(موقع الحقيقة من حركة الأشياء)
الشخصيات:
– رجل 1
– رجل 2
– رجل 3
– رجل 4
المكان:
أي مكان مغلق.
الزمان:
أي زمان مفتوح.
(حدث ذات يوم أن اجتمع نفر من المفكرين في القرون الوسطى، وأخذوا يتجادلون حول أسنان الحصان: كم هي؟ وظلوا يتجادلون ويتقاذفون بالوسائد والنعال، مع العلم أن الحصان كان موجوداً في إسطبل قريب وكانوا قادرين على أن يذهبوا إليه ليعدوا أسنانه)(الحلم بين العقيدة والعلم – ص 225)
(حدث دائماً أن يُحتجز نفر من الناس، في أي مكان أو زمان، ويُجبروا على إراقة حياتهم في التفكير في أسنان الحصان أو الحمامة: كم هي؟)/ المؤلف
المشهد الأول
(ثلاثة رجال، كل في زاوية، يتأملون. يدخل رجل 4 بين آن وآخر، ويسألهم بطريقة هزلية: ها، أين وصلتم أو “وين وصلتو”، ويعود دون أن ينتظر إجابة ما)
رجل 1: المسألةُ محيرة.
رجل 3: هي كذلك.
رجل 1: وبسيطة.
رجل 3: (تأمل قصير) أظنّ ذلك.
رجل 1: قالوا لنا الرقمَ المطلوب، واشترطوا أن لا نُجيبهم به، لكن كم؟
رجل 3: (كعادته في الموافقة) نعم كم؟
رجل 1: (يجد الحل) فلنتفقْ على رقمٍ معين.
رجل 2: (منتفضاً)لِمَ؟
رجل 3: كم؟
رجل 2: لِمَ.
رجل 3: كم هو السؤال وليسَ لِمَ يا عاقل.
رجل 2: (كأخطر سؤال يمكن أن يُطلق) لِمَ كلُّ هذا؟
رجل 1: (لحسم الجدال) الجوهرُ يا أصدقاء يقبعُ في “كيف”، فهي مفتاحُ الحل.
رجل 3: نعم “كيف” هي مفتاحُ الحل.
رجل 2: (باندفاع) ما علينا سوى أن نصرخَ بصوتٍ واحد هو…
رجل 1: (لا يعجبه الصوت الواحد) اشششششش. أعتقدُ أنهم يُفضلونَ رقماً ما.
رجل 3: ما هو؟
رجل 1: فلنفكرْ، بدلَ الصراخ.
رجل 2: علينا أولاً أن نُدركَ السبب، قبلَ أن نرفضَ الطريقة.
رجل 3: أيّ رفضٍ باللهِ عليك!
رجل 1: وكأنه يعيشُ في كوكبٍ آخر!
رجل 2: لكن؛ كيف نعرفُ الطريق ونحن متنافرونَ إلى هذه الدرجة؟
رجل 3: (منتقلاً من هذه الضفة إلى تلك) فعلاً، نحن محتجزونَ منذ شهر.
رجل 1: قبل شهر، منذ الخليقة، نحن محتجزونَ وكفى.
رجل 2: لو قلنا جميعاً العددَ الذي نعرفُه لما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً.
رجل 3: حقاً.
رجل 1: أنتم لا تعرفونَ كيفَ تجري الأمور.
رجل 3: (حالماً بالحلول الوسط) ألا توجدُ إجابةٌ مناسبة، لا تكون خاطئةً ولا صائبة؟
رجل 2: المخادعونَ يفعلون ذلك.
رجل 1: كلّنا كذلك.
رجل 3: مخادع صادق لا يُهم. المهمّ أن نتهربَ من الإجابة الخاطئة.
رجل 1: (مباركاً) صحيح.
رجل 3: يمكن أن نقولَ أن عددَ أسنان الحصان =
(الكل في انتباه)
رجل 3: = عددَ أسنانه.
