اسم الكاتب: مقاربات في الخطاب المسرحي
الكاتب: د. باسم الاعسم
مفهوم الشكل في الخطاب المسرحي
يبدأ المؤلف هذا المبحث بتوطئة تتخللها مجموعة من الأسئلة عن الشكل وعلاقته بالموضوع وخصوصية الشكل في الخطاب المسرحي وعن علاقة النظرية الشكلية بمفهوم الشكل. حيث يؤكد المؤلف على أهمية الشكل وطرح ما أصابه من لبس وإبهام كونه مثار جدل لعلاقته بالمذاهب الفلسفية ومدارس الفن والمباحث الاجتماعية والنفسية .حيث أن الشكل شغل النقاد المشتغلين في الاتجاهين الأدبي والفني.
تجدر الإشارة، من خلال المؤلف إلى أن الاختلاف في النظريات الفلسفية حول الشكل إلى بواكير الفلسفة اليونانية، حيث أن أفلاطون يرى أن الشكل تعبير عن الصورة..وأن الصورة هي الشكل الذي يخلق من المادة أجساما مختلفة، والصورة والمادة يشكلان متلازمتين لا تفترقان أبدا..
في حين أن أرسطو يرى أن الشكل كامن في الشيء بذاته، والشكل هو من يطبع الشيء بالطابع الذي يجعله إلى هذا النوع أو ذاك من أنواع الكائنات والموجودات. ومعنى هذا أن الشكل عند أرسطو لا كما هو في الطبيعة، بل كما ينبغي أن يكون..
والشكل عند أفلاطون يمثل أفكارا مجردة.. بينما يتجسد عند أرسطو بهيئة أفعال مدركة محسوسة
النظرية الشكلية وجمالية الصورة المسرحية
تسعى النظرية الشكلية للكشف عن العنصر الجمالي داخل العمل الفني وما يتضمنه من ممكنات إبداعية وعناصر ذات قيمة تشكيلية . وكما يرى كل من كانت وسوزان لانجر بأن الفن شكل لا غير .. وتعد النظرية الشكلية امتدادا للفلسفة الأستطيقية. ويعد الفيلسوف الألماني كانت مو من ارسى وأسس للنظرية الشكلية ..حيث يرى كانت بأن الشكل هو الباعث الجمالي الأساس في العمل الفني .. وأن الفلسفة الشكلية تمثل الأطروحات الفكرية للتوجه المعروف ب (الفن للفن) الذي ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وتساهم النظرية الشكلية حسب المؤلف في تحرر الذات الإنسانية والعمل الفني من أسر القيود والأنماط المألوفة لتجعل من صاحب المنجر الأدبي والفني حرا في اختياراته ومتحررا من قيود الأدلجة باتجاه تأكيد سلطة الشكل ..
وعند شيلر تأكيدا على الشكل حاله حال كانت حيث قوله كما ورد في الكتاب:” يجب أن يكون كل شيء في واقع الإنتاج الفني مرتبطا بالشكل. أما المحتوى فليس له أي ارتباط .. فالشكل وحده هو الذي يؤثر على الإنسان بوجه عام” كذلك يشير المؤلف إلى قول فاليري:” أن الأعمال الجميلة هي بنات لشكلها الذي يولد قبلها” .
والإشارة هنا لمؤلف الكتاب الدكتور الأعسم في أن إدراك ما هو جميل وجليل في العرض المسرحي يتوقف على نمط ذائقة ووعي التلقي وقدرته على فهم وتقويم الوحدة الشكلية ..
الاتجاه الشكلي في المسرح العراقي
تعتبر عروض الدكتور صلاح القصب علامة مائزة للمسرح الشكلي في العراق وجاءت ردة فعل على المسرح المضموني الذي هيمن في العراق لعقود عديدة حسب وصف مؤلف الكتاب .. حيث عضد القصب مسرحه بتنظيرات فلسفية جمالية وأطلق على مسرحه (مسرح الصورة) وأن أهم ما يقال عن مسرح الصورة حسب مؤلف الكتاب هو الخصوصية البنائية الشكلية المتفردة لمنظومة العرض الكلية ويلخص الدكتور الاعسم عروض القصب بما يلي:
1/ يمثل الشكل البنية العضوية للنص الدرامي والعرض المسرحي.
2/ ينفرد الشكل في الخطاب المسرحي بوصفه بنية متغيرة ومتحركة.
