أوجينيو باربا والأنثروبولوجيا المسرحية/ إعداد: أحمد بلخيري

الأنثروبولوجيا المسرحية فرع من علوم المسرح. من أجل التعريف بها رجعت إلى ما كتب عنها وعن أوجينيو باربا في “المعجم الموسوعي للمسرح” (Dictionnaire encyclopédique du Théâtre) الذي أشرف عليه ميشيل كورفان Michel Corvin. تم تحرير المادة الخاصة بهذا المصطلح وبأوجينيو باربا من لدن بوري M.Borie . وقد صدر هذا المعجم سنة 1998. فيما يلي ما كُتب عنهما في المعجم المذكور. وقبل ذلك، تجدر الإشارة إلى أنني وضعت رقمين هما 1 و2 . ذلك أن هناك تعريفا للأنثروبولوجيا المسرحية في صفحتي 85 و86. أما المادة المتعلقة بأوجينيو باربا فموجودة في صفحتي 163 و 164.
النص:
1-“الأنثروبولوجيا المسرحية مصطلح استعمله أوجينيو باربا سنة 1979 مع تأسيس ISTA (المعهد العالي للأنثروبولوجيا المسرحية). وتم تحديده من لدنه باعتباره”دراسة السلوك البيولوجي والثقافي للإنسان في وضعية تمثيل، أي الإنسان الذي يستعمل حضوره الجسدي والذهني وفق مبادئ مختلفة عن تلك التي تحكم الحياة اليومية”.
انطلاقا من هذا المبدإ نفسه، فإن الأنثروبولوجيا المسرحية ترتكز إذن على هذا التمييز بين الاستعمال اليومي والاستعمال غير اليومي (Extra-Quotidien) للجسد. وقد استعار من مارسيل موس Marcel Mauss تعبير”تقنية الجسد” وفكرة جسد مشروط بالثقافة، ثم أدرجه في حقل المسرح، حيث انتدب نفسه لدراسة هذا الاستعمال الخاص للجسد من قبل الممثل الذي يقوم على حضور نوعي، وبذل لطاقة لا يكونان في الاستعمال اليومي للجسد. إن باربا لم يرد ابتكار”علم المسرح”، إنه يسعى بالأحرى، حسب تعابيره الخاصة، إلى إبراز “قواعد” و”مبادئ” في التقاليد المسرحية المختلفة، حيث تكون الغاية هي استخراج “نصائح جيدة” لمساعدة الممثل الغربي من أجل الحصول على سيطرة أفضل لتعبيريته. وبالنظر إلى المسافة الأقل وضوحا والأقل وعيا بها في الغرب بين تقنية يومية وتقنية غير يومية (Extra-quotidienne) للجسد) باستثناء، حسب باربا، نظام الميم (المايم) (Le mime) عند ديكرو Decroux أو الرقص الكلاسيكي)، فإنه من المنطقي أن تكون التقاليد الشرقية، حيث يُظهِر لنا الممثل حقيقة جسدا آخر يبدو واضحا بوصفه جسدا خياليا، في قلب بحث باربا، الذي أقر بانجذابه نحو نوعية “الحضور” الخالص للممثلين الشرقيين. وبالتعاون مع أساتذة من تقاليد شرقية مختلفة، انطلقت مسيرة ISTA منذ تأسيسه.
الانفتاح على الاختلاف لا يعني هنا توفيقا غامضا، ولكنه بحث، بواسطة تجربة تريد أن تكون عبر-ثقافية Trans-Culturelle، عن قاعدة بيداغوجية موحدة للممثل الشرقي والممثل الغربي. قاعدة بيداغوجية تتحدد انطلاقا من مجموعة من المبادئ النفعية: تغير التوازن، لعب قائم على التعارضات، فائض الطاقة والإحساس. هذه المبادئ تتداخل عند باربا في مستوى ما يسميه “ماقبل تعبيرية” (Pré-Expressivité) في التركيب الجسدي للممثل. إنها تحدد “القواعد ماقبل تعبيرية” للاستعمال حيث يسعى الممثل بحضوره الجسدي من أجل التعبير عن شيء محدد. إن الأمر يتعلق إذن بمستوى من التحليل خاص بالقواعد التي تقود الممثل في بناء تعبيريته.
وبتجاوز لغوي، يُستعمل أحيانا مصطلح أنثروبولوجيا مسرحية من أجل تحديد المساعي التي تربط، تحت أشكال مختلفة، المسرح بالأنثروبولوجيا، مع تطبيق معجم ووسائل الأنثروبولوجيا التي تحلل الظاهرة المسرحية، أو إبراز التقاطع الحاصل بين عدد من التصورات المركزية الخاصة بالأنثروبولوجيا (وبدقة أكبر في التحليل الخاص بالشعائر)، وعدد من التصورات الخاصة بالمسرح. إنها الحالة الخاصة، في الولايات المتحدة، بفكتور تورنر Victor Turner من جهة الأنثروبولوجيا، وريشار شِشنر Richard Schechner من جهة المسرح، اللذين يطوران تفكيرا حول العلاقات بين شعائر، ومسرح، وأداء. وإذا كان هناك- بعيدا عن هذين النموذجين- غنى من التبادلات بين المسرح والأنثروبولوجيا، فإنه لا يمكننا القول هكذا بتأسيس “أنثروبولوجيا مسرحية” بالمعنى الذي نتحدث فيه عن “أنثروبولوجيا اجتماعية” و”أنثروبولوجيا ثقافية”. إن استعمال المصطلح يبدو لنا إذن خاصا بالمسعى الخاص المحدد من لدن باربا”.
