ان مسرحية (هاملت) من المسرحيات المعقدة والجدلية من بين نصوص الكاتب الإنكليزي وليم شكسبير، لما تحتويه من احداث غريبة وارهاصات متنوعة، فقد شغلت النقاد والمحللين وبخاصة شخصية (هاملت) التي حار فيها كل من حلل نص مسرحية (هاملت) لما تضمه هذه الشخصية من سلوكيات وتصرفات غريبة بعض الشيء، وتعد مسرحية هاملت من اكبر المآسي التي كتبها شكسبير والتي تندرج ضمن المرحلة الثالثة لكتابته نصوص مأساوية، وقصة المسرحية لها اصل تاريخي في العهود الجرمانية الاولى، وتتلخص في ان الامير هاملت يحاول الانتقام لأبيه الذي قتل عمه ثم تزوج امه، وعمد شكسبير لإضافة مظاهر العنف، معتمدا على ما تولده مقتل والد هاملت من ازمات نفسية على هاملت. وسنقوم بتحليل هذا النص بالوقوف على ابرز الازمات المؤثرة في انتاج احداث النص واتخاذ المسار الدرامي ابتداء من لحظة مقتل اب هاملت وصولاً الى نهاية المسرحية وموت الشخصيات الرئيسة المحركة لهذه الاحداث.
مصدر شكسبير في مسرحية هاملت :
تعود حوادث قصة الأمير هاملت في الأصل الى القرن الثالث عشر وقد وردت قصة هاملت لأول مرة في كتاب تاريخي للمؤرخ الدنماركي سكسوجرامايتيكوس باللغة اللاتينية عام 1514 باسم قصة الداينين الدنماركيين والكتاب عن تاريخ قصة هاملت او أملث كما يسميه جرامايتيكوس الذي أصيب بحالة من الجنون لخوفه من ان يصار مصيره كمصير والده هورفيندل الذي قتله العم والاخ فينجون ويحاول الأخير بعد ان تولى عرش الدنمارك ان يختبر جنون املث ودوافعه عن طريق فتاة جميلة من القصر، ولكن شكسبير قد تأثر بمعالجة توماس كيد لهذه المأساة، وفي الوقت ذاته غير من تلك الاحداث التي استلهم قصتها لبناء نصه المسرحي (هاملت)
الازمة الخارجية : الأسباب السياسية وأزمة شكسبير الشخصية في انتاج نص هاملت :
الملاحظ لأحداث مسرحية (هاملت) سيدرك تماماً انها تعرضت لحياة القصر الملكي آنذاك، واعني هنا الأوضاع المتعلقة بالدنمارك او حتى إنكلترا موطن شكسبير وكلاهما كانا يتبعا نفس الأنظمة ، ويعيشان نفس الحياة ، وان شكسبير باقترابه من المفصل السياسي انما يتحدث عن الأمور السلبية التي تجري خلف اسوار القصور الملكية ، حتى ان العائلة الملكية ادركت اقتراب المسرح من المفصل السياسي في تلك الحقبة ، ففي عام 1595 أصدرت الملكة اليصابات مرسوما يقضي بمنع عرض أية مسرحييتعرض بالنقد لأمر يتصل بنظام الحكم السائد في الدولة ، وفعلا قامت السلطات آنذاك عام 1597 بغلق المسارح ، وكان من بين المسرحيات التي تم منعها هي مسرحية شكسبير (ريكاردوس الثاني) وذلك عام 1601 ، التي تناولت موضوع خلع الملك من العرش ، فان شكسبير لم يبتعد بمسرحياته عن معالجة القضايا العصرية للبلاد آنذاك ولاسيما السياسية منها ، مع هذا فان شكسبير ومن وجهة نظر تفسير سياسية استطاع ان يسبغ على شخصية هاملت قضية سياسية ، والتي تعرض خلالها لطبيعة التحولات السياسية التي تجر معها تحولات أخرى مرتبطة بطبيعة ذلك العصر ، وكل عصر مماثل لها ، فان المجتمع الإنكليزي في عصر شكسبير كان يعاني كما يشير المؤرخ الانكليزي (ارنولد تويني) من تصدع على مستوى الدولة ، وذلك من خلال التناقض في النظام الاقطاعي والتصدع بالطبقة البرجوازية