نصوصنصوص مسرحية

نص مسرحي “الحياة والمجهول”/ تأليف: بشائر جواد

الشخصيات:

الراعي، المسافر، والطفل

 

المدخل:

(مكان فارغٌ لا شيءَ فيه من النباتاتِ غير العشبِ الذابل (مصفر) تلتهمه الأغنام، وهنالك راعٍ يرعى بالأغنامِ، ينظرُ لأفقِ العالمِ مرّةً يمينًا ومرّة أخرى شمالًا يمر باتّجاههِ رجلٌ مسافر).

الراعي: توقف..لا تبحث عن الحياة بعيدًا.

المسافر: (يتقدّمُ باتّجاه راعي الأغنام) مرحبًا يا شيخ، ماذا تقصدُ بكلامك؟

الراعي: مرحباً أيها الضائع.

المسافر: أنا لستُ ضائعًا..

الراعي: نحن جميعنا ضائعون، نبحث عن الأنا بين الحياة والمجهول..

المسافر: لكن سوف أجدها.

الراعي: تجدها بعد أن تضيّعها وأنت تنظر لإحدى ساقيك المبتورة!

المسافر: ساقي المبتورة؟

الراعي: نعم، لا تنسَ أن تتأمّلَ ساقك الثالثة بتلك الأيام التي فقدتها..

المسافر: (يضحك ساخرًا) تُضحكني هذهِ الفلسفةُ التي يقولونها من دون أن يعرفوا كيف فقدت؟

الراعي: لكن يعلمون جيّدًا أنك فقدتها أثناء سباقك مع الزمن.

المسافر: وماذا تعرف عن نظام الوهمي وأنت تعيش بالصحاري؟

الراعي: صح.. الوقتُ نظامٌ وهمي إذ لم تصنعهُ الإرادة..

المسافر: الإرادة أن أصلَ إلى ما أريد.

الراعي: (يركض خلف الشاة) أنت تائه، كيف تصل إلى ما أريد؛ وأنت لا تعرف ما تريد!

المسافر: أريد أن أكتشف معالمَ الحياة..

الراعي: أنظرُ لاتّجاهاتِ يدك المشفرة، لشرايينك البارزة، لكفك البارد؛ أي معالم تكتشف بوساطتها؟

المسافر: المجهول مجهول، والأيام أيام!

الراعي: تمهّل، تمهّل، لا تركضْ سريعًا.

(يأتي طفل، ابن الراعي يحملُ معه كيسًا، يضعه بين يدي والده)

الطفل: أبي، أمي تقول: أطعم الضيف قبل أن يرحل، لعلهُ جائع.

الراعي: حبًّا لقلبِ أمّك وليديك.

المسافر: ومن أين عرفت أمّك بوجودِ الضيف؟

الطفل: الأمواتُ يعرفون ضيوفَهُمْ يا عم.

المسافر: الأموات!

الراعي: نعم الأموات؛ نحن أموات بجنائزَ مؤجلة..

المسافر: لكن لم أمتْ بعد..

الطفل: (يضحك بهمس لوالده) يبدو العم خائفًا يا أبي.

المسافر: كاللص، جعلت الخوف يتسلّل لأزقّةِ جسدي يا أيها اللعين..

الراعي: لا تخف يا أيها الضائع.

المسافر: إنّي خائف من الباب الخلفي لهذا العالم!

الطفل: يا عم، أمي دائمًا تقول لنا الحياة قصيرة، يحب أن لا نضيّعها بالتفكير حول المجهول..

الراعي: نعم يا أيها الضائع، لا تفكّر بالمجهول؛ ربما تنتهي حياتك بكلمة تحت مسمى “مطلوب دم”.

المسافر: أُقتَلْ من أجلِ جريمةٍ لم أقترفها؟!

الراعي: كل الأبرياء يندفعون ديّةً من أجلِ جرائم لم يقترفوها..

المسافر: بدأت أشكّ بصلصالِ الطين الذي خلقه منه!

الطفل: لا تقلق يا عم، الطرق تضيئها القناديل.

الراعي: أرسم خططك بقلم رصاص، من دون أن تضعَ الخطوطَ الحُمْر تحتها..

المسافر: وهل تسمح لنا الأيام بالحذف!

الراعي: تخطى التساؤلات واكتب وصيّتك على الوجهِ الثاني الورقة..

المسافر: جعلتني أتنبّأ وقت موتي غدًا.

الراعي: الأشجار لا تلوح أغصانها للأوراق قبل الخريف…

المسافر: لكن المحطّات موحشةٌ، ترسم لي القطار بلونها الرمادي (قالها وهو مغادر)

الراعي: (ينادي خلفه) قبل أن تعبّر إلى محطةٍ مجهولة، تأمل تلك المحطة التي أتيت منها وأنت لا تتذكر شيئًا.

نهايــــــة

 

Related Articles

Back to top button