2-“أوجينيو باربا (سلانطو، إيطاليا، 1927) هو مخرج مسرحي إيطالي، ومؤسس مسرح الأودن. وهو تلميذ غروتوفسكي Grotowski. كان قد حدد مسارا أصيلا قائما على البحث حول الممثل، كما ساهم بشكل أساسي في تجديد تدريب وتطوير تعبيرية هذا الأخير.
قدم، وهو في حيوية الشباب، إلى اسكندنافيا حيث تابع دراساته لآداب وتاريخ الأديان بجامعة أوسلو قبل حصوله سنة 1960 على منحة من اليونسكو في بولونيا. في هذه الأخيرة كان تكوينه المسرحي بفارسوفيا، وبالخصوص بأوبول Opole حيث أقام ثلاث سنوات قرب غروتوفسكي أستاذه بالمعنى الشرقي للكلمة، أي الذي عرف كيف يساعده على تحضير ذاته الخاصة. وأثناء عودته إلى النرويج أسس بأوسلو سنة 1964 مسرح الأودن Odin Teatret مع مجموعة من الممثلين القادمين من آفاق مختلفة. سنتان بعد ذلك استقر الأودن بهولستيبرو Holstebro بالدانمارك، الذي مازال إلى حد الآن مركزه للعمل.
حينما استقر مسرح الأودن بهولستيبرو أنتج فرجة واحدة: Ornitofile (1965)، ثم كان تأسيس مسرح المختبر. كانت أنشطة المختبر، في الواقع، فضلا عن إبداع الفرجات-Kaspariana (1967) Ferai (1969) التي كان لها صدى عالمي- تشتمل على برنامج خاص بالبحث حول فن الممثل وتجريب فرضيات جديدة في ميدان البيداغوجيا والتواصل المسرحي. وقد أعطيت أهمية كبيرة للتدريب الجسدي والصوتي (علاوة على غروتوفسكي، المراجع الأساسية هي ستانسلافسكي Stanislavski، مايرهولد Meyerhold، دلسارت Delsarte، وكذلك الأوبرا الصينية وتقاليد شرقية أخرى). تمكن الأودن، هذا المختبر الثقافي الحقيقي، من إنتاج أفلام حول التدريب، وكانت له منشورات، ونَظم حلقات دراسية.
في السبعينيات استمر إنتاج الفرجات: Min Fars Hurs (1972)، كتاب الرقصات (Le Livre des danses (1974)(، Come ! And The Day Will Be Ours (1967)، Anabasis فرجة الشارع (1977)، المليون (1978). وقد تنقلت المجموعة كثيرا وطورت غالبا فرجاتها من تجارب السفر. وامتدت أنشطة المختبر إلى بلدان أخرى من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية. وقد طور الأودن شبكة حقيقية من العلاقات (حيث كانت النواة بإيطاليا) بين مجموعات من مختلف البلدان والقارات، وكان حافزا لما يسميه باربا ب”المسرح الثالث”. مسرح المجموعة هذا، لا ينتمي لا إلى المسرح التقليدي ولا إلى مسرح الطليعة. إنها الحقبة التي اكتشف فيها الأودن إمكانيات “المقايضة” بين الثقافة المسرحية للمجموعة وثقافة المجموعات القروية (كاربنيانو Carpignano ، جنوب إيطاليا، 1974) فضلا عن قبائل أصيلة بدائية (هنود الأمازون الفنزويلي، 1976)، استنادا على التبادل داخل الاختلاف. أشَّرت هذه التجارب على التواصل بين الثقافات.
سنة 1979 التي تم خلالها تأسيس ISTA المعهد العالمي للأنثروبولوجيا المسرحية، حيث تكون التقاليد الشرقية والتبادل بين الثقافات هي محور الأبحاث، سجلت نتيجة مسار. ثم تواصل الإبداع: رماد بريشت (Cendres de Brecht) (1982)، Oxyrhincus Evangeliet (1985)، Talabot (1988)، Kaosmos (1993). إن مسرح الأودن، ومجموعته، بقيادة باربا هو المنارة الوحيدة في الستينيات الذي مازال حيا”.
المصدر:
Michel Corvin , Dictionnaire encyclopédique du Théâtre, 1998, p/85/86/163/164.
هذا ما كتب من لدن بوري Borie عن أوجينيو باربا والأنثروبولوجيا المسرحية في المعجم المذكور.