الناشئة آنذاك ، رغم ان شكسبير كان بين فكي النظام الاقطاعي وبين البرجوازية فهو من خلال شخصية هاملت أراد ان يقضي على هذا النظام الاقطاعي المتمثل بشخصية ( الملك)، فان هاملت في تردده لم يكن سوى يوغل بالمزيد من مكامن الفساد في الحكم الملكي آنذاك ، وكان يجعل المفاسد والخيانات تتمظهر امامه وامام الاخرين ، كما ان مسألة موت والد شكسبير وكتابته لنص (هاملت) فور موت ابيه عام 1601 انما كانت انعكاس للحزن الشديد في نفسه وبخاصة اتجاه والده ، وكذلك كان لشكسبير ابن قد مات في سن مبكرا اسمه (هامنت) ، هذه الازمات السياسية والشخصية قد أسهمت بتشكل الاحداث في نص مسرحية هاملت، ويتحدث المؤلف كذلك عن ازمة المجتمع آنذاك الموسوم بالنفاق والتناقض وهو كان يمثل الصراع والتناقض مابين العصور والوسطى وعصر النهضة وهو نفسه الذي كان يعاني منه شكسبير بين الالتزامات التي كانت في العصور الوسطى وبين عصر النهضة والتطلعات العملية والعلمية الجديدة على حساب النظم والتقاليد الأخلاقية التي كانت سائدة آنذاك :((هاملت : ليس هذا بغريب فعمي الان ملك الدنمارك ولذا ترى ان الذين كانوا يكشرون له ساخرين أيام حياة ابي ، يدفعون اليوم عشرين بل أربعين بل مئة دوكة لقاء صورة صغيرة له ، ان في ذلك والله ما يتجاوز حد الطبيعة))([i])
ولادة الازمة ( او الازمة المخفية) :ان لحظة ولادة الازمة او التي اسميها بالازمة المخفية تتجسد من خلال حادث المقتل الذي جرى لوالد هاملت عن طريق أخيه (عم هاملت) حينما سكب السم في اذن الملك الشرعي وارداه قتيلاً ، وليس هذا وحسب بل تنكر لهذا القتلة ، وبدأ وكأنه ملاك امام هاملت بريء من مقتل ابيه ، وقد اظهر خلاف ما يبطن إزاء والد هاملت وإزاء هاملت نفسه ، ولم يفصح هذا الامر لهاملت الا عبر طيف والده الذي اخبره بالقصة الحقيقية كاملة مما ضاعف عليه واجب الانتقام من عمه.
تقدم الازمة ( زواج العم من والدة هاملت):ان لحظة شك هاملت بمقتل ابيه لم تكن لحظة اقسى من الحقيقة التي اصابته بالذهول حينما أقدمت والدته على الزواج من عمه بعد رحيل عمه بايام فقط ، مما ولد ازمة حقيقية لدى هاملت وصدمة كبيرة لم يكد يستوعب الأولى حتى لحقتها الأخرى ، مابين مقتل ابيه وزواج امه من عمه شكل ضغطاً كبيراً على هاملت وأزمة حقيقية جعلته متردداً مشتت الذهن:
((وقد اتخذناها فيما يشبه الفرح المغلوب على امره ..زوجة لنا بعين مستبشرة وأخرى دامعة
مرحين في الجنازة ،نادبين في العرس…..وازنين الغبطة والشجن في كفتين متساويتين))
ان زواج العم القاتل من والدة هاملت انما ضاعف من حدة الازمة وبخاصة لدى هاملت ، الذي رأى ان هذا الفعل هو خيانة لوالده لذا كان في مناجاته يصف والدته باقذع الالفاظ، لانه يعتقد ان عمه لم يقتل والده وحسب ، بل استولى على امه وعلى السلطة والقصر برمته ، وهاملت الابن كان احق من عمه بهذا الملك، مما جعل الازمة تعتمل بذهن هاملت منذ اللحظة الأولى لاكتشاف خيانة عمه ، وفي سبيل تلك الازمة لابد من مواجهة حقيقية كاشفة لادارة هذه الازمة او إطفاء فتيلها المشتعل ولكن هاملت يبقى بحيرة من امره إزاء كل ما جرى ويجري له ، وتحركاته لم تكن بحجم الازمة التي المت به وبعائلته وبالقصر بصورة عامة.
