نصوصنصوص مسرحية

نص مسرحي: “ أجنة في ارحام شكسبيرية “/ تأليف: منير راضي (حصريا)

                  (تغلق كل منافذ الحياة الا منافذ الارواح, تبقى مشرعة بوجه الناس والحجارة)

 

  1. السارد- المخرج
  2. عطيل
  3. دزديمونة
  4. أوفيليا
  5. هاملت
  6. ياجو
  7. الصوت

 

بيئة العرض:

خشبة المسرح بتأثيثها المكاني عبارة عن غرفة في شقة صغيرة وبسيطة في وسط البلد حيث تقع في مكان قريب على ساحل البحر الذي يعج بمراكبه وبواخره التجارية وامواجه التي تلف كل ما تمر به من حيوانات واصوات النوارس التي تحلق هنا وهناك, الغرفة تحتوي على سرير وكرسي ومنضدة يتوسطها شمعدان – خزانة ملابس- مجموعة من الكتب تنتشر هنا وهناك في ارجاء الغرفة- بوسترات  وصور لبعض الاعمال المسرحية الشكسبيرية لهاملت ومكبث وملك لير وعطيل ويوليوس قيصر- نافذة ذات ستارة بيضاء مخملية تطل على شرفة صغيرة, يفتح الستار عن خشبة المسرح حيث نرى فقط انوار الشمعدان تتكسر في زحمة الريح المتدفقة من شباك الشرفة المفتوح, يتقدم رجل ستيني بخطى متعبة من بين الجمهور يتصاعد دخان سيجارته من بين اصابعه واليد الاخرى تحمل حقيبة صغيرة ويصعد ليدخل الغرفة التي يكون بابها مفتوح من احد جوانب الديكور الجانبية ويتجه لغلقه, مؤثر صوتي مناسب لهذا الايقاع البصري والنفسي معا في ليلة شتائية, مجموعة الاشباح ترتدي العباءة الخضراء الشفاف وهذا اللون هو عنوان الباحثين عن الحقيقة في العصر الاليزبيثي)

السارد: (يغلق الباب  ويتوجه الى نافذة الغرفة يقف متأملا) أنا لا أكتفى بحياةة واحدة او قلب واحد ولا حتى عقل واحد, وانما اكتفي بفكر واحد, لأنني لا احب مشاركة الاخرين بجنوني, ولا أحد ينكر أن هناك صعوبات كثيرة في اقتناء ما تحب ان تملك (يغلق النافذة) الفن هو عالم المجانين, نعمل تحت عباءته ونقرأ ونكتب كي نتنفس, والاخرون عليهم ان يتنفسوا الوجدانيات لا الفردانيات يتحرك  بتثاقل ويقف عند حمالة الملابس حيث ينزع ما عليه الا من سروال ابيض طويل وخشن وفانيلا صوف ثم يتجه الى السرير ويجلس, صمت)

الصوت: الا زلت تأنَّس بالانا المسيطرة في وحدتك المقيتة هذه؟

( السارد يمسك بصدره ثم رأسه)

السارد: (يبتسم) الم تكف عن ضجيج رأسي واشعال  لهيب موقده يوميا ( تسقط مجموعة  كتب واوراق من ابواب خزانة الكتب بشكل مفاجئ) أنظر الى هذا التساقط كأنه سبغه لما تقول,  وكأنها رفض لماضي بعيد او تمرد على اكتشاف وعي جديد في مرحلة عدادات الموت الاخيرة, ارجوك اخرج من باحة حياتي الى حيث تشتهي من النعم وما انت بتابعي وما انا بتابعك, سنين وانت تقض مضجعي

( طرق على باب الغرفة وبشكل متكرر)

الصوت: انت كخزانة الورق ان اصفرت بتقادم الزمن ستجد نفسك جثة على ارصفة المدينة التي تعشها بتقادم العمر

السارد: (ينهض غير مبالي ويتحرك نحو الباب) هذه الخزانات لم تلعن افلاسها يوما ما, وهي تحتفظ بكل اسرار الماضي والحاضر

