حين يكون الاخراج فكرة…قراءة في كتاب (فكرة الاخراج) للدكتور عقيل مهدي يوسف
يحتدم النقاش بين الحين والاخر حول قضية هل ان الاخراج موهبة وما علاقته بالتعلم او هناك من يركز على الجوانب الحرفية والخبرة والتعلم. لذا نجد قليلة هي المواضيع التي تسلط الضوء على هذا الموضوع الحيوي والمهم في حقل المسرح وتفلك جوانبه وتنير ما اظلم من التباساته، لذا جاء اصدار كتاب (فكرة الاخراج) للدكتور عقيل مهدي يوسف ليكشف ما اخفي عن هذا الركن المهم. من عملية الابداع المسرحي – هذا الكتاب الصادر عن دائرة الثقافة والاعلام في حكومة الشارقة بدولة الامارات العربية المتحدة2010. حيث جاء – كما هو معلوم – بمقدمة وخمسة فصول .
ففي المقدمة يتساءل المؤلف: ما البداية الحقيقية لـ(فكرة الاخراج) الحديث؟ ليجيب عليه مستعرضا البواكير الاولى له على يد الدوق (ساكن مننجن) بداية لانبثاق مفهوم الاخراج، مرورا بمراحل تطوره الزمنية عبر اشتغالات جهودا سماء كبيرة لها التاثير الفعال في ذلك امثال تجارب (شاينه) و(كانتور) و(روبرت ويلسون) و(جوردن كريك) و(فاختناكوف) و(بروك) وغيرهم، مما ارسو قواعد هنا الفن ومرتكزاته.
اما الفصل الاول فجاء تحت عنوان:”الحلول الاخراجية في المسرح التجريبي” وهو اكبر فصول هذا الكتاب مساحة حيث امتد على مدار اكثر من (60) صفحة من صفحات الكتاب الـ(210) صفحة.
ويستهل الباحث هذا الفصل بتساؤل كبير هو: قد يظن البعض ان (التجريبية) صفة تطبيقية بحتة، او صيغة عملية اجرائية لا علاقة لها بـ(النظرية)؟. ليجيب بعد ذلك بالنقي. ليشير الى محاولته في تتبع طروحة قيمة للباحث المسرحي المرموق (كريتوفرانيز) في كتابة (المسرح الطليعي) مؤكدا على القول ان المسرح اليوم هو خلاصة للارث العالمي في نطاق الفن، وهو الميدان الطليعي لاختيار الرؤى والتجارب والمناهج والاساليب في بداية الالفية الثالثة. وهنا نصل الى اول موضوع في هذا الفصل وهو (المسرح الطليعي) ليؤكد تداخل صنوف الابداع، التشكيلية والموسيقية والسينمائية والرقص الحديث في هذا المسرح، والتي غيرت من هندسة (النوع) او (الجنس الدرامي) التقليدي، لتطرح بديلا جديدا في الفرجة والرؤية الجمالية وإشراك الجمهور بالعرض المسرحي. ثم يحدد الباحث صفات الفن الحديث بما يلي:
(جماعات فنية صغيرة منعزلة، بل معادية لبعضها بعضا قد تبتني برامج وتوجهات ايجابية، وتتصف بالتجزو والتشيع ويلازمها إصدار البيانات جنبا الى جنب العمل الابداعي). ثم يعرج الى النزعة التكنولوجيا وتاثيراتها وما انتجته فيقول: “وانتجت هذه النزعة ومنذ العشرينات مفاهيم وفكرا من قبيل (سوناتا الطائرة) لجورج اتثلي والشعر الكهربي لا نريكو برامبو ليني”.
ثم يتناول في هذا الصدد مايسمى بـ(البدائية) وعلاقتها بالمسرح والاسطورة وعلاقتها بالصياغة الطقسية للاحتفال المسرحي مرورا بجهود عالم النفس)يونج) وابرازه لما يدعى (البعد الجمعي) وجذوره في اعماق البشرية الاولى .
