المدخل:
بعد الشوط الكبير الذي قطعته الحضارة الانسانية في البحث عن ماهية هذا الوجود، وما نتج عن هذا السلوك من انتاج مفاهيم كشفت عن وعيها في اشباع غريزة الانسان التي تجلت في البحث واكتشاف مخبوء الوجود بشكل يحقق للإنسانية ما تصبو اليه من الفهم وتحصيل المعرفة . ولتنظيم عملية البحث ويصبح متاح للجميع لتحقيق عملية فهم الوجود بإيسر الطرائق وعبر معايير معرفية ظهرت الحاجة الى المدرسة التي تبنت هذه الوظيفة فوضعت الية عمل لتحصيل العلوم والمعارف، فتدرجت من مستوى القراءة الى مستوى البحث والتحليل لمخرجات الطبيعة وتلبية حاجات الانسان وتنوعها وابتكار المناهج التي تواشج بينهما، وبسبب تطور الوعيالإنساني وتعدد الحاجاتقد افضى الى تنوع في التخصصات، وبالتالي تعدد المؤسسات الاكاديمية العلمية/الجامعات /المعاهد التي تعنى بهذه الحاجات لترتقي بواقع الإنسانية، لذلك كان لها الدور الكبير في تغيير هذا الواقع والتمرد على كل ما هو محنط ونمطي حائلا دون التفكير الحر .
ولكي تحقق الهدف من ذلك لابد ان تكون هناك معايير معرفية تبرمج عملها بالإضافة الى تنظيم عملية الفهم. وكل عمليات البحث العلمي جاءت نتيجة تجريب اشكال متعددة من البحث عن الكيفية التي تمكن الانسان من ادراك العالم المحيط به، وهذا ما تميزت به المؤسسات الاكاديمية، اذ نجد ان كل الاختراعات تبلورت في فضاء الدرس الاكاديمي، الذي تأسس بداً على الموقف التنظيري للعلوم ومديات تطبيق نظريتها على ارض الواقع، مما يكشف عن طبيعة علاقة التأثير بين المناهج وفعل التجريب ، ومن المؤسسات الاكاديمية التي تعنى في الفكر التجريبي الحر هي المؤسسة الاكاديمية الفنية التي يتبلور حضورها في فعل التجريب ، على العكس من المؤسسات الاكاديمية العلمية ذات المنهج الصارم، الذي يخضع فيها التجريب الى معايير صارمة بسبب طبيعة اداءها المتسم بالعقل المحض، في حين المؤسسة الاكاديمية الفنية فان مناهجها الدراسية تجمع بين العقل والحس لذلك فضاء التطبيقي يكون حر في التعاطي مع النظريات ولا سيما في علوم الدراما التي يحضر فيها للجسد ويكون له الدور الرئيس في الكشف عن التجريب والمغايرة لمفاهيمها الفكرية، فضلا عن انها تتسم بالمرونة ، لذلك يكون التجريب فيها خاضع لمنطق الحرية وكل ما ينتج عن هذا التجريب فهو مقبول لأنه خارج عن حسابات المنفعية بشتى صورها .
علاقة المنهج والتجريب:
ولإدراك هذه العلاقة لابد من الوقوف عند المفاهيم التي شكلت مقتربا بين كل من المنهج والتجريب وهي:
المنهج :يعرفه (عبد الرحمن بدوي) بانه “الطريق المؤدي الى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة عدد من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى تصل الى نتيجة معلومة”. (1)
اذا الهدف من وضع استراتيجية عمل تفصح بها عن سياسية المنهج في تيسير عملية الفهم لتحقيق النتائج المرسومة، فهي تمثل خريطة عمل للوصل الى الهدف اكتساب مهارات معرفية معينة بحسب الاختصاص العلمي الذي وضعت له المناهج.
