في كتابه (النص و الميزانسين) يطرح الدكتور عقيل مهدي يوسف التعريف بمصطلح مهم فيما يخص عمل المخرج المسرحي، الا هو الميزانسين، وتضمن البحث موضوعين رئيسين هما: الاول: علاقة النص بالخطة الاخراجية، الثاني: الميزانسين: التشكيل الحركي في المسرح .
ففي الموضوع الاول يؤكد الباحث علاقة النص – باعتبار كل ما ياتيبتاسيس عليه – وهو الاساس الذي يبتني عليه العرض، وعلاقته من ذلك بالخطة الاخراجية التي التي لا غنى لها عنه. حيث تتناول الخطة – كما هو معروف – وضع المستوى الخاص بتميم فرضيات العرض النظرية، وكيفية توزيعها في اطارات او موديلات خاصة، على الورق لتاخذ شكلا بنائيا تصاعديا من خلال التوكيد على الجوانب الحسية المولدة للجوانب الادراكية التي من خلالها يتحقق التصور الافتراضيالاولي للعرض، وهذا ما اكدته وجاء في السطور الاولى لهذا الكتاب. ويستمر الباحث في شرح تفاصيل ذلك قائلا خاصة فيما يخص البعد النظري للخطة الاخراجية:
(.. ان البعد النظري للخطة الاخراجية يحيلنا الى اعماق منظورة متداخلة ولكن على الورقفي المرحلة الاولى، وهو هنا يؤكد الصورة العيانية الملموسة المنتظرة، وينتقل بالنص الدرامي الى مقاربة موضوعية من حيث قابليتها على التحول، والانتقال الى صورة مرئية او مسموعة في الوقت نفس . والفيصل في هذا سيكون الشكل الذي سيكون عليه العرض – وكلنا يعرف – ان العرض يكون عبارا لمعرفة المخرج وقدراته المعرفية والتقنية وما يتعلق بخبرته الجمالية والفكرية والذوقية الخاصة.
اما بخصوص علاقة افق المخرج مع افق المتلقي فنقرا:
(.. يتلاقى افق المخرج مع افق المتلقي الجمالي من خلال تقريب معنى المشهد، بعد ان تشتت علاماته، كما تبدت لديه لاول وهلة ، وبتنظيم وحداتها لمؤشرية والبنائية كابجدية يقوم يتعلمها المتلقي بعد ان اجتهد المخرج بتاطيرها وصياغتها، على وفق هياتها واشكالها المقترحة للمشاهدة).
ثم ياتي الباحث بشواهد على ذلك من نماذج تطبيقية من اعماله الاخراجية كما فعل في مسرحيته (الصبي كلكامش) ! اما بخصوص التمارين ودوره المخرج فيها فنقرا :(.. للمخرج تمرينان: اولهما لكادره الفني واشتغاله مع الممثلين قبل العرض (مرحلة الاعداد) وثانيهما: تمرين المشاهدة عند تقديم العرض نفسه). وهنا يطرح الباحث سؤالا مهما هو: هل يمكن ان تتحقق المصالحة بين الخطة الاخراجية و(مكونات العرض)؟ وان يلتقيا في افق ابداعي واحد؟ والمعلوم ان هذا – على اقل تقدير – هو طموح كل مخرج جاد.
فنرى الباحث يجيبنا:
(ان استنطاق رموز النص الدرامي والية تحويل علاماته الى (عرض) مرئي ومسموع لا يعني استقلال (العرض) عن الخطة الاخراجية التي انطلقت من النص الدرامي نفسه، حتى وان اختلفت اللغة الفنية بين المؤلف (الدراما تورج) والمخرج (المؤلف الثاني). ثم يعرج بنا الباحث الى نماذج تطبيقية من اعماله. وكيفية عمله واشتغاله عليها. من امثال: (البدوي) و(العازف) وهي من نوع المونودراما، و(محطة على الطريق) و(الزوج الرفيع) و(باقة ورد) و(الفتاة البديلة)و(حلم على شبكة الانترنيت) واخيرا (المشهد الاخير لشهرزاد)، علما ان جميع هذه النصوص قد اوردها الباحث كاملة في هذا الكاتب وختمه بها تعميما للفائدة.
