اصداراتمنشورات

عن كتاب “المسرح المغربي..تطور وتاريخ”/ أحمد بلخيري

صدر كتاب “المسرح المغربي..تطور وتاريخ” هذه السنة 2025 بمناسبة انعقاد الدورة التاسعة للمهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب التي انعقدت من 15 الى 20 ابريل 2025. هذا المهرجان تنظمه سنويا مؤسسة س للثفافة والإبداع بقنا (مصر).

يتضمن عنوان الكتاب كلمتي “تطور” و”تاريخ”، لذا كان المنهج التاريخي هو المستعمل في الكتاب بدء من مرحلة الحماية إلى اليوم. وقد كانت البداية بالتمييز بين مفهومين هما “المسرح في المغرب” و”المسرح المغربي”، وهناك فرق بينهما. ذلك أن المسرح، بمعناه الحديث، وُجد في المغرب قبل التوقيع على معاهدة الحماية التي كانت سنة 1912. فقد قدمت عروض مسرحية في شمال المغرب بعد سنة 1860 من لدن فرق مسرحية إسبانية. هذا المسرح ينطبق عليه مفهوم “المسرح في المغرب. أما المسرح المغربي فيتفق مؤرخو المسرح المغربي على أن بدايته كانت سنة 1923.

هذه المقالة تقديم لبعض محتويات الكتاب. قُسِّم هذا الأخير على النحو التالي:”مقدمة-المسرح المغربي في زمن الحماية-المسرح المغربي في زمن الاستقلال-المعهد العالي للفن المسرحي والتكوين الثقافي: التكوين والإبداع-سياسة الدعم-المسرح المغربي على خشبات العالم-مسارح وخشبات-الهوامش.

في سنة 1923 كانت زيارة أول فرقة مسرحية مصرية للمغرب. نجاح هذه الفرقة المسرحية شجع، فيما يبدو، فرقا مسرحية مشرقية أخرى على زيارة المغرب وتقديم عروضها المسرحية منها “الفرقة المختلطة” التي كان من بين أعضائها عبد الرزاق كربكة وحسن بنان… كانت هذه هي الشرارة الأولى التي عبدت الطريق لظهور المسرح المغربي، زمن الحماية، في مدن مغربية عديدة مثل فاس، وطنجة، ومراكش..وهكذا ظهرت فرق مسرحية، تحت مسمى جوق، وأسماء مسرحية كان لها دور أساسي في غرس أسس الفن المسرحي في المغرب. من هذه الفِرق/الأجواق المسرحية “الجوق الطنجي للتمثيل العربي”، و”جوق التمثيل الفاسي”، و”جوق التمثيل الرباطي”، و”جوق التمثيل السلاوي”. ومن الأسماء، على سبيل المثال، محمد الحداد بطنجة، ومحمد القري بفاس وسواهما…ثم توالى ظهور الفرق والأسماء المسرحية المغربية التي كان لها فضل غرس هذا الفن النبيل في المغرب.

والجدير بالإشارة هو زيارة فرقة فاطمة رشدي للمغرب سنة 1932 حيث قدمت عروضا مسرحية لها في عدد من المدن المغربية. يتضمن الكتاب جدولا عن العروض المسرحية التي قدمتها مع فرقتها في المغرب. ومما قالته عن زيارتها للمغرب:”وفي هذا البلد العريق قوبلنا من الشعب ومن الحاكمين بترحيب وحفاوة كاللتين قوبلنا بهما في جميع الأقطار العربية الأخرى، وتسابق الناس إلى مشاهدة مسرحياتنا تسابقا منقطع النظير”.

على أن جمهور المسرح المغربي لم يعرف المسرح القادم من المشرق العربي فقط، مصر تحديدا، وإنما عرف أيضا مسرح موليير، وشاهد أيضا “شهداء الغرام” (روميو وجولييت لشكسبير). ولم تكن عين الرقابة الاستعمارية نائمة، فحسب المعطيات المتوفرة فقد مُنعت مسرحية “يتيم الصحراء” لعبد الواحد الشاوي، وكان قلم الرقابة الأحمر يحدد ما يقال وما لا يقال. فقد أمر باشا تطوان “فرقة الواحة للتمثيل” بتطوان بحذف أو تغيير العبارات ذات النكهة الوطنية. كان ذلك يوم 16 نونبر سنة 1951.

