لم استخدم وسائل مساعدة لأن العمل تطلب ذلك
أحكي وأغني وأمثل ولست معنيا بالتصنيف هل هي مونودراما أم لا
المخرج والمؤلف الفلسطيني غنام غنام، ولد في عام 1955 بأريحا في فلسطين، وانتقل في سن الثانية عشرة مع عائلته إلى الأردن، كتب وأخرج العديد من المسرحيات، وألف القصص القصيرة، حاصل على جوائز في الإخراج والتأليف المسرحي، كما أنه عضو رابطة الفنانين الأردنيين، ورابطة المسرحيين الأردنيين، وعضو اللجنة التأسيسية للهيئة العربية للمسرح والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
وكان عضواً للجنة التحكيم في عدة مهرجانات مسرحية، كمهرجان مسرح الطفل في الأردن، مهرجان البقعة المسرحي في السودان، ومهرجان الدار البيضاء الدولي للمسرح الجامعي. وتدور مجمل أعمال الفنان غنام غنام حول معاناة الفرد الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي أو في المنفى، قدم في عام 2018 مسرحية (سأموت في المنفى)، وهي من مسرحيات الممثل الواحد، قدمها على عدد من المسارح العربية.
حصل مؤخرا على جائزة فلسطين التقديرية للفنون لعام 2022 عن مجمل أعماله المسرحية.
شارك مؤخرا في فعليات مهرجان المنصورة المسرحي الدولي بعرض بأم عيني 1948 وهو من مسرحيات الممثل الواحد من تأليفه وإخراجه وآداءه .
التقينا معه وكان لنا هذا الحوار ..
لماذا شاركت في مهرجان المنصورة المسرحي في نسخته الثانية ؟
ـ شاركت تلبية لدعوة تأخرت لمدة عام ،فقد دعيت إلى الدورة الأولى وحالت ظروف خاصة دون الاستجابة لها، فمن يقوم على المهرجان مسرحيون اعرفهم وأحبهم وأقدر أحلامهم وطموحاتهم. فهم يفتحون مساحة جديدة للمسرح ونحن كمسرحين نفرح عندما نلمح مساحة جديدة،فضاء جديدا، موهبة جديدة تتفتح هنا سواء في التمثيل أو التأليف أو الإخراج، فرقة تولد هناك. هذا بالنسبة لي ديدني وموقفي الثابت. إضافة إلى أن مسرح المحافظات بحاجة إلى دعمنا، لأن المحافظات في كل الدول _ليس في مصر وحسب_ يعاني من همينة العواصم . كانت لي عديد من التجارب في محافظات الهامش سواء في المغرب أو في الجزائر أو تونس والأردن وفلسطين والكويت وعمان وكل تلك التجارب لم تكن في العواصم فلماذا لا أفعلها في مصر.
ولم أجد فرقا كبيرا بين العاصمة وبين الضواحي،خاصة وأني لا انحاز في أعمالي إلى المهرجانات الكبيرة، أعمل على تصميم الأعمال حيث يسهل أن تذهب إلى الناس حيثما وجدوا في أماكنهم أو مواقعهم، كما تنحاز في مضمونها للمهمشين. لذا غالبا ما ألبي دعوة المهرجانات التي تقيمها جمعيات والتي تقيمها فرق، وأجد أن ذلك يتناسب معي لأني لا أميل كثيرا للمفاخرة والادعاء، ولكن أميل إلى التواصل مع أكبر عدد من الناس على اختلاف أذواقهم وميولهم وطبقاتهم الاجتماعية. تلك هي رسالتي، وهي تتسق مع الرسالة التي تحملها أعمالي لابد أن تصل لفئتها المستهدفة وجمهورها، وربما كان جمهور المنصورة ورد فعله وفناني المنصورة هو خير دليل على ذلك، لأني أترك التأثير المباشر فكريا وفنيا، بحضوري الشخصي والفني .
المضمون يحكي عن ما حدث للفلسطينين عام 1948،ألا تتفق معي أن العالم تجاوز القضية وطغت مأسي عربية أخرى على النكبة الفلسطينية ؟
ـ القضية الفلسطينية ستظل _في رأي_ هي أم القضايا . أنت أحسنت التوصيف فالعالم أجمع والعالم العربي خاصة يشهد أحداثا مأساوية ،لذا كان يجب أن أعيد القضية الفلسطينية للنور، لأن كل ما يحدث في العالم العربي هو في جذره موجود في القضية الفلسطينية، فهي أم القضايا، ومحاولة محوها وطمسها وإبعادها عن الواجهه وإبعادها عن أذهان الناس، وحرمان المجتمعات من دورها في تحريك القضية إلى الأمام هو واحد من أهداف كل ما يحدث في المنطقة العربية. لذا أجد من واجبي أن أسلط الضوء على القضية الفلسطينية وأعيد تذكير الناس بها وأنفض الغبار عنها، لذا لزم أن أعيدها إلى الواجهه هي ورموزها، وقصائدها وأبطالها وأغانيها.،لقد غنينا في هذا العمل أغان لم تعد الإذاعات تبثها، لكنها ساكنة في وجدان الناس، لذلك أتذكر قول الشاعر حيدر محمود : “كلما إزداد هبوب الريح فوق القمم تخفق الراية أكثر وإذا ما صار جرح الأرض أكبر زاد دفق الموسم”. لو كان ما أقدمه في زمن كانت القضية الفلسطينية في الواجهه، والكل يعمل من أجلها، لما كان له الأهمية التي يمتلكها الأن، حيث يريدون لنا أن نبتعد عنها، عن تذكرها،ت داولها، العمل من أجلها. أنا أعمل من أجلها والناس تحبها.