وعند تأمل تقنية التفكير التي يعتمدها المنهج نجد أنفسنا أمام مصطلح المنهجية التي تصفها النظريات الفلسفية بانها “فرع من فروع المعرفة اذ انها تختص بدراسة المناهج او الطرائق التي تسمح بالوصول الى معرفة عملية للأشياء والظواهر. وهنا يفرز ما بين الواقع التطبيقيللمنهج والنظرية،بان المنهج هو مجموع الاجراءات الذهنية لإظهار حقيقة الاشياء والظواهر” (2).
ونستنتج من هذا ان المنهج طريقة تفكير تتسم بالفردية في حين المنهجية تتسم بالكلية، لأنها تعنى بتدريس طرائق المناهج ومن مفهوم المنهجية واجراءات المنهج ينتج مقترب للتجريب، الذي يثير التساؤل هل الاندماج بين اجراءات المنهج والمنهجية يكشفان عن تقنية التجريب وإجراءاته؟ وهل ان التجريب نتاج ذات فردية ام المؤسسة ، ام ان كلاهما يحقق مضمون التجريب؟ علما ان كل العلوم الطبيعية والانسانية قد انتجتها ذات فردية ، ولاسيما ان التجريب هنا مرتبط بسياسة مؤسسة. والاجابة عن ذلك نقول:
بما ان المنهج هو اسلوب يختاره الباحث او المؤسسة الاكاديمية لتحقيق هدفها العلمي ، وهذا ما تمتاز به المناهج الدراسية التي تعمل على اشاعة معطياتها المعرفية وابعاد تأثيرها في واقعها البيئي لتصل الى نتيجة عبر تساؤلها المفترض عند وضع اهدافها العلمية ،وهل ان مخرجاتها المعرفية ستخلق تأثيرا في واقعها المادي المعاش بحيث تغيير من ديموغرافيا هذا الواقع والارتقاء بملكات التفكر. لهذا نرى ان منْ يحقق هذه الجدلية هي المناهج الدراسية التي تضعها المؤسسة بغية التأثير في محيطها الثقافي، وهذا ما اشاعته المؤسسات الاكاديمية اذ كانت هي من ترسم ما سيكون عليه هذا الواقع عبر فعل الاستقراء والاستنباط وهذا الاسلوب العلمي لطبيعة المناهج الدراسية يشير الى ان التجريب جوهر الفلسفة الفكرية لهذه المؤسسات ، مما يكشف عن طبيعة التعالق الفكري والجمالي ما بين المنهج والتجريب لان:
ـ المنهج موقف معرفي من موضوع معين
ـ التجريب ابتكار منهج لفهم موضوع معين
التجريب فكر علمي خالص تنتجه فرضية معرفية تحقق كينونتها المعرفية في فضاء التجريب، والتجريب في الفكر المسرحي فضاءه خشبة المسرح، وبهذا الصدد يقول (هنريك ابسن) في المختبر المسرحي نحضر الشخصيات والاحدث التي ننسجها في شكل معين ذو دهشة ونعرضها للجمهور، الذي يصور حقيقتها بحسب ما ينتجه تأويله لها.
لهذا نقول ان التجريب المسرحي حر يخضع قوانين الطبيعة لفرضيته الجمالية مؤكدا “ان العالم …فكرة حقيقة لا تصل اليها الا ببحث شاق وتجربة اشد, بفصل ما هو مؤتلف وتوحيد ماهو مختلف” (3)
وعليه فان البحث هو غريزة اصيلة عند الفنان، وهي التي تحقق ديمومة فاعلية السؤال الجدلي لكل الحراك الفكري الانساني التي يصفها ( ارنست فيشر) اذ يقول ان الفنان هو الذي يكشف عن التجارب الانسانية التي تحقق فعل الفهم ، لهذا بحثه الجمالي يتجلى في التجريب الذي يمكن من فهم العالم، وانه فضاء امثل للتعبير عن الذات الانسانية عبر تقنيات تفكير مختلف، فالفن من علوم التفكير التي لا يدركها الاضمحلال. ولان الواقع الانساني واقع متغير على ضوء تطور وعيه لإشباع حاجاته المتجددة، وهذه بدورها تفرز تقنيات تفكير مغايرة لتستوعب هذه المتغيرات وتحاكيها وتبتكر طرائق جديدة لإدراكها، لهذا نجد الفن حاضرا في محاكاة هذا المتغير مما يؤكد ان الفنون بكل تنوعاتها التعبيرية هي المستجيب الاسرع والمدرك لمتغيرات الواقع .