رجل 2: والناتج؟
رجل 3: نفسُ العددِ الموجودِ في فمهِ اللعين.
رجل 1: أحذّرُ من المجاز، ومن تعددِ التأويلات.
رجل 3: لِمَ ترفضُ اقتراحي إذن؟
رجل 1: قد يُعتبر ذلك تعريضاً بهم أو سخرية.
رجل 2: في الهربِ ضعفُنا.
رجل 3: (يسكت)
رجل 1: (لرجل 2) أنت فنطازي أو شُجاع، أما أنا فلا.
رجل 2: فماذا ترى أنت أيها الواقعي؟
رجل 1: علينا دراسةُ آلياتِهم جيداً، ما يُحبون وما يبغضون، ما يتمنون سماعَه وما لا يتمنون. علينا البحثُ في الرغبة لا في الحقيقة.
رجل 2: (في مواجهة الخارج) الحقيقةُ هي…
(صوت رجل 4:) ها وين وصلتو؟
(يمسك رجل 1 بـ رجل 2، يساعده رجل 3، تلافياً لمواجهته المرتقبة مع الخارج)
رجل 1: قريباً قريباً…
رجل 3: (مكملاً) إننا في الطريق.
رجل 1: إلى الاكتشافِ العظيم.
رجل 3: (مكملاً) شكراً لكم على هذا الاختبارِ العظيم…
رجل 1: الذي سنحققُ من خلالهِ…
رجل 3: مصداقَ المقولةِ العظيمة…
رجل 1: في القدرةِ على اكتشافِ الحقيقةِ بالحدس.
(صمت)
رجل 3: لو لم نستطع معرفةَ العددِ المطلوب…
رجل 1: (مصغياً)
رجل 3: قتلونا.
رجل 1: (يطارده) ستبقى دائماً أشدَّ من الحمارِ ذكاءً، طبعاً سيفعلون.
رجل 3: (مماشياً) يفعلون، يفعلون..
رجل 1: لكنني أختلفُ معك: لو لم نُجِبْ كما ينبغي…
رجل 3: كما ينبغي…
رجل 1: قتلونا.
رجل 3: أكيد.
رجل 1: (مبرهناً) انظروا (يمسك رجل 3 من رأسه) نفرض أن هذا الحصان…
(رجل 3 يرفض)
رجل 3: اعتبرْ نفسَك حصاناً كي يصحَّ البرهان. (يكمل) علينا كي نعرفَ عددَ الأسنان –واقعياً ومنطقياً- أن نُمسكه أولاً.
رجل 2: (مماشياً) وها قد فعلنا.
رجل 1: المقدمةُ الاولى تؤدي إلى مقدمةٍ أخرى وهي أن نفتحَ فمه.
رجل 3: (يفتح فمه) نفتحُ فمه.
رجل 1: لدينا إصبع، هذا هو الإصبع، لدينا أسنان: تلك هي، فلا يبقى إذن سوى أن نعدّ.
رجل 3: (معترضاً بقوة) لا. أسنان الإنسانِ معروفةٌ ولا تحتاجُ إلى برهان، يعرِفها حتى الحصان هي: 20 لبنية و32 حينما يكبر.
رجل 1: وإذا تسوسَ سنٌّ ما ووقع؛ أيكون العدُّ صحيحاً؟!
رجل 3: لا يكون.
رجل 1: (بادئاً بالإيقاع بـ رجل 3) إذن، أسنانُ الحصان شيءٌ مجهول لكنّ أسنانَ هذا الحصان أو ذاك هي الشيءُ القابلُ للحساب.
رجل 2: هي إجابةٌ تُشبه لا نعرف.
رجل 1: لن نقولَ لا نعرف بشكلٍ مباشر.
رجل 2: والحكمة؟
رجل 1: هم يحبونَ التفكيرَ بهذه الطريقة.