وهنا نصل الى الموضوع الثاني في هذا البحث القصير نسبيا والذي لا يتجاوز اكثر من (25) صفحة. وفيه يستعرض الباحث الشكل المسرحي متطلباته ومقوماته على مستوى السماع والنظر، والمعروف لدى الجميع اننا ناتي للمسرح لنرى لا لنسمع مما يقولون، ويتوضح ذلك بالسؤال التقليدي المتعارف بيننا: هل شاهدت العرض؟ ولا نقول: هل سمعته!. وهذا الامر لا يقلل من امر السماع ابدا، لسبب بسيط هو ان الحوار الدرامي يعد الحامل الرئيسي لافكار المسرحية ومحتواها، وهو – كما معروف – عنصر سمعي من الطراز الاول، ولكن (الرؤية) او (الفرجة) او (المشاهدة) هي الخاصية العضوية الملازمة لفنون المسرح التي لا يمكن باية حال من الاحوال تجاوزها.
وحول اهمية الميزانسين ومكانته من بين عناصر الشكل المسرحي نقرا:
(يتصدر -التشكيل الحركي او الميزانسين- الذي بات مصطلحا متداولا في الادبيات المسرحية، ان يحتل المكان الرئيسي من بين عناصر الشكل المسرحي، لسبب واضح هو ان لا لميزانسين (لغة فنية، تكشف عن الخطة الفكرية والفنية للمخرج وعمله مع الممثل، او يستطيع الميزانسين ان يكون كذلك، بل يجب ان يكون كذلك) .
ومن المعلوم ان المفهوم السطحي للميزانسين، والذي يختزله بمجرد حركة الممثل من نقطة محددة على الخشبة الى نقطة اخرى، او الى مجموعة من الامكنة او الفضاءات المحددة مسرحيا، او انه يقترح لشخصين او اكثر امكنة يتناوبونها فوق خشبة المسرح، اما المفهوم المعاصر للميزانسين فيوصف انه (تعبير تشكيلي -فضائي يجسد مضمون النص الدراماتيكي) وهو ظاهرة مستحدثة. وعن بدايات الاولى لظهور الميزانسين فيقول الباحث: (بالامكان الحديث عن الميزانسين كـ(ظاهرة ابداعية) ببروز دور (المخرج)، او ما يسمى بمسرح (المخرجين) حيث بات العرض متكاملا في عناصره الابداعية، ومبنيا بناء محكما، وراسخا على وفق خطة اخراجية متماسكة).
من المعروف ان الميزانسينية المعاصرة لم تبلغ ذروة تطورها باعتبارها وسيطا تعبيريا في فنون العرض الا على يد المخرجون السوفيت والذين اولوه عناية فائقة، فهذا المخرج الروسي (بتروف) يحدد الميزانسين بانه: (ليس مجرد حركة الممثل في الفضاء، بل انه نغمة او (نبرة) تشكيلية (بلاستيكية) تكشف عنه، وتحدد بناءه الروحي وحياة الشخصية الروحية. (بينما يرى (ميخولس) انك (لكي تبدع اعمالا مسرحية من نمط فني رفيع، يجب ان تعيش في فضاء عالم شعري)، ويرى (الكسي بوبوف) ان (الميزانسين ما، يمكن انيتحول الى تعميم فني، ليس لمعنى مشهد محدد فحسب، بل لفكرة عرض متكامل).