الصوت: دواخلها موتى, لم يبقى فيها سوى الْمَرَاثِي في اوراق باليه, ستكون طعام لحرشفيات الأجنحة

السارد: (يتوقف السارد عند الباب) منها تنبعث الارواح كي تجدد الحياة في نبض الموت

(يفتح الباب وتدخل مجموعة من الارواح وهي منتشيه كأنها تدخل الى حفلة سمر حيث تنتشر في ارجاء الغرفة ثم يغلق الباب ويكمل حديثه دون مراعاته للأشباح )

السارد: يقول سارتر, ان المسؤولية عند الكاتب او المخرج او الفنان النبيل, هو ذاك الشخص الذي يتدخل في شؤون الاخرين فيحصل له ما يحصل, وهذا ما جنيته أنا, وهاهم يوميا كعادتهم, سكارى وما هم بسكارى, انها صورة هوليودية من الجحيم جاءت كي تنتقم من زمن مفقود فكنت انا دالته

الصوت: انها كونفيدرالية الارواح التي تسكن رأسك انت وحدك

السارد: وعليه, فالانا الموحدة ستكون غير موجودة اذن

الصوت: بل هنالك اتحاد انات ايها الحاذق وستكون في كل محطة من مراحل الحياة وانت احد هذه المحطات

السارد: بل هي الانا القائدة وان الروح التي تتماشى مع هذه المفاهيم هي روح متعددة (الارواح  تصفق وصَّفِيرِ  بشكل ساخر)

الصوت: انظر اليهم كيف يسخرون منك

السارد: انهم يحبون الهوس, هنالك ألم وشرخ كبير في مسار حياتهم قد اوجده احدهم في

مسارات موتهم, وانا قد اعتدت على ذلك, انهم يتهموني بالاشتراك في تبني هذا الامر

الصوت: بل قل انك تهرب بجلدك منهم كل يوم دون مراعات لما جاؤوا من اجله

السارد: لحد الان لم تدركوا جميعا ان العالم ما عاد يحتاج رجال اساطير فقد ولى زمن آدم المغير

الصوت: بل يبقى آدم ذلك المختار حتى لو نفي الكون كله

السارد: اطمئن لن اكون ذلك ألآدم الاخير في نسيج كونك

(الارواح تضحك  بشكل ساخر ثم يشكلون حلقه في ما بينهم ويتهامسون)

الصوت: انهم يتهامسون من جديد, ستبدأ حلبة صراعهم معك من جديد لأنك لم تنصر رايتهم امام من ظلمهم

السارد: هذه اللعبة انا لم اكن طرفا بها انما من كتبهم ورمى بهم بين طَيَّات صفحات المجلدات وحدد مصيرهم في دنياهم ومستقبلهم

الصوت: انك دائم التهرب من المواجه

(السارد يتحرك ويجلس على الطاولة وكأنه يتحدث مع الشمعدان حيث تلتف حوله الارواح على شكل نصف قوس)

السارد(وكأنه مسجى على دكة الموتى) قد يكون هذا العشاء الاخير لي, أني ارى غراب  الموت ينشد لحني الاخير, هل نطفأ المصباح

شبح عطيل: ( وهو مخمور) كي تطفأ المصباح ستحتاج الى منديل ودليل, ولكنكم كتفيتم برائحة ولون ذلك المنديل المعتق بعبق رائحة الغرام الاسود

شبح يا جو: (مع السارد ) ودون ان تنظروا الى تقاسيم وجهي, بل اكتفيتم بحمرة سحنتي لتنتصروا به من سواد وجه ذاك المغربي

شبح عطيل: والذي هو أنا (يخاطب السارد)  انت كيف اقتنعت بهذه الخديعة التي صاغ حبالها ذلك الساذج وبقبضة يد تطبق حول رقبة مرمر صقيل (يصرخ)  أه لقد كان كل شيء معدا بإتقان على مائدة اغتيالك يا حبيبة الفؤاد دزدمونة

شبح يا جو: وكان حكمكم عاهرا دون ان تنتصروا لتلك الومضة المخنوقة على سرير الطهر, انكم اوباش ايها السارد