رجل 2: تلوّن حرباء.
رجل 1: الحبلُ قريبٌ وليس لدينا حيلة.
رجل 3: تعني أن نماشيهم؟
رجل 1: وننجو!
رجل 2: قد يعترضونَ بأنَّ قصدَهم الحصان بشكلِهِ العام وبافتراضِ سلامتهِ البدنية والعقلية.
رجل 3: لا تُغلِقْها في وجهنا.
رجل 2: لو كان الأمرُ بيدي لقلتُ أن المسألةَ كلَّها تافهةٌ وسخيفة ليس فيها ما ينفعُ أو يحيّر، هي لعبةٌ مخادعةٌ فحسب.
(يدخل رجل 4 ويقول: ها؟ ويختفي)
رجل 1: (للتغطية على ما قاله رجل 2) نعم، إنها فكرةٌ جهنميةٌ يا أستاذ.
رجل 3: هي فكرةٌ رائعة.
رجل 1: (لرجل 3- جانباً) لو لم نُقتل بسببِ عدمِ إيجادِ الحل لقتلونا بسببه.
رجل 3: سأبرأ منه كما أبرأ مِنَ الحصان إن نجوت.
رجل 1: هو أرعن يظنّ نفسَه شجاعاً.
رجل 3: لكنّ في حجته ذيلاً من المنطق.
رجل 1: أي منطق! الكلامُ بيننا لو كان في السؤالِ منطق لما حرنا؛ وبما أن كلّ شيء يمشي عكسَ المنطق فعليك أن تستخدمَ المنطقَ بشكلٍ لا منطقي للوصولِ إلى اللا منطقِ المطلوب.
رجل 2: (لوحده يغني)
الغرفةُ موصدةُ البابِ
والصمتُ عميقْ
وستائرُ شبّاكي مُرخاةٌ
ربَّ طريقٍ
يتنصتُ لي
يترصدُ بي
خلفَ الشبّاكِ وأثوابي
كمفزعِ بستانٍ سودُ
أعطاها البابُ الموصودُ
نفساً، ذرَّ بها حسَّاً فتكادُ تفيقْ
من ذاكَ الموتِ وتهمسُ بي
والصمتُ عميقْ
لم يبقَ صديقْ
ليزوركَ في اللّيلِ الكابي
والغرفةُ موصدةُ البابِ.
رجل 1: إياكَ وتلاعباتهِ، إنه خَطِرْ.
رجل 3: لم يُخلقْ من يتلاعبُ بي، أستطيعُ أن أتلاعبَ به وبعشرةٍ من أمثالهِ… يا سادة.
رجل 2 + رجل 1: نعم.
رجل 3: أرى ومن خلالِ تأملي الخاص أن لا نقولَ لا نعرف.
رجل 1: جيد، أُهنئك على هذا الاكتشافِ العظيم.
رجل 3: ولا نقولُ نعرف.
رجل 1: جيـ…. ماذا؟
رجل 3: أحبذُ الإجابةَ العمومية، فهي خاليةٌ من المسؤولية ولا تؤثرُ عليهم ولا على منزلتِهم.
رجل 2: وما الربطُ بين أسنانِ الحصان ومنزلتهم!
رجل 3: قد يربطونَ هُم بطريقةٍ أو بأُخرى، ما يُدريني؟
رجل 2: أتعني أنَّ جدَّهم حصان، مثلاً!
رجل 1: إذا كنتَ لا تعبأُ لنفسِك فأنا أفعل.
رجل 2: أصرُّ على ذلك: جدُّهم حصان.
(يتصارع رجل 1 مع رجل 2)
رجل 3: (حائلاً بينهما) سيتدارُكنا الوقتُ ونحن من نزاعٍ إلى نزاع.
رجل 1: هو مقرف، يتفلسفُ ونحن على عتباتِ الموت.