لهذا هو ميدان معرفي يوسع من المعارف، ودليل ذلك لولا الفكر التجريبي لبقيت المعرفة بشكل عام والمعرفة الفنية بشكل خاص ساكنة عند طروحات ارسطو، فقاموس الفكر الفني يكشف انه لا يكون الا بالتجريب، لذلك نقول ان التجريب هو كينونته الدالة على حضوره في الحياة ودورها المعرفي في بناء الذات. وهذا ما تنفرد به المؤسسة الاكاديمية الفنية التي تمزج ما بين المنهج العلمي، والتجريب الفني الذي يمثل معيارية المؤسسة العلمية التي تقوم على ثلاثية المنهج والمعلم والبيئة التعليمية على ضوء عدد من الاهداف الجمالية بحسب الادراك العقلي للإنسان ورغبته في بناء وعيه المعرفي. لهذا فان المؤسسة الاكاديمية ومناهجها التي ترتقي بها الارادة الحرة الباحثة عن الجمال التي ينضج وعيها بالمعرفة الفنية كونها اساس رئيسي لتحقيق عملية التجريب وادراك متضادات الحياة وتناقضاتها التي تنتج فعل التجريب. وهذا ما افصحت عنه الاسئلة الجمالية والمدونات الفنية النصية والبصرية .
المناهج الدراسية والتجريب:
ان علاقة المنهج والتجريب هي علاقة اشتباك معرفي قائم على فعل التأثيروالتأثر، اذ ان المناهج تشكل فعل تحفيز للكشف نظريات المنهج ومدى قدرة التجريب على استقراءها واستنتاج فكر نظري وتطبيقي نشا عنها وغايرها وهنا يحقق فعل الابتكار جوهر التجريب وغاية المنهج الذي يبغي اعداد مفكرين قادرين على انتاج مفاهيم فكرية فنية التي ينتجها التراكم المعرفي للمنهج الدراسي. لذلك نجد هناك تداخلا معرفيا ما بين التجربة والتجريب والمنهج، وفي راينا ان التجربة هي نتاج ملكة التفكير الذاتي المحض، لذلك تكون مغلقة على مفاهيم الذات، ولو ان هناك بعض التجارب يمكن لها ان تكون فضاء معرفي وتبصير رؤيوي ذاتي في تشكيل تجربتها التي نراها حاضرة في ادب السيرة والمذكرات الشخصية. وكلما اقتربت التجربة من فضاء التجريب الذي يحول الموقف الذاتي الى موقف كلي / عام يمكن لها ان تتسم بسمات التجريب. ولان الفكر الفني هو فكر تجتمع عنده كل الثقافات , فتجاربه الفردية تؤطر بالتجديد الذي يخلق مهارات فكرية وكسر توقع لمكنونان المعارف المتداولة في الدرس الاكاديمي. لهذا تنفرد الفنون بانها من المعارف العابرة للحدود الثقافية والفكرية والمكانية كما في تجربب بريخت وارتو والفريد جاري وباربا واريان منوشكين وغيرهم من المجربين المسرحيين ، مما يشكل تعالقا ما بين التجريب الفني كفكر جمالي وما بين طرائق التدريس التي يختارها المعلم الفني لإثارة المتعلم الفني لاكتشفا هذه المناهج وإعادة انتاجها من جديد عبر فرضيات فنية يحققها الفعل التطبيقي للمنهج الدراسي
التجريب من المنهج الى الابتكار