حيث كان يرى:”ان كل اشكال الاسطورة توجد في اللاوعي الجمعي كتعبيرات عن انماط نفسية اصيلة” . حيث اطلق على هذه الانماط ما يسمى (اشكالا اصلية). تعود ذاكرتها الى الطقوس الرافدينية (بلاد مابين النهرين) والفرعونية، واليابانية القديمة، والاغريقية (الديونسيوسية) وامتداداتها الراهنة عند بعض القبائل الاسترالية والافريقية والاسيوية وممارساتها لما يسمى عند بعضها بـ(الشامانية). ثم يعرج الباحث على بعض خصوصيات العرض المسرحي الطليعي قائلا:”قام العرض المسرحي الطليعي على طبقات غير مرئية في المسرح التقليدي، في نزوعه ضد المادية ودعوته الصريحة الى تبني الافكار الثورية المتطرفة ومنها الافكار الايدلوجية والسياسية التي بشر بها قادة ساسيون من نمط جديد يطرحون برامجهم الثورية على ارض الواقع مباشرة بفرض تغيره او اصلاحه”. وكذلك من هذه الخصوصيات هو ترصيع العرض المسرحي بذلك العنصر البدائي، لا من منطلق العودة الى الحياة (الهمجية) بل من داخل (متن) الثقافة الغريبة المعاصرة. بتاويل تلك الانماط والنماذج البدائية، وتوظيفها لاغراض مغايرة تبعا لحاجات عصرية قائمة. مما حدا بالمسرحيين انفسهم في فترة الستينات والسبعينات ان يستدعوا هذه البدائية مع تجريبهم الجمالي بهدف الارتقاء بالتقدم المهني في الفن المسرحي واشتغالاته. عبر ما طرحوه من اسئلة هامة ومركزية من قبيل: ما المسرح؟ ما المسرحية؟ من الممثل؟ من المخرج؟ ما العلاقة بين هؤلاء جميعا؟ الشروط التي تخدم تلك العلاقة بافضل صورة؟ وهنا نرى ان هذا الضبط والتقصي والدراسة العلمية المقنتة استدعتها ضرورة العصر الحديث في توجهه العلمي الذي سارت عليه ومعه، بالتوازي ووجوب العودة الى الاشكال الاولية او الاصلية التي نادى بها يونج في محاولة استبدال الانماط الدرامية السائدة بانماط درامية اخرى يعاد بناؤها من المبادئ الاولى.
ثم يعرج بنا الباحث الى علماء الانثربولوجيا وجهودهم والاستفادة منها خاصة في مجال علم النفس والاشتغالات رائد مدرسة التحليل النفسي(فرويد) واستفادته الكبيرة منها وكذلك استفادة الادب العالمي من هذه الجهود في مجال القصة والرواية. ثم ينتقل بنا الباحث الى موضوع جاء تحت عنوان (باختين) واهم ماجاء به من اراء شغلت مساحة تزيد على (6) صفحات.
حيث يعتبر هذا المفكر من رواد الحداثة الكبار في اعادة قراءة السرديات من وجهة نظر طليعية. ومن النقاط المهمة جدا في مشروعه ما اسماه بـ(الكرنفالية) فيما يخص الادب خاصة الرواية و الاعياد والاحتفالات الشعبية. وهنا نرى بوضوح ان روح الكرنفال منسوجة من جمع كل ما هو شاذ عن الذوق التقليدي الرسمي، وقبيح وممسوخ وما بين النيل البشري والتسفل الفردي، وبخصوص الادب فقد اطلق باختين امم (مونولوجية) اي احادية الصوت بوصفها سمة من سمات ذلك الادب الذي يعبر عن (الوحدة الارسطية) وعن صفاء الاجناس، اي استقلال النوع الماساوي -مثلا – عن النوع الملهاوي، وعدم الجواز في مزجهما. وكما هو معلوم فقد استفاد مما جاء به هذا المفكر مجموعة ليست قليلة من الادباء والكتاب المسرحيين من امثال (ب. بتيس) الإيرلندي، وصموئيل بيكيت وكوكتو واداموف ودوستوفسكي. وخلاصة ما اتى به هذا المفكر هو تحويل ديالوجية الوعي الى ما يسمى بـ(مونولوجيته). وهنا نصل ومن ثم يتناول الباحث اسماء مخرجين كبار مستعرضا اهم ما جاؤا به في مجال النقد والتنظير من امثال: ارتو وشيثنر وكروتوفسكي ومينوشكين وباربا وابيا واخيرا بروك ملقيا الضوء على تجاربهم المسرحية والتنظيرية بشيء من الايجاز. وهنا نرى من الضروري جدا التعريف – ولو بشكل مختصر – بهؤلاء المخرجين تعميما للفائدة.
