وجدة تحتفي بالسينما المغاربية في دورتها الرابعة عشرة: احتفاء بالجمال ووحدة الإبداع/ رشيد بنطالب

من 29 شتنبر إلى 4 أكتوبر 2025، تحولت مدينة وجدة إلى عاصمة مغاربية للفن السابع، حيث احتضنت الدورة الرابعة عشرة من المهرجان الدولي للفيلم المغاربي ” من شاشات السينما تبنى الجسور و تروى القضايا “.
تظاهرة فنية وثقافية كبرى نظمتها جمعية سيني مغرب للثقافة والإبداع برئاسة المخرج خالد السلي، جسدت مرة أخرى إصرار أبناء الجهة الشرقية على جعل وجدة منارة للإبداع والتلاقي الفني.
المهرجان، الذي رسخ مكانته كأحد أهم المواعيد السينمائية في المنطقة المغاربية، استقبل نخبة من المخرجين والنقاد والممثلين من مختلف الدول، في أجواء احتفالية راقية عكست عمق الروابط الثقافية بين الشعوب.
تضمن البرنامج مسابقتين رسميتين للأفلام الطويلة والقصيرة، إلى جانب عروض بانورامية لأفلام مغاربية خارج المسابقة، وورشات تكوينية لفائدة الشباب تناولت مواضيع السيناريو والإخراج والإنتاج المستقل، فضلاً عن ندوات فكرية ناقشت دور السينما في تجديد الخطاب الثقافي ومواجهة التحولات الاجتماعية.
وشهدت هذه الدورة لحظات إنسانية مؤثرة، كان أبرزها تكريم الموسيقار الكبير مارسيل خليفة، الذي اعتبره المهرجان رمزاً عربياً للحرية والجمال، وصوتاً ظلّ يرافق الذاكرة الجماعية للشعوب بصوته وأوتاره ومواقفه النبيلة. كان تكريمه بمثابة احتفاءٍ بالقيم التي تجمع بين الفن والإنسان، وبالقدرة على تحويل النغم إلى مقاومة والأغنية إلى وجدانٍ مشترك.
كما كرمت الدورة عدداً من الوجوه السينمائية التي أثرت المشهد بإبداعها، إلى جانب عروض مفتوحة للجمهور الوجدي الذي أبهر الحضور بحضوره الكثيف وتفاعله الراقي مع العروض والنقاشات.
المنافسة الرسمية كانت حافلة بأعمال متنوعة، من الواقعية الاجتماعية إلى السينما الرمزية والتجريبية، مما جعل لجنة التحكيم أمام خيارات صعبة نظراً لتقارب المستوى الفني وجودة الإنتاجات المشاركة. وقد شدد أعضاء اللجنة على أهمية المهرجان في دعم الأصوات الجديدة وإبراز التجارب الجريئة التي تكسر القوالب التقليدية.
لم يكن المهرجان مجرد منصة لعرض الأفلام، بل فضاءً لبناء الجسور بين المبدعين وتعزيز الوعي السينمائي داخل المجتمع. فكل عرض، وكل نقاش، كان بمثابة لقاءٍ بين الحلم والواقع، بين العدسة والذاكرة.
في ختام هذه الدورة، أجمع المشاركون والنقاد على أن مهرجان الفيلم المغاربي بوجدة بلغ مرحلة من النضج والاحترافية جعلته رقماً أساسياً في الخريطة السينمائية المغاربية، ومجالاً حيوياً لتلاقح التجارب والرؤى الفنية.
من وجدة، صدحت رسالة الفن مجدداً:
“السينما ليست ترفاً ولا ترفيهاً، بل مرآة تُعيد للإنسان صورته، وللأوطان ذاكرتها، وللمغرب الكبير حلمه الموحد.”
ومن موقعي كمتتبعٍ لنبض هذا المشهد السينمائي الدولي المغاربي منذ سنوات إلى دورته الرابعة عشرة، أجد في هذا المهرجان أكثر من مجرد حدث فني؛ إنه مساحة صادقة للاعتراف بالجهد، وتكريم للحلم، واحتفاء بالإنسان قبل الصورة.
ما تقدمه وجدة اليوم هو درس في الإصرار على الإبداع رغم كل التحديات، ورسالة إلى كل المدن المغربية والعربية: بأن الفن حين يجد من يحتضنه، يصبح وطناً آخر لا تغيب شمسه.