اما عن ابعاد الميزانسين الثلاث فيقول الباحث: (ان الميزانسين المسرحي يحتوي فضلا عن ابعاده الثلاثة الحية: الحجم النحتي، والرليف (الجرافيكي)، والبناء المنظوري للفضاء الحقيقي المرتبط بالبعد الثلاثي لمنظور الخشبة، الذي يقوم على اساه الميزانسين بابعاده الثلاثة، وهو يتخطى السطح الواحد الذي يتشكل من(الرامب) او اطار فتحة المسرح، ويكسر الخط المستقيم، بل ينفتح على صالة النظارة (الجمهور) بحضور الممثل بابعاده البشرية، من دون الاضلال بمنظر المشهد العام الشاحضي على خشبة المسرح، وبذلك يصنفي على الصورة المسرحية لمسات حيوية، فتغدوا اكثر تناغما (وهارمونية) واكثر مرونة، واكثر تعبيرا. وعن وجهي الميزانسين نرى البحث يقول: (… ويمكن اجمال وجهي الميزانسين بـ :
1- توتره الجاذب للاهتمام .
2- استمراره المضطرد في تنمية (انطباع) خاص به.
وهذا ما يفرز بالتالي التمييز بين تكوين دراماتيكي جذاب، ينتج بذوره ميزانسين فعال، وبين تكوين سلبيلا ينتج سوى ميزانسينميت!.
ومن اجل خلق انتاج تكوين مسرحي معبر نرى الباحث يقول:(.. يبقى الهدف الرئيسي في الوصول الى ميزانسين عضوي، وهو مبتغي المخرجين الجادين في فن صناعة التكوين المسرحي … لذلك فان انتاج تكوين مسرحي معبر، يعتمد تقنين، او تقعيد التكوين، وفق الاتي:
1- وجهة نظر الفنان .
2- جبهوية الميزانسين .
3- طريقة اعتماده على التكوين الفضائي المسرحي .
4- المعالجة الفضائية الميزانسين .
5- مركز الرؤية في التكوين .
6- وحدة التكوين الفنية .
7- كيفية خلق التوازن في التكوين البصري .
وهنا نصل الى ختام هذا البحث المهم الذي عرّف الباحث من خلاله على مصطلح مسرحي في غاية الاهمية، والجدير بالذكر ان هذا البحث، قد اعد وترجم عن اللغة البلغارية من قبل الباحث عن كتاب للكاتب اتناس ميخايلوف الموسوم (الميزانسين: العلم والفن) صوفيا . 1973.
وفي ختام بحثه عن الميزانسين ينتقل بنا الباحث الى مجموعة من نصوصه المسرحية، واول هذه النصوص مسرحية (العازف) وهي من نوع المونودراما مكونة من سبعة مشاهد، ومنها نقتطف:
العازف: اسمعني ياسيدي بانتباه ! ان ماظهر من راسك وما بطن يخبرني عن شخصيتك المزيفة! … انا ناحل مثل الهواء ، وانت طب نفسا لن اتعرض لسمعتك بسوء .. قل له يا بائع التمر الطيب، إني لا اطلب العمل لنفسي بل من اجل لقمة الاطفال، قاتل الله الحاجة ياسيدي، لو كان العوز رجلا لقتلته … نعم .. نعم هذه تهمة شنيعة! وانتهكت حدود الاخرين .. ما اقترفت سوى الالحان .. اه ارجوك لا تضربني وليعصمني الله، انا وقيثارتي من الطوفان.
مسرحية البدوي: وشخصياتها: (البدوي – الفني – الشيخ – الجارية -الامير) ومجموعة من متصوفة وعسس عامة، وضمت تسعة مشاهد.
مسرحية (المستشرق جونز) وشخصياتها :(جونز – فاطمة –ماثيو) وضمت مشهدين فقط .
مسرحية (المصعد) وهي من نوع الملهاة وشخصياتها :(البواب – الضيف) وتقع في مشهدين، وتصنّف على انها ديودراما .
مسرحية (المكان الجميل) وتقع في (3)مشاهد، ومسرحية (الفتاة البديلة) وهي مسرحية من فصل واحد وشخصياتها (الخطيب – الفتاة) وتصنّف على انها ديودراما.
