(غرفة عند الجهة اليسرى دكة اسفلتية بقربها صنبور ماء، عند جهة اليمين دولاب، وعند الجدار صورة لعرسان، وفي احدى الزوايا شماعة علقت بها خرقة بيضاء متسخة، وعند اسفل الشماعة ركام اغراض، في نهاية الغرفة حاجز خشبي متحرك، بين الدولاب ووسط الغرفة مهد طفل خشبي هزاز ، كرسي متحرك ذو عجلات مونيكان رجل كبيرة يستلقي على الدكة).
المراة:( تدندن لحن اغنية قديمة اثناء مسحها للارض بخرقة بالية) وان لقاكم حبيبي سلمولي عليه، طمنوني الاسمراني عامله اية الغربة فيه (تتوقف عن المسح) اواه يا رجل، اواه يا حبيبي الاسمراني، كم انت غريب في اقصى روحي الغريبة عن كل هذا الكون (تقف وتلتفت نحو الدكة) هل استيقظت ياعزيزي؟
(تتجه نحو الدكة حيث مهجعه لتتاكد) مازلت نائما (تعود لتكمل المسح) ما بال عزيزي لا يستيقظ مبكرا؟ الا يعلم بان الشوق مرّوا لحاجة بلغت حدودها وفاضت عن الروح. لا عليك لا عليك. نم نوما هانئا ياعزيزي العين (صمت) سحقا لتلك اللعينة التي سرقتك مني (ترتيب المكان) من اغراض الحلاقة لو انها لم تأت الى تلك المدينة لكان حالنا افضل من الان، جاءت تلك المسمومة المشؤومة وسرقت ضوء حياتي بغتة، وجعلتني بلاحظ ولانصيب بهذه الغرفة المقفرة، وكاننا نعيش بسرداب، الويل لي، الويل لي مما حدث (تاخذ الخرقة ذاتها وتتجه نحو مهد الطفل الخشبي) كم نسيت ان ارتب مكانك ياولدي؟ ياحظ أمك المحروسة منك (تمسح خشب المهد بحرقة). تلك الخبيثة .. لو لم تأت تلك الخبيثة لكان حالنا افضل بالفعل. لاصبحت اما، ولكن زوجي حبيبي لم يجعلني اما، لم انجب منه قط .. وتلك الخبيثة آه كم انجبت منه … كم انجبت جثثا.(تاخذ الوسادة من المهد وتحملها كطفل) آه كم وددت لوكان لي ولدا، نورسا احمله بروحي وذهني قبل حجري، وددت لو ارضعه الحليب من نهدي الجاف هذا. تمنيت لو اعلمه السير ليسير اولا (تخاطب الوسادة) امشي .. امشي، لا تمشي ، لا تكبر ، سوف تاخذك الحرب القادمة مني، هكذا هو قانونها دائما، فلذات اكبادنا تطحنهم الحرب باضراسها القاطعة، وتجعلهم طعاما لها، كم تمنيت ان يكون عندي، على الاقل كي لا ابقى وحيدة كل هذا الوقت. ولم اكن وحيدة قبل مائة عام و بالامس واليوم، ولن اكون وحيدة قبل قليل من الان وغدا، وعد مئة عام، كنت لاحميه من كل شر يولد في قعر هذا ! لكون وينتشر نحونا، ولن اسمح لتلك الخبيثة بتدميره هو الاخر (تضم الوسادة وتقبلها بقوة) آه يا ولدي .
(تتحدث عن الوسادة): كم تمنيت ان اكون لك اما ولكنه وهب تلك النعمة لواحدة اخرى، وكم انجبت منه .. كم انجبت جثثا ما كان من الممكن ان يحدث للعالم لو نلت نصيبا منك؟ ماذا يحدث لو إنك خلقت لي ولدا؟ (تعيد الوسادة الى المهد وتهزه وتدندن تهويدة النوم) دللول .. دللول، يانور عين امك دللول. نم ياعزيزي قرير العين فانا خلقت لاجلك ودائما انا هنا من اجلك .(تسكن قليلا صامتة ، تمسح عينيها ووجهها). اوه يا زوجي العزيز (تاخذ صناديق عدة تصنعها في وسط الغرفة صانعة منها طاولة طعام وتغطيها بقطعة قماش بالية)، ها قد جهزت لك العشاء، العشاء الرومانسي وما ترغب به، ولكن كل مرة كنت تتركني وتذهب اليها. حتى آلت بنا الامور الى ما نحن عليه الان .
