للاديب علي حسين الخباز عوالم ابداعية متنوعة تاخذنا نحو ذائقة مليئة بالجمال فنقف عند جذوات هذا التنويع بين النقد الذي يسميه انطبعات وهي قراءة لمنجزات حيوية لشعراء وادباء وكتاب، وبين شعرية منجزه الشعري والقصصي في هذا الحوار فكرة محاورة تمسرحات حسينية لنعرف ماذا يعني التمسرح الحسيني ولماذا هذا العنوان ؟
ـ التمسرح اولا لإظهار المعالم الدقيقة الكامنة بين المسرح والحياة، والحياة عندي ان نتنفس الماضي برئة الغد، التمسرح عندي هو الذي يقدس خصوصية هذا الفن، حسب تعبير الدكتور حسن يوسف في كتابه “التمسرح من الاستعارة الى الخطاب” والتمسرح له خصوصية ادبية والتمسرح موجود في كل مكان.
هل التمسرح مفهوم قديم موجود في الموروث الانساني؟
ـ لا..هو مفهوم حديث وليد التحولات النقدية الحديثة، ودخل الى الساحة النقدية الفرنسية في عقد الخمسينيات من القرن المنصرم، على يد رولان بارط لكن هذا لا يمنع ان يكون له جذور في الحياة الاجتماعية للانسان، وانا أردت ان انظر في تمسرح النص الحسيني دلالات ـ وقائع ـ احداث ـ مكونات الفكر الولائي الحسيني ـ تمسرحاتي كانت بحث للاثراء الدلالي في النص الحسيني.
كيف كان اختيار تلك النصوص المتمسرحة التي درستها ومميزات التقييم؟
ـ انبثقت ظاهرة ترسيخ مفهوم المسرح الحسيني من العتبة العباسية المقدسة بدعم وحضور اكاديميات عراقية ومنها ظهرت رغبة انشاء مكتبة نصية للمسرح الحسيني، الملاحظ خلال عقود من الازمنة لا توجد في المكتبة العربية سوى بعض النصوص المسرحية القليلة، مثل مسرحية “الحسين ثائرا” و”الحسين شهيدا” للكاتب عبد الرحمن الشرقاوي. ومسرحية “ثانية يجيء الحسين” للشاعر والكاتب محمد علي الخفاجي. ومسرحية “هكذا تكلم الحسين عليه السلام” ومسرحيات عدنان مردم ،كان مسعى العتبة العباسية هو ترسيخ مفهوم المسرح الحسيني، من اجل استثمار الواقعة فنيا، واستثمار عوالم الملحمة الحسينية لتغيير المجتمع ،وكان المرتكز حينها وضع اطر عملية لامتلاك مقومات العناصر الدرامية فعملنا على ترسيخ المسرح الحسيني في مهرجان المسرح الحسيني في العتبة العباسية المقدسة ومنه وردت توصيات اللجنة المنظمة بإقامة مسابقات للنص الحسيني، شارك في هذا المرتقى عشرات الكتاب واصبحت لدينا عشرات النصوص لننشئ منها مكتبة نصية عامرة بأسماء كتاب لهم حضورهم الفني المثابر، جات التمسرحات لتعمل ضمن هذا المحور محور النصوص المشاركة لتبحث في تمسرحات هذه المشاركات الفاعلة.
ما الذي اردت ان توله في هذه التمسرحات؟
ـ اردت ان اقول :ـ أن عوالم التنظير لابد ان تتبع عوالم الابداع فكل نص من هذه النصوص هو مدرسة قائمة بحد ذاتها منها تستخرج قانونها الخاص
هل تغيرت اساليب الكتابة في هذه المسابقة ام بقت نمطية تتبع خطى الواقعة المقدسة ؟
ـ هذا ما ارادت التمسرحات ان تقوله، ان النص المسرحي الحداثوي استطاع كسر نمطية المألوف، راح يبحث عن الدهشة لكون القضية واسعة المضمون كثيرة الاحداث تستوعب التألق.
هذا يعني انك بحثت في مميزات كل نص مسرحي؟
ـ هذه هي فكرة التمسرحات مثلا الكاتب المسرحي عبد الحميد هاشم شلش، اسم لم يظهر بقوة في عالم المسرح لكنه ظهر في النص الحسيني واثار فلسفة الغواية في عملية التكبر بدءا من ابليس الى الشمر، اراد ان يقول هذا الكاتب ان الشيطان يعد رؤية منحرفة ترى الاصلاح الحسيني تخريب للقيم الصالحة، نجد في ثنايا النص تجربة تأويلية عالية الجمال، النص جريء صور في فرضياته ان الشيطان يريد من الحسين عليه السلام ان يترك الميدان ويجلس للفتوى، فالناس احوج اليه من سل السيوف.
