قليلة هي المصادر التي تتناول الدراما النسوية العربية وتسلط الضوء عليها وعليه، لهذا الموضوع يجد فقرا واضحا في هذا الموضوع الخصب من المسرح وخاصة في مجال الكتابة فيه. ويأتي كتاب “الدراما النسائية .. في المسرح العربي الحديث” الكاتبة الدكتورة ميسون حنا نموذجا للباحثة رؤذان انور مدحت ليغني موضوع البحث بحفرياته العميقة والكاشفة عن الكثير من القضايا الفنية ذات الصلة وتبين الباحثة سبب اختيارها موضوع ( الدراما النسائية ) فتقول موضحة:” وقع اختيارنا على الموضوع لدوران اسئلة كثيرة في اذهاننا حول الدراما النسائية وكيفية دخول المرأة في هذا المجال واسباب تخلفها في الدخول الى عالم الدراما واسئلة كثيرة حول عدم استمراريتها في الكتابة لهذا الفن وحده فمعظم كاتبات المسرح من النساء يكتبن القصة والرواية اضافة للمسرح وكثيرا ما يتركن الدراما ويتوجهن الى الاشكال السردية الاخرى وهذه الاسئلة قد وجهتنا الى البحث هن اجوبة لها ، ولهذا قمنا باختيار هذا الموضوع ” .
وعن اختيارها لأنموذج مسرحي انثوي فتقول الباحثة: “لفهم موضوعنا على نحو دقيق كان لزاما علينا اختيار انموذج مسرحي انثوي، من هنا وقع اختيارنا على كاتبة اردنية ذات جذور فلسطينية، بدأت بممارسة الكتابة المسرحية منذ ثمانينيات القرن العشرين اي انها من اوائل من مارسن الكتابة المسرحية في العالم العربي”.
اما الكتاب الذي توزع على (176) صفحة من الحجم الكبير فقد استهل بتمهيد وفصول ثلاثة وضم التمهيد موضوعين هما، الأول (المرأة والأدب والدراما ) والثاني (المسرح في الأردن) فقد بينت فيه الباحثة اهمية المسرح ومما جاء فيه :” المسرح رسالة هادفة يعبّر عن المجتمع بكل اشكاله الاجتماعية والانسانية، نشأت عن بعض الطقوس الدينية والاحتفالات الشعبية، وكان الانسان البدائي يؤدي الرقصات وهذه الرقصات كانت بمثابة الطقوس الدينية التي من خلالها يتحدث الى آلهته لكن بلغة الحركة”. ثم تعرج بنا الباحثة الى موضوع في غاية الاهمية هو سلب حقها في الكتابة للمسرح ومطالبتها ان تؤدي واجباتها الانسانية ندا للرجل وان تمارس حقها الانساني في ذلك مرورا بالمشكلات والظروف التي عاشتها وواجهتها في سبيل هذ القضية المهمة جداً، وخير مثال على كل ذلك تكر الباحثة واقعة احدى الاديبات المشهورات وهي (جورج صاند) وموقفها الكبير والمؤثر بوجه الآخرين من اجل حقا الانساني في الكتابة وحرية التفكير والحياة .
وكذلك تذكر الباحثة قصة زميلتها في الابداع النسوي (اميلي برونتي) واضطرارها للكتابة بأسماء مستعارة، خشية من نبذن من لدن عوائلهن او من قبل المجتمع .
ثم تنتقل الباحثة لتسلط الضوء على دور المرأة في المجتمع العربي والاسلامي على الرغم من الصعوبات في النتاج الادبي آنذاك وتذكر نماذج لتلك المبدعات من امثال المشهورة الخنساء وليلى الاخيلية ورابعة العدوية وولّادة بنت المستكفي بالله وهي اميرة وشاعرة وصاحبة اول صالون ادبي في الاندلس وصولاً الى النماذج النسوية العالمية في مجال الرواية من امثال (جين اوستن وفرجينيا وولف) .