(تسحب الكرسي الخشبي وتصنعه قرب الصناديق) وان ما بيدي حيلة لا فعل شيئا. انني عاجزة امام هذا القدر، لا استطيع فعل شيء غير العناية بك. أنا امرأة ايضا لي قلب وروح ودمع يا عزيزي، لطالما اردت زوجا كاملا. طوال المئة عام لم تكن زوجا لي، حينما سرقتك تلك الخبيثة لم تعد لي ياعزيزي. ولم تسنح الفرصة لجعلي اما لولدك .(تفتح الدولاب وتاخذ تنورة زاهية الالوان ، وقميص ملون وتسير نحو الدكة) هل غفوت؟ انظر، سارتدي ما تحب من الالوان، هل ستقول لي انها جميلة او انني جميلة. آه ارجوك تحدّث عني انا فقط هذه المرة، لا تذكرني بتلك الملعونة الخبيثة، وكم كانت سلطانة قبيحة. (تضرب يدها على جبينها) ، بلهاء، انا التي اذكرها في كل مرة .
(تذهب خلق الحاجز الخشبي المتحرك تبدا نجلع ملابسها كافة ورميها فوق الحاجز) اتعلم كم مضى من الوقت وانت لم ترى سوى اللون الابيض، كم سنة مرت وانت لم ترى لونا زاهيا؟ ياعزيزي، انا اسفة، آه كم كنت قاسية معك، طوال الوقت الماضي وانا لم اريك لونا يفتح عينك كما تلك الخبيثة فتحت دماغك وصدرك، ولكن ليس حتى الان. اليوم سترى شيئاً مختلفاً .(تخرج من خلف الحاجز الخشبي مرتدية (التنورة الزاهية والقميص) ايها القائم قل لي ما لديك من غزل ، اريد ان اسمع صوتك (تغضب) يا لك من جثة صامتة .
(تستدير وتعود للدولاب، تاخذ منه عصابة راس حمراء اللون) كل مرة ترى شعري المسدول على كتفي، الان اريد ان نتذكر حجم ماساتنا حينما عدت منها بالاحمر .(تعصب راسها وتاخذ من الدولاب مراة وصندوق خشبي تخرج منه مجوهرات ذات حجم كبير تجلس على الكرسي مولية قفاها للرجل) في كل مرة كنت تعود لي منها تجلب معك حفنة مجوهرات رخيصة، لكنها غلت على قلبي والله لانها منك يا عزيزي. لا اعلم من اين كنت تجلبها وانت تخوض كل هذا الموت والدمار في الساحة. (تبدا بارتداء القراط) لطاما ظننت انك تجلبها من جيوب الجنود القتلى ، لكنهم ماتوا على غرارك انت . كنت اعتقد انك تذهب وتفتش جيوبهم قبل ان تنتشل جثثهم منها ، فكلما ارتديت تلك المجوهرات الرخيصة احسست بعضة في صدري ، وخنق حول عنقي ، وصداع بصدغيّ .