3/ الشكل في عروض صلاح القصب يمثل علامة بصرية مهيمنة.
4/ للشكل طاقة تأثيرية لا يستهان بها في التعبير عن المحمولات الفلسفية والجمالية.
لابد من الاشارة الى اننا في قرائتنا تصرفنا بفقرات الاستنتاج للتداخل الحاصل بينهما ، كذلك لابد من التصرف في مباحث الكتاب حسب أهميتها وعلاقتها ببنية الخطاب المسرحي.
متعة التلقي المسرحي واستجابة المتلقي
منذ نشوء المسرح كانت الغاية هي المتلقي الذي تنتهي عنده اشتغالات صناع العرض المسرحي، وأن المتعة التي يحققها العرض المسرحي تشكل دافعا لإقبال المتلقين على مشاهدة العروض المسرحية وتكمن أهمية المسرح وسر خلودة في الاتصال الحيوي والمباشر بين العرض المسرحي والمتلقي .. والمتعة تبدأ منذ الانطلاقة الأولى المتمثلة بإنتاج النص المسرحي باعتبار أن اللغة المسرحية وتشكلاتها من خلال الحوار والوصف بين الحوارات تعد شفرات موحية تبثها المنظومة المكتوبة أو المحكية لتنتج متعة لدى المتلقي.
وتأتي هذه المتعة في حال توفر الصياغات الجمالية التي تحقق الدهشة وان تحقيق المتعة يتوقف على ركائز أساسية هي:
1/ متانة النص الدرامي.
2/ معالجته جماليا.
3/ فهم المتلقي.
وثمة اتصال وثيق بين المتعة وبين المسرح منذ نشأته. وتعد نظرية المسرح الملحمي التي استندت إلى مبدأ التغريب هي الثورة المسرحية المضادة للاتجاه الدرامي الأرسطي التقليدي.. وقد عزز برشت صاحب النظرية من دور المتلقي في الفعالية المسرحية إلى جانب مخرجين كبار منهم بسكاتور وبيتر بروك وغيرهم .. وأن العرض المسرحي الحافل بكل ما هو غير مألوف على صعيد العلامات الساكنة والمتحركة من شأنه أن يختصر المسافة بينه وبين المتلقي ويزيد من كثافة الإرسال فتتعدد وتتنوع المتع منها متعة الرؤية ومتعة التأمل ومتعة السماع ومتعة التأويل.
الخطاب المسرحي بين اللفظ والعرض
يشير مفهوم اللفظ حسب المؤلف إلى الصوت .. وتشير الصورة إلى مجموع العلامات الساكنة والمتحركة في جسد العرض وأن المسرح في الغالب يجمع بين الصوت والصورة ويشير الصوت كما هو معلوم إلى صوت الممثل ومجموع المؤثرات الصوتية والموسيقية .. ويشكل الصوت مع الصورة الثراء الجمالي لمنظومة العرض المسرحي ويشكلان معا عملية التواصل الجمالي مع المتلقي .. وعموما فان الدراما تتراوح بين نظريتين هما نظرية الأدب ، ونظرية المسرح وان الدراما تتراوح بين ذاتين: ذات المؤلف المنتج للنص الأدبي، وذات المخرج المبدع للصور والدلالات التي ينتقيها أو يحفزها النص المسرحي في حين أن نظرية المسرح تعتمد العلاقة بين صناعة العرض من جهة والتلقي من جهة أخرى ..
ويتطرق مؤلف الكتاب إلى مرحلتين للنص المسرحي وهما : النص المسرحي قبل العرض/ النص المسرحي بعد العرض. في الجانب الأول تكون علاقة النص بالجانب الأدبي .. وفي الشق الثاني تكون العلاقة مع الجانب الفني الجمالي الذي يتجه نحو التلقي ..
فضاء الدراما . فضاء السينوغرافيا
منذ الكلاسيكية كانت كفة النص المسرحي هي المهيمنة لكن بعض الطروحات في المسرح الحديث ساهمت في تقويض سلطة النص لحساب الجانب الشكلي في العرض المسرحي واهم تلك الطروحات كانت لكروتوفسكي وآرتو الذين اعتمدوا على هيمنة الفعل المسرحي، وأن الفعل العلاماتي لخطاب العرض المسرحي جعل النظريات الحيثة ومنها السيمياء تقر: بأن العرض أن هو إلا كم من الإشارات السيميائية ، الحاملة لمعانى النص .. وعند اجتماع جماليات التصميم السينوغرافي وجماليات التشكيل الحركي تتأسس جماليات فن المسرح..
