فرح كبير في منطقة العباسية المجاورة للبصرة القديمة. ولأن الناس هنا يتمسكون بعادات وتقاليد أجدادهم سارعوا الخطى الى بيت الحاج أبو على لكي يشاركونهم فرحتهم بالمولود الجديد ، كذلك النسوة كُنّ فرحات كفرح ام على، رغم انه كان نهاية العنقود، فكانت النسوة يذهبن للمباركة بالمولود مجتمعات احياناً كعادتهن، وكانت الأسئلة لام على لا تنقطع، أنها أسئلة متكررة لكنها لابد أن تُسأل لأم المولود ألجديد، عن صحته ولون شعره وعيونه، ويشبه الطفل لمن، اباه ام اخاه ام خاله، لكن احد النسوة حاولت ان تغير نمط الأسئلة، لتسأل عن اسمه، فتردّ الام والابتسامة تغطي شفتيها ، لقد اسماه ابوه (شاكر)، كان ذلك عام 1946.
شاكر العطار علي حرب، ليس كباقي أخوته، له حركات يمتاز بها، وكانت تصرفاته تميل إلى المتعة واللعب في الكلمات من أجل إضحاك العائلة، وزملائه. كانت هذه الميزة تقرّبه من والديه، ومن أبناء المنطقة. وتمر الأيام سريعة على شاكر حتى دخل مدرسة (القبلة) الابتدائية، ليكون بعدها مقرباً من معلّميه، الذي كان مميزا عن أقرانه، كان مجتهدا وفطنٌ، كان قريباً أكثر من معلّم الرياضة الأستاذ جبار، الذي كان يعتمد عليه في حراسة المرمى، حين كان طالباً في الصف الخامس . عام 1958 ، وكانت الأهزوجة التي يرددها زملائه أثناء لعبة كرة القدم ( لا تهتم ياجبار يحميها شاكر العطار) ، هذه ألمحبة وهذا التفرد بحب الرياضة، جعل الأستاذ جبار يضمه لفريق كرة السلة كلاعب أساس.
ملكة الكتابة، سرقت شاكر من اللعب. كان النهرُ القريب من بيتهم يسحره بجماله، وكانت النخيل تُضلّل رأس الفتى ، لتُمكّنه من كتابة خواطره ، لم يفارق النهر ، فكان ملهمه ورفيقة .وكان الباعث له بأفكاره الجميلة التي جعلت أصدقائه يعجبون فيما يكتب . كان العطار يخرج يومياً للسير بمحاذاة النهر ، فتشغله بيوت القصب والطين ، وتشغله العصافير التي تتنقل بين النخيل .فتتوافد الأفكار في ذهنه يُدوّنها في دفتره الذي لم يفارقه، ويكمل مسيرته إلى أن يصل إلى (الجسر الأحمر) في أطراف محلته التي سكنها. كان قلمه لا يتوقف بل يُوقفه هو بين الفينة والأخرى ليسطر هذه المرة خواطره باللهجة الشعبية. كانت هذه البدايات قد تشكلت لديه في عام 1959 ، لتتحول فيما بعد الى خواطر فيها الكثير من الصراع الدرامي.
وفي عام 1960 كانت انتقالتة للشعر الشعبي، حيث توقف عن كتابة الخواطر، بل أخذ يحول أغلبها إلى قصائد شعبية، ولأنه كان يُسمعها لأصدقائه، دفعته اعجاباتهم إلى أن يكتب قصيدة شعبية ويرسلها الى صحيفة (المتفرج) ومحررها الشاعر أبو فراس، ليفاجئ في اليوم الثاني بأن القصيدة قد نُشرت ، فكانت فرحته كبيرة .
لم يفارق العطار الصراع الدرامي في كتاباته الشعرية ، فكان يضع حوارات بين أبياته الشعرية ، كي تعطي القصيدة بعدا دراميا يُغري به القراء.
