مقالات

حين تنقلب الموازين: تبذير المال العام في زمن الحاجة/محمد زيات

انتهت فعاليات مهرجان “موازين”، تاركًا وراءه ضجيجًا ليس فنيًا هذه المرة، بل مجتمعيًا، غاضبًا، ورافضًا لما بات يُنظر إليه بوصفه نموذجًا صارخًا لانفصام السياسات الثقافية عن الواقع الاجتماعي للمواطن المغربي.

إنّ مهرجانًا يُقام تحت شعار “الفن والانفتاح” لا يُمكن أن يُبرّر حجم الإنفاق الخيالي الذي يرافقه، في ظلّ معاناة شرائح واسعة من الشعب مع أبسط مقومات الحياة الكريمة. فهل من المنطق أن تُصرف الملايين على أجور فنانين عالميين لا تربطهم بالثقافة المغربية أية صلة، بينما تقبع مدارسنا في العراء، ومستشفياتنا في حالة مزرية، وشبابنا في طوابير البطالة واليأس؟

لسنا ضد الفن، بل إنّ الأمم الراقية تُقاس بمدى احتفائها بالإبداع. لكننا ضد التوظيف المشوَّه للفن، حين يتحوّل إلى أداة لتخدير الوعي الجماعي وتمييع الذوق العام. ضد أن يُستورد “الفرح المُعلّب” على حساب الهوية والمبادئ، وتُكرّس التفاهة كقيمة عليا، تحت غطاء “الانفتاح” المزعوم.

لقد أصبح مهرجان “موازين” رمزًا لهذا المسخ الممنهج. فنجد فنانين يصعدون المنصات ليؤدّوا عروضًا جوفاء، مفككة من أي مضمون أو رسالة، تُصفّق لها قِلّة، وتُموَّل من جيوب الكثرة. بينما يهمَّش الفنانون الحقيقيون، ويُقصى المسرح، وتُسحق الموسيقى الأصيلة، وتُختزل الثقافة في استعراض أجسادٍ وإيقاعاتٍ بلا روح.

إنّ الفجوة تتسع بين “المغرب النافع” الذي يُقام على الورق وفي الحملات الدعائية، و”المغرب الواقعي” الذي يتألم بصمت في الهامش. مهرجان “موازين” ليس إلا مرآة لهذه الفجوة، حيث تُنفق الأموال على الواجهة، بينما يُهمل الأساس.

نحن في حاجة إلى سياسة ثقافية جديدة، تؤمن بأن الثقافة ليست ترفًا ولا مظهريّة، بل رافعة للتنمية ومصدرٌ للوعي. نحتاج إلى دعم الإبداع الأصيل، الفن الهادف، والمبادرات المحلية التي تصنع الفرق، لا إلى مهرجانات تستورد “البهرجة” وتُصدر “اللاشيء”.

لقد آن الأوان لإعادة النظر في الأولويات، وتصويب البوصلة نحو ثقافة تُخاطب الإنسان فينا، لا الغريزة، وتُعلي من شأن الجمال، لا الابتذال.

* محمد زيات / فنان.

Related Articles

Back to top button