إنَّ فوز عرض مسرحيَّة (تكنزا…قصَّة تودة) بجائزة أفضل عرض مسرحيّ يجعلنا نبحث في مضامين هذه المسرحيَّة الفُرجويَّة، التي استُلِهمت مفرداتها من التُّراث المغربي الصحراويّ
تسرد المسرحيَّة قِصَّة فتاة تُدعى (تودة) كانت تعيش في جنوب المغرب، إلَّا أنَّ مُغريات الحياة كفتاة، جعلتها تبحث عن الحُرِّيَّة في المدينة، والتي كانت تتصوَّر أنَّها إذا هاجرت للمدينة فإنَّها ستتمكَّن من تحقيق أحلامها…إلا أنَّها تفاجأت بأنَّ الحياة في القرية كانت أفضل بكثير، لذلك قرَّرت العودة لأهلها واحترام تقاليدهم وفكرهم.
قُدِّمت المسرحيَّة برؤيةٍ فُرجويَّة؛ تقوم على التمسرُح والأداء الملحمي، والاستعراض الرَّاقص، والسرد الغنائي، حيث ظهرت في العرض مُغنِّية، كان تؤدِّي وتُغنِّي، بصوتٍ (أوبرالي)، تحكي عن حياة (تودة) في القرية، والتي كانت تعاني من انعدام الحرِّيَّة، وسيطرةْ الذكوريَّة كما تعتقد، فيما كان أخوها يتدخَّل في تفاصيل حياتها ويتنمَّر عليها، لذا قرَّرت أنْ تبحث عن الحرِّيَّة وتهرب من المنزل، حتَّى تتخلَّص من محاصرة أُسرتها لها.
تضمَّنت المسرحيَّة مستوياتٍ متوازيةَ الطَّرح، قدَّمها المخرج في الفضاء المسرحيّ المتساوي؛ في البداية كانت من خلال السَّرد على لسان المغنِّية (إيمان تيفيور) التي كانت تحكي قصَّتها، والتي تميَّزت بعُذوبة الصوت، وكانت تتحدَّث باللَّهجة المغربيَّة، الأمازيغيَّة، العربيَّة…وظهرت (تودة) تتوسَّط المسرح، وتؤدي الفعل المسرحيّ، حيث كانت تظهر مع أُمها تارة، ومع أبيها وأخيها تارة أُخرى…ثم انتقال الحدث حيث المدينة، حيث الانفتاح والحُرِّيَّة…ولقائها بالآخرين من أهل المدينة، ولكنَّها سرعان ما قرَّرت العودة إلى قريتها.
ظهرت المجسَّمات على امتداد الركح، كان قد وضعها المخرج ناسور على يمين وشمال المنصَّة، والتي وظَّفت التِّقنيَّة للتعبير عن تمظهرات الفعل المسرحيّ، الذي جاء أقرب للَّقطات التلفزيونيَّة…واستخدمه المخرج لإكمال الحدث المسرحيّ، وجعل الرُّؤية بصريَّة… تتماوج بين الشَّخصيَّات على خشبة المسرح.
كما أسهمت الصُّور بواسطة (البروجكتر) في تصاعد الفعل المسرحيّ، والتأكيد على أحداثٍ تحكي عن (تودة)،كما تخلَّلت العرض رقصات استعراضيَّة تُؤدَّى على أنغام اللَّهجة الأمازيغيَّة…وظهر المثلَّث الذي يقع في المُنتصف؛ لإكمال أحداث حياة (تودة)..كما حدث عندما هاجرت للمدينة، عندما وجدتْ نفسها مُحاطة بالغُرباء، وكانت الصُّور تتوالى على هيئة أشكال مخروطيَّة، والتي ظهرت على هيئة ظلال تنعكس صورتها فيها، وتمتزج بمؤثراتٍ صوتيَّةٍ وموسيقيَّةٍ تتفاعل مع الحدث على خشبة المسرح.
جميع مفردات السينوغرافيا في الفضاء المسرحيّ أكَّدت أحداث وفصول قصَّة (تودة)، الأسطورة، المغربيَّة، الأمازيغيَّة…والتي أبدع المخرج أمين ناسور في صياغتها في قالبٍ فنِّيٍّ واحد، تزامنت أحداثها مع ما يدور في”الشَّاشات الرَّقميَّة” التي عزَّزت الفعل المسرحيّ الشعبيّ؛ من خلال إيجاد بيئة حاضنة لفصول أسطورة قصَّة (تودة)، وإيجاد فُرجة مسرحيَّة مغاربيَّة ذات طابعٍ شعبيٍّ يهدف إلى التواصل مع المتفرِّج.
برزت شخصيَّات المسرحيَّة كشخصيَّاتٍ أُسطوريَّةٍ، تؤدِّي أدوارها، لكنَّها سُرعان ما انسلخت من واقعها؛ لتندمج في أداء أدوارٍ أُخرى، وجاء العرض أقرب للأوبريت الشَّعبي في إطاره الشَّكليّ، الأدائيّ والغنائيّ من حيث التمسرُح والتشخيص، الأمر الذي جعله يتقرَّب من هذا النوع المسرحيّ. وسبق أنْ عُرضت هذه المسرحيَّة في المغرب، وحصلت على جوائز عديدة، وتُوِّجت تلك النَّجاحات بجائزة أفضل عرضٍ في مهرجان الهيئة العربية للمسرح في دورته الـ14 ببغداد.