وفي عام 1965 كان شاكر العطار ضمن مؤسسي رابطة الأدب الشعبي في محافظة البصرة ، مع زملائه ؛ صابر خضير ، وعبد الأمير الديراوي ، ومهدي عبود السوداني ، وجميل شلش …. بعدها تم تأسيس جمعية الشعراء الشعبيين ، وكان ضمن المؤسسين لها أيضاً ، وقد شارك في جميع المهرجانات التي أقامتها الجمعية ، داخل المحافظة وخارجها.
ونتيجة لممارسته كتابة القصيدة الشعبة التي يتخللها الحوار اندفع باتجاه الكتابة المسرحية، فكان عام 1966 عام الإنطلاقة الحقيقية لكتابة اول نص مسرحي له وباللهجة العامية، وهي مسرحية (بيت القصب) ليكتب بعد ذلك نص مسرحية ( بنت صكبان ) ثم مسرحية (ثوار عربستان) التي اخرجها عبد الله السلمي. ونتيجة للدعم ، والتشجيع من قبل المخرجين وزملائه من الفنانيين، بدأ نجمه يرتقي الساحة الفنية، وتكون أعماله مطلوبة من قبل المخرجين ,لقد كانت مسرحية ( قيّم ألركاع) الذي أنتجه المديرية العامة لتربة البصرة عام 1970 ،والتي كانت من أخرجها الفنان محمد وهيب ،بابه للدخول مع كبار المخرجين . وهي مسرحية من نوع (الفارس) ، بمعنى انها مهزلة دسمة لا تخضع لزمان او مكان وغالبا ما يكون شخوصها من الصعاليك يبرز المؤلف فيها بطريقة مُغرِقة في إثارة الضحك … ومسرحية (قيّم الركاع) لا تخلو من هدف أراد المؤلف انيطرحة للجمهور ، لان الضحك هو هدف في حد ذاته .
لم يتوقف العطار يوما عن الكتابة ، وكان دائما يبحث عن التميّز والتفرّد في كتاباته ومواضيعها ، فهذه المرة ذهب باتجاه كتابة الأوبريت ، فكان أوبريت ( هولاكو القرن العشرين) البداية لانطلاقته تلك عام 1973، وكان الأوبريت من اخرج طالب جبار ، وألحان الفنان يوسف هاشم . وفي عام 1974 كتب أوبريت (أوراق من التأريخ) واخرجها أيضاً الفنان طالب جبار وألحان يوسف هاشم ، وإنتاج مديرية تربية البصرة ، وقد فاز الأوبريت بالجائزة الأولى عن المدارس الثانوية في المهرجان المسرحي القطري. ثم توالت بعد ذلك كتاباته للأوبريتات حيث كتب أوبريت (فرح دوّار ) منإخراج طالب جبار وألحان ذياب خليل وكان من إنتاج أتحاد النساء في البصرة .
لقد مارس العطار الإعداد والتعريق فكان يعرق الأعمال المسرحية ألعربية ، والعالمية ، ومن المسرحيات المُعرّقة مسرحية ( جسر الحديد )،المأخوذة عن مسرحية ( كفر البطيخ) للكاتب المصري سعد الدين وهبه ، والتي أخرجها لنقابة الفنانين فرع البصرة الفنان باقر عبد الواحد . وقد احتكم العطار في إعداده لهذه المسرحية على معيار واع ، فهو لم يتّورط في مسح العلامات المضيئة من داخل النص ، وكذلك لم يحاول أن يُثقله بالزوائد الكسيحة([1]) . وقد ذكر مُعد المسرحية أن سبب تعريقه وإعداده لهذه المسرحية تحديدا ، هو غياب النص المسرحي الجديد ، ولوجود الفكرة التي تطرحها المسرحية ذاتها ، وان هذه المسرحية سوف تسلّط الضوء على دائرة المسرح البصري([2]) ، ثم قام بتعريق ومسرحية ( انت الي قتلت الوحش)، عن مسرحية (اوديب انت اللي قتلت الوحش) لعلي سالم ، إخرجها لفرقة تربية البصرة الفنان محمد وهيب ، والمسرحية (عالجت معاناة الفرد المتمدن ، حيث أظهرت اوديب بطلا جديداً محاطا بظروف القرن العشرين)([3]).