التجريب الجمالي هو تجريب فكري قائم على جدلية الفرضيات التي يؤطر فيها يؤطر فيها موقف المدرك الحسي والمدرك العقلي في تقديم الحلول الجمالية لهذه الفرضية، وعليه فان التجريب الفني هو تجريب علمي لانه قائم على الملاحظة والاستقراء فهو علمي في جوهره ، ولهذا هو شكل من اشكال التجريب العلمي، ولا سيما اذا كان فضاء تطبيقي للمنهاهج الدراسية، لهذا وكما يقول (ستانيسوففوسينسكي) هو “اسلوب استقرائي يعتمد على ملاحظة الحقائق، انه التجريب المفسر لمعلومات ممنوحة على اساس افتراض لكي يستخرج من هذه الافتراضات نتائج حول حقائق اخرى” (4) ص16
ولهذا يشكل مقتربا علمي وبالذات اذا ما تأملنا البعد الشمولي لمصطلح التجريب ” اذ هو الجديد الذي نعرفه باعتباره ابتكار لقيم جديدة نشأت نتيجة لدراستها وانتقائها، بل واحلال حلول جديدة قد اختبرت من قبل التجريب ،ان حركة الجديد تتضمن كذلك مرحلتين يجب ان يضعهما المبتكر او المجرب باعتباره :
1- ابداع مفهوم نظري اي وضع الافتراضات وتاكيد صحتها بمساعدة التجريب الذي يستخدم حلولا جديدة ومن هذا يمثل التجريب بالإضافة الى نتائجه قاعدة جوهرية من قواعد الابداع الجديد”(5)
وعليه نقول ان هناك تأثير للمناهج الدراسية على التجريب في كل العلوم والمؤسسات المعنية بالبحث العلمي ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ان انشتاين قد أعاد ابتكار المنهج الدراسيوابتكر حلولا جديدة في الرياضيات ووضع النظرية النسبية .
2 ـ التنقل في ارجاء الابداع فوق ارض المسرح ليمكن للمبدع ان يواجه بدرجة ما مشاكل فنية نمطية غير ضئيلة ومصاعب تقليدية لاحصر لها ، على الرغم من ان هذا التجريب بهذا المعنى يقترب في العديد من التي تطبق من قبل العلوم ” (6)
ان “فن المسرح يختلف عن العلوم المتطورة وعن النظرية ان يتواصل والتطبيق الذي يتخلق منها في بعض الاحيان واحيانا اخرى يتطلب الامر تواصلا للتدخل الفوري في مرحلة الابداع” (7). وبما ان التجريب المسرحي هو تجريب معملي الذي يؤكده في بحثه التجريبي ، وهذا ما تحققه المناهج الدراسية من تأثير اذ يمارس استقراءه واستنتاجه لها ،وكما يقول (كرتوفسكي) ان التجريب يجب ان يكون معمليا يواكب المتغيرات الحضارية
وبما ان جوهر التجريب الفني هو استحضار الفن والحياة معا واذابة الحدود بينهما بل حتى احتواء الواقع باعتباره مادة خلاقة للفن في مقابل المسرح باعتباره بالضرورة مستجيب لها
وهذا يمثل تعالقا ما بين المناهج الدراسية التي تمثل الواقع في حدوده الفكرية التي تبغي تزويد هذا الواقع بمفكرين جماليين وما بين الموقف الفردي للمفكر الجمالي وفلسفة المؤسسة الاكاديمية وعلاقتها بواقعها البيئي