وللإنصاف، فقد كان أيضا لبعض الأطر الفرنسية دور في نشر الثقافة المسرحية في المغرب، زمن الاستعمار، وتكوين شباب مغاربة تكوينا مسرحيا منهم على سبيل المثال أندريه فوازن André Voisin، والمخرج الفرنسي روني بومان الذي اضطلع بمهمة تدريب شباب مغاربة على المسرح الإذاعي. في هذا النوع من المسرح كانت بداية عبد الله شقرون الذي كانت حياته الفنية حافلة بالإبداع في مجال المسرح الإذاعي على الخصوص، بعد تلقيه تكوينا من لدن أطر فرنسية، وقد نشر عددا من نصوصه المسرحية لاحقا في عهد الاستقلال. هذا، ويعتبر النص المسرحي “انتصار الحق بالباطل” لعبد الخالق الطريس أو نص مسرحي طُبع ونُشر في المغرب، كان ذلك سنة 1933.

ومما ورد في الكتاب، ارتباطا بالحقبة الاستعمارية، ما يلي:”يتبين من خلال عناوين المسرحيات التي تنتمي إلى الحقبة المذكورة الارتباط الوثيق لتلك المسرحيات بالرصيد الحضاري والثقافي للمغرب. إن عناوين مثل “عنترة”، و”الوليد بن عبد الملك”، والعباسة أخت الرشيد”…كلها تصب في رافد من روافد الهوية المغربية. هوية تدل عليها أيضا، من جهة أخرى، عناوين مثل “المنصور الذهبي”، و”أميرة الأندلس”، (وإن كان مبدع النص المسرحي هو أحمد شوقي)…هذا علاوة على ارتباط المسرح المغربي عصرئذ بالمجتمع المغربي اجتماعيا وسياسيا، وهذا ما تدل عليه العناوين التالية:”عوائدنا في الزواج”، “الأوصياء”، “اليتيم المهمل”، “أصدقاء أم لصوص”، و”ياعبد الكريم”، و”مصالح الوطن على عاتق الشباب”…هوية مغربية منفتحة على ا لآخر. يبدو هذا الانفتاح من خلال العناوين التالية:”شهداء الغرام روميو وجولييت”، و”البخيل”…”

تضمن هذا الجزء الخاص بالمسرح المغربي قبل الاستقلال، اعتمادا على مراجع متخصصة، جداول وبيانات تساهم في تقديم صورة عامة عن المسرح المغربي في المرحلة التاريخية المعنية.

من العناوين الرئيسية في الكتاب “المسرح المغربي في زمن الاستقلال”. كانت بداية التحدث عن المسرح المغربي في زمن الاستقلال الإشارة إلى تحولات سوسيولوجية، وثقافية، وسياسية، واقتصادية عرفها المغرب في هذا العهد. من مظاهر هذا التحول ارتفاع وتيرة طبع النصوص المسرحية. فإذا كانت سنة 1933 عرفت نشر نص مسرحي واحد هو “انتصار الحق بالباطل” لعبد الخالق الطريس، فإن عدد النصوص المسرحية المطبوعة من سنة 2011 إلى 2018 هو 180 نصا مسرحيا.

ولا يمكن الحديث عن المسرح المغربي زمن الاستقلال دون الحديث عن مسرح الهواة. وقد كان اليسار المغربي حاضرا بقوة في الجمعيات المسرحية التي يجمعها مفهوم مسرح الهواة لاسيما في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. هذا المسرح كانت له جامعة تسمى الجامعة الوطنية لمسرح الهواة. وبعد مشاكل تتعلق بهذه الجامعة نفسها ظهرت ملتقيات مسرحية في مدن عديدة منها الملتقى الوطني الذي كان ينظمه الاتحاد الإقليمي لمسرح الهواة بأكادير، وقد للمخرج المسرحي عبد القادر اعبابو دور أساسي في هذا الاتحاد وذلك الملتقى.