المسرح في أبسط تعريف له هو ممثل وجمهور، لكن مونودراما في 75 دقيقية، آلا تتفق معي أن زمن العرض طويل نسبيا خاصة مع عدم وجود أي وسائل مساعدة من ديكور ، ملابس إكسسورات،موسيقى إستعرض …. إلخ من عناصر العرض المسرحي ؟
ـ زمن العرض في الأصل كان ساعة ونصف، وقد ضغطه إلى ساعة وربع بالقفز على بعض الأشياء ويمكن أن نقدمه في ساعة، لكن حيويته في ساعة وربع، ما يمكن أن يجذب انتباه الناس على مدار ساعة وربع فهذا يسأل عنه المشاهد، ما الذي جعله منصت ومستمتع ومنتبه لمدة ساعة وربع لموضوع يطرحه ممثل بلا ديكورات ولا مؤثرات صوتيه أو بصرية، كل هذه الوسائل المساعدة أنا أسميها مكملات، الأصل في الموضوع _كما قلت_ ممثل وجمهور. أقدم مضمونا بإيقاع مسرحي حي وحيوي متواصل مباشرة مع الجمهور، مما يجعله يبقى لوقت يزيد على الساعة، الخيط الدرامي مشدودا وهذا هو سر الأسرار في العمل المسرحي . كنت حريصا على أن يغادر الجمهور منطقة المشاهدة ويصبح شاهدا بأم عينه بل ويصبح شريكا وهذا شئ أحققه بإدراك ومعرفة وتحقيق مسبقين في العرض المسرحي. لا شئ يمنعنا إذا كنا مجموعة نسهر لساعات نتسامر بالكلام، ذلك لإننا نحكي بينما نمل من تمثيل لمدة ساعة. إذن فالمسألة أن البعض يعتبر أن الحكي هو فن أقل من فن التمثيل وهذا خطأ. الحكي هو فن متقدم وبالتالي لابد من سيطرة عالية من الحكواتي، فما بالك وأنا أتجاوز في هذه المسرحية دور الحكواتي إلى أدوار أخرى متعددة، فأنا في لحظة أسرد، أحكي، أغني، أمثل، وكل هذه الألعاب موجودة في العرض وبالتالي هناك ترمومتر بيني وبين الجمهور لا يمكن فقدانه، اتحسسه طوال العرض. المشاهد يبقى مشدودا عندما يجد موضوعا يهمه، وممثلا يؤدي بصدق، ويتخيل تكوينات لا تبدو عيانا على المسرح. السنوغرافيا التي أريدها أصنعها في خيال المتلقي. والموسيقى التي أريدها، اصنعها مع المتلقي فما الذي أحتاجه أكثر من ذلك. إن اللعبة الأساسية في هذه المونودراما، أو هذا النوع من المسرحيات ولا أعرف إن كانت مونودراما أو لا_ فلست مهتما بذلك _ هذه هي القيم الأساسية التي يجب أن تحافظ عليها .
في هذا العمل أنت المؤلف والممثل والمخرج رغم أن روعة المسرح في كونه عملا جماعيا، فلماذا؟
ـ لم يكن اختياري في عدم وجود ديكور أو موسيقى … إلخ لفقر الإمكانات، ولا نتيجة إفتقار وجود العناصر البشرية .،هذا اختيار فني مقصود لذاته. فأنا ابن الفرجة المسرحية والحلقات المسرحية، وبالتالي أردت هذا العمل بهذه الطريقة. قدمت في السابق أعمالا كثيرة بديكورات وإكسسوارات وموسيقى حية أو مسجلة والعديد من الممثلين. عندما أقدم عملا اختار له الشكل الذي يتناسب مع المضمون .
لا أبوح بسر إذا قلت أن في مونودراما سابقة هي “سأموت في المنفى” في بداية التمرين كان لدي بروجيكتورات إضاءة، وفيديو بروجيكتور ولدي ما يربو على أربعة عشر “تراك” موسيقى وديكورات بسيطة لكنني مع التمرين بدأت أتخلص منها تباعا، حتى انتهى الحال بعدم وجود شئ معي حتى الكرسي كنت آخذه من الكراسي المخصصه للجمهور وكان متعدد الاستعمالات، فهو مرة سيارة ومرة حقيبة ….إلخ . في هذا العمل تتبعت نفس النهج، أدخل للمكان دون أي مكملات سوى معطف وقبعة وحتى تلك لم تكن بغرض جذب انتباه الجمهور ولكن للمساهمه في تصوير الحالة .