ملامح ازمة :ثمة مظاهر او ملامح لازمات في نص مسرحية هاملت ، كان من بينها الخطاب الذي اعلنه الملك عن نية فرتنبراس الشاب (ابن اخ ملك النرويج) على استيلاءه على أراضي الدنمارك بعد موت والد هاملت وكما جاء على لسان الملك عبر خطابه بعد زواجه مباشرة من والدة هاملت:((اما بعد فأنكم تعلمون ان فرتنبراس الشاب ..وقد افترض فينا الضعف في الشأن او ظن ان دولتنا بوفاة اخينا العزيز الراحل…قد تصدعت واختل كيانها…تحالف مع حلمه بالغلبة ..فلم يتوان في ازعاجنا برسائل ..فحواها ان نسلم الأراضي التي خسرها والده حسب الأصول والشرائعلأخينا الباسل))والملك كان قد فوض (ياكورنيليوسوفولتماند) للمفاوضة مع ملك النرويج ، بحدود التعليمات المفصلة برسالة ملك الدنمارك الجديد ، في محاولة منه لايقاف ازمة قد تحدث وتقلب الأوراق عليه ، وفي الوقت ذاته كسب عواطف المجتمع آنذاك ليقف معه صفاً واحداً بخطواته بعد استيلائه على الملك وعلى الملكة.
انفراج الازمة :
ثمة ملامح لازمات تظهر وتنتهي دون جهد كبير ، او يتم حلها دون ان أي جهود كبيرة وهو ما حصل مابين ملكي الدنمارك والنرويج ، بخصوص الاستيلاء على أراضي الدنمارك ، وبخاصة بعد تفويض ياكورنيليوسوفولتماند :((الملك : اهلا وسهلا بالصديقين الكريمين اخبرنا يافولتماند ما الذي ارسله معكم اخونا ملك النرويج؟فولتماند: انه يرد عليكم التحيات باجمل منها ، مع خير التمنيات عند أولى مقابلاتنا اصدر امر بإيقاف تعبئة جيوش ابن أخيه التي كانت قد بدت له استعدادا لشن الهجوم على ملك بولندا غيرانه عندما امعن فيها النظر تحقق انها استعداد لشن الهجوم على جلالتكم فاسف جدا حين ادرك انه لمرضه وسنه وعجزه قد خدع وضلل فارسل الى فرتنبراس يأمره بالتوقف والعودة))فلولا هذه الإدارة لهذه الازمة والعمل على معالجتها بارسال خطاب توضيحي ، لاشتعل فتيل الازمة واحتلت أراضي الدنمارك ، ولكن تجري عملية المعالجة والإدارة والاحاطة للازمة بسرعة كبيرة تتوقف معها الازمة قبل حصولها حتى ، وهي عملية وقائية تحدث نتيجة للتنبؤ بما يمكن ان يجري من أزمات واستباقها بطريقة علاجية مستعجلة.
