
عن مؤسسة الصادق الثقافية، صدر حديثا للباحث العراقي د. يوسف السياف كتابا بعنوان “جماليات مقاومة الاخر في الرؤية الاخراجية/ مقاربة تحليلية في عروض ثائر جبارة المسرحية”.
احتوى الكتاب على اهداء التالي:
” إلى الشاعر الحلي (موفق محمد ابو خمرة)
سيبقى صوتك الحاد وتوهّجك الإنساني الاحتجاجي ندبة في وجه الدمويّة، وصرخة لا تخفت في زمن الصمت“.
أما التقديم الذي أنجزه د. فقدان طاهر جاء فيه:
” عندما طلب مني الصديق العزيز الدكتور (يوسف السياف) مؤلف الكتاب، أن أكتب له تقديماً يليق بكتابه، أسترجعت ذاكرتي في الآن، كأني أبحث عن الجذر الأول لتلك العلاقة المعقدة والمركبة التي شغلت ذهني طويلًا بين الفن المسرحي وجمالياته، والتمثل الثقافي للآخر، وهذه العلاقة الجدلية لا تتوقف عند حدود (القالب الجمالي) أو (البناء الدرامي) المسرحي وحسب، وإنما اتسعت حتى شملت ما هو أبعد من ذلك، لا سيما: الصراع المضمر الذي يتضمنه العرض المسرحي، بين رؤية المخرج الفنية/ الفلسفية من جانب، والخطابات الثقافية والجمالية السائدة من جانب آخر. فليس من السهولة في الوقت الحاضر، وفي ظل تفتت الخطاب النقدي وتعدد مناهجه أن نعثر على كاتبٍ يمتلك وعياً ذهنياً مركباً يقبض على طوق الثوب الثقافي والجمالي في آن واحد، من دون أن يقع في فخ التنظير السلبي. لكن القارئ لهذا الكتاب، (جماليات مقاومة الآخر في الرؤية الإخراجية: مقاربة تحليلية لعروض ثائر هادي جبارة المسرحية)، سيتبين له منذ صحائفه الأول، أنه أمام فكرة معرفية منجزة بوعي ثقافي وجمالي متشابك، بحيث يختفي فيها الحاجز المانع بين خشبة المسرح والواقع الحياتي من جهة، وبين الممثل والمتلقي من جهة أخرى، بالإضافة إلى ذلك إن هذه الفكرة تعيد تنظيم العلاقة بين رؤية المخرج المسرحي، وتمثلات (مقاومة الآخر) بوصفها تمثلات ثقافية وجمالية في آن واحد. أن الحديث عن مفهوم مصطلح (الآخر) ليس موضة نقدية أو قضية يتم تناولها عندما تنكمش البدائل وتتوارى الصعوبات والعقبات؛ إنما هو في حقيقة الأمر، حديث في عمق النزاع _ الفلسفي، والنفسي، والمعرفي، والثقافي، والديني، والاجتماعي _ الذي يرتكز عليه الوعي الإنساني عبر العصور والازمنة. وكلما احتدم هذا النزاع، واعتمد أنواعاً أكثر تعقيداً وانحرافاً، ازدادت الحاجة إلى الحديث عن هذا المصطلح، ليس من موقعه الخطابي المتعالي، بل أيضاً من فعله الجمالي ذاته، وأدواته وأنواعه المتشابكة مع القضايا المعرفية المتنوعة للذات. وعبر هذا السياق، جاء الكتاب، بوصفه محاولة صادقة لإعادة القراءة التحليلية للعرض المسرحي العراقي من موقعه الأكثر حساسية (الإخراج بوصفه خطابًا آخر). فالمؤلف هنا لا يكتب عن العروض كـ: (محطات زمنية) أو (تجارب فنية) وحسب، بل يدخل في صميم ما تقترحه هذه العروض من جماليات بوصفها (تمثيلات الآخر ومقاومته)، ويقاربها من زاوية تتماشى كثيرا مع ما شغلتني به اشتغالات (النقد الثقافي)، وتحديدًا في تمثّل (الآخر) وأنماط حضوره داخل البنية الجمالية للخطاب المسرحي. وإذا كان المسرح، يمثل فعلاً أدائياً حركياً وصوتياً