( يضحك الجميع بسخرية)

السارد: أنا الان في مُناجاة  الروح الاخيرة ولكن ما يؤلمني هو أنينها

شبح عطيل: (يقترب برأسه من الشمعدان ويطفأ شمعة واحدة) سيتوقف انينك حين تنام في ابدية شقائك الاخير

شبح يا جو: (مع السارد) اتعرف, لقد جئناك من بين الارضين السبع كي نفتح جراحات غائرة بالروح منذ دهور

شبح عطيل: نحن هنا نريد ان نغادر موتنا الماضي حتى نعانق موت اكثر كرامة دون غدر او خيانة او مكر, لا كما فعل ذلك الكاتب جهرا وبلا حياء, دهورا مضت ونحن ننبش في جدران أَقْبِيَة العالم السفلي كي ننفذ الى عالمك حتى يعرف الزمن خيوط خبائث قصصنا

شبح دزديمونة: ( مع السارد) اتعرف, انت من جعلت نفسك جادة للقتلة وفسطاط المارين  العابرين الى ملكوت الوهم, كيف اقتنعت بفاجعة يكون فيها منديل صغير صاغ منه ذلك الماكر كفنا لف الجميع على دكة الموتى

السارد: دزديمونة يا قبلة الطهر في عشق مغدور, الم اقل لك انني حاولت لكن تداعيات الحكاية كان فيها القدر هو الرابح الاخير, عطيل شكّ أكثر مما يجب; فقتلك, وأحبّ أكثر مما يجب; فقتل نفسه

شبح دزديمونة: لقد كنت انا على ذمة رجل لم يهادن او يتراجع  عن انتمائه لنسبه فأفق عينيه بخديعة رجل مغامر اراد منه سلب رجولته وانتم غدرتم به وشاركتم بجريمة مفترضه من اجل ارضاء اصحاب الفخامة والعرق والنسب

شبح يا جو: سيدي عطيل, يقال ان المرأة عندكم هي عبارة عن عورة تقض  مضاجع الرجال

شبح عطيل: (عطيل يمسك برقبة يا جو ويطرحه ارضا ويجلس على صدره) صَهْ ايها الفاشي, لا مزاح مع عفة طهر آدميتنا

شبح دزديمونة: الا زلت تتبع الاهواء في جدالك مع من يريد الاستفهام يا عزيزي

شبح عطيل: بل من اجل عفة اخرى لا تقل عن هيبة ناموس الرجال طهارة

السارد: انت تحاول ان ترمم ما سقط منك ليلتها, ان الشك هو شرور الدنيا وقد بالغت فيه حد الشروع في القتل من اجل قطعة منديل. كان هو دليلك الدامي

شبح يا جو: (وهو لازال تحت قبضة عطيل) انت يا سيدي, كنت طرد من طرود ذلك الشك

شبح  دزديمونة: (ترفع يد عطيل وتضعها فوق رقبتها وتستلقي بمكان يا جو ) شممت رائحة يديك وهي تطبق على رقبتي بكل قسوة, فقلت لك, سيدي عطيل امنح شكك بعض الانتظار كي يتطهر من دنس لم ارتكبه انا

السارد: لقد وقعَ في أشدِّ التخبط , كان عليك الانتظار

شبح عطيل: انا اكره الانتظار, كان لابد من وسيلة  كي اتخلص من عفونة احشائك  كما زعم ذلك الماكر( بغضب)

شبح دزديمونة: لم اكن يوما ما رحم مستباح يا سيدي

السارد: ان للشك موائد لشهوات شيطانية, فكنت انت موقدا لها دون معرفة من اوقدها في قلبك

عطيل: انا لست بعَطِنَة من ثمار الشيطان ايها المارق

شبح دزديمونة: ان للشك أجنة لا يصمد فيها اشد الرجال يا حبيبي

شبح يا جو: انت ايها السارد, في زمنكم هذا لا سواتر تمنع دخول أجنة الغرباء من الرجال, اجنة تقذف في ارحام حالكة, ضاع فيها  الزمن والمسافات في عصركم هذا, اتنكر ذلك

