تاليف علي عبد النبي الزيدي
اخراج محسن خزعل عزيز
قدمت ضمن مهرجان التربيات التاسع في كركوك
المتوارث النصي المسرحي العالمي اعتمد في اشتغاله على العديد من الثنائيات الفلسفية فتارة تظهر هذه الثنائية على السطح لتكون محورا لاشتغال النصي، وتارة اخرى تختفي في المضمر النصي لتعمل على استفزاز الظاهر ، فعيد الثنائيات كثير ضمن التاريخ النصي مثل (الحب والكره) ( الشر والخير) ( الرجل والامراة) ، ولكن عند دخول منطقة نقدية مغايرة بفعل المتغير الثقافي الذي اربك المنظومة العقلية العالمية وظهور رؤى نقدية مابعد حداثوية تمثلت بالدراسات الثقافية والنظر الى المحيط وكل تفاصيلة بانه حادثة ثقافية لها ظاهرها ومضمراتها اللذين يتحركان بانساق منتظمة يبرز احدهما مقابل ضمور الاخر ، وكذلك انصب اهتمام الدرسات الثقافية بثنائية اهم تكاد تكون محور لاشتغال البنية المجتمعية حيث تلقفتها الدراسات الثقافية واهتمت بها وهي ثنائية ( المركز والهامش) بفعل سطوة المركز المهيمن الذي تمثل بصور عديدة منها ( ايديولوج ، ديني، عرفي) والتي عملت بتراكم زمني طويل على اكل جرف البنية المجتمعية والهيمنة وتكوين طرف ثاني كونه هذه الثنائية ،فكانت هذه الثنائية محورا رئيسا لاشتغال النص المسرحي وفق الدراسات الثقافية والكولونيالية ومابعد الكولونيالية ، حيث ان المتوارث النص العالمي اعتمد في اشتغاله على هذه الثنائية ليتماثل مع البنية المجتمعية مستهدفا المركز بوصفه محركا للحدث مسببا ضمور الهامش والهيمنة عليه وازاحته عن المحور المجتمعي ، فكانت اغلب القرات النصية تعمل على ضرب المركز بوصفه سلطة مهيمنة يدور بفلكها الهامش وتعمل باستمرار على تعويمه وقمعه من خلال سلخ هويته وفاقدا الرغبة بالمبادرة او الفعل ، فالمعادلة التي اشتغل عليها النص العالمي كانت تتمثل
المركز مع الهيمنة يساوي هامش مستلب
الا ان الزيدي في نصه (تخيل ذلك) فلب المعادلة لتكون، استسلام مع هامش يساوي سلطة المركز ، فكانت اولى محاولات التجريب على مستوى الفكر بمشاكسته للمتوارث النص واتجاهه لخطاب مغاير بخلخلته للمعادلة فبدلا من ظرب المركز جاء الزيدي بنصه هذا ظاربا الهامش احد اطراف المعادلة بوصفه منتجا لابوصفه مستقبلا ، فالهامش عند الزيدي منتج معطل على عكس الهامش بمفهومه التقليدي مستقبلا راكدا ، فازيدي هنا عمل على ازاحة الوهم المتوارث ليعلو من حقيقة مضمرة مفادها ان الهامش احد اركان المعادلة كما المركز يمتلك الديمومة ان امتلك القدرة على الفعل
ان نص تخيل ذلك لكاتبة الزيدي كان مغايرا والمغايرة انعكست حتى على نصوص الزيدي ذاته ، فالنص يتحدث عن خمسة اصوات زهي خمسة رغبات واخلام وتخيلات وامنيات ، وهذه التركيبة عمدت على حقن الهامش بالعجز وادخاله بغيبوبة فاقدا بذلك القدرة على المبادرة والقرار بوصفه مسلوب الذات معوما مما اعطى المركز القدرة على الديمومة
العرض
لقد ابتدا العرض من حيث انتهى النص اذ ان المخرج العرض بكلمة “اسقط اسقط ” وهي جملة ثقافية اعتمدها المخرج بكشف المضمر المجتمعي المكبوت لدى مجموهة الثوار وهي الرغبة التي انتهى بها النص، فهي المضمر الذي يعيشه الثوار باحلامهم وتخيلاتهم الا ان المخرج عمد على ان تكون هذه التخيلات داخل ذواتهم فالسقوط لهذه التخيلات والاحلام التي لم تعد قادرة على انتاج فعل ، فسقوط احد الثوار الخمسة دلالة على على ان يكون السثوط لذواتهم المغلفة بالسلبية لاسيما ان المفردة الرئيسة التي اعتمدها المخرج في تأثيث فضاره المسرحي والتي كانت حاضنه لاغلب تحركات الممثلين الثوار ، فلقد وفق المخرج في استثمار هذه القطعة الديكورية فكريا بوصفها علامة تدل على ترتبط بالخدر والنوم ليحدث المفارقة مابين الثوار كمصطلح له القدرة على الحياة والتغيير وما بين السرير الحاضن الرئيسي للفعل المسرحي، لقد كان السرير علامة متحركة عمد المخرج لاستفزازها واستنطاقها جماليا وفكريا لتنتج مكانا اخر ولحظة زمن اخرى فهي وطن مرة واخرى حافلة وتلفاز ومرة اخرى صندوق لمسرح الدمى واشتغل المخرج على دلالة الزي وتوضيفه قصديا مع المكان المغترض لينقل المتلقي لمكان اخر ، فالزي انتج مكان العرض فما بين مجموعة مجانين ثم انتقل الزي بنا لمجموعة سجناء فهم بالحالتين نولاء لسلبيتهم وتخيلاتهم ةعدم قدرتهم على الفعل
حسنا فعل المخرج في اختيار وسط المسرح مكانا للفعل المسرحي وهي مجازغة حقيقية ان تحصر الفعل في بقعة صغيره لاربعة ممثلين وقطعة ديكور كبيرة متحركة ، والمجازفة تكمن في اشتراطات المكان المتوافقة مع امتلاك مخيلة عالية وقدرة على التحول من لحظة الى اخرى حتى نبتعد عن التكرار والملل الصوري ، فالمخرج في هذا العرض حاول جاهدا و لكن محاولاته لم تنجح في بعض المشاهد حيث هيمن السرير على الفعل الحركي للممثلين وبالتالي وقع العرض بالتكرار والايفاع التيب في بعض مشاهده اذ رغم المحاولات بقي السرير سريرا جاثما على ايقاع الممثلين لم يتحول كعلامة تبث اشارات عديدة
ولكن رغم كل شي نبقى ام عرض مسرحي حاول ان يجرب نجح في بعض اوقاته واخفق في بعضها الا اننا نبقى امام مخرج مجتهد حاول كثيرا وامام مجموهة من الممثلين يمتلكون ادواتهم بكل دقة ونبقى ايضا امام عرض مسرحي يحترم القائمون عليه ذواتهم المبدعة ويحترمون ذائقة متلقيهم
** د مهند ابراهيم العميدي