عبر تسلسل زمني تدريجي كانت بطلاته من المبدعات العربيات المعروفات امثال (سميرة عزام ـ بنت الشاطئ ـ وداد سكاكيني ـ نوال السعداوي ـ سلمى الحفار ـ صوفي عبد الله ـ جاذبية صدقي ـ هند سلامة ـ غادة السمّان ـ مي زيادة). وهنا نصل الى الموضوع الثاني من التمهيد وهو بعنوان “لمرأة في المسرح” وفيه تحاول الباحثة الوقوف على اسباب غياب المرأة عن دنيا المسرح بحسب تدرّج تاريخي يبدأ من اليونان وكيف كان الرجال من يقوم بأدوار النساء باستخدام القناع بذلك مروراً باليابان والصين والمجتمع العربي وعد صدر الاسلام والعصر الأموي والعباسي وهولاكو الى التاريخ الحديث وظهور اول امرأة عربية تمثل على خشبة المسرح وهي (مريم السمّاط ) ولك عام 1907 وهي مصرية قبطية والتي لم تستمر طويلاً بسبب ضغط الكنيسة القبطية عليها، وفي العام نفسه مثلّت اول امرأة مسلمة على الخشبة وهي (منيرة المهدية) .
وبخصوص المسرح في العصور الوسطى ودور المرأة فيه فتذكر الباحثة ما يأتي : “تعد الراهبة هرو سفيتا في القرن العاشر اول من كتبت المسرحية فقد كتبت مجموعة من المسرحيات قدمت صوراً لانتصار المرأة على الرجل باسلوب فكاهي ساخر، وهناك ايضاً ( الزابن) في القرن السابع عشر ومسرحيات ( كورانواث) في القرن التاسع عشر اللتين عبرّتا في مسرحياتهما عن مشاعر الحيرة والارتباك في حياة المرأة. ثم تنتقل بنا الباحثة الى الجهد المسرحي العربي تذكر اسماء مبدعات عربيات كبيرات من امثال (أسمى طوبي) وهي من اصل فلسطيني ومن مسرحياتها “نساء واسرار” التي كتبتها عام 1926، وفي نفس الفترة صعدت المرأة الفلسطينية خشبة المسرح، مروراً بفترة الاربعينات وجهود المرأة الفلسطينية متمثلّاً بتأسيس فرقة مسرحية نسائية ويبرز هنا اسم (سميرة غندور) كرائدة للعمل المسرحي آنذاك. وظهرت فيما بعد (ايمان عون) مخرجة وممثلة ومؤلفة، مروراً بالكاتبة السعودية (ملحة عبد الله 1957) وهي اول كاتبة مسرحية في المملكة العربية السعودية ولقبت بـ (عميدة المسرح السعودي) وهي اكاديمية وحاصلة على الدكتوراه من لندت في مجال المسرح وقد كتبت ما يقرب من (22) مسرحية، ثم تستعرض الباحثة جهود الكاتبات المسرحيات على مستوى العالم العربي بدأ بمصر حيث يبرز اسم (فتحية العسال) ومن نصوصها (البين بين ، الخديوي ، ساعة الصفر، سجن النساء، ليلة الحنّا، ومسرحيات اخرى ، وهناك المصرية الاخرى وهي ليلى عبد الباسط ومن مسرحياتها ( ازمة شرف ، ثمن الغربة ، بعد طول غياب ). ثم تعرج الباحثة الى العراق مذكرة بعدد من الكاتبات منهن : عواطف نعيم، والكاتبة لطفية الدليمي، فريال كريم، رشا فاضل، وهنا نصل الى موضوع (المسرح في الأردن) حيث تعرّف الباحثة بالمحاولات المبكرة الأولى من مرحلة التأسيس ودور النشاطات الطلابية والجامعية في ذلك مروراً بفترة السبعينات وبروز شريحة المسرحيين الاكاديميين آنذاك. وهنا نصل الى موضوع البحث الرئيسي وهي الكاتبة (ميسون حنا) التي عرّفت الباحثة بها عبر صفحتين حول ما يعتمل في ذهنها حول البدايات والمعوقات وشيء من السيرة الذاتية وما تعني لها الكتابة للمسرح، وبهذا نصل الى ختام المقدمة او التمهيد والذي جاء طويلاً شيئاً ما حيث وصل عدد صفحاته الى ما يقرب من (40) صفحة.