شبح عطيل: (يا جو ودزديمونة يقتربون من عطيل ويطفئوا الشمعة الثانية) ان القدر  تمكن منا في المرة الاولى ولكن الايام القادمة ستقرأ الاجيال سر ما ادخر لهم ذلك الكاتب الماكر, اننا سنعيد مغازلة التاريخ من جديد ونكتب من يريد ان يتطهر من دنس التاريخ, فليقرأ عطيل بدون استعارات وبدون لسان مبتل بقبح الكذب والخديعة

السارد: اتعرف ما معنى اسم عطيل، معناه, الحَذِرْ, وللأسف ومن وجهة نظري الشخصية أن عطيل, الحذِر, لم يكن اسماً على مسمّى, ولم يكن حذِراً بما فيه الكِفاية, وهذا بالضبط ما يسمّونه سُخرية القدَر او لنقل تهور أحمق

شبح دزديمونة: (تهمس للسارد) انتم الان في خارطة  وجودكم الآدمي فيها من الحماقات ما يعادل كل مكائد ودسائس وانقلابات العصر الإليزابيثي

شبح يا جو: انتم الان في حروب مشوهة ولدة من ارحامها اولاد مشردين تائهين في زمن العولمة ورائحة البترول النقي, امهات التحفن الرصيف من اجل رغيف خبز عفن

عطيل: ان وجودكم الآدمي الان على مشارف الاغتراب وستبكون على احلامكم التي ستتوارى كالدخان, واقعكم الان في الصحف والمذياع يلفه لغم الازمات والخيبات والقتل والتشريد, المرأة  عندكم عورة عرجاء تسبى وتباع, هذا ما لمسناه من تجوالنا بين ظَهْرَانَيْكم في كل يوم

شبح يا جو: ابناء عصركم ايها السارد يولدون اليوم من رحم  الظُلُمات ويساقون كالأضاحي الى مقابر السعير, سيحكم فيكم الصبيان بدولة راعية للسبي والنحر على العرق والنسل, انا يا جو عين الخديعة كما تقولون عني, ولكني الان اكثر طهرا من عصركم هذا, ان ما قدره لي قلم ذلك الكاتب الماكر ما هو الا عفطة عنز في  ويلاتكم المظلمة الان

عطيل: ربما هكذا خلقت انا الا اني الان اجيد لعبة  الجنون الذي ابتدعها لي ذلك الانكليزي الذي جعل العار والخطيئة في قتل حبيبتي دزديمونة تطاردني منذ عشرات الاجيال, الان ادركت ان هذا الوجع السرمدي سينتهي في آخر ليلة معك, ولكن قلي ايها السارد اين انت من عصركم هذا, وانت يوميا تلوك بفروة رؤوسنا,

دزديمونة: خائنة, فاسقة, فاجرة

عطيل: انها علل مزروعة في خاصرة الصحراء

دزديمونة: اين حمرتك ايها الخجل, اليس هذه الالقاب ختمتم بها جباهنا انت وصاحبك

عطيل: (يذهب الى دزديمونة ويمسك بها كأنه يمثل) أحبك ولو سامني حبك عذاب الجحيم, فإذا انصرفت عن هواك يومًا, فهنالك تعاودني الفوضى والظلمات, أنظر من حولك ايها السارد كم من  الظلمات انتم فيه الان, جولتك وجولة ذلك الكاتب هذه الليلة ستكون خاسرة

السارد: قد يكون انتم الان في نزوة انتصار اسْتَبَاحَ ليلتي الاخيرة

شبح دزديمونة: هذه الليلة سنفوز بجولتها جميعا, اما انت وذاك الانكليزي ستربحون جولة خاسرة  هنا ايها السارد,,

(يا جو ودزديمونة وعطيل يطفئوا الشمعة الثالثة ثم يرفعون الكؤوس كأنهم يشربون نخب الانتصار)