هذا، وقد أشار الكتاب إلى جمعيات مسرحية كان لها حضور بارز في مسرح الهواة منها على سبيل المثال “جمعية النهضة” بالخميسات التي منها انطلقت الحياة المسرحية لعبد الكريم برشيد، و”رواد الخشبة” بمكناس، و”اللواء” بتازة، و”الجيل الصاعد” بمراكش، و”إلماس الثقافية” بالناضور، و”أنوار سوس” بأكادير، و”مسرح الأقنعة” بفاس. قدم مسرح الهواة للمغرب كتابا دراميين، ومخرجين مسرحيين، ومؤلفين مخرجين، ومخرجين مؤلفين. في الكِتاب أسماء لعدد من هؤلاء مع توثيق لبعض نصوصهم الدرامية/المسرحية. منهم على سبيل المثال المسكيني الصغير، محمد مسكين، عبد الكريم برشيد، عبد الإله بنهدار، محمد الكغاط، عبد الرحمان بنزيدان، الزبير بنبوشتى، الحسين الشعبي، الطيب الوزاني، أحمد السبياع، عبد الرحمان الزاوي، أحمد بنميمون…وبالنظر إلى تاريخ المسرح المغربي بصفة عامة، فالملاحظ هو وجود الاقتباس، والترجمة، والمغربة، والتأليف.

هذا، ومما سجله الكِتاب في هذا السياق ما يلي:”تختلف النصوص المسرحية التي أبدعها الهواة في بنياتها الدرامية وفي التقنيات المستعملة فيها. فمنها ما ما اعتمد الكُتَّاب فيها على التاريخ، ومنها المستوحاة من الواقع، ومنها النصوص المسرحية ذات الطابع الفكري الفلسفي، ومنها ما يحفر دراميا في الحالة النفسية للشخصية الدرامية. نصوص استثمرت فنيا الرصيد الحضاري المغربي الضارب في عمق التاريخ (“إكليدن” تراجيديا ملحمية لبشير القمري، مع الانفتاح على الثقافة العربية بشكل عام (امرؤ القيس في باريس” لعبد الكريم برشيد).

أشار الكتاب أيضا إلى أن هذه النصوص المسرحية نُشرت إما في كتب اوفي جرائد أو مجلات مغربية ومشرقية. هذا علاوة على ظهور “تنظيرات مسرحية كشف فيها أصحابها عن تصوراتهم لمفهوم المسرح. هذه التنظيرات كانت لها عناوين هي “الاحتفالية (عبد الكريم برشيد)، و”مسرح النفي والشهادة” (محمد مسكين)، و”المسرح الثالث” (المسكيني الصغير وعبد القادر اعبابو)، و”مسرح المرحلة” (حوري حسين)، و”الكوميديا الصادمة” (لحسن قناني). كانت هذه التنظيرات وليدة سياقين ثقافي وعام، لم يعودا هما سياقي اليوم. لهذا السبب اختفى ذلك السجال الذي عكسته الصحافة في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين على الخصوص، ونقاشات الهواة بمناسبة انعقاد المهرجان الوطني لمسرح الهواة”.

علاوة على مسرح الهواة، تحدث الكتاب عن فِرق مسرحية كانت، حسب تصنيف لعبد الواحد عوزري، تابعة لإحدى مؤسسات الدولة. من هذه الفِرق المسرحية “فرقة القناع الصغير” التي كانت تابعة لوزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية والتعليم الأصيل. كما تحدث الكتاب عن “المسرح الاحترافي”. ولم تفت الكتاب الإشارة إلى اختلاف مفهوم الاحتراف كما كان سائدا قبل ظهور “المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي” وبعده. فقبله كان مفهوم الاحتراف مقترنا بالتبعية الوظيفية للفنان المسرحي الفرقة المسرحية للدولة. أما بعد ظهور المعهد المذكور فاقترن الاحتراف بالمهنية. هذا رغم ما يمكن إبداؤه من ملاحظات حول مفهوم الاحتراف الذي بمقتضاه تستفيد جمعيات مسرحية هاوية اليوم من دعم مالي من المال العام بناء على سياسة الدعم إذ تعتبر نفسها فِرقا مسرحية محترفة. السبب في هذا هو ضبابية وغموض مفهوم الاحتراف، وقد يكون الأمر مقصودا لهدف ما مثل المحافظة على حد أدنى من الحركية والنشاط المسرحيين. فهل الاحتراف يعني التكوين النظامي، أيَّ تكوين نظامي في القطاع العام أم في القطاع الخاص، في مجال المسرح؟ أم أن الاحتراف يعني أن مصدر عيش الفنان المسرحي المحترف هو المسرح؟ لا شك أن مضمون هذا السؤال الأخير لا علاقة بمفهوم الاحتراف كما هو موجود في الواقع.