رجل 2: بل أنت من يحاولُ أن يقودَنا إلى الخسارة.
رجل 1: (يتأجج الصراع) والخسارةُ عندك فقدانُ ماذا؟
رجل 2: الذاتُ لا الحياة.
رجل 1: لن يخسِرَ سوى الميّتِ يا صاحبي وما الدموعُ التي تودعُه سوى زيفٍ ضحوك سرعانَ ما ينسونَهُ أو يتناسونه بعد الغداءِ مباشرة.
رجل 3: (منهياً التأزم) جدلكُم عقيم.
رجل 1: (لرجل 3) أليسَ لدينا ثلاثُ فرص؟
رجل 3: نعم.
رجل 1: فما رأيكَ أن تطرحَ سهمَك وتقدّم هذا الحل.
رجل 3: (بارتياب) ولِمَ أنا؟
رجل 1: لأنه الحلُّ الصحيح.
رجل 3: إذن قدّمهُ بنفسِك.
رجل 1: (ممتعضاً) تُحبّ الجدلَ الفارغ.
رجل 3: بل لا أحبُ أن أخدع.
رجل 1: لذلك ستبقى مخدوعاً طيلةَ حياتك. (لرجل 2) وأنت يا سيدي؟
رجل 2: دعني وشأني.
رجل 1: حصان. (متحركاً باتجاه رجل 3 المتهرب) وبما أن الخسَّ قد يحتاجُ إلى الخراء… ماذا تقولُ يا أستاذ؟
رجل 3: سبقَ ورفضت.
رجل 1: كل شيء نسبي يا صديقي، أنت إن رفضتَ شيئاً فإنك لا ترفضُهُ في الحقيقة.
رجل 3: لا تتفلسفْ معي.
رجل 1: أنا لا أفعلْ ذلك إنما أدلكَ على الطريق.
رجل 3: أستطيع إيجاده بنفسي.
رجل 1: (مستثمراً قدراتِ البيان) أنت واهم. هناك قدراتٌ فطريةٌ عند الإنسان؛ لكنَّ درجةَ نموِ وحسّاسيةِ تلكَ القدراتِ تتفاوتْ من شخصٍ إلى آخرَ.. لذلكَ فالمديرُ مديرٌ والزّبالُ زبّالٌ يا صديقي.
رجل 3: لستُ زبالاً، لست زبالاً.
جل 1: أنت أملُنا.
رجل 3: الآمالُ زيفٌ في زيف.
رجل 1: لا تعتبرْ نفسَكَ إنساناً عادياً أيها المنقذ.
رجل 3: شعاراتٌ أُفضّلُ عليها الشعير.
رجل 1: لا أحدَ يقرُّ بالحقيقة.
رجل 3: أيّة حقيقة؟
رجل 1: لنفرضْ أنكَ تعملَ في مؤسسةٍ تكرهُ المديرَ فيها، فهو عنجهي وغبي وسارق، ونفرض أنك على العكس: متفتح وذكي وأمين. فإن أمرَكَ بشيء ورفضتَ تنفيذَه فإنك قد تُطردُ أو تعاقبُ أو، وهذا في أحسن الفروض، قد يضايقُكَ إلى أن تشلعَ بجلدِك، لكنّك إن أذعنتَ لـه وعملتَ ما يحلو لك فإنك تعملُ ما يحلو له وليس ما تظنّ أنه يحلو لك؛ فأنت تديمُ العملَ سواءٌ بعرقلته أو إدامته. أما إذا كنتَ واثقاً من مؤخرتك تماماً، فقد تتركُ العملَ، لتعملَ شئتَ أم أبيت تحت إدارةِ مديرٍ آخر، أسوأ ربما، أو في الأعمالِ الحرّة التي هي ليست حرةً بأي حال من الأحوال؛ لكنّك بترككَ العمل تُسعد الإدارةَ في انسحابِك في حين أنك تعتقد أنك بانسحابِك قد أوقعتَ الضررَ بها… والمعنى أنك تخدم بصورة أو أخرى، وإن لم تعلمْ بذلك وإن لم تقصد.. ففاقد الشيء… يُعطيهِ بطبيعةِ الحال.