السارد: نحن الان نعيش في زمن اخر وفكر ليس له حدود, ان التقصي والبحث عن الحقيقة  كان يجب ان يكون من داخل الذات البشرية, كل ليلة يبدأ هذا السمر من العنف الروحي, انا في ايامي الاخيرة, اريد ان ابدأ حياة اخرى مع النوم الازلي, في ايامكم تلك كان عندكم يا جو واحد وبروتس واحد وقيصر واحد وام خائنة وبنات عاقات الأبوة وماكبث غادر وهاملت حالم, اما الان فيولد في كل لحظة ما يعادل ما ذكرته الف مرة الا من هاملت بقي حبيس الحلم ليومنا هذا, ارجوكم كفاكم  تقريعي لذنب لم اكن طرف فيه, اشكروا نعمت الرب انكم لستم من هذا العصر الذي يعج بكل الموبقات

(الاخرون يصفقون بفرحة الانتصار بحرارة بينما عطيل و يا جو ودزديمونة يحيون الجمهور بفرح مبالغ فيه)

هاملت: (يقفز الى الطاولة وينحني قرب الشمع الرابعة امام السارد) أطفأت الشمع وعدت جريا كالوحوش الى إلسينور قلعة الدنمارك العظيمة بعد اخبار الغدر والخيانة والقتل  بملكي الذي هو أبي

السارد: لقد كان ملكا مثاليا, أحبه شعبه وأحب شعبه, لذا كثر حساده ومبغضيه

هاملت: هذه الفاجعة والموت هي من القدريات المسلمات كما يقول شاعرك الدعي, ولكني صدمة, بصدمة أخرى غير موت أبي ، زواج أمي النجيبة من عمي كلاوديوس وجلوسه على العرش رغم أني الوريث الشرعي لأبي.

( أوفيليا، تقدم  كأس من الشراب الى السارد)

السارد: (يتناول الكأس, عطيل يذهب ويعانق هاملت, دزديمونة تحتضن اوفيليا, يا جو  يملأ الكأس مرة اخرى للسارد) نحن الان نعيش في اسواق وحانات من الخيانات والغدر, السلطة العالمية الان هي من تحدد خطوط العيش لهذا او ذاك, هجرة ومهجرين, انقلابات وانفلات, العالم الان تحت خريطة واحدة, من يملك العصى هو من يقود القطيع

هاملت: لا تفر من حكايتي, أكمل

السارد: انت يا هملت اعْتَبَرَت أن زواج امك من عمك لهو إثم كبير وتظن أن خلف الأحداث تقبع أسوأ الحقائق، وفي ليلة من ليالي الشتاء المظلمة يصعد صديقك هوراشيو إلى سور القلعة ليتحدث مع الحراس ولكنهم يخبرانه برؤية شبح يشبه الملك الراحل، ويتصادف أن يراه هوراشيو هو الأخر، فيخبر هاملت بذلك

هاملت: انا الجندي الشهيد بعد موت ابي, شهيد مسموم بغدر الخسة والخيانة التي صاغها ذلك الشيطان, أليس النفس أمارة بالسوء, ولكن الاكثر سوَّأَ هو من يتلاعب بأقدار الناس فجعلني هذا الانجليزي بهذه القدرية المجنونة بعفة أمي وعشقها الوثني وهدر دم أبي, يا روحي لا ترجفي فلا زلنا في اول الليل (تتحرك ستائر النافذة فيصيح هاملت) انه جرذ, انه جرذ قد دخل مع اول الخيانات ( يطعن الستار)

 اوفيليا: (تهرع الى الستار) يا إلهي انه أبي كان في الصدفة هناك

هاملت: الصدفة تلعب أحيانا أدوارا ثانوية في الحياة، لكنَّ الفلسفة تقرر أن الصدفة هي طريق تجلي الضرورة اليس كذلك ايها السارد

السارد: ونحن كمشتغلين في هذه الوقائع خرجنا بسؤال لم يتطرق له الباحثين في فاجعتك يا هاملت, وهو, لماذا كان بولونيوس مستشار الملك وأب أوفيليا اول ضحية في هذه الاحداث, رغم ان الحواشي دائما يفلتون من الازمات

