تحت رعاية صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم بن طارق آل سعيد (وزير الثقافة والرياضة والشباب)، انطلقت مساء اليوم بمسرح العرفان بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض، فعاليات الدورة الخامسة عشرة مهرجان المسرح العربي، والذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب والجمعية العمانية للمسرح، وبحضور 500 مسرحي عربي من 21 دولة عربية. إضافة إلى فريق من المدربين الصينين.
في البداية ألقى وكيل الثقافة ورئيس اللجنة الرئيسية للمهرجان ( سعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي) كلمة أكد فيها على أهمية دور الهيئة العربية للمسرح خلال 15 سنة من خلال إقامتها لهذا المهرجان الذي يجوب مختلف ربوع العالم العربي ليحط هذه السنة رحاله بمسقط ، كما أشار إلى دعم الهيئة للمسرح بقوله: “إن دل ذلك على شيء فهو يدل على الأهميةِ التي يحتلها هذا الفنّ في منظومة الثقافة الخلاقة، بوصفه محركا للإبداع وأحد أساليب التعبير الإنسانية الراقية”. مؤكدا على:”إن مثل هذه الفعالية النوعية لتؤكدُ السعي الدؤوب لتحقيق أهداف الاستراتيجية الثقافية لوزارة الثقافة والرياضة والشباب، والتي تنص رؤيتها على جعل عمان وجهة ثقافية رائدة بهوية راسخة، وإننا نؤكد اهتمام سلطنة عمان باستضافة كل ما من شأنـه أن يُسهم في تقوية أواصر التعاون البنّاء وتعزيز حراك التبادل الثقافي والفني بين الدول، لا سيما في محيطنا العربي”.
ثم ألقى الأمين العام للهيئة العربية للمسرح (الأستاذ إسماعيل عبدالله) كلمته الرسمية التي جاء فيها:
“ بسم الله الرحمن الرحيم،
مساؤكم مسرح، صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد الموقر، وزير الثقافة والرياضة والشباب، أصحاب السمو، أصحاب المعالي، أصحاب السعادة، أصحاب المقام العالي من المسرحيين الذين أموا الدورة الخامسة عشرة من مهرجان المسرح العربي
السيدات والسادة من الحضور الكريم
مساءٌ للمسرح في مسقط التي تمطر بالمحبة والسلام، مساءٌ للمسرح في عُمان التي يحضرني الغزل فيها كلما ذكرتها، فمن ذا الذي سمع عنها ولم يعشقها، فالأذن تعشق قبل العين أحيانا، ومن ذا الذي رآها ولم يفتن بها؟ ومن ذا الذي سرح الطرف في الماضي ولم يرّ محاملها تمخر البحار شرقاً وغربا؟ ومن ذا الذي ذكر اسمها ولم يعطره لُبانها؟
إنها عمان، مزون، أرض مجان، والعمانيون صناع التاريخ وأخوة البحر والجبل والصحراء، ذكرها على اللسان حلوى، واسمها في الأنام فخر.
قلدوا عقد الغواني (1)(الشاعر جاسم القرطوبي)
بعضَ شعري في عُمان
فهْـــيَ من أغلى الجمان
صاغها فخراً جناني
قبلة الحبِ قديما
أصلها كان كريماً
نافست حوراً وريماً
وغدت تاج الحسان
باسمي وباسم الهيئة العربية للمسرح أرحب بكم جميعاً في المحفل المسرحي الذي يزهو بحضوركم وبما أبدعتموه وقدمتموه، فهذا المهرجان مهرجانكم، بكم ومعكم انطلق في عام 2009 وتنقل بين الحواضر العربية المختلفة من القاهرة إلى تونس وبيروت وعَمّان والدوحة والشارقة والرباط والكويت ووهران ومستغانم وتونس والقاهرة وعَمّان والدار البيضاء وبغداد وها هو يصل بكم ومعكم هنا في مسقط، محملاً بكل ما منحته تلك الحواضر من صور الإبداع والثقة بأن لدينا في وطننا الكبير كنوزاً ما زالت قيد الاكتشاف وإعادة الإنتاج، كنوزا تعطينا حصانة التاريخ وجدارة الوجود، وأنتم يا خلاصة العصر من المسرحيين المبدعين أهل لتكونوا سدنة هذا الميراث العظيم.