واول هؤلاء هو ارتو وكيف ينظر هذا المخرج الى الممثل؟ ونرى ان الاجابة لدى الباحث تتمثل بما يلي: (الممثل لدى ارتو ، ليس ممثلا منفعلا ، متقمصا ضمن حدود دور تقليدي، بل هو لاعب رياضي على دربة العواطف).
وبخصوص توضيح الصلة بين الروح والجسد لدى الممثل يقوب ارتو: “فالميتا فيزيقيا تجد طريقها الى الذهن من خلال الجلد، ويتم تجسيد ديناميات الوعي في ايقاعيات مشهدية”. وهذا معناه ان الهارمونيات الخطية للصورة تؤثر على في العقل بشكل مباشر كلغة طقوسية تعيد اكتشاف العلامات الجسدية الكونية – اي العلامات الهيروغليفية – علامات تقوم على الصورة وكذلك في إعادة صياغة التعبير اللفظي في صورة (تعزيم) والتقلب بين مفهومي الشر والخير. ومن اهم مرتكزات تجربته المسرحية واهم عناصرها: البدائية – طقسية – قسوة – منظر مسرحي. ومن المعروف ان اهم هذه العناصر على الاطلاق هو القسوة. فالقسوة لدى ارتو هي قرينة للعنف في الحضارة الغريبة (الاوربية) مقارنة بالهمجية النبيلة، الشبيهة بهمجية (روسو) وهو الفنان الفرنسي البدائي، الذي تميزت رسومه بالغرائبية.
وقسوة ارتو تبرز في تمرده على الاخلاق المسيحية التي لم يتصالح معها، لانه يعتقد انها من اختراع نخبة تريد إخضاع الاخرين لنفوذها.
ثم ينتقل بنا الباحث الى المخرج شيشنر ومسرحه البيئوي، واولى خطواته في هذا الصدد هو توجيه سهامه نحو سلبيات الحركة الطليعية بوصفها تقوم على صياغة الصور الدينية اكثر من قيامها بتحطيم هذه الصور، وبوصفها راديكالية، ليس بالمعنى السياسي، بل في الكيفية التي تحاول بها الوصول الى الجذور. فبخصوص الممثل بومي شيشنر كل ممثل. بمتابعة الحوار الخاص به، مستخدما بالتفصيل تجاربه وذكرياته الشخصية، بل حتى اكثرها تفاهة وضالة.
ومن المعلوم – كما هو معروف – ان شيشنر اخذ مفهوم مسرحه (البيئوي) من طروحات كابرو عن الواقعية التمثيلية (هابيننج)، محاولا المزج بين الفعل المنظم، والاجزاء الدرامية المفتوحة. وبخصوص اهم تنظيرات ششنر والتي تحدد رؤيته بما يلي:( المسرح الطليعي والمراسم الدائية تقوم على مبادئ (الكلية) و(التعين) و(الخبرة المتعالية) والتاكيد على العرض بوصفه (عملية) وليس منتجا نهائيا … الا ان الصلة الحقيقية. بين المسرح الطليعي و المراسم البدائية تكمن. في مفهوم الجماعة. ويقصد بالجماعة – هنا – الجمهور فعن طريق العرض يتحولون الى جماعة. اما بخصوص كروتوفسكي فهو كنا معروف يربط الروحي بالجسدي بطريقة تدفع الى استكناه وتحرير للاشعور، ومن مقومات اشتغالاته المهمة فيما يخص التمثيل هو استبعاده قضايا اساسية في التمثيل التقليدي، تعد من خواصه، هي من الصفة التشخيصية بمعنى إسقاط الذات داخل اخر، بينما اصبحت (النصوص) بنى صوتية ذات تاثير تنويمي. وقد عمل كروتوفسكي على مايسمى بـ(الصورة الذهبية) ليعبر عن الانماط الاصلية الكامنة في روح المتفرج. وهي احدى تاثيرات العالم النفسي الشهير يونج عليه. بينما كانت (القسوة) في مسرحه صيغة للتعذيب والمعاناة وصولا الى (النشوة الروحية) التي يتم الوصول اليها عبر قمع الجسد. وهنا ننتقل الى المسرح الاسيوي وبالتحديد مسرح الشمس وصاحبته ومديرة مسرحه (مينوشكين) .