هاملت وازمته النفسية :
من يقرأ شخصية هاملت يدرك تماماً ، انه عانى من جوانب نفسية جعلته شخصيته مترددة ، وكذلك حزنه على ابيه وعلى ما ال اليه حال والدته ، هذا الحزن اوقعه بأزمة نفسية جعلت بعض سلوكياته تفتقد الاتزان والمنطقية ، حتى ان هاملت أراد ان ينتحر لولا وازعه الديني الذي يقف حائلا دون تنفيذ تلك الهواجس التي تملكته بعد ما جرى لوالده ووالدته، فشخصيته اميل الى السوداوية والانطوائية والتردد والتوجس وهو مضطرب بأفكاره وقراراته، فهو كان ذي حساسية مفرطة إزاء التناقضات التي تجري امامه والتي كاد ان يؤدي بسببها لانتحاره:
((اه ليت لهذا الجسد ان يذوب…وتنحل قطرات من ندى…ليت الازلي لم يضع شريعته..ضد قاتل الذات ، رباه ، رباه))فضلاً عن خطاباته مع الملك والسخرية العالية منه ومن امه ، وكذلك التهكم الواضح ورمي الالفاظ الساخرة على الوزير (بولونيس) المهذار ، فضلاً عن القسوة والجفاء التي يقابل بها اوفيليا كلها تخرجه من دائرة السلوك السوي إزاء الاخرين.وفي موقف اخر يتحدث هاملت عن ازمته النفسية : ((هاملت: لقد فقدت مؤخرا- ولست ادري ما السبب- مرحي كله واعرضت عن كل رياضة اعتدتها وفي ذلك يقينا وقر على مزاجي فهذه الأرض وهي هذا الهيكل البهي لا تبدو لعيني الا كمرتفع مجدي عقيم))فهاملت يتحدث عن سوء مزاجه ورؤيته السوداوية للأشياء والتي تعكس وقوعه في ازمة نفسية واضحة ، جراء ما حصل له من ازمة مركبة ، تتعلق بمقتل ابيه وزواج امه من قاتل ابيه وذهاب الملك لعمه القاتل ، كل هذه الازمات حتما تخلف ازمة نفسية لهاملت الوحيد الذي اكتشف هذه الخيانة في قصر ابيه. ومن ابرز ملامح الازمة النفسية التي عانى منها هاملت وتركزت في شخصيته تكمن في نظرته للعالم بسلبية كبيرة ، وتأملاته السوداوية التي يغرق فيها هاملت والتي تشيء بالغموض والهروب والتفكير في الوجود والحوار الداخلي الذي يفضي لحالة من الانقطاع والانطوائية في شخصيته.
احتدام الازمة (لحظة اكتشاف الحقيقة): تتمثل اللحظة التي اكتشف فيها هاملت مقتل ابيه وليس موته الطبيعي هي اللحظة التي تحتدم فيها الازمة وتتسارع نحو اكتشاف الحقيقة المغيبة وذلك عن طريق اخبار طيف والده لهاملت بانه قتل على يدي أخيه ولم يمت ميتة طبيعية ، مما تتفجر هواجس الانتقام لدى هاملت في هذه اللحظة :((الطيف: انتقم لمقتله الخسيس اللئيم..هاملت: مقتله؟…الطيف: مقتلُ ملؤه الخسة والقتل في افضل الأحوال خسيس ، كان ملء مقتله الخسة والغدر والتعدي على شرائع الطبيعة.هاملت : اسرع القول،بالله اسرع ، فانطلق بأجنحة لها سرعة الفكر وتأملات الهوى الى انتقامي)).
إدارة الازمة (ادعاء الجنون):احدى الطرق التي اعتمدتها الشخصية الرئيسة في هذه المسرحية (هاملت) هو ادعاء الجنون فهو تصنع الجنون لمواجهة الواقع المضطرب في محاولة منه لإصلاح هذا الاضطراب وتحقيق انتقامه ، فهو تقنع خلف الجنون تمهيداً لما سيقوم به من القضاء على مكائد الملك وامه ، في محاولة لتغيير السائد الزائف آنذاك ، وهو اشبه بما يكون بصناعة الازمة بوجهها المعاصر من خلال الإدارة بالأزمات او افتعال ما هو غير موجود الذي يتلاقى مع الأفكار المجنونة التي كان عليها هاملت طيلة فترة ادعائه الجنون في هذا النص المسرحي.
