسرحية، الرموز والاستعارات المجازية، والتوازن بين الإطار الواقعي والمجازي.

الإضاءة والموسيقى: دور الإضاءة، الموسيقى، الصوت، والمؤثرات الصوتية في تعزيز التجربة المسرحية.

العلاقة بين الصالة والخشبة: تتعلق بدور المتلقي، وطريقة جلوس النظارة وتأثيرها على التفاعل مع العرض، وإحساس الممثلين بالجمهور.

محتوى المسرحية والإنتاج المسرحي: تحليل الرسالة الفكرية للعرض، الفكرة الرئيسية، وعلاقتها بالواقع المعاصر وبالزمن الذي كتب فيه النص.

نحو ندوات تطبيقية أكثر احترافية

لكي تحقق الندوات التطبيقية أهدافها المرجوة، لا بد من إدارتها من قبل متخصصين فقط وباسلوب إحترافي يضمن جودة النقاش والتحليل. ومن هنا، يُفضل أن تقتصر المداخلات داخل الندوة التطبيقية على المختصين في المجال المسرحي، إذ إن فتح باب النقاش أمام غير المتخصصين قد يؤدي إلى تشتيت مسار الندوة ويحدّ من فعاليتها، بل قد يضر بالعرض المسرحي وفريق العمل.

لذلك، من الضروري أن تكون المداخلات مقتصرة على عدد محدود من المختصين الذين يمتلكون استعدادًا مسبقًا للمناقشة، في حين يُسمح لهواة المسرح بالحضور والاستماع فقط دون التدخل المباشر في النقاش. وأرى شخصيًا أن استفادة الهواة من الندوات التطبيقية الخاصة بالعروض الاحترافية تظل محدودة، لذا قد يكون من الأفضل توجيههم إلى ورش أو لقاءات خاصة تناسب مستوى خبراتهم.

Related Articles

Back to top button