ما القداسة عند كروتوفسكي فهي – كما هو معلوم – تلك الحقيقة التي لا يتم بلوغها الا من خلال التمرد ، على اله شرير.
اما بخصوص اشتغالات الممثل لدى كروتوفسكي فيجملها الباحث بالاتي: (المبالغة في تحديد الحركات، واستبعاد الحركات الوظيفية او المحاكاتية المفتقدة للقدرة التعبيرية. كذلك استبعاد الايماءات المحددة للسمات الفردية المعبرة عن حالات انفعالية، والبحث عن تلك المعبرة عن الانفعال الخالص، وتجميد عضلات الوجه لتحويل الملاحم الفردية الى (قناع) ذي ملامح قاسية. وهنا ننتقل الى المسرح الاسيوي وبالتحديد (مسرح الشمس) ومديرة مسرحه (مينوشكين) والتي نرى ان الممثل الاسيوي هو خالق مجازات وهدفه هو فض كل مايعتمل داخل اي انسان. وهذا ما يؤشر اختلاف كليا مع المدرسة الطبيعية التي قوم عليها التمثيل الغربي والذي يهتم غالبا بالخارج اكثر من اهتمامه بالداخل.
اما بخصوص باربا والانثربولوجية المسرحية فنرى الباحث يعرفها بقوله:”دراسة سلوك الانسان عند استخدامه لحضوره الجسدي والذهني في موقف عرض منظم”. وكما هو معلوم فقد اطلق على مسرحه اسم (المسرح الثالث) في تواصل مع ثقافات العالم. وقد تم اختزال اسم محترفه او معلمه المسرحي بالرموز (lSTA) بوصفه معهدا دوليا للانثربولوجيا المسرحية، ومنهجه في ذلك تحليل المكونات عبر الثقافة للعرض المسرحي، طبق التقنيات والتوجه الفني الذي ينطوي عليه تراث كل بلد من بلدان الشرق الاقصى، والادنى منه، ومن اليابان والهند على وجه خاص. اما فيما يخص اشتغالات الممثل لديه فقد كان بالضد من مشاعر الاستغراق والمعايشة التي يقوم عليها التمثيل في الغرب، ولاسيما فيما قننه رائد الواقعية (ستانسلافسكي) من منظومته المسرحية عند التعامل مع الدور وخلق الشخصية، وكذلك توكيده على الفروق التي تطرا على الصوت عند النطق في الحياة اليومية وعند استخدامها في العرض المسرحي.
اما بخصوص الطقس فنراه يقول: “الطقوس البدائية هي اول اشكال الدراما”، اما بخصوص سبب تسمية مسرحه بالثالث وذلك ليميزه – كما هو معلوم – عن المسرح الرسمي والدراما الطليعية التجريبية.
وهنا نصل الى الحديث عن المخرج المعروف ادولف ابيا والمعروف ان هذا المخرج تاثر كثيرا في تجاربه الى ما توصل اليه دالكروز في مشروعه المسرحي الذي يلتقي فيه الجسدي بالذهني، واشتغالاته على اسماه (الرقص التوقعي) والذي هو نظام للتدريب الحركي، لاستشارة العواطف بواسطة الايقاعات الموسيقية التي تترجم الى خط واتجاه، وحركة ايمائية معينة.