(تاخذ عقدين من الصندوق الخشبي وتلتفت نحوه نصف التفاتة راس) ايهما ارتدي ياعزيزي؟ اما زلت نائما؟ فداك عمري والكون معه يلحظة غفوتك هذه، نم بروحي لكيلا يجيئك حلم مزعج .(تنظر نحو المرآة التي على الصناديق الخشبية لتجرب احد العقدين) ولكن في النهاية عرفت انك كنت تعطي من روحك ودمك لتجلب لي المجوهرات. الاهم من كل حديثي وهذياني هو لطالما احببتني اكثر منها، لطالما كنت مجبورا على الذهاب اليها. ليتها لم تحل في البلاد، تلك الحرب اللعينة. (ترتدي خاتما وتعيد المرأة والصندوق الى الدولاب وتجلب من الركام قد حين ووعاء) ولكن اتعلم يا حبيبي؟ (تنتبه واضعة يدها على فمها) منذ وقت طويل لم اقل حبيبي، اتعلم انني استطيع ان ابقى معك لالف عام بعد، في هذا المكان الابدي، الى اللانهاية، منذ قبل الوجود والى مابعد الفناء (تملا الوعاء من الصنبور وتضعه على الطاولة مع القدحين). والان عليك ان تستيقظ ياعزيزي العشاء جاهز (تذهب ناحيته لتوقظه) ياحبيبي (تضحك برقة وخجل) حقا انني لم اقلها منذ زمن بعيد. عليك ان تحضر العشا هذا، والان علّي حملك ودفعك مرة اخرى، يجب ان اعتني بك لكنني افعلها بالرغم من ان الامر يبدو ومتعبا ومهلكا. تعلم كم هو متعب حمل جثة. اظنك حملت جثتين او ثلاثة بتلك الحرب، او عشرات الجثث، لا ادري لذلك اظن انك تعلم كم يبدو الامر مهلكا ولكن علّي فعلها فانت زوجي المسكين.
الا يمكنك سماعي؟ حقا لا توجد جثث بهذا الكون يمكنها ان تسمع صوتا (تستدير وتجلس على كرسيها) انظر الى كل هذا الدم. كيف يمكن لقطعة حديد صغيرة ان تفعل كل هذا؟ كيف عساها ان تخطف روحك من جسدي؟ يا لها من شيء بغيض، (بحرقة) اواه كم هذا الامر موجع ! (تضرب صدرها بقبضة يدها) اه، مؤلم لروحي الضائعة. مميت لقلبي اليتيم، كيف لي وبكل مرة اخسرك ان ابقى حية من بعدك؟ هل تسمعني؟ ليس بمقدوري تحمل خسارتك مرة اخرى.
لا يمكنني ان اتعايش مع جثتك مرة اخرى، ولا يمكن ان اقنع عقلي المسكين بذلك.
(تسمع صوت دوي اشبه بالانفجار ، تجري نحو النافذة) ياويلي ما هذا؟! لعلني اتوهم من اين كل تلك الفوضى (توصد النافذة وتستدل الستائر) ليست هذه المرة الاولى، لن ادعك ترحل ولن ادعها تاخذك مني، الان انت لي وحدي، انا وحدي، ولا الموت ولا الحرب يشاركنني بك، اتعلم ياعزيزي، سانتظرك هنا للمرة الالف، ساتامل وجهك الحالي في الحياة، علنا في وقت لاحق، في حياة اخرى يكون حظنا افضل (تذهب خلف الحاجز الخشبي ثم تعود منه ، مرتدية ثوبا ابيض، تعيد زيها الملون والمجوهرات الى الدولاب).
(وهي فرحة) انا ساكون لك زوجة افضل، وسنلد طفلا. ستهبني هذه النعمة أليس كذلك؟ (تعيد الكرسي والصناديق الى الركام تحت الشماعة) ساسمع صوتك المعدوم بين حبالك الصوتية المتوفاة، سانتظرك ان تلمسني بجلدك البارد هذا. (تجلب اناءها وعدة التنظيف من ذات الركام وتسكب به الماء من ذات الصنبور) وهذا الماء الذي لم يقو على بقائنا على قيد الحياة سابقيه هنا لعله يوما ما يرجعك الي ويعيدني الى حيث انتمي بعيدا عن هذه الغرفة المقفرة (تضع الاناء على الارض وتبدأ التنظيف بذات الطريقة الاولى) سانتظرك مئة عام اخرى، سانتظر الرب ليعيدك لي ياعزيزي، سانتظرك لتستيقظ هذه المرة ايضا. (تمسح الارض بصمت ، تبدأ تدندن ذات اللحن) وان لقاكم حبيبي سلمولي عليه، طمنوني الاسمراني عامله اية الغربة فيه.
اظــــــــــــــــــــــــــــلام
ستــــــــــــــــــــــــــــار ..
* محمد محسن السيد/ مدير المركز العراقي للمونودراما (ايلول 2024)