وانضم العطار عام 1976 إلى الفرقة القومية للتمثيل في البصرة ، التابعة لدائرة السينما والمسرح في بغداد ، وكتب لهذه الفرقة عدة مسرحيات منها (نهر المواويل) ، التي أخرجها الفنان فتحي زين العابدين، وهي مسرحية مفعمة بالألم والأسى ، حيث تتغلغل في النفوس ، وتُنبئ بالجدب الذي يعيشه الفلاحون في الريف ، وبالثورة الصامته على هذا الواقع ، ورفضهم هذا الواقع الغارق في الرزايا والوحل بمواويل عميقة القرار ، بعيدة المدى ، تتبدى جداول من الأسى ، وتلتقي بعضها بالبعض الآخر ، وتتعشّق مكوناتها في بعضها ، صانعة نهرا يتسّرب بهدوء ودعة أولا ، ثم تتفاقم قوّته مع الإصرار على الرفض الذي ينبعث من بين الفلاحين الفقراء ، ويصير نهرا من الألم العميق([4]). إن هذه المسرحية كشفت عن كاتب مسرحي من المدينة يحمل بعضا من العلامات الواعدة التي مّيزت عمله بوضوح الحوار وابتعاده عن اللهجة الحلية المسرفة رغم انه استثمر عناصر الشعر الشعبي وصوره الجمالية في إضفاء جو من الحلم السعيد([5]) . أما سعد هادي فيقول: لقد أخذ المؤلف مادته لمسرحية (نهر المواويل) من التأريخ القريب، وحاول في ذات الوقت أن يستفيد من ظروف المرحلة الحالية ، وأن يفسّر أحداث الماضي برؤية معاصرة ، وهو في محاولته هذه خاضع لعدة أشتراطات بعضها يتعلق بأسلوب تناول المادة التأريخية ، وبعضها الآخر يتعلّق بتقديم هذه المادة دراميا([6]) . وله أيضاً مسرحية (الفرحة والحسرة في أخبار البصرة) التي أخراجها الفنان سعدون العبيدي ، والتي يقول عنها العطار ،حكايتي قادرة على التعبير ألآن ، لأنها تملك مادتها الأساسية ألتي لا تربط بالخيال الملزم لإيجاد صيغة جمالية للحكاية ولا بالمثالية فهي جميلة أساسا لأنها تمتلك الصدق، فهي اذن النسبة الموجودة في الواقع مهما تكن تلك النسبة، فأنا لا أبصر من خلال تلك الشخوص التي تعيش في خاطري لكم فالواحد بالمائة يعني الشيء الموجود ، والموجود يخلق أللاموجود فيولد من الواحد مائة([7]) . أما الفنان عبد الأمير السلمي ولذي لعب دور الشاعر في المسرحية ، فيقول: يُعد هذا العمل المسرحي من الأعمال المسرحية الصعبة ، لأنها مشحونة بالتوتّر وتبادل المواقف، ونمو الشخصية من الداخل … إنها لا تضع الشخصية مقابل الأزمة ثم تطالبها بمجرد الإنفعال، بل إن الشخصية تكون في مركز الازمة منذ البداية، من هنا فإن إنفعال الشخصية، وولوجها حلبة الصراع هو الموقف النهائي لخلاصها والآخرين معا([8]). اما الأستاذ عادل كامل فله رأي آخر في المسرحية، حيث يقول : لقد إختار شاكر العطار هذه المرة موضوعته عن البصرة، المدينة العربية التي عانت من أزمتين ن داخلية تتمثل في الفساد العام وخارجية تتمثل في الحصار، والغزو وبيع المدينة برمتها، وقد طور الكاتب عمله هذه المرة من خلال إدخاله الجانب الوثائقي القديم ليُعبّر عن فكرة رمزية ترتبط بواقعنا المعاصر، فالنص يُعبّر عن حال المدن العربية المحتلة التي تُعاني الفساد من الداخل والخارج([9]) ، وله اعمال مسرحية أخرى لا يتسّعُ المجال لذكرها هنا.