مركباً وخطاباً مزدوجاً، فأنه أكثر الفنون يكون قادراً على تجسيد الصراعات الرمزية والسرديات الكبرى التي تشتبك فيها مفاهيم (الهوية) و(التمثيل) و(الانتماء)، فمن المؤكد أن تتعرض عروضه لبعض الأسئلة التي اصبحت اليوم تُطرح في سياق (الدراسات الثقافية) أو (النظرية النقدية)، وأيضاً أصبحت ضرورة من الضروريات (الابستمولوجية) و(الانطولوجية) و(الانثروبولوجية)، في مقدمتها سؤال: كيف يتمثل الآخر؟ ومن يمتلك زمام الأمور في سلطة تمثله؟ وما موقع المخرج المسرحي من هذه السلطة؟ هذه الأسئلة هي مفاهيم نظرية شكلت منطلقاً عملياً واجرائياً لقراءة التجربة الإخراجية للمخرج العراقي (جبارة) _ المعروف بفنه الاصيل والصادق والمنتمي الحقيقي لمسرحه الذي عالج فيه قضايا وهموم مجتمعه _ كما جاءت في الكتاب الذي بين أيدينا، والذي يسعى إلى مقاربة الرؤية الإخراجية لعروض هذا المخرج من خلال عين نقدية حاذقة، تبحث في البنية العميقة للعرض المسرحي، وتحاول فك الاشتباك بين ما هو (فني/ جمالي)، وما هو (ثقافي/اجتماعي)، وما هو (سياسي/سلطوي) في آن واحد.
إن البعد (المفاهيمي) الذي يرتكز عليه هذا الكتاب، والذي يجعله متميزا على المصطلحات التقليدية في تحليل العروض المسرحية. هو (جماليات مقاومة الآخر) لا نفصد هنا الفهم على المستوى السطحي في إعادة عرض لشيء ما، بل على العكس من ذلك تماما فمن المفترض أن نفهمها على إنها نتاجا للمعنى، وإعادةً لتشكيل الواقع عبر أدوات رمزية وتعبيرية مختلفة. إذ يصبح (الآخر) هنا موضوع يُمثل، وليس ذاتا تعبر عن نفسها. من هذا المنطلق، ينشغل هذا الكتاب بفهم كيف تحضر (مقاومة الآخر) في العرض المسرحي كعنصر درامي، فضلا عن حضوره كتمثيل جمالي وثقافي قد ينطوي على تحشيد لصورة نمطية، أو في المقابل، على فعل مقاومة لهذه الصورة. وهنا بطبيعة الحال سيتبنى الفعل الاخراجي بعداً (فكرياً)، و (سياسيا)، و(نفسيا)، يصبح فيه المخرج عنصراً فاعلاً من عناصر إنتاج المعنى. ومن خلال تحليل عروض (جبارة) المسرحية يكشف هذا الكتاب، عن مقاربة إخراجية لا تهدف إلى استعراض الذات الإبداعية، بقدر ما تسعى إلى مساءلتها. إن المخرج هنا لا يُظهر مفهوم (الآخر) بشكل صور جاهزة، وإنما بشكل مجرد تماما، ويجعله تحت القبضة الفكرية والجمالية، بحيث يعطي مجالا واسعا بإعادة النظر في انواع جمالياته المعروفة. لقد عرف (المسرح العربي) بوجه عام، و(المسرح العراقي) بوجه خاص كثير من النماذج التي وظفت (الآخر) بصورة فكرية معرفية، سواء أكان ذلك (الآخر) عقائديا،أو وطنيا،أو سياسيا أو اجتماعيا، أو عرقيا، أو مجهولا، أو سلطويا، أو جمعيا، أو تاريخيا وغالبًا ما كان هذا التوظيف تحت عباءة (الواقعية) أو (التعبيرية) أو (الرمزية ) أو أي اتجاه آخر من الاتجاهات المسرحية المعاصرة دون الالتفات إلى تقويض (البنية المعرفية ) التي تساهم بإعادة إنتاج هذا (الآخر) بشكل مضمر . وما عمله المخرج (جبارة)، بحسب ما مبين في الكتاب هو تقويض هذه (البنية المعرفية)، من خلال علامات إخراجية تستنطق المضمر والمسكوت عنه. ففي عروضه المسرح“.