هاملت: بولونيوس وامثاله من الحاشية قد أخذوا نصيبهم من التآكل والنسيان

السارد: كل شارده ووارده في السلطة لا تمر الا عن طريق هؤلاء الحواشي في زمنكم, اما في  زمننا هذا, فللحواشي الان ترجع كل الامور

أوفيليا: كان ابي الخادم الامين للملك والمملكة ولكن غدر به صاحبك الكاتب وجعل منه جاسوسا  وعين للسلطة التي ذبحت الملك المغدور

هاملت: ارجعك بسؤالي اياه, لماذا يقتل بولونيوس ولماذا يكون أول قتيل  في فاجعتي وبعد ذلك يذبح الجميع كالخراف

السارد: لأنه كان جاسوس للملك القاتل بل جاسوسا حتى على بيته, كان كثير التدخل الفظ في الشؤون  الشخصية حتى على أبنته أوفيليا وتوجيهها كقطعة شطرنج وتحذيرها منك وأن لا تصدق نوبات جنونك وادعائك الحب لها

اوفيليا: هل هذا تصورك المعاصر ام انت تقاد بما يقوله ذاك الكاتب

السارد: أباك هو أول من نعت هاملت بالمجنون فلقد ربط بين غرابة تصرفه معك وذهاب عقله, ثم عاد فعزا جنونه الى صدوده عنك ورفضك له

هاملت:أن أوفيليا المسكينة جعلها ذلك الماكر الكاتب تلعب دورا خبيثا مرسوما لها بدقة, وأنها ضحية مؤامرة قذرة هدفها اثبات أن هاملت الذي هو انا, لمجنون

اوفيليا: ذلك اللقاء الذي حاك خيوطه كاتبك نبيل الشهرة ولكنه مكر بي ايها السارد, اتذكر يا حبيبي هاملت كيف كنت معي قاسي القلب وسليط اللسان في ذلك اللقاء المدبر خسة ومكرا, كنت في هذا اللقاء تسخر مني وتنفي بشدة أن تكون قد قدمت لي الهدايا كحبيبين وكنت تسألني أسئلة جارحة ومذلة وغريبة

(هاملت واوفيليا يدخلون حلبة التمثيل )

هاملت: هل أنت شريفة ؟

اوفيليا: اني أتنفسك طهرا فكيف للدنس ان يجد للقلب طريقا

السارد: (وهو يمسك برأسه) آه يا وجعي

هاملت: هل أنت عادلة

اوفيليا: انت الوجه الوحيد المضاء في سماء شرفتي, كنت ابحث عن ظلك فوجدته ينهمر في طيات امواج البحر فرميت نفسي اليك بلهفة الغريق

السارد: ونحن من خلقنا لهم وجوه اخرى حتى نغير اللعبة

هاملت: أأنت فاضلة

السارد: نحن قد شاطرنا الأبالسة في صنع رغيف من نار الجحيم

اوفيليا: انت أخر رسائل السماء للحالمين وعابري السبيل الباحثين عن الحقيقة المثلى فوثقت بك ايها لحبيب والامير هاملت

السارد: نحن اناس تفوح من ارواحها رائحة الريا ففتكنا بهذا الحلم

هاملت: ايها الرب انها راهبة دون دير, ايها الكاتب المخادع من اين لك هذا الذي تدعيه مكرا بأوفيليا العفيفة, ايها الرب انها منديل ابيض كندف الثلج,

اوفيليا: ان من يقطن خلف هذه الاحداث الا ظل ابليس, فماذا يعني موت عوائل بأكملها, ملوك وأمراء بمؤامرة اغتيال وسم زعاف, يتتابع الموت عليها على أساس, رجل – امرأة – رجل- امرأة- رجل – رجل- رجل,, مملكة أفنيت بساعة صفر شيطاني, لماذا؟

هاملت: ايها السارد, لقد انفضح الان حبر ذلك الكاتب السحري, لن نشقى او نحرق في جمرات غفلتنا بعد الان, ولن تكون لشاعرك الشكسبيري ساعة صفر اخرى