إدارة الازمة (التمثيلية الصامتة): ان من سمات إدارة الازمات هو الارتكاز على منهج استعراض الازمات السابقة ، والإفادة منها ، وطريقة هاملت في كشف الجريمة وادارته لعملية الكشف هذه كانت إدارة ذكية لتجسيد الازمة التي المت به وهي ازمة رحيل والده ومقتله على يدي عمه: ((هاملت : سأرحب بالذي يمثل دور الملك اجمل الترحيب..ولسوف ينال مني الجزية والثناء والفارس سيعمل سيفه وترسه ، والعاشق لن يتنهد لوجه الله ، والمزاحي سينتهي دوره بسلام ، والمهرج سيضحك كل من تتدغدغ رئتاه لأول لمسة))ويطلب هاملت أيضا من احد الممثلين ان يقرأ بعض الحوارات التي كتبها هاملت ذاته من اجل اشعار امه وعمه بإدراكه لمقتل ابيه ونيته بالانتقام :((هاملت : أتستطيع اذا اقتضى الامر ان تحفظ عن ظهر قلب عشرة ابيات او خمسة عشر سأكتبها لتقحمها في دورك))فهاملت مثل الجريمة بما هي كما رواها (طيف ابيه) وصمم على مراقبة ردود أفعال الملك ، إزاء ما سيعرض فهو جسد جريمة الملك واستيلائه على مملكة ابيه وامه وبالتالي كان الملك غاضباً فزاد يقين هاملت بما رواه طيف والده، فهو يحلل ردود أفعال صناع الازمة وفقا لاسلوب ادارته لتلك الازمة والتي نجحت في إصابة ماكان يعتريه من شك ازاءه واحتاج الى تأكيده بهذا الأسلوب الخالي من العنف تماماً. وكذلك يستمر أسلوب ادارته للازمة بعيدا عن لغة العنف كما جرى من وصف للوحة امام والدته ووضعه لمواصفات والده إزاء عمه ، امام والدته لكي تدرك الفرق بين الاخوين:((هاملت : انظري الى هذه الصورة والى هذه …حيث الوجود المموه لاخوين اثنين..اترين الى البهاء المستقر على هذا الجبين
خصلات شعرها هايبيرون وجبهة جوبيتير نفسه…عين خلقت للامر والنذير كعين مارس..ووقفة كوقفة رسول الالهة …وقد حط توا على تل يقبل السماء ….هذا هو زوجك))انه يضفي صفات نورانية سماوية على صورة ابيه ، اما صورة عمه قاتل ابيه وزوج امه فهو يوصفه بصفات وضيعة :((انظري الان ما يلي : هذا هو زوجك كسنبلة عفنة..يرزا سليم انفاسه الك عينان ؟اتمسكين عن الرعي في هذا الجبل الجميل..لتسمني على هذه القاع البوار ؟ ها ؟..الك عينان ليس لك ان تسمي ذلك حبا ..ففي سنك هذه عنفوان الدم خامل متضع….أي شيطان غرر بك معصوبة العينين))هاملت قارن بين صورة ابيه المعلقة على صدره وبين صورة عمه زوج امه المعلقة كتقليد للزوجات في ذلك المجتمع ، ليكشف بصورة غير مباشرة للام على وجود الفارق الكبير بين ابيه المقتول غدرا وعمه الباحث عن السلطة.
إدارة الازمة : عدم انتقام هاملت من عمه وهو يصلي :
احدى اهم القضايا هو اسباغ شكسبير على شخصية هاملت صفة شرف المنافسة ، التي حاول ان يقدم صورها المختلفة بهذه الشخصية رغم الازمة المتقدة بينه وبين عمه الا انه لا يحاول ان يستغل الفرص التي لا تتسم بشرف المنافسة لينال من عمه ، وهو ملمح مهم لإدارة الازمة الحاصلة بين الطرفين ، فلو قتل هاملت عمه بعنف وبشاعة وهو يصلي لأصبح عمه بطلاً وطنياً وخرج هاملت خاسراً في جميع حسابات هذه القضية المعقدة التي تجمع نزاع الطرفين فمن الحكمة ان يرفض هاملت ان يقتل عمه وهو يؤدي صلاته :((هاملت :بإمكاني الان ان افعلها ، كذا ، وهو يصلي وسأفعلها الان – ويذهب هكذا الى السماء فأكون قد انتقمت ؟فلامحص الامر…..ان انا فاجأته وهو يطهر روحه ..وهو في خير أوان للرحيل…كلا! الى غمدك ياسيف))
أساليب تقليدية في إدارة الازمة:
ان من الأساليب التقليدية في التعامل مع الازمات هو الهروب من هذه الازمات او محاولة القفز عليها ، فثمة أساليب يلتجأ اليها الفرد بصورة لا شعورية والتنصل عن المسؤولية بفعل عدم قدرة هذه الشخصية على الإحاطة بالأزمة فيشوب عملية التعامل مع الازمة العديد من صور القصور والتردد والشك والاضطراب وهو ما حصل ما هاملت بالضبط ، اذ عانى كثيراً في عملية اتخاذ قرار الانتقام من عمه ، ولم ينفذه كما كان يتوعد، مما جعل التفاقم يحصل وتجتر أزمات فرعية أخرى من الازمة الكبرى التي حصلت لهاملت ، فبدلا من انهاء القصة بمقتل العم، حدث ان تسبب تردده واضطرابه بفقدانه لامه وحبيبته اوفيليا.