رجل 3: (مشدوهاً) لم أفهم.
رجل 1: (مهدداً) إن رفضتَ الآن، فسأخبرهم بقولِكَ عمّن احتجزونا أن لهم علاقةَ سلالةٍ بالحصان أو ما شاكل ذلك.
رجل 3: (مشيراً إلى رجل 2) هو قال ذلك.
رجل 1: ووافقتَهُ أنت.
رجل 3: لم أفعلْ لقد سكت.
رجل 1: والسكوتُ من علاماتِ الرضا.
رجل 3: (مرتبكاً) هو قال ذلك… لم أفعل… لقد سكت.
رجل 1: (صارخاً) والسكوتُ من علامات الرضا.
رجل 3: (بعد صراع صامت مع نفسه) سأستدعي الحارس.
رجل 2: (وحيداً في الظلمة)
تأتي الأزمنة وتذهب
نذوبُ رويداً رويداً
ويتيبسُ شيءٌ ما في الأعماق
تسقطُ ورقة
وفي الأعماق ينكسرُ الموتُ ويتحولُ هباءً
حتى الموتُ نفسُه يفقدُ موتَهُ الحقيقي.
(يدخل رجل 4 مبتهجاً)
رجل 4: فرصتكم الأولى.
رجل 1: (لـ رجل 3) سيدلي السيّدُ باقتراح.
رجل 4: (يكتب في السجل) وهو؟
رجل 3: (متردداً) هو اقتراحنا جميعاً، جميعاً.
رجل 4: لا، الأوامر مشددة محددة، لا تحرجوني يا سادة.
رجل 3: وما الحكمةُ من التحديد؟
رجل 4: لا أدري.
رجل 3: أيُعاقبُ المُحَدَّد أم يُكافأ؟
رجل 4: سأرحل، وبذلك تضيعُ الفرصة.
رجل 1: (لـ رجل 3) كُنْ شجاعاً وقلْها.
(الجميع في وقت واحد)
رجل 3: كن أنت شجاعاً أو هو.
رجل 1: (لـ رجل 2) أين شجاعتك؟ (لـ رجل 3) أين شجاعتك أنت؟
رجل 2: ما عليّ بذلك. ليس لي علاقة.
رجل 1: قلْها.
رجل 3: هو يقولها أو أنت.
رجل 1: بل أنت أو هو.
(هكذا يرتفع الصخب بينما عينا رجل 4 تنتقلان بينهم)
رجل 4: (صارخاً بالجميع) هيه! ماذا هناك؟ ما بكم؟ أنحن في مقهى أم سيرك؟ (لـرجل 3) تكلم.
رجل 3: (حائراً يتلفت) الإجابةُ.. الإجابة.
رجل 1: (يغششه) المنطقُ اللا منطقي.
رجل 3: ماذا؟
رجل 1: المنطقُ المنطوقُ في المنطقِ…
(ينتبه رجل 4 فيسكتان)
رجل 3: (برعب شديد، مقلداً رجل 1) الإجابة تتوزعُ بين الحصان العيني أي هذا الحصان أو ذاك وبين الحصانِ الافتراضي بشكلهِ المجرد.
رجل 4: (يكتب ويتهجى بطريقة شعبية) الـ مْـ جَـ رررر د.
رجل 3: (يتشجع أكثر) وبذلك يكونُ من اللا منطقِ أن نعدَّ المنطقَ منطقاً خاصاً بمنطقٍ معينٍ، ذلك أن المنطقَ هو اللا منطقُ لمنطوق، وهو المطلوب.
رجل 2: (يتهجى الكلام حسبما سمعه) مجرّرررد، معتوق، مطلوب.