وهنا نصل الى الفصل الاول من هذا الكتاب والذي حمل عنوان “مسرح الف ليلة وليلة” وضم مدخلاً امتد على ما يقرب من ست صفحات تناولت فيه الباحثة اهمية حكايات الف ليلة وليلة واستلهام كتّاب المسرح لها و الاغتراف من معينها الشيء الكثير خاصة فيما يتعلق بكاتبتنا ـ موضوع البحث ـ حيث اتخذت من الحكايات اطاراً عاماً لمسرحيتها “عازف الناي” كما استوحت شخصيات من الحكايات في مسرحيتها “مقتل شهرزاد” . وفي الوقت نفسه استوحت مواقف من الحكايات كما فعلت في مسرحياتها “مدينة الرهان” و “الدوامة” و”الحلم”. وهنا تنتقل بنا الباحثة وبشيء من الاسهاب لتناول المسرحيات اعلاه والوقوف عند حكاياتها ومواضيعها وحبكتها وحواراتها ولغتها عبر مصاديق منتقاة من السرد المسرحي بخصوص كل منها. اما المبحث الثاني فقد تناولت الباحثة شخصيات من الف ليلة وليلة متمثلة في مسرحية “مقتل شهرزاد”، ومعروف للجميع ان مجموعة ليست بالقليلة وظفوا هذه الشخصية في كتاباتهم امثال توفيق الحكيم في مسرحيته “شهرزاد” وعلي احمد باكثير في مسرحيته”اسر شهرزاد” ، مروراً بما ابدعته كاتبتنا في لمستها الجديدة مستخدمة الخيال الفنتازي او العلمي وليس التكنيك التقليدي بمعالجة هكذا مواضيع. ثم تنتقل بنا الباحثة الى تناول شخصية اخرى هي السندباد وهو ايضاً شخصية لا تقل حضوراً عن سابقتها وقد تناولتها الباحثة بالتحليل على مدار ما يقرب من صفحتين، وهنا نصل الى المبحث الثالث والاخير من هذا الفصل وهو يتناول مواقف من الف ليلة وليلة متمثلاً في المسرحيات اتية “مدينة الرهان والدوامة والحلم ” متناولة كل مسرحية على انفراد عبر تفكيك حبكتها وشخصياتها وصراعها. والمسرحية ما قبل الاخيرة في هذا الفصل هي “الدوامة” وقد استلهمت الكاتبة من حكاية “الصياد والعفريت” من حكايات الف ليلة وليلة ودور المصباح السحري في الاحداث وموضوع المسرحية هو ( العبودية)، عبودية الانسان للمال وحب الامتلاك والعطش الى المزيد والمزيد . وهنا نصل الى المسرحية الاخيرة وهي “الحلم” وهي مسرحية رمزية نوعاً ما مستفيدة من حكاية الحمّال مع البنات في صياغتها عبر صراع الخير والشر. وهنا تأخذنا هذه السياحة المعرفية والجمالية الى الفصل الثاني والذي يحمل عنوان “المسرح الواقعي” متناولاً المسرحيات التالية: (شباك الحلوة، الشحاذ حاكماً ، العهد) حيث تعرّف الباحثة بمقدمة تعريفية بالمسرح الواقعي والواقعية واسامات الكاتب الكبير ( هنريك ابسن) البارزة في تأسيسها المذهب المسرحي، ثم تنتقل بنا الى مسرحية “شباك الحلوة” وفيها تعالج الكاتبة وضع المرأة في المجتمع الذكوري او الأبوي، وقد ربطت الكاتبة قضية المال بقضية المرأة ربطاً وثيقاً متيناً لأن المال اهم سند في استقلالية المرأة وثقتها بنفسها، حيث شغل هذا الموضوع ما يزيد على عشر صفحات. وهنا نصل الى المبحث الثاني وهو يتناول مسرحية (الشحاذ حاكماً ) تتناول