مسرحية (الزوج الرفيع) وتصنّف على انها ديودراما عبر شخصيتين هما: (الزوج السيدة)، وهي مسرحية قصيرة من فصل واحد، مسرحية (باقة الورد) وهي من نوع المونودراما بطلتها (الزوجة)، ومسرحية (محطة في الطريق) وهي كذلك من نوع المونودراما وبطلها رجل مشلول، ومسرحية (امراة غريبة الاطوار) وهي الاخرى من نوع المونودراما بطلتها (المريضة)، ومسرحية (حلم على شبكة الانترنيت) وهي من نوع الديودراما وشخصياتها :(هو – الرجل) واخيرا مسرحية (المشهد الاخير لشهرزاد) وهي مسرحية قصيرة جدا وهي من نوع الديودراما وشخصياتها: (شهريار – شهرزاد).
كتاب (الادب الدرامي في السيرة الافتراضية)
مسرحية السيرة لون درامي في الكتابة المسرحية يتناول حياة شخصيات ثقافية تركت بصماتها الواضحة على واقعنا الفكري والثقافي امثال: السياب وجواد سليم والجواهري وعلي الوردي ويوسف العاني وحقي الشبلي واخرين، والمعروف ان من بين الذين برعوا في هذا اللون – وبامتياز– يقف المفكر الدكتور عقيل مهدي ليسجل يراعه اول رنين في فضاءات المسرح العراقي الاصيل والثر في هذا الحقل الجمالي والمعرفي (مسرح السيرة)، عبر كتابه (الادب الدرامي: في السيرة الافتراضية. نصوص ومواقف وشهادات) وللصادر عن اتحاد الادباء 2021، وكما هو معتاد فقد نهض الكتاب بمقدمة اولية وضح فيها طريقته في تناول واشتغالات مسرح السيرة وتوكيده على افتراض صيغ وتراكيب وبُنى ادبية (درامية) ومسرحية، في فضاء حيوي، يتقابل فيه الادب الدرامي، مع فنون الفرجة في العرض كما هو مثبت في المقدمة. توزع الكتاب عبر صفحاته الـ(178) صفحة من حجم الوسط على (3) فصول رئيسية. ضم الفصل الاول منه (5) نصوص مسرحية هي: مسرحية(وهج الحرية وحرائق الشبح) ومسرحية (شركة المافيا المحدودة للمقاولات) ومونودراما: (رحلتي الى مدائن النور) ومونودراما: (سامثل واقفا وحدي) وحكاية في مشهد واحد (قبلات المسخ) .
واولى هذه المسرحيات (وهج الحرية وحرائق الشبح) وشخصياتها: (المراة الطيبة رجاء ، الرجل(الخليل) ، الصحفي (معتز) ). توزعت على (21) مشهدا قصيرا نسبيا مع اتخاذ عناوين فرعية لكل منها .
والمعروف ان مسرحية السيرة لون درامي خاص يتميز عن مايسمى بـ(المسرحية التاريخية) و(المسرحية التسجيلية). وقد عرّفها احد الباحثين: (تلك المسرحية التي تتخذ من شخصية ما من التاريخ المعاصر او الحديث (القريب) موضوعاً لها، فتأخذ مادتها الدرامية من سيرة تلك الشخصية وعصرها مع محاولة إعادة بناء تفسير الشخصية ذاتها ومواقفها واخضاعها للقيمة الفكرية او الدرامية المراد ابرازهاوخلق(صيغة فنية وجمالية) جديدة لتلك السيرة من خلال (تخيل) او (تصور خيالي) جديد للسيرة واحداثها واكتشاف حقائقها الخفية الكامنة والمستترة).
وبالتاكيد فان هكذا لون درامي يعتبر اضافة نوعية مهمة على مستوى التاليف ويساهم كذلك بسد فراغ في هذا الجانب ويبرز لونا مسرحيا محليا جديدا في قارة الابداع المسرحي العراقي الاصيل والمتميز .