(يغادر مسرعاً)
رجل 3: أعتقد أنني في ورطة.
رجل 1: كلّنا كذلك.
رجل 2: (وحيداً)
يتسوّرُ حولنا عدمٌ عملاق،
بعيونٍ مبحلقة كبيرة،
أسنانٍ حادة،
وأظافرَ مغروزةٍ في القلب.
رجل 4: (عبر المايك) صاحب الإجابة السيد المِحْترررّم، صاحب الإجابة الأولى، مطلوب مطلوب كي يسلمَ على المقصلة… رجاء.
رجل 3: ماذا؟
رجل 1: (مبرراً ومحاولاً الهرب) السلامُ عليها يعني النجاة، النجاة.
رجل 3: لقد خدعتني يا وغد، لم يُخلقْ بعد من يخدعني.
رجل 1: لا تتهور.
رجل 3: (مهاجماً) هو اقتراحُكَ وليس لي يدّ فيه.
رجل 1: (متراجعاً) لا يا عزيزي.
رجل 3: سأقتلك.
رجل 1: لقد سَمِعَها الحارسُ من شفاهِكَ الحصانية.
رجل 3: سأُجبرُك على الاعترافِ أنه اقتراحُك.
رجل 1: (يهرع مسرعاً) أيها الحارس، أيها الحارس!
(صوت بوق رجل 4 يجمد الكل في أمكنتهم، يدخل ببطء نظراته مفترسة، ويتجه إلى رجل 3 الذي يحاول التملص من جموده دون جدوى، يضع الحبل حول رقبته ويجره إلى الخارج مع ضراعاته المشهوقة.. صرخة مدوية.. صمت).
المشهد الثاني
(بعد زمن، رجل 2 يتأمل في زاوية، ورجل 1 يُفكّر في خداعه)
رجل 1: إذن فقد نجا.
رجل 2: لقد خَسِرَ، سَواءٌ نجا أم لا.
رجل 1: قال الحارسُ إنه سيُسلّم على المقصلةِ ولم يقلْ إنه سيسجد لها.
رجل 2: النتيجةُ واحدة.
رجل 1: لا عليك؛ لم يَكُنْ ذا قيمة.. المهم أن نفكر.
رجل 2: بحيلة؟ وهكذا نموتُ بالفقر.
رجل 1: يبدو أنك زاهدٌ في الحياة.
رجل 2: كلا. لكنني لا أرضى أن أُستخدم هكذا.
رجل 1: (امتعاض صامت)
رجل 2: إنني بتفكيري بالحصان بطريقة حصانية لا أُفضّلُ عنه بشيء.
رجل 1: (مداعباً) إذن دعني أعدّ أسنانك.
رجل 2: المعضلةُ ليست في حدسِ عددِ أسنانِ الحصان ولا في المراوغةِ في الإجابة، أراها في الفضاء هذا كلِّه، بهوائه، بمائه، بالربو الذي يخنقه.
رجل 1: (محذراً من الخارج) للحيطان آذان.
رجل 2: لا يهمني.
رجل 1: اعلمْ يا هذا أن طواحينَ الهواءِ لا تسكبُ دماً عندما تطعنُها بسيفِك الخشبي، وأن الجدارَ لا يتألمُ مهما كانت قبضتُك مدمّاة.
رجل 2: نحن مُختلفان.
رجل 1: هذه هي الدنيا: على القشة أن تكون سعيدةً باحتضانِ التيار، فهو تيار وهي قشة! أتريدُ أن تقفَ وأنت القشة في وجههم وهم التيار؟
(رجل 4 عبر المايك)
رجل 4: بعد الحلّ الأول بعشر دقائق يسقط حقكم في الحل الثاني.
رجل 1: (صارخاً) يا سيدي، ما الذي حلَّ بصاحبنا؟
رجل 2: نائم في العسل.