في هذه الدورة أعدت الهيئة كل ما يليق بكم وبمسقط من برامج، وتحتفل بكم ومعكم غداً بالعاشر من يناير اليوم العربي للمسرح، وتفخر بأن يكون صاحب الرسالة في هذا اليوم الكبير، فنان فلسطيني صاحب سجل حافل، مسرحي مناضل هو الأستاذ فتحي عبد الرحمن.
وتفخر الهيئة بأنها وكعادتها في كل دورة تستضيف نخبة من المسرحيين المؤثرين والفاعلين، لأن هذه هي أغلى هدية يمكن أن تقدمها الهيئة للبلد المضيف، في مهرجان ليس فيه سوى الجد والعمل والعطاء، مهرجان يفتتح الحالة المسرحية كل عام.
كما تفخر الهيئة بتكريم خمس جهات عُمانية اختارتها الجهات العمانية الشريكة، لما كان لها من دور مؤثر في التأسيس والنشأة والتطوير المسرحي في عُمان.
كما تكرم في دورتها هذه الباحثين الفائزين في المسابقة العربية للبحث العلمي المسرحي، إضافة لاحتفائها بتوقيع ما يزيد على ثلاثين كتاباً من إصداراتها في معرضها الذي يضم حوالي ثلاثمائة وسبعين عنوانا، إضافة لمؤتمر فكري نوعي خصصنا فيه احتفاء بإصداراتنا عن المسرح العُماني وندوة فريدة تتعلق بالمسرح والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يقوم عليها مجربون تقنيون حرفيون ليستعرضوا تجاربهم، لأن الهيئة تنظر بعين اليوم إلى المستقبل، وإلى جانب كل ذلك ورش أربعٌ متخصصة لفائدة المسرحيين العمانيين.
وأمام هذا البرنامج الكبير والنوعي، اسمحوا لي هنا أن أحيي الشركاء العمانيين الذين لولا جهدهم وبذلهم وتفانيهم لما وصلنا إلى هذه اللحظة البهية بوجودكم، وزارة الثقافة والرياضة والشباب ممثلة بسعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي الذي تعامل بكل الحب والجدية مع الحدث، ومن خلاله إلى كافة أعضاء فريقه الذي عمل بكل تفانٍ وإخلاص، والجمعية العمانية للمسرح ممثلة برئيس مجلس إدارتها الفنان عماد الشنفري حيث قدمت الجمعية نموذجا للمسؤولية الوطنية والعربية خلال تنظيم هذا الحدث وبرفقته فريقه العامل من الفنانين العمانيين الذين يتوزعون في كل مفاصل ومرافق المهرجان.
وأرى الجمال يطوفْ، يسعى حافياً طمعاً ببعض مراتب الإحسانِ (2) (يوسف الكمالي)
وطن تعانقه القصائد، حرة القبلات، لا مدفوعة الأثمانِ
رئة من الأحلامِ تفتتح المواسم للملاحة للنسيم الحاني
وليفرد النخلُ الأسنُّ ظلاله، في رقصة سعفية الألحانِ
رئة تضخ الغيم في أرواحنا، كي نعبر الصحراء باطمئنانِ.
أيتها الزميلات أيها الزملاء، الحضور الكرام“
عندما تسقط حزمة ضوء على الخشبة فهذا يعني أن إنساناً مسرحياً فاض بالحلم، وعندما يُسمع وقع الخطى تدب على الخشبة فهذا يعني أن إنساناً مسرحياً قد أقدم على المغامرة وصعد جبل الحكمة، عندما ترتفع ستارة المسرح فهذا يعني أن يد مُلْهَمٍ مُلهِمٍ تجلو بالحقيقة عتمة تحجب الجمال والحقيقة، وعندما يصدح صوت الفنان المسرحي على الخشبة فهذا يعني أن الفن يعلن للكون صرخة قيامة ونهاية طغيان الجهل ونداءً من أجل الحياة، التي يكون فيها الإنسان هو الأغلى، الأعلى، والأحلى، الحياة التي تكون فيها الإنسانية نقية من شرور البشر، حياة هي حق لا منحة من أحد، حياة يكون العدل فيها سيداً لا عبداً أو مظلوما رهين جهل وعدوان.
في المسرح وكأننا نقف على قمة شاهقة لننجو نحن والجمهور من الطوفان، طوفان الدم الذي يلطخ روزنامة هذا العصر، ولا يوقفه سوى استعادة الإنسان لإنسانيته، وطوفان الدم هو دم يطلب دماً، وثأرٌ يطلب ثأراً في حلقة لا تنتهي من الموت.