وهنا نصل الى موضوع جاء تحت عنوان (الشباب والثقافة في ساحة التحرير) وهي عبارة عن محاضرة قام بها الكاتب مع المنتفضين في ساحة التحرير. وفيها يؤكد على دور المثقف العضوي في قضايا شعبه المصيرية والحاسمة بحسب غرامشي. وتحت عنوان رئيسي هو (مواقف) وضمت المواضيع الفرعية التالية:(صدمة الشهادة)، يوم المسرح العالمي، خلق الاديب – المعلم – فالموضوع الاول (صدمة الشهادة) ويقصد بها اصحاب التحصيل الدراسي الجامعي الاولي وما تلاه، وماذا قدموا للناس من بعلومهم التخصصية، وهم لم يكونوا حتى جديرين بحملها؟!.. هكذا وصفهم بالضبط . وانا معه في هذا التشخيص الدقيق لواقعنا العلمي الراهن المترهل جدا جدا . ثم يعرج بحديثه عن مدّعيّ الثقافة ، وسلوكياتهم المريضة والجوفاء .
وهنا نكون قد وصلنا الى موضوع حكاية في مشهد واحد هي (قبلات المسخ) وفيها نلتقي مع كائن طفيلي اقرب الى حضيرة البهائم يترصد(غزالة) وهي اشارة ذكية الى امراة ما بين الرصافة والجسر وملاحقته لها حتى في الدرس ليخفف حدّه قوته الشهواتية المقيتة والحيوانية باختطافه قبلة هستيرية منها لكنها تفاجئه بصفة قوية على خده، ومن ثم نراه يلفق على الغزالة بانها روادته عن نفسه لكي يلوث سمعتها ويوصفها بالسوء متناسيا ان (إشاعة) يطلقها (مسخ مثله)، لا ينقلها الا (سافل) ولا يصدّقها الا (حمار)، وما اكثر (المقنعين) باقنعة حمير ممسوخة وينتحلون هويات زائفة، وان اضطرت الغزالة يوما فانها ستعلن اسماءهم بالاسم، والصفة، لتفضح حكاياتهم الشنيعة!.
والغالب على هذه المسرحية روح التغني بالوطن والانشداد اليه رغم كل ما مرّ به محن وصعوبات، وهذا ما بات واضحا في المشهد الاخير حيث نقرا:
المراة: ساعزف لنساء العراق، وشبابه، وشيوخه واطفاله، كن بلسما ان صار دهرك أرقما، وحلاوة، ان صار غيرك علقما .
الصحفي: من ذا يكافئ زهرة فواحة، او من يثيب البلبل المترنما .
هذا ما اراد والدي حفظه .. وانا صبي .
المراة: بالسلم والمحبة ، لا بالحرب والدمار نسترد الوطن .
اما المسرحية الذي الثانية فهي (شركة المافيا المحدودة للمقاولات) ويحيلنا العنوان من الوهلة الاولى عن وجه العلاقة مابين المافيا(وهي العصابة المنظمة) وعمل المقاولات؟!. الا يشكل هذا اتسر افق توقع . وشخصياتها: (عرّاب ، عيّار ، فضائي ، قاضية، بدي جارد).توزعت على (11) مشهدا . عبر حكاية تتم عن احتيال اموال واملاك كبيرة بدون حق شرعي وقانوني يدبرها العّراب بمعية فريق عمله ومسانديه، حيث تفضحه القاضية في نهاية النص وبأدلة قاطعة وجازمة، واللافت للانتباه في هذا النص هذه المزاوجة بين الشيخصيات وتنوعها ما بين المعاصر والتراثي ويمثله شخصية العيار العباسي، وراهنية توظيف الحدث وربطه باهم حدث مميز يدل على العولمة وهي الشركات العابرة للمحيطات وهيمنتها ودورها الفعال في الاقتصاد العالمي وحركة السوق، حيث يبقى الحكم القضائي وصدور الحكم النهائي في نهاية النص مفتوحا دون البت فيه بشكل معلن ومباشر . وهنا نصل الى نوع اخر من اللون الدرامي هو المونودراما وهي (رحلتي الى مدائن النور) وهي عن سيرة الدكتور