(يسمعون صراخاً وقهقهات)
رجل 1: (مبرراً) يبدو أنهم أطعموه حتى التُخمة، وها هو بتأثيرِ ترسبِ الغذاء يشخر ويقهقه سخريةً منا.
رجل 2: (محاولاً الخروج) سأرفضُ أن أُجيب.
رجل 1: (يعترضه) لا تتسرعْ. فكّر في الحياة ولن تقدِمَ على فعلٍ كهذا أبداً.
رجل 2: لأنني أفكرُ في الحياة سأرفض.
رجل 1: وتقدّم رقبتَك إلى المقصلة.
رجل 2: فليكن.
رجل 1: هل أنتَ رخيصٌ إلى هذه الدرجة؟
(يشتد الصراع)
رجل 2: الرخيصُ من يرّخصُ أشياءَه، من يَتَشَكّل حسبَ القالبِ الذي يحتويه، الرخيصُ هو المائع.
رجل 1: طيب، وبما أنك زاهدٌ هكذا، فإننا سنفكرُ معاً وفي حال كون الإجابةِ صحيحةً نعتبرُها إجابتي والعكس بالعكس.
رجل 2: أنت رجلٌ إيثاري.
رجل 1: ألم تقلْ أن الحياةَ لا تهمّك، أم أنّ الشجاعةَ كلامٌ فقط؟
رجل 2: قلتُ أن هذه سخافة.
رجل 1: سخافة؟! نعم سخافة. لكن علينا أن نشتركَ فيها، راضينَ أو مُرغمين، هي سخافة ومهمتُنا أن نلعبَ أوراقَنا بحذر.
رجل 2: انتهازي.
رجل 1: وأنت حالمٌ أخرق، تعتقدُ أنك إذا قلتَ لا أعرف فأنت بطل.. بطل! الذكي، الذكيُّ من يعبئُ في السلّة تفاحاً.
رجل 2: عبئ إذن واغربْ عن وجهي.
رجل 1: (وحده) اللعبةُ لعبةُ أرقام؟ قد لا تكون لعبةَ أرقام. لكن: كم؟ واحد. كيف؟ من الطبيعي أن الحصانَ واحد، فلا يُمكنُ أن يكونَ اثنين. ومن الطبيعي أن أبا الحصان حصان أي واحد وأم الحصان حصانة – أقصد فرس- وهي واحد… من الناحيةِ الفكريّة تكونُ الإجابةُ (واحد) لأن كل شيء يومئ باتجاه الواحد. كلا. هذا منطقي، اللا منطقُ يقول أن المسألةَ منطقية، بحيث نستطيعُ أن نقول أن أسنانَ الحصان تتغيرُ بتغيرِ الذي يعدّها، أو بتغيرِ موقعِه، أو مصلحتِه، نعم: أسنانُ الحصان هي المتغير أما الثابتُ فهو العددُ الذي نريده. وهو المطلوب (لرجل 2). ماذا تقول في ذلك؟
رجل 2: قلت إنني سأصمتُ احتجاجاً.
رجل 1: تصمتُ دجاجاً تقصد.
(يدخل رجل 4 مسرعاً)
رجل 4: حان وقتُكم يا سادة.
رجل 1: أين صاحبنا الآن؟
رجل 4: في سابع حلم.
رجل 1: قل لي…
رجل 4: (مقاطعاً) قل لي الإجابة فقط.
رجل 1: أريدُ أن أسأل.
رجل 4: بل تريد توريطي كما تورط الحارس السابق.
رجل 1: (مستدرجاً) السابق؟
رجل 4: لقد تكلم مع ثلاثة من أمثالكم و… (يخفض من صوته) اختفى. ماذا تريد؟ أن تسرق لساني؟ قلْ وإلا خرجت.
رجل 1: أليس ثمةَ أمل؟
رجل 4: لا أملَ على الإطلاق.
