بدعم وبرعاية نقابة الفنانين العراقيين وعن دار النشر والتوزيع (دار الورشة) وبحجم متوسط يحتوي على 100 صفحة. صدر للكاتب والمخرج المسرحي العراقي ( منير راضي) كتاب جديد يحمل عنوان:” الخماسية المونودرامية الشكسبيرية” يشمل خمس مسرحبيات قصيرة: (“هاملت في المدينة”، “لير يحاكم القدر”، و”مأساة المنديل” و”دزدمونة زولي” و”الليدي ماكبث”)
قريبا، سيشهد هذا الكتاب حفلات توقيع داخل العراق وخارجه.
يحمل الكتاب بين دفتيه مقدمة للكاتب والمخرج والناقد العراقي (أ. د. حسين علي هارف ) الذي عنوانها ب:” مونودرامات منير راضي بين إستنطاق الشخصيات الشكسبيرية الاغترابية و تدوير الحدث الدرامي”
” لم يكن خلود النصوص الشكسبيرية بشخصياتها التراجيدية المحتدمة و المتسيدة إعتباطيا او هو محض صدفة او ضربة حظ .
لقد انتج النبوغ الشكسبيري نصوصا تحمل في داخلها بذرة الخلود و الديمومة و إمكانية التأويل المفتوح على مر العصور.
و لذا قام العديد من كتّاب العالم و على مدى عقود و قرون و بمختلف اجناسهم و توجهاتهم بالتفاعل مع هذه النصوص و التشابك معها ( إستلهاما او محاكاةً او تأويلاً او مشاكسةً او تدويرا دراميا مواكبة لعصورهم ) في تناصات درامية مشروعة و غير منقادة الى النص الشكسبيري المتفرد بخصوصيته .
و هنا تأتي تجربة الكاتب العراقي منير راضي العبودي و بعد سلسلة من النصوص ذات الطابع التاريخي – الديني ، لتحاور النص الشكسبيري و تدخل معه في عملية توليد درامي و فكري حديد ، و محاولة إستنطاق شخوصه لتبوح من جديد بما يريد العبودي ان يبثه من رسائل فكرية و انسانية . فلقد افاد العبودي من الطابع الانساني الدرامي للشخصية الشكسبيرية ( البطلة) و إنطلق منه لتأسيس بعد وجداني انساني درامي جديد . فنصوص شكسبير في جوهرها تشعرك بأنها لم تكتب لزمان محدد( زمن شكسبير) و لقد ارتكزت العبقرية الشكسبيرية الخلاقة لتشرف على العالم و مشاكله و لتوجه الناس نحو تأملات خصبة ذاتية و شاملة في معضلات البشر و تأخذ بيد كل انسان ليحيا بانسجام مع زمنه . و لقد نحا العبودي في نصوص هذه المجموعة ، هذا المنحى الشكسبيري في البحث عن معضلات انسانية ( البحث عن الخلود / الخيانة / الانتقام / شهوة السلطة الخ) و ادخل شخوصه التي استعارها من النصوص الشكسبيرية في تأملات و بوّح ( جمع بوح) لم تخرج عن جوهر ماكانت عليه ، لكنها انطلقت في مديات درامية واسعة لتؤسس لنفسها كيانا دراميا جديدا و مستقبلا في عملية انتاج جديد و تدوير درامي للاحداث و لابطال شكسبير الذين يتميزون بعمق التفكير و طلاقة الحركة و يمتلكون حريتهم الكاملة في التفكير و الشعور و العمل، و هم لا يتصرفون بوصفهم متحدثين رسميين لمؤلفهم شكسبير بل هم يقومون بما توحي به لهم عقولهم و عواطفهم، و هذا ما استثمره الكاتب منير راضي الذي إستنطق شخوص شكسبير بعد ان زودهم بعقول مغايرة و مشاكسة و زرع في داخلهم عواطف محتدمة و مضطربة تكشف عن ابطال مونودراميين يختلفون نسبيا عن ابطال شكسبير التراجيديين، و إن بدوا يشبهونهم في ظاهر الامر .
و لقد نجح العبودي في إقتفاء اثر المنحى الشكسبيري و التاكيد على الصفات و الخصائص الانسانية الحقة لابطاله و عدم التعويل على صورهم الخارجية و انما الغور في نفوسهم و استبطان مخابئ قلوبهم، فنرى الحقد و الكراهية و الحمق و الغدر و الخيانة، مثلما نرى فيهم الحب و التعاطف و العدالة.
