النقد هو عصب العملية الإبداعية برمتها ، ولأن النقد المسرحي له طبيعة خاصة ، حيث إنه يتعامل مع عدة عناصر (عناصر العرض المسرحي) فإن ذلك يقتضي امتلاك الناقد لثقافة موسوعية ، فضلا عن معرفة كاملة بطبيعة العمل المسرحي والسياق المُتعلق به ، ومنذ ظهر النقد الانطباعي في صحفنا ومعظمه – إن لم يكن كله- مُجامل ، ولا يستند إلى معايير الفن الموضوعية ، لأنه بدأ خبرا ، وطوره المحرر الصحفي ظنا منه أنه بتلك الطريقة صار ناقدا !! أصبح هو النموذج الذي يُرضي الفنان المسرحي ، ومن هنا ظهر العداء تجاه النقاد الموضوعيين الذين لايجاملون ، ويعرفون طبيعة النقد وآلياته ووظيفته ، هذا العداء تطور للدرجة التي يحاول فيها البعض تهميش دور النقاد ، وأول وسيلة لتهميشهم هي محاولة إغلاق مجلة (المسرح ) وتحويل جريدة ( مسرحنا) التي صدرت أسبوعيا وورقيا إلي موقع إلكتروني غير مفعل .
الناقد لايبحث عن نجومية كما قد يظن البعض ، لكنه يبحث عن مكان يكتب فيه ليواكب ، وتلك المسألة لم تعد متوفرة في معظم الصحف اليوم ، على عكس ماحدث في التستينيات فترة ازدهار المسرح المصري ، قرأنا مقالات على صفحات كاملة لنقاد المسرح في الأهرام وغيرها من الصحف ، ومن هنا ظهرت حركة نقدية قوية ، واكبت النشاط المسرحي ، وكانت تلك المواكبة سببا رئيسيا من أسباب ازدهاره ، وذلك لأن النقد بطبيعته يساعد المبدع على تطوير أدواته . وإذا تحدثت بشكل منهجي أكثر : أذكر أن (رولان بارت) عندما كتب نظرية (موت المؤلف )كان يعني بها ، الانتصار للمتلقي الذي ظل غائبا عند الكتابة عن أطراف العملية المسرحية .
وكان الاهتمام فقط (بالنص والمخرج والممثل ) و تساءل أين المتلقي .. المرسل إليه ؟؟
هنا أعاد (رولان بارت) الحق إلى أصحابه ، وأعطاهم حق التفسير والمشاركة – وأعني بهم المتلقين – وتلك هي اللحظة التي يموت فيها المؤلف ..
والآن أتساءل : أين الناقد وما موقعه من كل هؤلاء ؟
أجيبك : هو البوصلة التي بدونها ستفقد طريقك .
إنه – وطالما أن المسرح صناعة – هو شهادة الإيزو ، تلك التي تُحدد معايير الجودة ودرجة التزام الصانع بها حفاظا على المنتج.
.و أتساءل : هل تستطيع تقديم منتجك بدون الحصول على تلك الشهادة ؟ نعم تستطيع .
ولكنك بدونها لن تستطيع المنافسة وسيصبح منتجك محدود القيمة ،وربما تستهلكه وحدك .
ويهرب الجمهور منك ويكرهك!!
ولذلك فإن الناقد يُعد ضلعا رئيسيا في العملية الإبداعية برمتها ؛ وليس المسرح فقط ..وبدونه لن تتطور ولن تتقدم ولن ترى النور ..
وكصناعة .. ستموت وتنتهي طالما أنها فقدت الطريق .