رجل 1: (راجياً بصمت أو مغرياً بحركات معينة)
رجل 4: ليس ثمة مجال بتاتاً مطلقاً حتماً أبداً البتة.
رجل 1: (يائساً) الإجابةُ هي…
(صمت)
رجل 1: حسبما نرى، حسبما نحتاج.
رجل 4: لحظة. (يغادر)
رجل2: يا الهي، اجعلْها اجابةً صحيحة! رحماك!
(يدخل رجل 4 عبر المايك)
رجل 4: صاحب الإجابة السيد المحترم، صاحب الإجابة الثانية مدعو، مدعو كي يسلم على المقصلة، رجاءً.
رجل 1: (بكل تشبثه بالحياة) لا لا لا….
(مع بوق رجل 4 يتخشب رجل 1، الذي يحاول التحرك والهرب، إلا أن شبح رجل 4 يقترب ويقترب، يحيطه رعب شديد. يدخل ببطء، ساحلاً رجل1 على مرأى من رجل 2. صرخة مدوية. صمت)
المشهد الثالث
(رجل 2 في معركة داخلية)
رجل 2: أي مهزلةٍ هذه!
(يدخل رجل 4)
رجل 4: بقيت لك خمسُ دقائق فقط لا غير.
رجل 2: أيمكن أن أسألَ عمّن يحتجزنا هنا؟
رجل 4: لو أدري لطارَ لساني.(يغادر)
رجل 2: الرغبةُ في الحياةِ تسوقني إلى التفكير، وكرامتي إلى الصراخ. أنا بين مطرقةِ الحاجةِ وسندانِ التشبثِ بالحياة. الطُرُقُ أمامي إما مسدودةٌ أو مدلهمةٌ لا توصِلُ على خِتام. لو تبعتُ عقلي ما بقيت ولو قادتني الحاجةُ لخسِرْتُ نفسي.. والحلولُ الوسط مشينةٌ أو غيرُ متوفرةٍ بالمرّة. (يتحسس الجدران) فما العمل؟ من ذا يُحرّكُ الخيوطَ، تلك الخيوطَ المرئيةَ وتلك الخيوطَ التي لا تُرى، ومن ذا يُحرّكُ خيوطَ من يُحرّكُ الخيوط؟ من ذا يحبسُ الهواءَ كي يثقلَ أكثر، من ذا يخمّر القدمينِ في رغوةِ التردد؟ وأين المسافةُ، أين المسافةُ بين قدمي الفكرة وجناحي الفعل؟ (ينادي رجل 4) أيها السيد..
(يدخل رجل 4)
رجل 4: بالخدمة وطوع البنان. (يفتح السجل)
رجل 2: إليك الإجابة.
رجل 4: (مبتهجاً) أخيراً سينتهي كل شيء.
رجل 2: (أصوات ترتفع: موسيقى أو قهقهات)
رجل 4: لم أسمع. (ينتقل هنا ينتقل هناك يفرك أذنه يلتصق برجل 2)
رجل 2: (أصوات ترتفع: موسيقى أو انفجارات)
رجل 4: كلام خطير. أتثبت على ذلك؟
رجل 2: ……… هي إجابتي.
رجل 4: (مهرولاً إلى الخارج) لحظات.
(يغادر رجل 4)
(يعود رجل 4)
رجل 4: (بحزن) يسعدني أن أقول لك إن إجابتك منطقية.
رجل 2: حقاً؟
رجل 4: نعم. الكل عرف الحل الصحيح وتفرقوا في الدروب. صديقاك الآن في نوم عسلي طويل…
رجل 2: نعم.
رجل 4: وأنت…
رجل 2: أنا؟
رجل 4: قرروا أن…. تنتظر هنا.
رجل 2: هنا؟
رجل 4: هنا، وإلى الأبد.
رجل 2: (يدور يدور يدور…)
(إظـــــــــــــــــــــــــــلام)