وهنا نصل الى موضوع (بروك) في كتابه (المساحة الفارغة) حيث يتعرض الى مواضيع في غاية الاهمية مثل: التقليد الابداعي والسطحي والفرق بينهما، واهمية الشكل الفني، ومكانة المسرحي في العالم، وقوة المسرح، وظائف الرمز في العرض المسرحي، والعلاقة بين الجمهور والعرض، وعلاقة المخرج بالمؤلف، وعلاقة المؤلف بالمخرج.
ففي موضوع اهمية المسرح نراه يقول: “واحد من ادوار المسرح ان يترجم ما لا يمكن ترجمته”. وهذه واحدة من وظائف الاخراج المسرحي، اما حول الاخراج فنراه يؤكد على ان من طبيعة عمل المخرج هو الاشراف والتنسيق بين انشطة لا يمارسها، ويقصد بذلك ان لا حاجة للمخرج الى ان يكون ممثلا، او كاتبا، او راقصا، او مغنيا، لكن يتعين عليه ان يطور فنا مدهشا، هو لون خاص من البراعة. حيث نراه يشبه المخرج ببراعة قائد الفرقة الموسيقية. اما فيما يخص الممثل فنراه يقول:”ليس هناك ممثل يستطيع ان ينظر الى الشخصية التي يلعب دورها نظرة مراقب هادئ بل عليه ان يحسها من الداخل، مثل اليد داخل القفاز”. وبالنسبة لبروك فان الاهم عنده بالنسبة للممثل هو كل مايفهمه باعتباره – اي الممثل – هو الفاهم الكبير كما وصفه (لورنس اوليفيه). ومن اشتراطاته المهمة في اشتغالات الممثل نرى بروك يقول: “.. لكي يحقق الممثل خطته وقاص ويجعلها واضحة تماما يجب ان يتصف الممثل بـ(الذكاء اليقظ) والشعور الحقيقي، والجسد المتزن، والمتضبط، فالعناصر الثلاثة: الفكر والعاطفة والجسد، يجب ان تكون في انسجام تام ، … فالاحساس المرهف هو القاسم المشترك بين كبار الممثلين”.
وفيما يخص المسرح المقدس نرى بروك يقول:”ويقصد به – اي المسرح المقدس – ان هناك شيئاً اخر في الوجود، تحتنا، ويحيط بنا، وفوقنا، منطقة اخرى اكثر خفية ويحتوي على مصادر للطاقة قوية جدا، وهي منطقة ابعد واعمق من الشكل الذي نراه ونقرأه”. وفي كيفية كيف يتمظهر ذلك فنراه يقول:”ان ذلك يتجلى في غير المنظور الذي يضرب بجذوره في ذلك السكون الذي تظهر به كل انواع الايماءات المعروفة، وغير المعروفة، ومن خلال درجة الرهافة في الحركة.
وحول التجريب المسرحي فنراه يؤكد على انه مصطلح رئيسي في كل تجاربه الشخصية، وفي تجربة المسرح المعاصر بصورة عامة، ويجد ان القيام بالتجريب يمكن ان يخلق حقلا من الطاقة ونراه يمضي بالقول مستدركا:”… لكن القيام بالتجريب بشكل عشؤائي من اجل ذات التجريب يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية دون الوصول ابدا الى خلاصة مترابطة منطقيا، ان الفوضى او العشوائية لا تكون مفيدة إلا حينما تفضي الى النظام”.
يرى بروك ان المسرح هو محرك للصعود والهبوط في ميزان المعنى، وانه بمقام الحاوي المحايد، والذي يقوم باحتواء الرسائل، وعنده ان المسارح هي الصناديق، والصندوق ليس بمحتواه، تماما كما ان الظرف ليس هو الرسالة. وهذه هي خلاصة مايراه بخصوص المسرح وفاعليته واهميته.
وهنا نصل الى الفصل الثاني والذي حمل عنوان:(تقنيات الاخراج) وقد تناول فيه الباحث المؤهلات الشخصية والمهنية للمخرج، والاسس الفنية المشتركة بين الاخراج والفنون الاخرى، وسائل المخرج، ما يتطلبه المخرج من الممثلين اضافة مواضيع اخرى ذات صلة. وهنا نرى ان الضرورة العلمية تختم علينا ان نستعرض بعض هذه المواضيع ولو بشكل موجز ، وعليه نرى من هذه المواضيع هو الخصائص والمؤهلات الشخصية للمخرج ويلخصها الباحث فيما يلي:
1-قدرة المخرج على تحويل الانطباعات الحسية الى صورة ملموسة على الركح (خشبة المسرح) وهذه ما نطلق عليه اسم(الموهبة الاخراجية).