السارد: البحث عن الحقيقة أمر مهلك أيها الشبح الهاملتي

هاملت: مهلك نعم, عمي قاتل ابي والان هو زوج امي, دخلت عليه وكان جاثيا يصلي, لقد احجمت على قتله وقد كنت قادرا على ذلك, ولكن لو قتلته ساعة الصلاة فانه بذلك سيمهد له طريق الشهيد , والشهداء يصعدون الى السماء دون كفن او غسل, وحتى لا تتسخ صفوة السماء تراجعت عن ذبحه

اوفيليا: عليك ان توقد في رأسك سراج يضيء بصيرتك لمعرفة خبايا السلطة أيها السارد

السارد: سلطة الحاكم والمحكوم في زمننا هذا يتجلى في الخوف, والخوف اليوم معصوب العينين, في يومنا هذا لا مزاح مع الحاكم والسلطة

هاملت: السلطة, تحكمها القضبان, والنبل الفني يحكمه الشعب, ولكن كيف يفهم من لا يبصر معنى البصر, كيف يصبح العمى صحيحاً بينما البصر مرضاً

السارد: ان السلطة لها يدين وعينين وفم وتلتهم كل شيء,عصرنا الان اشبه بمدينة حراسها موتى وزبانية الجحيم

( الجميع يتحركون بحركة دائرية حول المنضدة وبصوت واحد)

الجميع: أين الفنان من صورة عصره,, اين الفنان من قتلت شعبه, اين الفنان من شرف الكلمة,,, اين صوت الفنان من طاغية زمانه

السارد: (ينهض متوترا ويذهب لفتح نافذة الشرفة وتنطفي جميع شموع الشمعدان ويصرخ)  آه ايها الانت, انت يا غراب عصرك, ماذا فعلت بمكرك ودهائك,, ها هم ضحاياك  يرمى بهم الى متون العالم السفلي,, ايتها الارواح تعالي لهذه الليلة, ليلة ما بعدها ليلة, فيها ترقص الذئاب والحملان معا, يصيح) يوليوس قيصر، الملك جون،  الملك لير، ريتشارد الثاني،  هنري الرابع، هنري الخامس، هنري السادس، وهنري الثامن, يا ماكبث, يا انطونيو, يا روميو,, الليلة ينبح التاج عويلا لكرسي الحكم, سلطة العرش يشرب فيها الان نخب كرسي الدم فأين انتم من هذا

هاملت: وتدور الدوائر,, تنتهي بقتل الملك وتتويج ملك خائن

عطيل: ويخونك اقرب الناس اليك من اجل سطوة العرش والسلطة

يا جو: وعندما يضع احدهم التاج على رأسه سيبادر لقتل الجميع باسم العدالة

دزديمونة: دماء تجري في خياشيم البلاط من اجل شهوة العرش وسوط جلاد

اوفيليا: دسائس ومكر نساء تسير بلسان حال كاتبها لتسبيح الطهر خسه من اجل صولجان وتاج ومملكة

السارد: نظريات المؤامرة والجريمة والمجزرة البربرية ابتدعها ذلك الانجليزي في بطون الكتب والتواريخ وجعل منها طلاسم للاختلاف والريبة, فأخذت ما أخذت منها  وقدمتها كما ترجمة  وكتبت وانتهى الامر(يذهب ويشغل جهاز الاسطوانات القديمة لمعزوفة بيتهوفن ضوء القمر وتبقى الى نهاية المسرحية)

عطيل: اتعرف ماذا تقول هذه المعزوفة ايها السارد

هاملت: انها تقول ايها القائد عطيل الشريف,, أَخـلاقُ البَشـر مَزحَـة سَيِئَـةٌ تَسقُـط فِـي أول  بَـادرة مِـن المَتاعـب أو المَشاكـل. إنهـم فَقـط جَيـدُون طَالما يَتم السَمـاح لهُـم بِـذلكَ (يغلق النافذة)

يا جو: وانت اصبحت مجرد ظل بائس لهذه الاخلاق ايها السارد (يغلق ستار النافذة)