هذا يعني ان بحثك يختص في تقنيات الكتابة؟
ـ لم لا اذا كانت هذه التقنيات تبرز سمة التفاعل مع الحدث التاريخي باعتبار ان التاريخ هو مسند من مساند الدعم التكويني في النص المسرحي، مثلا الكاتب والمخرج المرحوم (عبد الكاظم حسوني) رحمه الله قدم مسرحية الى المسابقة بعنوان” المسيرة الخالدة” استخدم فيها عمل تسجيلي وثق من خلاله الرسائل التي وردت الى الحسين عليه السلام، وراح الى عمق التاريخ ليسلط الضوء على عرش ببلاطس عظيم الروم، الذي كان يحزب الحشود ضد عيسى ثم ينقل الصورة الى الملك هيردوس وهو يجلس تحت تحريض سالومي ليقتل يحي بن زكريا ويعود يربط الاحداث بيزيد وهو يتلقى رأس الحسين عليه السلام، هنا لو تنظرين الى ثقافة هذا النص الحسيني.
الان اقتنعت ان المسرح الحسيني هو يختلف عن التشابيه التي كانت تجسد الواقعة كل عام؟
ـ انا قلت لك ان لكل نص قانونه الخاص، فهناك مسرحيات تعتمد على الوجود التاريخي لكن هذا يحدث عندما نريد ان نقرأ التاريخ برؤية الحدث، مثلا مسرحية الكاتب (سيف الموسوي) / سفير النهضة الحسينية / كان نصه عبارة عن ذاكرة معرفية تنهل من التاريخ الوقائع المنقولة، هذه الحالة بطبيعتها تنهك منطقة الابداع الفكري نحن نريد في المسرح الحسيني ان ننقل مشاهدة هذه الاحداث من العين الى رؤيتها بالقلب الى العقل الى الضمير ، لنجعل ضمير المتلقي هو الذي يرى تلك الاحداث التاريخية يتعايش معها ويتأثر بها التاريخ هو مصدر معرفي والنص مسار وجداني.
واقعة وحدث تاريخي حقيقي كيف يدخل المتخيل بينها كيف يدخل الى واقعي داخل هذا الواقع ؟
ـ قلنا ان النص المسرحي هو قراءة كاتب لاحداث التاريخ ممكن ان تكون هذه القراءة عن حدث ما في مسير الاحداث او ربما تكون عن عبارة أو عن لمحة متخيلة ترد من الواقع هي متخيلة وتسمى هذه الحالة المعادل الموضوعي أي النظير كما رأت مولاتي زينب عليها السلام تلك الواقعة والذبح والقتل جميلا لكونها رات روح الواقعة تفسيرها الكوني المعنوي، فالنظير الموضوعي هو الذي تتجلى فيه موهبة المبدع، احدثك عن نص مسرحي اشترك ايضا في مسابقة النص المسرحي في العتبة العباسية المقدسة بعنوان ( لبيك يا حسين ) للكاتب المسرحي والشاعر ( سلام محمد البناي ) قدم لنا شخصية مجهولة من شخصيات الطف المشكلة ان هذه الشخصية المجهولة هي من انصار الحسين عليه السلام، ذكاء النص في مجهولية هذا الفارس الايجابي لكون رموز الطف دائما نعطيهم كامل الوثوق جميعهم ناس بلا صراعات نفسية داخلية ليس عندهم قلق ولا هواجس هذا الفارس المجهول خالف هذه القاعدة، تجرأ الكاتب البناي ليقدم لنا شخصية عاشت الصراع هذا الفارس انسان ايضا له ما لأي انسان من مشاعر واحاسيس، الشخصية الايجابية في نص الشاعر سلام عاشت عوامل التضاد الخوف والقلق، كيف لمثل هذا الشخصية ان تتواجد مع رموز الضمير زهير بن القين الذي ترك ماله وعياله ومع حبيب بن مظاهر وسعد بن عبد الله الحنفي ووهب وعابس ، كيف لهذا الرجل ان يدخل ضمن قائمة اصحابي خير الاصحاب ، هذا الرمز الذي رسمه لنا سلام البناي يتسائل من لزوجتي وعيالي، الذكاء هو انه استخدم اسم الاشارة، ليقول انه عاش الواقعة هذا الرمز المجهول تارة يعاتب نفسه على ترك الحسين عليه السلام وتارة يهرب، هذه المضامين الدلالية هي التي خلقت الوعي الابداعي منح النص المسرحي حراكه ليرجع الى نصرته يحمل الايمان فوزا ويقينا.