2-ثقافة موسيقية عريضة يوظف المخرج من خلالها افكار فلسفية وادبية وسياسية ودينية واجتماعية ونفسية … الخ لشحن تلك الصورة المسرحية بدلالات ومعان خاصة وباسلوبه الشخصي(أي رؤيته الابداعية).
3-تمتعه بقدرة قيادية للافراد والمجاميع .
4-اجتماع هذه الاسباب يحقق للاخراج اثرا بارزا وانطباعا قوية على طبيعة تلقي الجمهور للعرض سواء كان عذا الجمهور بصفة انفار او مئات من الناس في مساحات ضيقة أو مفتوحة .
اما فيما يخص الاسس الفنية المشتركة فهي:
1-التهور:وهو الاحساس الذي تصنعه تجربة الانسان ونمط الجماعة فيكون عن هذه التجربة انطباعا في ذاكرته وضياله (اي ان المخرج يحس بما يتصوره).
2-التكنيك:ويعني بناء مشكل للعمل الفتي وفق مبادئ ذلك العمل، بمعنى ان المخرج يبني شكلا فعليا تطبيقيا وليس تصورا زمنيا فقط .
3-الوحدة:وتعني ان الحكاية المسرح تتشعب، وانما تتقيد بموضوع واحد ثابت. بمعنى ان المخرج يقدم موضوعا محددا .
4-الترابط:اي ان لكل شخصية دوافع وافعال على المخرج ان يراعيها.
5-التأكيد:ان يعطي المخرج الجزء الاهم اولوية ثم الاقل اهمية، بمعنى ان يعطي الاحداث حجمها الفعلي في الزمان والمكان .
6-التناسب:بمعنى ان يعطي المخرج الاجزاء الاقل اهمية مكانا وزمانا أقل من تلك التي الاكثر اهمية .
7-إعادة الترتيب:بمعنى ان لا تبقى الاجزاء الاقل اهمية بمعزل عن الجزء المهم (المخرج يبني تكوينا).
8-التكثيف:يلجا المخرج لخلق تاثير درامي عبر وسائل متنوعة مثل: التضاد غير المتوقع – الحركة والاحداث – النغمة – نبض اللون .
اما عن وسائل المخرج فنرى الباحث يلخصها بما يلي:
1-التشكيلات:وتعني التشكيلات والمجاميع البشرية، اي الحشود الموزعة على مناطق المسرح .
2-الحركة:حيث تقوم المجاميع ببعض الحركات، تنتقل فيها من مكان الى اخر حسب ما يرسمه المخرج لها .
3-الشغل:وابرزه واشهره المبارزة، وهو يعبر عن فكرة معينة تصل الى الجمهور بطريقة شعورية واعية، من خلال حركة أو عدة حركات.
4-تعبيرات الوجه .
5-الاصوات:وتتمثل في
أ-نبرات الكلام(الحوار)
ب-الموسيقى
ج-المؤثرات الصوتية.
6-المناظر المسرحية(الديكور):وهي وحدة اساسية في فنية العرض المسرحي، الجمالية والدرامية، ومن وظائفها ، السينوغرافية :
1-إظهار معاني العرض العميقة عبر الخطوط والالوان .
2-تكملة النص النظري باظهار الجزء العملي في العرض، بعد ما كان وهميا لاحضور له في النص سوى بالإشارة اللفظية .
3-خلق الحياة، ومحيط حيوي للشخصية ولتعبيرها الاشاري والانفعالي والفكري.
4-الايحاء بالحالة النفسية واعداد الحو الملائم للمشاهد لمعايشتها والاندماج (التناغمي) في مكونات العرض.
اما بخصوص وظائف المنظر، فقد حددها
(جون دولمان) بالاتي:
1-التغطية .
