بتونس: تقرير لجنة التحكيم لمهرجان التسيرا الدولي للمونودراما الدورة 7 / 2025

من 11 الى 14 ماي 2025
تكونت اللجنة من:
- صابر العمري رئيسا
- احمد الزائر السالمي عضو اول
- رياض العبيدي عضو ثان
ـ عرض ” القصاص ” لفرقة نخل للمسرح سلطنة عمان
المسرح حالة ذهنية وجسدية واعية
ضمن العروض المشاركة في مهرجان ألتيسيرا الدولي للمونودراما ( الجمهورية التونسية / محافظة الكاف بالشمال الغربي) الدورة 7 من 11 ماي الى 14 ماي 2025
تأليف : سعد يونس . اللغة : العربية الفصحى.
إخراج: شهاب السليمي
سينوغرافيا: باسم الحراصي
الحاصل على جائزة أفضل عرض اول متكامل
أفضل إخراج: شهاب السليمي
أفضل ممثل: سهيل الريامي
الخرافة:
الفصام البشري حالة واعية وعود على بدأ لكشف التشظي الذهني وتمييز تحولات الجسد وتداعياته.
النص بين الالقاء والتخييل:
نص ذهني تمت معالجته دراميا بطريقة حرفية اخراجية واعية بعوالم وبواطن النفس البشرية.
الأداء والطاقة اللعبية:
طاقة جسدية إيمائية وحركية وصوتية قدمها لممثل بإحترافية عالية على الركح والفضاءات الثلاث المتخيلة( الانا والانا الأعلى والهو).
اللعب يرتقي ليبلغ لحظات تجلي واضحة تراوح بين السلب وملامسة الجانب التطهري التطهيري الروحاني.
يستمد المؤدي طاقته اللعبية من مرجعية وجمالية عالمية ( غروتوفسكي) ومسرح القسوة.
السينوغرافيا بين الرمزية والدلالية:
التعويل على السينوغرافيا والديكور الايحائي الرمزي لخلق فضاءات واقعية تحيا داخلها الشخصيات الاللاعبة المتخيلة.
الاقتدار على تفكيك رموز العرض ودلالات الاكسسوارات والاغراض المسرحية بطريقة سيميائية واعية تزاوج بين الثنائيات دالا ومدلولا . ابيض واسود. كما قطبا لعب الشخصية المحورية الخير والشر والتعارض الناجم عن تداخل احدهما بالآخر.
الإخراج وجمالية التناسق الكلي:
عمل المخرج على إدارة لعب الممثل لخلق عالم موازي لهواجس ذاته الداخلية فجعل المتلقي يعيش في عوالم حقيقية هي انعكاس لباطن وتفكير المؤدي المونودرامي فهي أماكن وتمظهرات يعيشها الهو ويتمثلها اناه الأعلى ويرتبك منها الانا الظاهر للمتفرج كمريض معزول في مشفى او مصح عقلي يهذي ويتكلم ويسترجع ويعيش حالات متداخلى من فضوله وامجاده وخيباته ويرعبه صوت وتنغيمات صوتية خارجية voix off. مما كان كاشفا لحرفية في تبليغ الخطاب ورسائل ورموز العرض ضمن خطية لعبية متطاعدة نازلة تستقي ايقاعها من إيقاع وحالة المؤدي السيكولوجية والعاطفية والوجدانية فكان العرض مكثفا جماليا وفنيا.
تحليل بصري أولي للمشاهد المسرحية:
الماكياج وتقنية الكلاون المسرحي:
- الممثل يستخدم ماكياجًا نصفيًّا باللونين الأسود والأبيض، ما يعكس انقسامًا داخليًا بين التناقضات: الضحك/الألم، النقاء/السواد، الحياة/الموت.
- الألوان المستخدمة تشبه نمط الـPierrot أو “المهرج الحزين”، بما يحمل من دلالات عميقة عن الوحدة والخذلان والإنهاك الداخلي.
الملابس والإضاءة:
- الملابس بسيطة، مهترئة جزئيًا، وملطخة كما لو أنها تحمل آثار صراع أو سقوط.
- الإضاءة البنفسجية الزرقاء تخلق جوًا داخليًا سوداويًا ، وتغلف الشخصية بهالة عزلة، وكأنها عالقة في فضاء بين الحياة والموت.
حركة الجسد والتعبير:
- في المشاهد الأولى، الشخصية جالسة بوضعٍ غير مريح، تمسك فمها في إيماءة تشي بالخوف أو الذهول أو تأمل الصدمة.
- في المشاهد اللاحقة تنحني إلى الأرض كما لو أنها تبحث عن شيء ضاع منها أو كما لو أنها في حالة انهيار جسدي/نفسي. هذا الانحناء يوحي بالانكسار أو طلب الرحمة.
تاويلات درامية محتملة:
الهوية الممزقة:
التقسيم اللوني في الماكياج مع الملابس المتآكلة قد يرمز إلى شخصية فقدت السيطرة على عالمها أو عالقة بين انتماءات متناقضة.
التراجيديا المعاصرة:
تعبيرات الجسد والوجه تظهر أن الشخصية تسرد مأساة إنسانية كبرى، ربما تحمل أبعادًا اجتماعية أو سياسية.
استلهام من التراث الشعبي أو النقد الاجتماعي:
الكلاون/المهرّج، تاريخيًا، كان وسيلةً للقول بما لا يمكن قوله، ما قد يشير إلى أن العرض ينتقد المحرمات، أو يسائل العادات، أو يواجه السلطة.