تجدر الإشارة هنا في قراءتنا إلى أن السينوغرافيا تشمل أيضا التشكيل الحركي عند البعض وتشمل لدى آخرين المنظر الجمالي في سكونه وليس في جانبه الحركي .. وعموما فأن العنصر التشكيلي على وفق الدراسات الحداثية وما بعدها هو المهيمن في فضاء المسرح ( الدراما ).
ويطرح هذا الكتاب عدة مباحث منها : اللغة والمقربة الإخراجية في مسرح الطفل ويشمل هذا المبحث على تفرعات:
1/ اللغة بوصفها خطابا أدبيا متخيلا.. يطرح المؤلف هنا وظائف اللغة وعناصرها والأثر التواصلي الاجتماعي والنفسي للغة وخصوصا تأثير اللغة في مسرح الطفل.
2/ لغة التخاطب في مسرح الطفل وتتكون من مستويين:
أولا: لغة الحوار الدراما.
ثانيا: المفردات البصرية لمنظومة سينوغرافيا العرض الصورية.
وتعمل المقاربة الإخراجية في مسرح الطفل على تفعيل العناصر الدراماتيكية المؤسسة لبنية النص والتحليق بها بما يتوافق مع القيمة الفلسفية والتربوية للنص نفسه، دخول كلمة فلسفية هنا غير مبررة في هذا المبحث.. كما يشير المؤلف هنا أن لا قيمة للنص من دون الإخراج لما للإخراج من إضفاء الجانب الجمالي على النص .. ويعد مسرح الطفل حسب المؤلف مؤسسة تربوية وتعليمية ذات أهداف اجتماعية وأخلاقية.
مبحث آخر يتطرق لفاعلية الرمز في منظومة العرض المسرحي يطرح المؤلف هنا معنى الرمز ودلالته، والرمز بين النص والعرض، والمقاربة الإخراجية باعتبارها منظومة رمزية مشفرة باعتبار أن المسرح تكوين علاماتي يحتل فيه الرمز دورا فاعلا في تنشيط ذهن المتلقي وتحفيز ذائقته.
وهكذا يدور هذا الكتاب في فلك جماليات العرض المسرحي والصراع التاريخي بين الشكل والمضمون وهذا الصراع يرجح بدوره إلى إشكالية النقد في الخطاب المسرحي المعاصر حيث أن الخطاب النقدي المسرحي تأثر بمراحل الصراع بين جيلين متعاقبين منهم من كان يجد في النص الأدبي مركزا ومدخلا للعملية النقدية ، ومنهم من وجد في الخطاب الجمالي للعرض واتصاله بعملية التلقي هو الغاية التي يهدف إليها الخطاب النقدي .
وبالتالي فأن الخطاب النقدي يكتسب أهميته عبر توفره على جملة من العلاقات التكوينية والأنظمة التي ينتظم بها كالنظام اللساني والدلالي وهما عناصر الخطاب الرئيسة وبما يحتويه من فلسفات وتصورات معرفية وأدوات منهجية نابعة من بنية الخطاب ومرجعياته .. ويربط مؤلف الكتاب في واقع النقد بين التطور الحاصل في جماليات العرض وما يرادفه من تطور في بنية الخطاب النقدي ..
إذ أن العروض حينما كانت في مطلع القرن العشرين لا تمتلك قيما جمالية تذكر كان النقد مترهلا يعتمد على خطاب النص المحكي على لسان الممثل وما يتقنه المخرج في تجسيد تعليمات وإرشادات كاتب النص.. لكن الحال مع ما شهدته الساحة المسرحية العالمية والعربية والعراقية في ظهور اتجاهات اعتمدت الشكل وبنية الصورة وهيمنتها في العرض المسرح ، أصبحت العملية النقدية مكملة لجماليات العرض من خلال القراءات المتعددة لمنظومة العرض على وفق نظريات نقدية متطورة وخصوصا بعد أن غادر العرض هيمنة النص وتصالح من نظام الصورة ، وبدون مساهمة الناقد لا يكتمل الخلق الإبداعي كما يشير الدكتور الأعسم في نهاية الكتاب.