دزديمونة: انت وصاحبك الانجليزي يلزمكم مصح

(صوت الموسيقى يتصاعد تدريجيا )

اوفيليا: انت مهرج وضيع يقتاد على خراج جيوب المتفرجين السذج

السارد: اخبروني ما لذي تغير, وجوه كالحة, ضيم وقهر, استلاب وجوع ومجاعة, احلام تائه تبحث  عن رغيف خبز لا خلف كلمات طاهرة, المعادلة تغيرت الان وها انتم تخرجون من سبات فكرة بالية كي تنتصرون لميزان العدل , ارجوكم, كفاكم نباحا هذة الليلة

هاملت: (بغضب ) نباحا

(صوت الموسيقى يتصاعد تدريجيا )

عطيل: انت نافق الليلة لا محال

يا جو: انك الان تبحر الى حتفك

دزديمونة: ان ما يتَرَاءى لك الان سوى اشباح

اوفيليا: او لنقل ارواح هائمه

السارد: مستحيل بعد هذه الليلة ان تكونوا ما انتم عليه

(الجميع يتحرك نحو خزانة الكتب ليجلب كل واحد منهم مجموعة وينشرونها في ارضية الغرفة)

هاملت: انها ليلة لفضح الاضطهاد و العنصرية على اساس عرقي او ديني او فئوي وفعل خارجي

(صوت الموسيقى يتصاعد تدريجيا )

عطيل : و ها نحن  نسردها بشجاعة لما كان يحدث في اوروبا و عصر النهضة ومحاكم التفتيش و اضطهاد الاقليات ومحارم وحرائق دول الشرق ايضا

يا جو: صون حقوق الصداقة و الولاء واجب اخلاقي ايها السارد

دزديمونة : ولن نسمح ان يكون الحب اصل كل الشرور بعد الان

اوفيليا: ولن يكون الحب اصل الجنون, بل هو اشد الطهر واسراره مقدسة

هاملت: قد نظلم ضعيفاً كي ننقذ حبيباً ,القرب اساس العدل, ان هذا هو عين الظلم

عطيل: الخذلان قد يأتي من اقرب الناس لك و ينصفوا اعداءك عليك وهذا ما تمتحن به البشرية الان

(صوت الموسيقى يتصاعد تدريجيا )

هاملت: وما هي الا برهه و يَعْرُجُ  بشرفاتنا من العالم السفلي الى الاعلى

عطيل: حتى تعانق السماء

يا جو: وتنتهي عذاباتنا والى الابد, اليوم سنبصم على تاريخ موتنا الجديد ونرحل مبتسمين فرحين

(يتجمعون حول المائدة التي توسطها السارد محني الرأس)

دزدمونة: نحن الان في عناق ساخن

اوفيليا: انها ساعة الصفر وستنتهي المهمة الان

(صوت الموسيقى يتصاعد تدريجيا )

السارد: (دون حركة) أي مهمة ايها الاشقياء

(المجموعة تشعل الشموع)

هاملت: (يرفع الكأس كالمنتصر ومعه الاخرون) مهمة الظفر بالزمن الزائف  ولن تكون الغاية تبرر الوسيلة وقعا بعد اليوم, اما انت وصاحبك الشكسبيري ستكونون وزن فائض على ظهر التاريخ

(صوت الموسيقى يتصاعد تدريجيا )

( تنزل من الاعلى أغلفة كل كتب شكسبير وكأنها في حبل مشنقة وتصيح المجموعة بصوت واحد)

المجموعة: لن نكون بعد الان أجنة هجينة في ارحام شكسبيرية

(نسمع صفير الريح بقوة ينساب من النافذة ليطفأ جميع الشموع, كل شيء في ظلام الى من بقع الضوء على كل كتاب من الكتب النازلة من فضاء المكان مع صوت موسيقى سمفونية ضوء القمر تتصاعد)

(ستـــــــــــــــــار)

  ّّ منير راضي / 2022

 

لا يتوفر وصف.

Related Articles

Back to top button