2-التجميل .
3-الايحاء بالحالة النفسية .
4-الايحاء بالمكان .
5-تصوير المكان .
وهنا نصل الى موضوع في غاية الاهمية وهو الريبوتوار ونعني به التنظيم الزمني والمكاني للعروض المسرحية . علما ان هذه الكلمة تعطي معنى السجل او الارشيف او الطريقة التي يتم فيها تنظيم العروض وفق زمان وكان معينين حسب الموسم المسرحي لكل عام . ومن فوائده:
1-تنمية الوعي الجمالي المسرحي(الاحترافي).
2-إشاعة الثقافة الفنية والعامة لدى الجمهور، لانها تلعب دور المدرسة الشعبية المفتوحة .
3-تنشيط الفاعلية المسرحية، وتطويرها والارتقاء بها، والحفاظ على الاستقلال المهني للعاملين .
4-تحفظ جهود المبدعين السابقين وبذلك تغذي الوعي الجمالي للعاملين الفنانين من جهة وللجمهور من جهة ثانية .
5-تنشط وسائل الاعلام وتغذيها بمواد صالحة للبث ومخاطبة الوجدان الشعبي العام .
6-تضيف ماهو مبتكر ومؤثر الى المسرح العالمي في تجربته التطبيقية والنظرية.
وهنا نصل الى موضوع القيم الدراماتيكية وخصائص الدراماتيكية – ومن المعلوم ان الدراماتيكية الفنية هي صفة تطلق على(النص الدرامي) لمواصفات فنية خاصة به تميزه عن غيره من النصوص الادبية المكتوبة الرواية والقصة والشعر … الخ .
اما عن خصائص الدراماتيكية فتعتمد على:
1-البعد الفكري: ويتمثل في الجانب الايدلوجي والموقف الاجتماعي والحقائق النفسية التي تخاطب فكر وعقائد نفسية الجمهور وتنطلق من موقف اجتماعي خاص ومميز.
2-البعد العاطفي: ويتعلق بمشاعر واحاسيس وعواطف الشخصيات الدرامية والبعد الوجداني للعرض .
3-البعد الجمالي: ويتحقق من خلال : عناصر الجو النفسي، والشخصية، والمنظر (الديكور) وحركات المجاميع، والسمع الفني.
وهنا نصل الى اخر موضوع في هذا الفصل وهو بعنوان (تجربة المخرج التونسي محمد ادريس). وفيه يتحدث عن تجربته في الاخراج واهم ما يميز هذه التجربة. وهنا يستقر بنا المطاف الى الفصل الثالث وعنوانه: (المظاهر شبه الدرامية في التراث العربية) وموضوعه الاول (الملامح الدرامية في العصر العباسي). ففي هذا الفصل تناول الباحث: مقامات الحريري، ورسوم الواسطي، وبعض اراء الجاحظ والتوحيدي والحصري والقرواني والنفري، وتحاشيا للاطناب والاسهاب نجمل هنا اهم نتائج البحث:
1/ اتسم التراث الادبي والادائي بملامح درامية ومظاهر فرحة، اشتغلت عناصرها بشكل منعزل عن الاخرى، ولم تتفاعل لانتاج نمط مسرحي على الطراز الغربي (واليوناني)على الوجه الاخص .
2/ ان كتابات الجاحظ والتوحيدي والنفري وسواهم، اقتربت من حدود (الدرامية) ولكنها لم تكتب من اجل تحقيقها عمليا للمشاهدة من قبل الجمهور يرقبها، وان حفلت بتقنيات درامية كالذي وجده الباحث لدى الجاحظ.
3/ مقامات الحريري اقتربت الئ حدود النص (شبه الدرامي) لما فيها من شخصية محورية، وشخصيات ثانوية واجواء عامة، وفكرة صراع، ولكن طغت المحسنات اللفظية على طبيعة الافعال التشخيصية ونموها الداخلي وحبكتها العامة .
4/ عرف العصر العباسي مهارات ادائية مثل التقليد بالوجه والجسد والاشارة والرقصة مع العبارة، وظهرت اسماء خاصة لكل ضرب منها واجواق، ولكنها لم تجتمع معا في قيام تجربة مسرحية مقصودة .