ودليل ذلك ما انتجته تجريب الاكاديمي (صلاح القصب) للمناهج الدراسية في كليه الفنون الجميلة / جامعة بغداد المؤسسة ذات الاهداف المرسومة المحققة لفلسفتها التعليمية التي تهيكلت على ضوء ما انتجت علوم المسرح من رؤى بلورتها مفاهيم الفلسفة الجمالية والمذاهب المسرحية والمدارس الاخراجية ونظريات التمثيل والسينوغرافيا وتجارب المنظرين المسرحيين لتكون سياق منهج تعليم له تأثيره على المجتمع وارساء مفاهيم ثقافية جديدة، وكل هذا يتحقق من خلال فعل التجريب وبيان علاقة التأثير بين المناهج التجريب المسرحي في العصر الحديث، ومثال البرهنة على هذا التأثير ما برهنت عليه التجريب عند (صلاح القصب ) اذ انفتح بالمناهج والتجريب على الحياة واستحضر واقع الحرب وما افضت اليه من متغيرات ، كان لها الاثر في البحث عن منهج فني يشرع من المناهج الدراسية ويغايرها وهو يمد الدرس الاكاديمي بمعايير جمالية جديدة، ولان المدونات النصية المسرحية هي احد المرتكزات الفكرية الفنية للمعارف المسرحية وكذلك التجارب المسرحية للمنظرين المسرحين ، فصلاح اتخذ منها خط شروع للتجريب على مستوى النص والعرض وبلور مفهومه لهذه المناهج الاخراجية في (مسرح الصورة) الذي غيب فيه سرديات النص لصالح الصورة المسرحية، فهو يعيد اكتشاف المناهج الدراسية ويذهب بها باتجاه الحياة ويدعوها الى الفن، لأنه يحاكي دوال الموت التي هيمنت على واقعه وستحوله الى فوضى كما في عرض مسرحية (مكبث ) في تحويل المكان العام الى مكان مسرحي كل شيء فيه معطل يغيب عنه النظام في تماهي مع الواقع ، ويزيح مفاهيم المنهج حول معمارية العرض المغلقة وتغير بنيته المكانية الى معمارية الفضاء المفتوح فيعيد اكتشاف المكان ويضيف مفهوما جديدا لدالة المكان ومفهومها في المنهج الدراسي ، فيزيح المسافة البونية بين خشبة المسرح والجمهور ليكون الجمهور داخل بنية العرض وكذلك عرض مسرحية (عزلة الكرستال) اذ غير من ديموغرافية المكان الى قيمة جمالية ارتبط بماهية العرض
وفي عرض مسرحية (الشقيقات الثلاث) لـ (يتشخوف) فهو ينتج شكلا مسرحيا بأفاق تجريبية مغايرة للعرضين السابقين وهو يعيد تشكيل البنية المسرحية ويعيد ترابيتها على ضوء مفاهيم مسرح الصورة فهو يطيح بسطوة المنهج الذي يراها صدى لسطوة السلطة وتعددية اداءها التي حولت الحياة الى سجن/ قبر/ موت ويعيد تشكيل مرموزات الموت في الثقافة الشرقية. وبالتالي فهو ينفتح على انتاج مفاهيم المناهج فيحفز فعل البحث لدى طلاب الفنون مما يبين فعل التأثير للمناهج على التجريب.
ان التجريب عند صلاح قائم على القص الحذف والاستبدال واعادة صياغة النظريات الاخراجية على وفق متغيرات الواقع والحاجة الى اجابة تساؤلاته . فهو يعيد تشكيل المناهج الدراسية التي تَعرف اليها المتعلم الفني بشكل مغاير مما يحفز لدى الطلبة البحث قي المضمون المعرفي للمناهج في استلهام الاساليب المسرحية ومغايرتها لبناء وعي معرفي تكون مخرجاته الجمالية ذات اثر في الواقع الثقافي ودور المؤسسة الاكاديمية في تغيير هذا الواقع نحو الافضل.