في المسرح نبني سفينة الخلاص من خشب صدرونا، ونرفع شراعها من خافق قلوبنا، ونمنحها أكفنا وأعمارنا مجاديف لننجو وتنجو معنا قيم الحق والجمال والخير، قيم المسرح الذي خلقنا وخلقناه، أرادنا وأردناه، أرادنا حملة مشاعله ورسل رسالته وأردناه ملجأنا وخشبة خلاصنا.
أيها المسرحيون، في اجتماعكم هذا إعلان بجدارتكم للحياة، وإعلان بجدارتكم للرسالة، وهنا أدعوكم وإياي إلى نكون بررة بالذي نحن بين يديه وألا نخون السيد النبيل المسرح، أن نخلص له حتى يكون للناس كما كان وكما ينبغي أن يكون، أن يكون للناس جميعاً كسرة معرفة تطفئ جوع العقول، وشربة فرح تروي ظمأ النفوس، ووردة فرح تهذب دور أكفهم وأياديهم، ونغمة تضبط إيقاع حركتهم، نعم كما كان وكما يجب أن يكون سكينة لأرواحهم، وأماناً لحياتهم ونوراً يعبر الجدران التي باتت تحيط بهذا الإنسان.
فما معنى المسرح إن لم يكن كذلك؟، وما معناه إن انسلخ عن جلدته وعن مصير وصيرورة تاريخ البشرية، ولنذكر أن كل تحول وجديد شهدته مناهجه ومساراته ومدارجه، لم تكن سوى استجابة لتلك الصيرورة ومساهمة من المسرحيين في دفع الحياة والدفاع عنها.
فلنتبصر، أي مسرح هذا الذي نرهقه ونهرقه على الخشبات؟ أي مسرح هذا الذي نريد؟ أي مسرح يجب أن نعطي ونبدع لنكون رسلاً وحملة رسائل؟ لنكون خطاباً جماعياً لجمهرة الناس، ولنكون جديرين بأن يختارنا التاريخ وتختارنا الذاكرة البشرية وتكتب اسماءنا في ألواحها بحروف الاعتزاز.
ولنتذكر بأن الوردة لا تحمل سيفاً في وجه الكون كي يرى جمالها أو يتنسم ضوع عبيرها، والشمس إذ تعلن نفسها فإنها لا تجبر عباد الشمس أن يتبع ضوءها.
هل يغمض المسرحي عينه إلا على حُلُم؟
هل يفتح المسرحي عينه إلا على الحق والجمال؟
هل للمسرحي أن يختار غير مسالك النبلاء.
هذا هو المسرحي الذي يمكن له أن يحدث الفارقة، فما المسرح إلا سجل شرف، يحمل في متنه أشرف القيم والسِيَّر.
كونوا شموس أرضكم، كونوا علامات على دروب آمنة يعبرها البشر وهم يرددون تراتيل المجد، ازرعوا حكمة المسرح في عقول الكبار والصغار، ازرعوها على أرصفة الحياة وارسموها على جدرانها، وابحثوا عن الحرية في قلوبكم ونفوسكم تجدوها.
الناس تحب أن ترى صورتها في صورتكم، فهل من المجدي أن نبحث عن صورتنا في مرايا الآخرين.. “القمح مر في حقول الآخرين والماء مالح” (3) (محمود درويش) . قد نجد في بعضها ما يشبهنا، لا بأس من التفاعل معه، أما أن نحاول التفاعل مع ما يناقض ملامحنا، ملامح تكويننا، وجيناتنا الحضارية، فإن الاغتراب بمعناه المؤلم نتاجٌ مؤكد، فلنلتفت إلى مرايانا أولاً، ثم فلنلتفت لمرايا الآخرين في الجهات الأربع لنبحث عن التقاطعات الجمالية والإنسانية، لنبحث عن سهوب تجمعنا ولنقرأ خارطة الجزر المنعزلة من باب الهوية.
وأنسج على قول الشاعر وأقول: مسارحنا بلا طعم بلا لون بلا صوتِ، إذا لم تحمل المصباح من بيتِ إلى بيتِ.