5/ حقق الواسطي ارتقاء في المخيلة الاخراجية، ولكن على مستوى سطح اللوحة بما قدمه من تاويلات للمقامة قربها كثيرا من ظاهرة العرض المسرحي التي لم تتم او تنجز فعليا، ويبقى النص منفصلا عن اطار اللوحة التي يقوم بها البشر(الممثلون بتقديمها امام الجمهور).
6/ تعد المقامة الحريرية ورسومات الواسطي بمثابة ذاكرة قومية يفيد منها المسرحيون لوضع شكل خاص من بين اشكال ابداعية اخرى للمسرح العربي المعاصر .
وهنا نصل الى الفصل الرابع والذي حمل عنوان (تعامل المخرج مع النص المسرحي في التطبيق المسرحي) ويسلط الباحث فيه عن الحوار وما يتعلق به من تفاصيل من امثال: شفافية الحوار، الحوار وتمركز العواطف، صورة الحوار في العرض، البعد الفلسفي للحوار، المنهج الماساوي الجديد للحوار، الحوار والقناع، شرطية الحوار الشعري، الحوار وطباع الشخصيات ،حوار الصمت وحوار الموسيقى، الزمان والمكان في الحوار، الشكل الجديد للحوار، وقد طبق الباحث هذه المواضيع وقام بتحليلها في عرضين مسرحيين هما: (الغوريلا ليوجين او نيل والثاني موزارت وساليري) ليوكشين. وهنا نحط الرحال امام موضوع اخر هو (نموذج من المسرحي العراقي: فردوس ماكبث وجحيمه) وفيه يتناول الباحث عرض ما كبث للدكتور الفنان صلاح القصب – وكنت من ابطالها – بالنقد والتحليل امتد لاكثر من(6)صفحات.
ويختم الفصل بموضوعين اخرين هما: (جواد سليم يرتقي برج بابل) وهي من تاليف واخراج الباحث، و(نموذج من المسرح الليببي: (رماد الزمن). وقد قام الباحث بقراءة نقدية للعملين مسلط وكاشفا عن التجربة المسرحية بكل ما تحمله ويشكل شامل لكل جوانب التجربة الابداعية المسرحية وصانعيها.
ويستقر بنا المطاف هنا الى الفصل الخامس والاخير من هذا الكتاب وعنوانه: (الاعراف الابداعية للعرض) منطلقا من فرضية الارديس نيكول في كتابه (نظرية الدراما) القائلة: “هل تقرر النهاية نوع المسرحية؟ بمعنى اخر، هل ان هذه النهاية ان كانت مفرحة فهي (ملهاة) وإن كانت حزينة فهي (مأساة)؟”.
ثم يمضي بنا الباحث الى استعراض وحدات ثانوية من الملهاة منها: الفارس(المهزلة)،الملهاة الرومانسية، الملهاة الطرازية، الملهاة المهذبة، ملهاة الدسيسة، والمواضيع الاربعة الاخيرة من هذا الفصل والكتاب فقد خصصها الباحث للجهد المسرحي المحلي مبتدءاً إياه بموضوع (هوية الاشكالية والانفتاح على اديم وطني) وفيه يسلط الضوء على ثنائية (الثقافي والشعبي) وبالتحديد ما يحلو لبعضهم تسميته بـ(المسرح الجماهيري).
ثم ينتقل بنا الباحث الى مواضيع من امثال: (في تكريم الفنان سامي عبد الحميد)، (غنائية يوسف العاني وملحميته)، (ابداع المسرح في تجديده) وفيه يستعرض تجارب مسرحية عراقية لفنانين كبار من امثال سامي عبد الحميد ويوسف العاني وحاسم العبودي وبدري حسون فريد وقاسم مخمد وجعفر السعدي ومحسن العبودي وغيرهم مبرزا لجهودهم في تاصيل واثراء الحركة المسرحية محليا وعربيا. بقي ان نقول ان هذا الفصل هو إصغر فصول الكتاب مساحة.
* محمد محسن السيد / مدير مركز العراقي للمونودراما