خلاصة
يظهر العرض قدرة فريقه على استثمار الهوية الفردية والإنسانية المُمسرَحة والتعويل على الجسد الفردي / المتفرد على العبور التراجيدي عبر قناع المهرج” وهذا ما يظهره المؤدي من قوة في الأداء وطاقة متجددة وقدرة على تحويل الجسد إلى نص بصري، يستخدم القناع لا كوسيلة إخفاء، بل كوسيلة كشف، تضع المتفرج أمام المرآة المكسورة للذات الجماعية.
“القصاص”عندما يتحوّل المسرح إلى مرآة للذات المتشظية
بقلم: احمد الزائر السالمي عضو لجنة تحكيم مهرجان التيسيرا الدولي للمونودراما – الدورة السابعة، الكاف / باحث في المسرح وفنون العرض / تونس – ماي 2025
في العرض العماني “القصاص” لفرقة نخل للمسرح (سلطنة عمان)، والذي نال جائزة أفضل عرض أول متكامل، إلى جانب أفضل إخراج للمبدع شهاب السليمي، وأفضل ممثل للفنان المتألق سهيل الريامي، نكون أمام تجربة مسرحية نادرة، تتجاوز مفهوم الفرجة التقليدية نحو الغوص في أعمق مناطق النفس البشرية، حيث تتقاطع الرؤية الفنية بالتشريح النفسي، وتتشكل عوالم الداخل بتجلياتها الجسدية والروحية.
مسرح ذهني وجسدي: الفصام بوصفه أداة ومرآة
يرتكز النص الذي كتبه سعد يونس على مقاربة درامية لفكرة الفصام، لا بوصفه مرضاً، بل كحالة ذهنية واعية، تعيد ترتيب العلاقة بين الأنا، والأنا الأعلى، والهو. هذا التشظي لم يُطرح بعين الشفقة أو التحليل السريري، بل عبر تفكيك وجودي لحالة إنسانية تتأرجح بين الواقع والهذيان، بين الذنب والعقاب، بين الندم والرغبة في الخلاص.
النص، بلغة عربية فصحى نقية، جاء مشبعًا بالتخييل، واعتمد على الإلقاء كتقنية لاستحضار الذوات الداخلية، في تماهٍ مع تقاليد المسرح الذهني الذي يُعلي من شأن الفكر والتأمل. وقد تولّى المخرج شهاب السليمي تحويل هذا النص إلى تجربة مسرحية حية، نابضة، تعتمد على الرمز والدلالة، وتُعلي من شأن التخييل الجسدي والصوتي.
الأداء: تجلٍّ جسدي وصوتي لآلام الذات
قدّم سهيل الريامي أداءً استثنائيًا، جسّد فيه التمزق الداخلي للشخصية من خلال طاقة جسدية عالية اعتمدت الإيماء، والتلوين الصوتي، والانسياب الحركي. كان الريامي في لحظات كثيرة بمثابة مرآة فكرية وجسدية لمعاناة الإنسان المعزول، وتجلّت حرفيته في قدرته على التفاعل مع فضاءات متخيلة هي امتداد لعوالمه النفسية المضطربة.
لقد تماهى الممثل مع مرجعيات مسرحية كبرى، خاصة من عالم غروتوفسكي و”مسرح القسوة”، مستحضرًا البُعد التطهيري للعرض، حيث يصبح الجسد وسيلة للتكفير عن الذنب، أو ربما للقصاص من الذات.
سينوغرافيا رمزية: من الأبيض والأسود إلى الخير والشر
صمم باسم الحراصي سينوغرافيا واعية بالتضادّات البصرية والدلالية. اعتمد على توظيف رمزي للألوان، خصوصًا الأبيض والأسود، بوصفهما قطبي الخير والشر، الذات والآخر، النقاء والدنس. لم تكن الأغراض والديكورات مجرد زينة مسرحية، بل علامات سيميائية توزعت على الركح لتفتح إمكانات متعددة للتأويل.
إخراج متكامل: من إدارة الممثل إلى بناء العالم الداخلي
برزت براعة المخرج شهاب السليمي في خلق عالم داخلي يتجسد على الركح، يوهم المتلقي أنه يراقب مريضًا في مصحّ نفسي، يهذي، ويسترجع، ويصارع ذاته. وقد ساهمت المؤثرات الصوتية (voix off) في تعميق هذا الانفصام، مضيفة بعدًا خارجيًا يراقب الداخل، ويؤنبه، ويرعبه.
أدار السليمي الإيقاع العام للعرض بما يتناغم مع الحالة النفسية للممثل، صعودًا وهبوطًا، بحيث صار المشاهد بدوره أسيرًا لدوّامة العرض، عاجزًا عن التمييز بين الحقيقة والخيال، بين الواقع والمسرح، وهو في ذلك أقصى درجات التورّط الوجداني.
“القصاص” ليس عرضًا مسرحيًا فحسب، بل تجربة ذهنية وجمالية عميقة. لقد استحقّ بجدارة الجوائز الثلاث الكبرى في مهرجان التيسيرا الدولي للمونودراما بدورته السابعة، نظرًا لتكامله الفني، وفرادته الإخراجية، وقوة أدائه التمثيلي. لقد نجح في جعل الركح مرآة متشظية لإنسان يتأرجح بين الذنب والتطهر، بين الذاكرة والهذيان، وبين الرغبة في الخلاص والقصاص من الذات.