“لكل مقام حذاء”و” الحذاء هو أصل الداء ” “إنَّ الحِذاءَ سجنٌ للقَدمِ. فَرَضتْهُ الحضارةُ الراهنةُ ” و ” يعلمنا التاريخ ان كل حذاء يروي قصة ” فالحذاء يا سادة هو سيد الحكاية وأصل البوح وسر المعاناة التي كشفها لنا الممثل التونسي المهاجر بقطر محمد علي العباسي من خلال مسرحية ” ماسح الأحذية” التي قدمها يوم السبت 19 أكتوبر 2024 بقاعة التياترو بتونس العاصمة عن نص للدكتور خالد الجابر ودراماتورجيا بوكثير دوما وسينوغرافيا وإخراج حافظ خليفة.
ستون دقيقة على الركح كانت كافية للممثل محمد علي العباسي ليكشف عن قدراته الفنية متنقلا من شخصية إلى أخرى ومن حالة إلى حالة ومن وضعية إلى أسوأ منها ضاحكا صارخا تارة وباكيا تارة وضاحكا تارة أخرة بطريقة انسيابية سلسلة متحكما في ردود أفعال وحركات الجمهور الغفير من شباب ونقاد واعلاميين وفنانين مسافرا بهم في رحلة وجودية مطلقا صرخة إنسانية لما تعيشه الشعوب العربية من حروب وانقسامات وحروب ودمار وعنف وتشوه ثقافي.
على مستوى الاخراج اعتمد المخرج العالمي حافظ خليفة على أساليب اخراجية متطورة انطلاقا من السينوغرافيا الرقمية واستحضار الشخصيات عبر البث وكأنها محاكاة حقيقية أبدع في التجانس معها الممثل إضافة إلى ذلك جمالية الانارة وتقاطعها حسب الاحداث والحالات والوقائع أيضا اعتمد على خيال الظل وظف الاكسسوارات بطريقة طريفة حتى ان الأحذية بث فيها الروح جعل منها شخصيات تتكلم وتسرد وقائع وتنتفض ألما .
وتتناول مسرحية ماسح الأحذية مأساة إنسانية لرجل يعمل ماسح للأحذية وللوهلة الأولى يعتقد الجميع انه متشرد ولكنه في الحقيقة هو أستاذ جامعي هارب من ويلات الحرب بعد ان فقد جميع أسرته وهويته وانتمائه وأصبح يعيش الغربة الوجودية والحياتية في محطة للأنفاق للقطار تحت الأرض، حاملا معه صندوقا خشبيا متهالكا يحتوي على أسرار حياته محاولا كسب قوته اليومي على امل أن يسد رمقه ويدخر بعد النقود لدفع رسوم تكاليف السفر إلى الخارج ليغادر محطة القطار إلى الابد ولكن يقع زلزال ويجد نفسه مع غرباء في الفكر والانتماء. رجل عسكري، رجل يدعى الثقافة، الرجل يتشدق بالثراء، ســيدة مطلقة وتنطلق رحلة السفر الوجودي بين الأفكار والمواقف المتناقضة والأسئلة الحارقة التي تطرح والحوارات التي تدور بينهم حول المواضيع والقضايا التي تعيشها المنطقة خلال العقود الماضية وصولا إلى المرحلة المزرية التي وصل لها ما بعد مرحلة (الربيع العربي)
وتعتبر مسرحية ماسح الأحذية من الاعمال التي لاقت نجاحا كبيرا على المستوى العربي انتجت قبل سنتين بدولة قطر وقدمت في شكل أدوار مقسمة وشخصيات مجسدة على الركح ثم أعيد انتاجها في شكل مونودراما تقدم في تونس أولا ثم تجوب العالم ثانيا وقد قام بالدراماتورجيا الكاتب المبدع بوكثير دومة بكثير من الحرفية دون المساس من جوهر النص.
وقد اعتمد حافظ خليفة في العملية الاخراجية أولا على أهمية الاستعداد الذهني والبدني للمثل محمد علي العباسي وقدرته السلسة في التنقل من شخصية إلى أخرى ثانيا اعتمد على سينوغرافيا رقمية على الطريقة السينمائية بتداخل اللوحات الكاشفة عن الأمكنة تارة وعن الاحداث تارة أخرى
وقد اختار في تعامله مع التقنيات الرقمية على الفنان نور الجلولي وعلى مستوى الموسيقى الموسيقار التونسي المغترب زياد الطرابلسي ثم الملابس والاكسسوارات التي لها دور فعال جدا في العملية الاخراجية المصممة آمال الصغير .
وفي خاتمة حديثنا لا يسعنا إلا ان ننوه بالشراكة التونسية القطرية من خلال جمعية جسور للإبداع التي راهنت على المبدع التونسي في النص والموسيقى والملابس والإخراج وسيكون لهذا العمل اشعاع عالمي في مهرجانات المونودراما بالعالم العربي مثل الكويت وتونس وكذلك بالكندا وبالولايات المتحدة الامريكية