يمكن ان نقول ان عظمة المسرح تكمن في البحث عن مفردات التاريخ لابراز هذه الماضي عبرة وعبرة ؟
ـ القضية الحسينية لاتقف عند الحزن والمواساة،ولا تقعد عند منكسر المصائبية، النص الحسيني يذهب الى فلسفة التواصل الجماهيري، البحث عن وعي الرؤية، ففي نص الكاتبة المبدعة (سحر الشامي) المعنون “مواسم العطش” في رؤيا ترى الحسين عليه السلام يطلب منا الماء الآن، مناقشة ذكية وهذا هو العمق الفلسفي ماذا يفعل الامام الحسين عليه السلام الآن بالماء؟، تريد الكاتبة ان تقول ان العطش الحسيني ينتقل فينا نحن الذيم لم نفهم الى اليوم معنى الطف الحسيني ولماذا كاتن العطش هو محور الهوية الوجدانية، الجرأة المعروضة في النص جرأة فكرية، التفتيش عن طريق نجهله.
جعلتني ارى النص المسرحي عبارة عن صفحة انتماء روحي الى الطف الحسيني
ـ احسنت .. هو انتماء واعي ضد سبل التعصب ـ اي انها تمتلك افق فكري أرحب لمعنى الدين، ساعطيك مثلا مسرحية “نور الله” للكاتب والفنان(سامي نسيم) ذهب الى تعميق مفهوم الانتماء الروحي، احداث المسرحية كانت عن المشاية لكن مشاية (سامي نسيم) جمعت العديد من الهويات ومن الانتماءات الدينية والمذهبية للشاعر والكاتب والفنان والرياضي فيهم المسيحي وفيهم المسلم مع تفرع منح مميزات التنوع لنصه المسرحي واستثمر وجود الشاعر وليس هناك ملهم اجمل من طريق الحسين، ولو انتبهنا الى مسرحية”ما الذي حدث” للكاتبة (زينب محمد حسين) لوجدنا الابعاد الانسانية اشتغلت على مصطلح الانسنة، جمعت جميع التواريخ، السنوات المختصة بمناسبات اهل البيت عليهم السلام عام 3هـ وعام 50 هـ وعام 61 هـ وحضور لزيارة الناحية المقدسة وشخصية نهر العلقمي وشخصية السهم والحجر وحوافر الخيل جميعها تؤدى من قبل مجاميع اطفال للغوص في عمق البنية النصية لإبراز جوهر المعنى، تبنى المثقفون الواقعة الحسينية المباركة كمش روع ثقافي بكل ما يمتلك من سطوة تأثيرية تستطيع ان تخلق الانبهار وخصوصية الطف هي من ارقى مقومات الهوية، الكاتب المسرحي والناقد (عبد علي حسن) كتب مسرحية “حين ينتصر الدم ” بدأ النص بحكمة ( حين تتجلى الحقيقة تختفي الحجب ) بلغة شعرية ماثلت الماضي بلغة العصر ،
مسابقة النص المسرحي على ما يبدو استوعبت كتاب المسرح وصنعت حراكا فكريا لجذب الكثير الى عوالم المسرح
ـ لايستطيع حوارا مثل هذال الحوار ان يسلط الضوء على جميع التمسرحات، لكن هناك نماذج متقدمة فعلت مسيرتها، الكاتب اركان محمد العتابي في “رؤوس واجساد” والكاتب المسرحي عدي المختار في “هستريا الدم” واسماء كبيرة لايسعها الحوار وهناك نماذج يافعة استطاعت ان تبني لها اسما مثل تجربة الكاتب (خيري مزبان) هذا الكاتب ينتمي الى المواكب الحسينية الى رابطة الغدير التي انطلقت من هذا المؤتمر ليكون لها كاتبها ومخرجها ونقرأ نصه “الرأس على القنا”. اذ ركز النص على مشهد الذبح الذي ارعب الاحداث وكذلك احتوت تجربة تمسرحات اسماء كتاب وكاتبات مثل: ( زينب علاء في مسرحية “سنبلة وتجربة” الكاتب الكبير المرحوم (احمد كاطع جدوع) الذي قدم للمهرجان العديد من المسرحيات وقدمت تمسرحات مسرحية “طقس الفراغ العظيم “، وتمسرحات قدمت ايضا كتاب مهمين وتجارب تباينت مستوياتها واساليب تناولها لقضايا التاريخ، منهم الكاتب الشهيد الشيخ ابراهيم راضي العامري رحمه الله في مسرحية “غريب الكوفة ” كتب البساطة ليحتوي الشمولية شمولية التوصيل، وقدمت تمسرحات اسماء كبيرة والكاتب الدكتور (محمد حمزة الشيباني) والدكتو ر (مسلم بديري) والكاتبة السورية (بارعة مهدي البديري) والفنان (جاسم فياض) والشاعر (نعيم مسافر ) والكاتب (رضا الخفاجي) واسماء كتاب لم تحتويهم الذاكرة لكن اكيد سيحتويهم الضمير ،
سفر جميل قضيناه مع تمسرحات الأديب علي حسين الخباز ليكشف لنا قدرة النهوض لمبدعنا وقوة تماثلهم مع مواقف الانتماء والتفاعل مع جذوة التأريخ واقعة الطف شكرا لضيفنا وشكرا لكم