عرف الكاتب سعدي عبد الكريم في مقدمة مشروعه الفكري، فهو يتوسم في المسرح القدرة على الموائمة بين العناصر الفنية والتقنية المتعددة الاشتغالات، بالارتكاز على معايير الصراع كنتاج فكري وأدبي للنص، سعيا للارتقاء بالذائقة الجمالية إثر الخيال الخصب والواقع التاريخي، ومكونات القراءة، واستثمار التقنيات السينوغرافيا الإضاءة، التقنيات الأخرى العالية الجودة لتثري المشهد المسرحي بحركة مرئية من الشاشة الخفية، ودمج بعض الأدوار المتباعدة زمانيا ومكانيا في مشاهد العرض.
واستعان النص بالأصوات لتجنب ظهور الشخصيات المقدسة، وليرفد النص بمواطن الانبهار وإنتاج نص بلغة نثرية شعرية من أجل خلق زيادة تأثيرية.
تبدأ التكوينات في استحضار صور ذهنية للمشاهدات الخيالية، مثل تكوينات السديم الأزلي، والفردوس، والأرض، والتناسل الإنساني، فيقدم الخيال لبناء التكوينات التي تعد معبرة لرسم صور لا أساس لها في الوجود، أو ربما هي من خفايا الوجود الإنساني، نجد أن الكاتب سعد عبد الكريم يريد أن يستثمر البعدين، البعد الذهني في القراءة والبعد البصري في الفرجة، والعمل على رفع كفاءة مخيلة المتلقي وقدرته التحليلية، والتي ستتعب المخرج كثيرا، الذي لا بد أن يتمتع بقدر عالية من الخيال لتركيب تلك المشاهد، مثلا السديم الأول، أحداث انفجارات، وتصادم مجرات، وتصاعد السنة النيران.
تتحول الصورة إلى مجرات سماوية، وفي الكون الثاني الفردوس، البساط الأخضر، والشجرة العالية، وصورة الشبح الشيطان، والتكوين الخامس كينونة هلامية تشبه (رحم امرأة)، تلك المشاهد تعطينا الصور الأنسب لبناء واقع تخيلي يظهر فاعلية التكوين بمعنى أقرب فاعلية المعادل الموضوعي، ومن ثم عناصر متفرقة تؤسس لحكاية الكينونة والمنحدرات الضوئية المائية، والحبل السري المعلق صوب المجهول، تداخل الأصوات صراخ المرأة في الطلق، يرتبط كل تكوين بعالم من الإحساس والإدراك، يستوعب الواقع التاريخي الإحساس بالفعل، التصور لبناء المشهد الموازي، تجليات اللاوعي حين تدعم بحوار يؤدي إلى ترجمة المتخيل الذهني
(هابيل: ـ صلوا للخالق من أجلنا، ليكون عونا لنا، لنميز ما بين المنافقين داخل نوازعنا الإنسية
– هابيل وقابيل صلوا للخالق من أجلنا، كي يتقبل منا الرب القرابين).
نجد أن مفردة القرابين استدراج زماني من فاعلية تكوين المخاض والولادة إلى فاعلية التكوين السادس، وتقديم القرابين فتدخل كربلاء من ذاكرة الحدث، الصورة الاستباقية للتاريخ والمخزونة في ذاكرة المتلقي.
(هابيل: ـ بلى أبكي على قاتلي، كما سيبكي ابن نبي مثلي على قاتليه، لانهم سيصلون بقتله نار الجحيم، وويل الجحيم
امتلك الكاتب القدرة على تجسيد التاريخ لتفاعله معه، وليشكل منه هويته العقائدية والفكرية، ولامتلاكه خيالا واسعا، ومعلومات يقينية معرفية تجعله يتعايش مع الحدث الحسيني وهو فيه، واستطاع أن يعيش الواقعة، ينقل أحداثها كمشروع وهدف أعلى، لذلك أدخل شخصية الشاعر والتي تعني عندي شخصية سعدي عبد الكريم
(الشاعر: ـ من يوقف النزيف في ذاكرة المقتول قبل النحر، من هنا بدأت المأساة منذ النشا الأول للإحياء من خاصرة الفاجعة هذه، حدثت أول جريمة قتل وسفك للدم وسأكون حاضرا، وشاهدا لما سياتي بعدها من الفواجع والماسي وأكثرها ضراوة وأكبرها جريمة واشبعها مجزرة ، إنها مأساة قتل ابن نبي، لا لشيء إلا لأنه أراد الإصلاح في الأمة، سأقتفي أثر الطاغية وسأخرجه من قبره متأخرا لينتحر.
بدأ التكوين السادس بتحريك الفعل الدرامي إلى نقطة المسار المرسوم للنص و الانطلاق عبر الصوت والصورة في المشهد، تسلط بقعة ضوء حمراء على قبر من تراب يجثم فوق تل أحمر، مرتفع وسط الباحة ينفض الشاعر تراب القبر عن يزيد ليخرج جسده منه، مثلما برع الكاتب في رسم المشهد، أظهر تمكنه في صياغة الحوار الدرامي للوصول إلى الهدف الأعلى للنص المسرحي.
– الشاعر: أنا قادم من خاصرة التاريخ من ضمير الأمة لأكون شاهدا على عصرك الدموي، ولتكون تحت وطأة الأسئلة التي لا تحتاج إلى شفاعة، فلا شفاعة لقاتل.
(يزيد: ـ لا أحد هناك يجرؤ على أن ينازعني ملكي ويخلع عن هامتي تاجي، خذوني أينما شئتم لقاع جهنم أو لنشوة كأس فلن أتراجع عن فكرة قتله)
مع نخبوية الصورة التي يرسمها سعدي عبد الكريم لكنه يعمل على نقل الحدث، حدث التاريخي ولا يخرج عنه ليكون مؤثرا، وما جاء في التكوين الثامن خربة الشام، هند أسالك عن الحسين وعن إخوته وأولاده، وعن بقية أولاد علي، أسالك عن مولاتي زينب وعن أختها أم كلثوم وعن باقي مخدرات آل النبي صلى الله عليه وآله؟
الصوت: ـ يا هند، أما دار علي فقد خلفناها تنعى أهلها، أما الحسين فذلك راسه بين يدي يزيد.
استطاع الكاتب سعدي عبد الكريم أن يقدم نصا تاريخيا، بأدوات واقعية، ومحاكمة متخيلة، وبتجربة، قدم فيها الرؤى والتصورات، ضمن أساليب عرض جديدة، مجموعة من الصور المتخيلة والدلالات المدركة والحوارات التي يرسمها الفضاء المسرحي.