وهذا ما افصح عنه تعالق التجريب والمناهج الدراسية الذي غير من المشهدية الثقافية للمسرح، التي كان للمناهج الدور المؤثر في ابتكار طرائق واساليب جديدة وضخ مهارات معرفية تمكن من عملية الفهم والابتكار، ولا سيما وان رؤية المناهج الدراسية لأهمية التجريب تضعه معيارا للتقييم في (مشروع التخرج) بسياقتها المنهجية المتداولة داخل المؤسسة ان يكون معياره الفكري ابتكار اسلوب مسرحي مغاير يبلور فيه التقنيات المعرفية التي تحصل عليها من المنهج الدراسي مبرهنا على ان المناهج الدراسية كانت هي الملهم والمحفز لابتكاره ، وهذا هو تسعى الى انتاجه مختبرات كل المؤسسات التعليمية الفنية في العراق .
فان العلاقة بين المناهج الدراسية والتجريب هي علاقة جدل فكري من اجل الاكتشاف والابتكار والابداع الذي يتبلور قي مفهوم التجريب ، فمن خلاله يكون للمؤسسة الاثر الواضح في البيئة الثقافية الناتج عن معملية هذه المناهج بحديها النظري والتطبيقي.
ان جوهر المنهاج الدراسية والتجريب هوتغيير الواقع وضخ مفاهيم علمية جديدة . وفي المؤسسة الاكاديمية الفنية ذات الاختصاص المسرحي يمثل التجريب دينامية الفكر المسرحي لذلك التجريب هو صنو المناهج الدراسية ودالتها لان كليهما يدعوا الى الاصلاح الفكر والثقافي.
لذلك ديمومة المؤسسة الاكاديمية الفنية لايكون الا في الابتكار المعرفي على مستوى التنظير والتطبيق القائم على الاتيان بمعرفة جديدة قادرة على استيعاب الواقع لها.
ولان المعرفة هي اسئلة متوالية لا تعرف الانقطاع والتوقف وهذا الدافع الذي يجعل المؤسسات الاكاديمية منتج فكري ، لذا تبحث عن فضاءات معرفية تمكنها من ابتكار مهارات فكرية عن طريق التجريب الذي ينتج افكار جديدة تغيير من الحاضر اولا وتسنتج ما سيؤول اليه هذا الواقع .
ان معيار تفوق المؤسسة الاكاديمية هو التجريب وما يتنبأ به من افاق مستقبيلية ،فالمؤوسسات الاكاديمية التي انطوى اداؤها المعرفي على تطبيق المنهج الدراسي وفق محددات صارمة . قد ضعف اداءها اولا واثرها الثقافي ثانيا، بينما المؤسسات التي وضعت المناهج الدراسية خط شروع للتجريب المعرفي عبر اكتشاف مفاهيم تطور من هذه المناهج وابتكار كل ما هو جديد كان لها الريادة في التاثير المجتمعي وخلق علاقة امتداد وتواصل مع محيطها الحياتي كما في فعل الابتكار / التجريب عند صلاح القصب وغيره من المجربين ا لأكاديمين . لذلك” اعتبر التجريب هو دواء لكل تقدم علمي نظري كان ام تطبيقي”ص14، لذلك تطور المناهج لا يتحقق الا من خلال التجريب ، وان التجريب هو الاخر يشرع في رؤاها التجديدية من المتن الفكري للمناهج، فعملية التأثير هي جدل فكري بين الاثنين يحقق فاعلية الابتكار والتطور الإنساني.
الاحالات:
(1) : بدوي محمد: المنهجية في البحوث والدراسات الأدبية، دار الطباعة للمعارف والنشر، ص6
(2) : المصدر نفسه ص6
(3): نجم عبد حيدر :علم الجمال آفاقه وتطوره، وزارة التعليم العالي، بغداد 2001،ص76.
(4)و(5)،و(6) د. باربارا لاسوستيكا- بشونياك: المسرح والتجريب بين النظرية والتطبيق ترجمة وتقديم د. هناء عبد الفتاح مراجعة دورتا متولي ، المشروع القومي للترجمة ، 1999 ص16
(7) المصدر نفسه ص 20
(8) نفس المصدر ص 14