الشاعر المسرحي علي الشرقاوي يكتب منذ عقود طويلة، واليوم نقطف من بستانه زهرة مسرحية في عجالة وهي مسرحية(بارباروس أو حدث في أيام دلمون) حيث يقتحم المؤلف البحريني (علي الشرقاوي) الحاضر والواقع المعاش عبر منظار الماضي، بمعنى أنه ينظر للماضي بعين الحاضر، عبر عنوان ثنائي مقصود (بارباروس أو حدث في أيام دلمون)
منذ البداية يعتمد المؤلف على مبدأ المراوغة الدرامية من خلال عنوان ثنائي بارباروس في جهة … وأيام دلمون في جهة أخرى …
هو يدفعنا على إعمال العقل منذ المشهد الأول، حيث قصر الحاكم لوغال والذي يقول .. لوغال : لو كان هنا بارباروس
جدحفصو : لماذا بارباروس لقد خرّف يا حاكمنا لوغال وما عاد يفرّق بين الديك وبين العنز، لذلك طالب بالعزلة والعيش وحيداً لو كان لديه عقل ما فارق مجلسكم يا مولاي
لوغال : هو الإحباط يلازم من عايش حزن الناس الأكثر من عطش بغياب عذاراي عن هذي الأرض وتصوره أنه ساهم، من دون الوعي، بهذا الأمر
منذ البداية يضع الكاتب المتلقي أمام حاكم حائر، حزين على وضع شعبه، ومساعد ماكر (جد حفصو)، لكن الحاكم لاييأس في رحلة الكشف، والبحث عن الحل، لإنهاء أزمة العطش بالمدينة، فتلك أزمة حياتية تهدد الزرع والبشر على حد سواء، لدرجة أن المؤلف في البداية بدأ ينوع من التحذير للوضع الحالي القاسي، والقادم المستقبلي الأكثر قسوة … من خلال مشهد العبد السارق.
المجموعة: نحن بنو دلمون – في أرضنا باقون – كإضاءة المشعل – فلنحفر التربة – ونشكل المجرى – كي نصنع الجدول – من يبني حاضره – أبناؤه يحيون – في عالمٍ أفضل.
إذن المعضلة هي في الوعي بالحاضر ومتطلباته، كي يحدث الانطلاق نحو المستقبل وأحلامه، فلا زيادة في زمان ومكان هم في حالة بناء مستمر، كي يحيا الأبناء في غد أفضل ومشرق.
لذلك خرجت المسرحية في متوالية حوارية يهيمن فيها الحوار على السرد في مجموعة المشاهد (الخمسة عشر) التي تتكون منها المسرحية، وكأنها رحلة من، السؤال والإجابة بعمق فلسفي عقلاني واعي بضرورات اللحظة الراهنة ومتطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على حد سواء.
وبتضافر كل الجهود، والاعتراف بوجود الآخر مهما كان حجم الاختلاف، كي نصل لمرحلة الائتلاف، كي تتكشف أي خيوط لدى مؤامرة، ويتحد الجميع تحت لواء مصلحة الوطن، لا أن يتشدق كل واحد بمصلحته كما يفعل (جدحفصو)…:) وحده (ماذا يملك هذا الكهل الشائخ أكثر مني؟ أملك نظرة نسرٍ في رؤية ما يتحرك فوق الأرض وتحت الأرض، و أملك قوة نمر في الفتك وأملك قوة إقناع لا يملكها الحاكم لوغال. أنا لا أعرف ماذا يجذب كل القرويين لهذا البارباروس ، لماذا يرغب في رؤيته الناس، أنا الأجمل والأقوى والأفضل. ماذا يملك أكثر مني؟
في تلك اللحظة تبدأ أخر حلول الانهيار حيث الأنانية، والنزعة الأحادية، ورفعه بشأن الأنا مقابل المجموع، من خلال كلام أحادي النظرة لاينتج عنه إلا الخراب والدمار، لذلك عندما تم كشف كل مكائده لم يكن أمام الحاكم إلا أن يقرر قتله، لكن الحكم من (بن جمرة) كان له رأي آخر.
بن جمرة : أن يعمل في الزرع ثلاثة أعوام كي يعرف كيف تكون البذرة في التربة يعرف كيف يكون عقاب الزرع إلى الزارع إن زرع الورد سيجني الورد وإن زرع الشوك سيجني الشوك.
في حل رومانسي عقلي مباشر، لكنه جاء كجزاء الشر الكامن في (جدحفصوا)
تعرض علي الشرقاوي لقضية الخرافة والاعتقاد في الغيبيات في أكثر من عمل مسرحي، إلا أنه في هذه المسرحية (بارباروس) أشار إليها في لمحات سريعة لكنها ذان أثر فعال بنى عليها المؤلف رؤيته من خلال حوار بابرباروس في السوق …
البائع الثالث : باركني يا بارباروس
بارباروس : بماذا
البائع : بيديك ضع كفك فوق يدي أو رأسي قد أشفي من تعبي أو …
بارباروس : آمن بالخالق وترى إيمانك يشفيك
البائع الثاني : قدمت قرابيني عدة مرات. ما زاد الزرع ولا كثر الضرع
بارباروس : فكرت لنفسك . لو فكرت بخير الناس لجاء الخير إليك ركيضاً يركض يا هذا.
وهكذا يحطم المؤلف على لسان بارباروس تلك القيم الغيبية الكاذبة، والتي تجعل الإنسان مجبراً ومسيراً لها. فسلبت تقدمه، وأصبحت سبب من أسباب تخلفه.
تلك كانت لمحة سريعة من إبداع علي الشرقاوي الذي يحتاج لدرس علمي.