المسرحية صراع الطبقات والتناقضات والاضداد التي تكون نتيجة حتمية لهذا الصراع متمثلاً بشخصياتها، الشحاذ، الغانية، البرجوازي، المتسول، الشاب، التقي)، وما تريد قوله المسرحية ان الصراع مستمر بين من يملك المال ومن لا يملك حتى ان يختار طريقة عيشه، والمبحث الثالث والاخير في هذا الفصل يتناول مسرحية “العهد” وهي مسرحية اجتماعية تتمحور حول افكار من قبيل العبودية والحرية والموت والحب وعدم الالتزام بالوعود، وموضوعها الأساس هو العبودية عبر شخصياتها (السيد والسيدة والتابع) وهنا نصل الى الفصل الثالث والاخير من هذا الكتاب وموضوعه المسرح الاسطوري ـ التاريخي مبتدأ بما معروف بمقدمة تعريفية حول الاسطورة واهميتها وتوظيفها للدراما، وقد افادت الكاتبة من الاسطورة في مسرحيتها “حكاية توت” كما استفادت من احداث التاريخ في مسرحيتها “كاهن المعبد” كما تناولت التاريخ بشيء من التعريف الموجز وكيفية توظيف في كتابة الدراما الناجحة.
وهنا تأخذنا هذه السياحة المعرفية والفكرية الى المبحث الاول وفيه يتناول مسرحية “كاهن المعبد” وهي مسرحية سياسية نقدية تقوم على استبداد الحكام ومكائدهم واستغلالهم، مستخدمة التاريخ كقناع ناجح، غير شخصياتها الكاهن والحاكم والوزير والمستشار والقاضي، وهنا نصل الى المبحث الثاني وهو مسرحية “حكاية توت” وهي مسرحية الصراع الذي خلّفه كلكامش للانسان بحثاً عن الخلود، حيث اختارت الكاتبة زمن الفراعنة زمناً للأحداث وفيه صورت الكاتبة عشق الانسان للآلهة، وتقبّل الآلهة لهذا العشق واعطاء هذا العاشق الخلود ممثلاً ذلك بشخصياتها (ايزيس وتوت وفرعون والوزير والكاهن)، واخيراً نصل الى الخاتمة وهي ما تمخض عنه نتائج من اهمها :
1ــ ان الدراما كانت فن الرجال قروناً عدة .
2ــ غياب المرأة عن الكتابة المسرحية لأنها لم تجد اناً تصغي الى ما تقول وهناك اسماء نسائية كثيرة اختفت بسبب التستر عليها تحت اسماء مستعارة
3ــ منعت المرأة من الاداء المسرحي حوالي نصف قرن، مما اضطر بعضهن ان يتقمصن بقناع الرجال ويمثلن وكأنهن رجال .
استلهمت الكاتبة ميسون حنا حكايات الف ليلة وليلة، لأن المسرح كما يرى الكثيرون ــ حياة ثانية ــ.
كانت الثيمة المميزة بين حكايات الليالي والمسرحيات هي نقد الحكام والسياسيين، ونقد التقنّع باسم الدين .
اكدت الكايتة في اكثر من مسرحية ان افعال الانسان تحددها القوى الاقتصادية، كما في مسرحية “الشحاذ حاكماً” .
تؤكد الكاتبة قضية العادات والتقاليد في الحكم، اوفي النظر الى المرأة في المجتمعات الشرقية كما في مسرحية “شباك الحلوة” .
استطاعت الكاتبة ان تؤكد لنا ان الاديب يستطيع خلق تاريخ يكون اكثر صدقاً من التاريخ المدون كما هو الحال في مسرحية “كاهن المعبد” .
وفي الختام لا يسعنا الا ان نشيد بدور الباحثة على جهدها المتميز ومثابرتها الكبيرة وهي تأخذنا بسياحة معرفية وجمالية متفردة .