لكن رغم ذلك، وُجدت في المسرح المغربي فرق مسرحية صنفها النقد المسرحي بكونها فِرقا مسرحية مستقلة. هذه الفرق المسرحية هي “فرقة البدوي” (وقد انقسمت بعد الانفصال الفني بين الأخوين عبد القادر وعبد الرزاق البدوي)؛ وفرقة “مسرح اليوم” التي كانت تتولى إدارتها ثريا جبران، وقد كانت فيها ممثلة، أما الإخراج المسرحي فيها فكان لعبد الواحد عوزري؛ وفرقة “مسرح الثمانين” لسعد الله عزيز وخديجة أسد.

ولم يُغفل الكتاب الفرق المسرحية الجهوية التي كانت موجودة سابقا، إذ تم ذكرها كلها في الكتاب. يضاف إلى كل ما سبق، المسرح الجامعي وهو مسرح احتضنته مؤسسات جامعية عديدة في المغرب منها على الخصوص كلية الآدب ابن امسيك بالدار البيضاء التي تنظم، سنويا، منذ عقود خلت مهرجانا مسرحيا دوليا، والمسرح المدرسي.

وعن التكوين المسرحي فقد كان التكوين المسرحي في مسرح الهواة يتم عبر الممارسة المسرحية وما يرافقها من تكوين نظري من خلال الندوات والمحاضرات والمناقشات التي تعقب العروض المسرحية. لكن بالموازاة مع هذا النوع من التكوين، كان هناك تكوين جامع بين النظري والتطبيقي تولت أمره بعض المعاهد البلدية في بعض المدن المغربية مثل الدار البيضاء. غير أن هذا النوع من التكوين عرف منعطفا مهما مع تأسيس “المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي”. وقد توقف الكِتاب عند هذه المؤسسة من خلال عنوانين فرعيين هما “التكوين” و”الإبداع”. في هذا السياق، ذُكرت أسماء كتاب مسرحيين، تمثيلا لا حصرا، تنتمي إلى هذه المؤسسة، منها أحمد أمل، وأنس العاقل، وعصام اليوسفي، ومحمد أمين بنيوب…مع توثيق بعض نصوصهم المسرحية المنشورة.

إضافة إلى ما سبق، توقف الكتاب عند سياسة الدعم التي تعتمد على معايير محددة هي:

1-توفر الجدة والجودة والمهنية؛

2-التنوع الجهوي والتعدد اللغوي؛

3-تنوع الأشكال المسرحية والجمالية.

معيار التنوع الجهوي الهدف منه هو أن يشمل الدعم، وليس الأجر، كل مناطق المغرب. والمقصود بالتعدد اللغوي هو اللغة العربية، والدارجة المغربية، والأمازيغية، والحسانية. ذلك أن مفهوم المسرح المغربي يشمل أيضا المسرح الأمازيغي والمسرح الحساني. هذا علما بأن هناك نصوصا مسرحية مغربية مكتوبة إما باللغة الفرنسية أو اللغة الإسبانية.

من العناوين الرئيسية في الكتاب كذلك “المسرح المغربي على خشبات العالم”. في هذا الإطار قدَّم الكتاب أمثلة محددة عن عروض مسرحية قُدمت خارج المغرب. من هذه العناوين أيضا العنوان التالي”مسارح وخشبات”. تحت هذا العنوان ذُكرت أسماء عدد من المسارح المغربية منها “مسرح اسبانيول” بتطوان، و”مسرح محمد السادس” بالدار البيضاء…وفي الكتاب حيز أو فقرات خاصة بالنقد المسرحي المغربي حيث تم توثيق عدد من الكتب النقدية لباحثين ونقاد مسرح مغاربة منهم محمد التهامي العماري، وفهد الكغاط، ومحمد شبير، وأحمد مسعية…

في نهاية الكتاب توجد مجموعة من الصور بالألوان لمبدعين مسرحيين مغاربة. أخيرا، لا بد من الإشارة إلى أن هناك رغبة في التوسع في هذا الموضوع. لذا، أتمنى أن تسمح الظروف من أجل تقديم المزيد من المعلومات والمعطيات الخاصة بالمسرح المغربي من خلال طبعة ثانية للكتاب.

لا يتوفر وصف.

Related Articles

Back to top button