خليل محمد ابراهيم وتجاربه في القسم الداخلي بمعهد الاول لرعاية المكفوفين والصم والمتخلفين عقليا. والكاتب هنا يلفت انتباهنا الى موضوع قلما تناولت كتابنا المسرحيون – الا نادرا – وهذا الجهد الخلاف والمبدع يحسب له بكل تاكيد . اما مناظرها تتم مابين المسرح والبيت ومعهد الامل والمكتب والشارع العام . وعلى نفس المنوال واللون الدرامي(المونودراما)تاتي مسرحية (سامثل واقفا لوحدي) حيث ان البطل يقوم باداء ادوار متعددة ينتقل منها من دور الى آخر الممثل، ابو البلاء المعري، المتصوف، المجنون، امير(ارهابي). والمناظر فيها فقد توزعت بحسب المدن التالية: بغداد (المسرح الوطني)، دمشق (التلفزيون السوري)، الموصل (منارة الحدباء بعد التفجير). ومن العوامل المساعدة التي استعان بها الممثل هو (الهاتف) ليدفع بالحدث الى الامام ولرفع الرتابة التي قد تحصل بسبب هيمنة الشخصية الواحدة وسرديتها، هنا وتوزعت المسرحية على (3) فصول قصيرة نسبيا والموضوع الثاني (يوم المسرح العالمي) وفيه يؤكد على اهمية المسرح باعتباره منصة للتعبير عن (عقل) الشعب و (وجدانه) و (طموحه)، والموضوع الثالث والاخير فحمل عنوان (خُلُق الاديب – المعلم) وفيه يسلط الضوء صفتة ممن ضيعوا رسالتهم التربوية والاخلاقية. وينزلوا بتراتبية القيم الى اسفلها وهم ينصبون كمائن يرصدون فيها (الدولار) عند ضحاياهم من الخائبين من الطلبة، متناسين بالمرة واجباتهم التربوية – الاخلاقية– ليزوروا كتبا وبحوثا، بمداد اقلامهم، ويبحونها بمزاد البورصة في سوق الوراقين السوداء الفاسدة !.
وهنا يضع الكاتب يده في موضوع في غاية الاهمية في الحياة العلمية الراهنة التي عجت بالكثير من المشاكل والسلبيات، وما طرحه الكاتب – هنا – واحدة مها ليس الا . وهنا نصل الى الفصل الثاني من هذا الكتاب وحمل عنوان (شهادات ادباء اكاديميون وفنانون مسرحيون) وفيه نقرا شهادات لاعلام وقامات لها حضورها المعرفي والفني الكبير في الحياة الثقافية والفنية الراهنة من امثال: الدكتور الراحل سامي عبد الحميد، والاستاذ الدكتور مالك المطلبي والاستاذ المتمرس والمخرج المسرحي القدير الاستاذ الدكتور صلاح القصب والاستاذ الموسيقار الراحل طارق حسون فريد والناقد الالمحي فاضل ثامر والدكتور رياض موسى سكران والاستاذ الدكتور المساعد حسين علي هارف والدكتور علي الربيعي والناقد الفني كافي لازم .
وهنا نصل الى الفصل الثالث والاخير في هذا الكتاب والمعنون(عن تجربة د. عقيل مهدي المسرحية) وفيه يذكر الجهد الاكاديمي فيما يخص الماجستير والدكتوراه التي تناولت تجربته الابداعية بالدراسة والتحليل اضافة الى المقالات والدراسات التي كتبت عنه وعن تجربته المسرحية، وهناك قوائم ضمت مؤلفات الكاتب واخرى دونت المسرحيات. التي اخرجها – صاحب الاثر – المؤلفين اجانب، والتي الفها واخرجها بنفسه .
وهنا نصل الى الخاتمة والى حوارا مطولا نسبيا مع الكاتب اجراه معه الاستاذ علاء المفرجي واخيرا كلمات لنخبة من المبدعين العراقيين المعروفين بحق صاحب الاثر.
محمد محسن السيد مدير المركز العراقي للمونودراما