أمتاز بعد ذلك الشاعر والكاتب شاكر العطار في كتابة المسرحية الاحتفالية، وكان الشعر الشعبي قد تخلل نصوصه المسرحية، وكذلك الردّات الشعبية (الأهازيج) الإيقاعية، وكان ذلك في مسرحية ( احتفالية للوطن والناس) التي أخرجها الفنان حميد صابر . إنها نموذج جريء عالج بواقعية مرحلتين من الزمن القريب، مرحلة ما قبل الحرب بوقت قصير ومرحلة ما بعده، وقد استطاع العطار في هذه المسرحية، وبأسلوبه الشاعري المُبسّط أن يسبر أعماق المتفرج ويطرح أفكاره دون تعقيد أو عثرات في تسلسل الحدث([10]) ، وقد أخرج له حميد صابربعد ذلك مسرحية (ريبورتاج صحفي) ثم مسرحية (كرنفال شعبي للعريف علوان) ومسرحية الوقائع الشعبية (حطحوط) كما أخرج نصير عوده للعطار مسرحية ( حكاية شعبية) . وقدمت الفرقة القومية للتمثيل للعطار أوبريت (طوق الذهب) من أخراج طالب جبار وألحان ذياب خليل . وكذلك أُنتجت أعماله التعبوية هذه من قبل تلفزيون البصرة .
وقد حصل العطار على العديد من الشهادات التقديرية من الجهات الرسمية وغير الرسمية ، حيث حصل على شهادة تقديرية من المجلس الزراعي الأعلى ، وكذلك من وزارة الثقافة ، ومن المركز العراقي للمسرح ، كما حصل على شهادة تقديرية من نقابة الفنانيين فرع البصرة ، والتي كان عضوا فيها منذ عام 1973.
الإحـــالات:
[1]) عباس الرباط ،( جسر الحديد .. بين الاعداد والاسراف الكوميدي)، مجلة الإذاعة والتلفزيون ، العدد 165 في 23/ ت2/ 1975.
[2]) بلا ، (مسرحية “جسر الحديد”)، صحيفة طريق الشعب ، العدد 626 في 21/10/1975.
[3]) سليم الشذر ، اوديب انت اللي كتلت الوحش، (….).
[4]) سالم العزاوي ،(نهر المواويل بين امينه الحالمة وشجرة الكواز)،مجلة المرأة ، العدد 10 ، 1979.
[5]) احمد عبد المجيد ،(نهر المواويل جاء الماء… ولم تأت الحياة)،صحيفة الجمهورية ، العدد 3557 في 12/ 4/1979.
[6]) سهد هادي ،(فرقة البصرة تصل الى نهر المواويل)، مجلة فنون ، العدد 37 في 23/4/1979.
[7]) فولدر مسرحية ( الفرحة والحسرة في اخبار البصرة).
[8]) عباس الرباط (دراما الأرض والمصير في مسرحية “الفرحة والحسرة في اخبار البصرة”) ، صحيفة (بلا)
[9] ) عادل كاظم ،(مناقشات حول مسرحية بصرية ، هل عبرت الكوميديا عن المأساة وبالعكس)، مجلة الف باء ، العدد 447 في 13/نيسان/1977.
[10]) عماد عبود ،(في احتفالية للوطن والناس.. اجاد الممثلون في غياب الاعلام) ، صحيفة الثورة ، العدد 4519 في 1/ت1/بلا.