ازمة مقتل الوزير (بولونيوس): حتى وان كان مقتله عن طريق الخطأ ، الا ان هذا الفعل يشكل ازمة مهمة ، لانه الب اوفيليا واخيها على هاملت ، ومنح الملك (عم هاملت) فرصة للانتقام من هاملت والقصاص منه ، بعد ان حاول ابن بولونيوس الإطاحة بالملك جراء الظروف الغامضة لمقتل ابيه ودفنه :((هاملت : ساجر الجيفة الى الغرفة المجاورة …اماه تصبحين على خير !حقا ان هذا الوزير الان …شديد السكون ، شديد التكتم ، شديد الوقار…وهو الذي كان في حياته مهذارا غبيا))وتنتهي هذه الازمة في نهاية المسرحية تماما ، بعد ان يتكشف الامر لابن الوزير(لرتيس) ، وان هاملت لم يكن قاصداً لمقتل ابيه ، وان الملك ( عم هاملت) وراء كل الجرائم البشعة التي حصلت طيلة احداث هذه المسرحية .
ازمة موت اوفيليا :اوفيليا حبيبة هاملت وتمثل له علاقة نقية ، في ظل العلاقات المشوبة بالخيانات والتأمر داخل القصر ، وعملية موتها تركت اثراً سلبياً على نفسية هاملت مما استدعا ظهوره مرة أخرى حتى لو كان ملاحق من لرتيس ابن بولونيس :((الملكة : اختك غرقت يالرتيس ..لرتيس: غرقت!اين ؟اين ؟))شكلت ازمة موت بولونيس أزمات أخرى متلاحقة ومتعاقبة لها أولها بحث لرتيس عن هاملت للانتقام منه ، وثانيهما موت (اوفيليا) وهي التي فقدت ابيها وحبيبها معا ، وبالتالي أصبحت الازمة في ذروتها مما يجعل لرتيس يتحامل كثيراً على مقتل هاملت حتى وان كان ذلك بطريقة الخداع خلال المبارزة وبالاتفاق مع عم هاملت (الملك) ، وصولا الى اشتباك هاملت ولرتيس معا ،
نهاية الازمات : تنتهي الازمات بموت هاملت ، وموت الملكة (جراء تعاطيها السم بالخطأ) وقد يمثل هذا عقابا لها على فعلتها مع والد هاملت ، ويتخلص الملك من لرتيس وهاملت معا عن طريق السيف المسموم والنصل المسموم الذي يتبارزا به ، فيطيحا ببعض ، ويكتشفا في اخر لحظاتهم ان سبب كل هذه الازمات هو (الملك) ليشكل موت الملك بطعنة من هاملت النهاية الحتمية لهذه الازمات: ((هاملت : هاك أيها الدانماركي السفاك الزاني اللعين اجرع هذه الكاس أجوهرتك هنا؟ “يقحم بقايا الكاس في فم الملك” الحق بأمي )).ويتوضح مما تقدم ان نص مسرحية (هاملت) كان حافل بالأزمات الفرعية ، التي تجتر بعضها البعض ، من الازمة المركزية الرئيسة التي هي ازمة مقتل الملك (والد هاملت) والاستيلاء على الحكم والزواج من والدة هاملت ، ونظراً لعدم معالجة هذه الازمة واداراتها بأسرع التوقيتات فان الازمات تناسلت وتعددت وادت الى مقتل العديد من المحيطين بهاملت.
[i] وليم شكسبير، الماسي الكبرى ، ترجمة : جبرا إبراهيم جبرا، ط2،(بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2000)،ص92.
بقلم: الناقد والاكاديمي حيدر علي الاسدي ( العراق)