في اليوم الوطني للمسرح
يمر اليوم الوطني للمسرح دون رائحة ولا أثر، ودون كثير ضجيج، هو يوم كسائر الأيام لا يتوقف المرء فيه عن المشي في الأسواق، وقضاء المآرب اليومية، وحدهم بضعة فنانين موزعون هنا وهنا حول موائد في مقاهي شعبية، يرددون فيما بينهم أسرار واقع الممارسة، و أما الطيبون والطيبات منهم فيتبادلون التبريكات والتمنيات عبر الوسائط الاجتماعية يظهرون خلالها أسنانهم تعبيرا عن فرح مفتعل وعن احتفال مصطنع.
في هذا اليوم 14 ماي جل قاعات مسارحنا غير مضاءة، فنانونا ينظرون بأعينهم إلى الأعلى، يلفهم صمت الحسرة البادية على وجوههم. ..كلام كثير في يوم عيد صامت، و أخرس، عيد بلا صخب اللعب ترك في الجوف أسى وحسرة بدل أن يفضح الاحتفال والفرح واقع يومنا هذا. بناء عليه يرغمني قلمي أن أخط ما يطفح به الخاطر إزاء قضايا مسرحنا المغربي، ولأنها قضايا لا أول لها ولا آخر، فإن خطي لا يستطيع غض الطرف عن مسألة أساس هي الموسم المسرحي ..
الموسم المسرحي
ولعل قضية الموسم المسرحي من أغرب قضايا مسرحنا خلال السنين الأخيرة، هي القضية التي لا تفتأ تربك حسابات الوزارة وحسابات الفرق المسرحية، بل والعملية الإنتاجية رمتها.
ونحن نعتقد أن انتظام زمن الموسم المسرحي أساس كل نهضة مسرحية، وضرورة لكل تطور مسرحي، لأنه يشكل الخلفية التنظيمية المعمول بها في كل دول العالم، خصوصا وأنها تسهم في حصر الإبداع السنوي كميا، لفرز إضافاته وجديده. وبدون مواسم منتظمة في الزمان والمكان لن نتعرف التراكم الإبداعي، فيفقد الكاتب والمخرج والممثل وزملاءهم حدود تطور ممارستهم، وتنمية منتوجهم. ذلك أن إبداع الموسم بكامله يعد لحظة إبداعية تندرج في إطار سيرورة متنامية عبر المواسم المتتالية بأيامها وشهورها وسنواتها. وإذا كان العمل الواحد يعرف تطورات متلاحقة خلال الموسم الواحد، فإن الأعمال كلها خلال الموسم الواحد تشكل سلسلة متلاحقة ينبغي – أو هكذا يفترض – أن تكون سلسلة حلقات تتطور بالتدريج باعتبارها سلسلة تمارين مستمرة لمهارات الفنان وقدراته وبحثه وتمرسه واحتكاكه بالجماهير.
إن موسمنا المسرحي لم يستطع الانضباط لعقارب زمننا المسرحي، ونحن نعتقد أنه الموسم المسرحي الوحيد في العالم الذي لا يزال متقلبا تقلب الدهر، وهو في أحسن أحواله موسم لا يتجاوز شهرين أو ثلاثة شهور إن استظهرنا كامل الاستظهار، ولكأني به يسعى إلى كبح جماح الإبداعات المسرحية المغربية، هو بذلك عدو داخلي يأبى أن يحدد بداية النشاط المسرحي ونهايته، حتى أضحى الأمر مألوفا، يكاد المسؤولون والمبدعون معا لا يلتفتون إلى القضية رغم خطورتها، ففي المواسم الماضية لم تنته اللجنة من أشغالها إلا في الصيف وإن شئت اللفظة الصحيحة في “موسم الحصاد ؟” بعد أن انتهت كل المواسم الأخرى: كالموسم الجامعي، والموسم الدراسي، والفلاحي، والثقافي والسياسي وغيرها كثير، حين يتأهب الناس/الجمهور للراحة والسفر أو على الأقل الاستراحة بعدما قضوا شهورا طويلة دون مسرح. وحين يعود الجميع تبدأ اللجنة أشغالها في جولات ماراطونية يجري أفرادها في كل الاتجاهات للملمة عروض للمهرجان الوطني، ورفع تقارير للدوائر المسؤولة عن الدفعة الاولى من الدعم، وأما الثانية فعليها انتظار الموسم الموالي.
لقد خلق الدعم المسرحي فوضى حقيقية للموسم المسرحي زاد من ارتباكه زمن صرف الاعتمادات للفرق، حيث تبقى الفرق تحت رحمة حزمة أوراق تتوزع بين الفرقة والوزارة الوصية، و وزارة المالية التي يظل المسرح المغربي آخر ما تفكر فيه، هي أجندة عمليات تحول العملية الابداعية إلى مهزلة مقرفة لأنها تفشل المشروع الوطني الإبداعي، وتعطل عمليات تكوين الجماهير المتعطشة للمسرح، وتسيء للزمن الثقافي المغربي.
إن اضطراب الموسم المسرحي المغربي سواء بتأخر انطلاقته، أو تعثر بدايته، يفقد العملية المسرحية عامل الانتظام والنظام، ويشوش على موقع المسرح في خارطة الفنون المغربية، وربما دفع الكثيرين إلى فقدان عادة التردد على المسارح وضعف الحضور للقاعات وتتبع العروض وبالتالي فك الارتباط بين الفن وأصحابه وبينه وبين جمهوره.
إن الجميع يعلم أن شمس الحقيقة لا يمكن أن يخفيها غربال الواقع المرتهن بحقيقة مرّة اسمها “الدعم”. لذلك كانت الانعطافات التي عرفها مسرح الهواة خلال عقود مضت اتكأت على أكتاف أصحابها باجتهادات خاصة في الكتابة والإخراج والديكور والتشخيص وغير ذلك، في محاولة من ذلك الجيل اللحاق بركب المسرح كما مثلته نماذج طليعية غربية في عقدي الستينات والسبعينات، وأما الجيل الجديد فقد حقق انعطافات متتالية هي أكثر عددا، وأعمق أثرا.
نحن هنا لسنا إزاء مفاضلة، ولكننا نود التأكيد على أننا إزاء مرحلة جديدة انبنت بالضرورة على مراحل سابقة أرسى بعض الهواة طريقا خلالها، وعبدوا مسارا ما فتئ يتنامى ليفرز اليوم جيلا ما فتئ إبداعه يتنامى نحو آفاق أكثر احترافية أو هو في طريق الاحتراف الحقيقي إن شئنا الدقة.
إننا نؤمن أننا في وضع مسرحي لن يستقيم ما لم تتم مراعاة جملة أمور على رأسها التعامل الجدي مع قضية “الموسم المسرحي” وأما القضايا الأخرى الكثيرة فلطالما كتبنا عنها وسنظل نعيدها ونلح في تكرارها إلى ما شاء الله من حياتنا الدنيوية ..إيمانا منا أن أهم مظاهر ازدهار المغرب وتطوره يكمن في احترام الزمن، فاحترامه كفيل بتحقيق “ازدهار الحركة المسرحية الوطنية” التي تعد من وجهة نظر الكثيرين مقياس تقدم الوطن…