مقالات

هل كان شكسبير مناصراً للمرأة؟/ د.فاضل الجاف

شكسبير والنسوية: بين النقد والدفاع

تعرضت مسرحيات شكسبير في السنوات الأخيرة لانتقادات من بعض الكتّاب النسويين، بحجة أنه لم يقدم صورة إيجابية للنساء في أعماله المسرحية. إلا أن هذا الرأي قوبل بالرفض من قبل العديد من الباحثات والباحثين، حيث يُعد موضوع “شكسبير والمرأة” إشكالية معقدة في الفكر النسوي.

أحد أبرز الباحثين عربيا هو رجاء النقاش، رئيس تحرير مجلة “الأدب والنقد” المصرية، الذي ألّف كتابًا قيّما بعنوان “نساء شكسبير”، تناول فيه شخصيات النساء في أعمال شكسبير، ولم يقتصر على تحليل هذه الشخصيات، بل تطرق أيضًا إلى مكانة المرأة في حياته وعلاقته بزوجته ونساء أخريات.

يرى النقاش أن المرأة في مسرحيات شكسبير تتمتع بحضور قوي ومؤثر، حيث قدم مجموعة متنوعة من الشخصيات النسائية، مثل:المرأة العاشقة كما في شخصية جولييت في مسرحية ” روميو وجوليت”، المرأة القوية والمسيطرة كما في مسرحية “كليوباترا”، المرأة المتآمرة والمتحكمة كما في الليدي ماكبث في مسرحية ” ماكبث”، النساء الجنيات والساحرات كما في مسرحية”حلم ليلة منتصف الصيف”، المرأة الجريئة والمتمردة كما في شخصية روزاليند في مسرحية “كما تشاء”.

وتشير الدراسات التحليلية إلى أن شكسبير أبدع ما يقارب خمسًا وأربعين شخصية نسائية، بعضها كان له دور ثانوي، لكنه لم يقدم أي شخصية باهتة أو غير مؤثرة. يتفق الباحثون على أن شكسبير لم يكتب أبدًا دورًا نسائيًا ضعيفًا أو هامشيًا. وبهذا الصدد يقول المخرج المسرحي الشهير بيتر بروك: “في مسرحيات شكسبير، كل شخصية، مهما كان حجم دورها، تُجسّد بوضوح في المشهد المسرحي حتى لو قالت جملة واحدة فقط”.

أما الكاتب سعد القرش، في مقالته “النقاش يقدم بانوراما لنساء شكسبير”، فينقل عن النقاش رأيه بأن شكسبير قدم المرأة في نماذج متعددة، لكنها تشترك جميعًا في العمق والجمال والصدق، حتى أننا نكاد ننسى أننا نعيش في عالم فني خيالي، وهذا جانب من عظمة فن شكسبير الذي يفيض بالحياة، حتى تكاد شخصياته تخرج من المسرحيات لتعيش بيننا”.

ان شخصيات مثل جولييت في روميو وجولييت، والليدي ماكبث في ماكبث، وأوفيليا وجيرترود في هاملت، وديسديمونا وإميليا في عطيل، وكليوباترا في أنطونيو وكليوباترا، وبورشيا في تاجر البندقية، لا تزال حية وفاعلة على خشبة المسرح حتى اليوم، ولم تفقد تأثيرها العميق. تُؤدى أدوارها من قبل أبرز الممثلات على المسارح العالمية، حيث تطمح العديد من الممثلات إلى تجسيد الشخصيات النسائية التي قدمها شكسبير في أعماله المسرحية. وقد اشتهرت أفضل الممثلات العالميات بأداء هذه الشخصيات، من أمثال الممثلة جودي دينغ، التي قدمت تجسيدًا رائعًا لأدوار نسائية شكسبيرية، مما أضفى عليها حياة جديدة وأثرًا كبيرًا في الجمهور. وهناك أيضًا ممثلات بارعات مثل: إلين تيرنر، التي قدمت دور “الليدي ماكبث” في مسرحية ماكبث، وفانيسا ريدغريف، التي تألقت في دور “أوفيليا” في هاملت.

ويشير باحثو المسرح إلى أن شكسبير منح المرأة دورًا محوريًا في “روميو وجولييت”، حيث تبدو جولييت أكثر ذكاءً ونضجًا من روميو رغم صغر سنها. من خلال هذه الشخصية، يؤكد شكسبير على أن المرأة تنضج أسرع من الرجل، وأن فترة الطيش والتهور لدى الرجال تطول مقارنة بالنساء.

وتوجه بعض الناقدات النسويات انتقادات إلى شكسبير، خاصة فيما يتعلق بشخصية الليدي ماكبث، التي يعدونها صورة نمطية للمرأة المتآمرة والشريرة. إلا أن إنصاف شكسبير يتجلى في أنه قدّم، في المسرحية ذاتها، شخصية مضادة تمامًا لليدي ماكبث، وهي الليدي ماكدوف، التي تجسد قيماً أخلاقية مغايرة تمامًا. ورغم صغر حجم دورها، إلا أن تأثيرها لا يقل أهمية، إذ إنها أم فقدت ابنها بيد ماكبث، وظهرت فقط في مشهد واحد لكنها تركت أثرًا عميقًا.

في هذا السياق، تبرز شخصية نسائية أخرى في مسرحيات شكسبير وهي روزاليند في كما تشاء. تُعد واحدة من أقوى الشخصيات النسائية في أعماله، حيث تجمع بين الجمال والذكاء والجرأة وروح الدعابة. ورغم ذلك، يبدو أن الأدب العربي لم يسلط الضوء بما يكفي على هذه الشخصية، التي تواجه النظام الأبوي وتتصدى لسلطة الرجل بأسلوب حيوي، دون الحصول على امتيازات خاصة. مواجهاتها في المسرحية أكثر تعقيدًا من تلك التي خاضتها “نورا” في بيت الدمية لهنريك إبسن، حيث لا تتحدى مجرد رجل في أسرتها، بل تصطدم بأصحاب السلطة السياسية، مما يجعل مسؤوليتها أكثر تعقيدًا. والشيء نفسه ينطبق على شخصية الراهبة الشابة إيزابيلا في مسرحية “إجراء مقابل إجراء” (أو Measure for Measure)، حيث تجد نفسها في مواجهة قضايا مثل الفساد والنفاق الديني، وفي النهاية تواجه مصيرًا تراجيديًا يتمثل في ضرورة الاختيار بين الواجب والالتزام بالمعايير الأخلاقية.

من هذه الزاوية، وبالنظر إلى هذا التنوع في تمثيل الشخصيات النسائية، هل كان شكسبير مناصرًا للمرأة؟ أم أن رؤيته لها كانت محكومة بظروف عصره ورؤيته الدرامية؟ يبقى هذا التساؤل مفتوحًا أمام مزيد من النقاش والتحليل.

عن: طريق الشعب (بتاريخ: 8 مارس 2025)

Related Articles

Back to top button