من هنا وبحضوركم أوجه التحية العالية للرجل الذي جسد كل هذه القيم وقام عليها، أرادها خبزنا وبيتنا والهواء الذي نتنفس، فكانت هيئتكم، الهيئة العربية للمسرح بيتكم، بيت المسرحيين العرب جميعاً أينما كانوا، إنها التحية لنَيِرِ عقله وعطاء قلبه وروحه الوثابة، إنها التحية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، صاحب الفكرة والفضل لما نحن عليه الآن، ولما يحلم ونحلم أن نكون.
هنا مسقط، هنا التاريخ والجمال والمحبة
حين اختارت الهيئة العربية للمسرح مسقط حاضنة لمهرجانها في الدورة الخامسة عشرة، اختارت الأحلام والآمال الكبيرة التي يرسمها ويعيشها المسرحيون العمانيون الذين يصنعون التاريخ في بلد هو حاضرة من حواضر التاريخ منذ فجر التاريخ، جاء تلبية لطموحهم ومحبتهم واستعدادهم، ولقد لمسنا دون شك نبلاً كبيراً وتضحيات كبيرة، واستعدادات لا تقل أهمية على كل الصعد الرسمية والأهلية في عُمان الثقافة والإبداع.
لذا لا بد أن نقول في حبها:
حلوة عمان يا بلادي الغالية لِ زاهية دائما في كل عين
إنت العظيمة والأبية يا عمان تاريخ لك يشهد على مر الزمان
أرض الأصالة والكرم شعب ومكان رب الزمان يحفظك طول السنين”.
بعدها تم الاعلان عن أسماء أعضاء لجنة تحكيم والمتكونة من المسرحي اللبناني رفيق علي أحمد (رئيسا) وبعضوية كل من: د. عبد الكريم بن علي جواد من سلطنة عمان، د. تامر العربيد من سوريا، ود. سامي الجمعان من المملكة العربية السعودية، ود. لخضر منصوري من الجزائر.
كما شهد الحفل تلاوة رسالة اليوم العربي للمسرح الذي يصادف العاشر من يناير من كل عام، والتي ألقاها المسرحي الفلسطيني (فتحي عبد الرحمن) قال فيها: ” ليس ثمة من سبيل أمام المسرح للاستمرار في أداء رسالته، التي هي رسالتنا كمسرحيين أوفياء، دون الاحتفاظ بالجمهور، عبر الالتزام بالتعبير الصادق عن أحواله الحياتية، ومكابداته وأشواقه، والحرص على الارتقاء بوعيه الجمالي وذائقته الفنية، وتوسيع قاعدته وتعميقها وضمان مشاركته التفاعلية الخلاقة، وذلك بالذهاب المتواصل، بلا أدني انقطاع إلى الناس عبر تنظيم جولات ميدانية للعروض المسرحية”.
وأضاف: ” ولدت في مخيم للاجئين الفلسطينيين، وفي المخيم كان لي حظ مشاهدة أول مسرحية في حياتي التي بلغت وإياها السبعين عاما، ونحن نتنقل، متلازمين من مخيم لجوء قسري لآخر، وعندما عدت إلى وطني عقب توقيع اتفاقيات أوسلو وجدتني أعود إلى أكبر وأعتى سجن عرفه التاريخ، فتابعت خطواتي في درب الآلام، ولم أجد مخلصا صادقا غير المسرح، لينقذني من غربتي، دأبت على حمل خشبة مسرحي المتنقل على ظهري”.
ليختتم الحفل، بتكريم خمس جهات كان لها الأثر الكبير في التأسيس والتطوير، هي المدارس السعيدية، ومسارح الأندية، وفرقة الصحوة المسرحية الأهلية، والجمعية العمانية للمسرح ومسرح الشباب ممثلا بكل من: المكرم الدكتور عبدالكريم جواد، والفنان صالح بن زعل، والفنانة فخرية بنت خميس، والفنان طالب بن محمد، والفنانة أمينة بنت عبدالرسول، والفنان محمد بن نور البلوشي، والفنان عبدالغفور بن أحمد، والفنانة بتول بنت خميس العجمية.
لتنطلق عروض المهرجان بالعرض العماني “أسطورة شجرة اللبان” لفرقة مزون المسرحية، اقتباسا من رواية “موشكا” للكاتب محمد الشحري، وأعده مسرحياً الكاتب نعيم نور، وإخراج يوسف البلوشي. تلته مباشرة الندوة النقدية التطبيقية التي أدارها المسرحي العٌماني (ماجد العوفي) وبقراءة الباحثة المسرحية المصرية د. داليا همام.