إن ملوك شكسبير و نبلاءه و ابطاله هم أُناس قبل كل شيء و هذا سبب تمتعنا بمواقفهم و بزلاتهم و بخطبهم الطويلة ( مونولوگاتهم) الرائعة و بجرائمهم و حماقاتهم.
اما شخوص العبودي المستلة من الفضاء الشكسبيري، فقد نتعاطف معهم و تشفق عليهم و إن كنّا ندينهم بفعل تأثرنا بطريقة ( البوح) الانساني المنفرد الناتج عن عملية الاغتراب الاجتماعي او النفسي.
نعم فشخوص شكسبير و ابطاله التراجيديين مغتربون . و قد عزّز شكسبير هذا الاغتراب عبر مونولوگات ( ذات طابع مونودرامي) كما في هملت و مكبث و عطيل و الملك لير … و كانت هذه المونولوگات بمثابة تلميح شكسبيري بقدرة ابطاله على ان ينفردوا دراميا بنصوص مستقلة كشخوص مستوحدة إختارت ( التوحد ) للتعبير عن نفسها و هواجسها و دواخلها المحتدمة المضطربة التي تكشف عن عوالم سايكولوجية خاصة . فشكسبير كان يقدّم لنا شخصياته و ابطاله التراجيديين من الداخل ، من العوالم الداخلية التي تحكمها ، فالعمق عنده معرفة بشيء كامن في الاعماق و هو يريد ان يتعرفه و يسقطه على بقعة متسعة لعالم متغير . و هذه الخصيصة الدرامية السايكولوجية التي كشفت عنها مونولوگات ابطال شكسبير ( أكون او لا اكون / ليت هذا الجسد الصلد يذوب / زولي زولي ايتها البقعة / ليست العبرة في ان تكون ملكاً / ان أطفأت يا وزير النور الخ) ، هذه الخصيصة هي التي انطلق منها الكاتب العبودي في كتابة نصوصه المونودرامية في هذا الكتاب و التي حققت تناصات واعية و مشاكسة مع الشخصيات الشكسبيرية ، بقدر من الاجتهاد و المغايرة دون التطاول على الروح الشكسبيرية لهذه الشخصيات او تشويهها ، حتى ان العبودي حاول في هذا الكتاب محاكاة اللغة الشكسبيرية قدر استطاعته باذلا جهده الاقصى سعيا للبقاء في ذات الجلال الدرامي و التزيين اللغوي الذي يليق بأبطال عظام ، و إن كانوا أشراراً و قتلة من هذا النوع التراجيدي.
لقد انتقى الكاتب العبودي شخصيات شكسبيرية ( رجالية) هملت / عطيل / الملك لير ، الى جانب شخصيات نسائية ( دزدمونة/ الليدي مكبث) ،دونما تمييز او انحياز درامي ،فالنفس الانسانية الامّارة بالسوء واحدة ولا علاقة لها بجنس البطل او الشخصية.
و لتأكيد خصوصية شخوصه الشكسبيرية ( المبتدعة و المختلقة) يحرص منير راضي العبودي بوصفه كاتبا مونودراميا على إعطاء توصيفات دقيقة لتفاصيل متشعبة للمنظر المونودرامي ( مخدع دزدمونة في مأساة المنديل / كهف في لير يحاكم القدر / مقبرة ملكية في ( عطيل في العالم السفلي / مقبرة ملكية اخرى في ( زولي – الليدي مكبث / مغارة أشبه بمقبرة في ( هملت في المدينة) . و يحاول الكاتب من خلال دقة وصفه لتفاصيل تأثيث المنظر و الخشبة الكشف عن العالم الداخلي للشخصية المونودرامية ( المغتربة المستوحدة) و انقطاعها عن (الآخر ) و ( المحيط) و تخندقها حول نفسها . و هذا ما يبرر اللجوء الى اختيار الاماكن الضيقة و المغلقة كمكان للحدث المونودرامي ( مقبرة / كهف/ غرفة نوم ) فالمكان في نصوص العبودي مكان افتراضي يعبر في جوهره عن ( اللا مكان ) مقترنا بزمان افتراضي يعبر في طبيعته عن ( اللازمان).
و يزوّد العبودي نصوصه بكم من الارشادات المسرحية ذات الطبيعة الاخراجية وكأنه يعطي تصورا إخراجيا دقيقا وتفصيليا لكل نص. وهنا يكون منير راضي (الكاتب) وحقق تدخلات إخراجية شملت توصيات وتصورات سينوغرافية لكل نص“.