نص موندراما
هاجس: ” الحياة قصيرة..المرآة باقية.. والوجوه زائلة “..
(يدخل بعد ترقّب…شاب في مقتبل العمر)
الشاب: (بصوت منخفض) أنا..هنا (يكرر) أنا هنا..(يعلو الصوت تدريجياً) أنا هنا..منذ أربعين عاما.. أقف مثل جذع نخلة غافلة..(بحذر) سأحاول الانتباه ..
هاجس : انتبه.. انتبه .. الحياة قصيرة .. لا تحاول أن تعمر فيها طويلا ؟!..جسدك..أنت.. كلك.. مبرمج.. لك وقت وتنتهي.. مثل علبة معجون.. أو مثل علبة باقلاء.. أو مثل علبة مربى التين..ستنتهي في وقت ما.. ستكون إكسباير في وقت ما ..
الشاب: (بتعجب)أنا..إذن أشبه علبة المعجون..(بسخرية)أقصد أشبه علبة غذائية..(يُكرر) سكائر..علبة معجون.. علبة سمك السلمون ربما..(يضحك)لا أعرف ربما أشبه كرسي البابا المفقود ذات يوم..ستتبارك بي زوجة من الزوجات..ربما..صامتا سأكون..لا احكي إلا خفية مع نفسي أقصد.. كرسيي.. مع مرآتي..مع نضوج وحدتي.. سأكون مثل كرسي البابا المفقود..مُباركا..لا شرقيا ولا شماليا
***
جنوبي البلاد: أنا جنوبي البلاد..(برهة من الوقت) سأمسح الذنوب بخرجة بالية..سأهتف يا..لخرجة الذنوب..لا أمل لي.. بشرق البلاد.. ولا الجنوب..أنا حالم مثل صمت مفعم بالغيب..أنا مثل دمية حافية من الروح (برهة) أنا مثل دمية حافية من دون روح..مَنْ ينفخ في غياهب دميتي؟! لتعيد لي الحياة بلحظتين..لحظة عابرة..لحظة غائبة..ما بين هذه وتلك..قبلتين..نحتاج فما..يعطّل الخوفْ..يستغفل اللوح ْ ..يمهّد الطريق نحو الآتين منّا ..منهم.. منكم..لا فرق..المهم..نحن هنا..على شفا أملٍ من النعاس..سننام..لننجو من الناس..سنغفو..هنا..هناك..هنالك بعيدا عن الليل..سنمهد روحنا.. جسدا بلا رأس..سنعلق الروح على الفأس؛ لنطرق الأمس..بالأمس..ونحاول أن ننجو..ننجو وجها لوجه..نتقابل..نضحك على بعض..(يحاول الضحك)أضحك عليك..وتضحك عليّ ..أبكي عليك.. وتبكي عليّ..أغفوا اليك..وتغفو إليّ..أصير إليك وتصير إليّ..ينتهي الحلم مسرعا مثل حياتنا..تنتهي..ألما سأدوّن عيب خجلي على وجه دميتي..( برهة ) دميتي.. تشبهني حالمة مثلي..نائمة .. بلا روح تصيح بي صامتة
(يقلد صوت دمية) : أنام..كن مطمئنا..ونام..أنا مثلك كنت..أفتش عن واد ألوذ إليه..لكنني تعودت الصمت..فنمت.. ونمت حتى فقس الكلام صمتا.. فصمتّ ونمتُ وللآن..يُطلق عليّ .. دمية.. خيبة.. صامتة.. ميتة بلا روح.
( برهة .. مخاطباً الدمية) : سأكون مثلك..حافي القلب..لا ألم ينبض.. ولا دمْ..سأكون مثلك..ساهر العين..لا عين تحلم..ولا أنم ْ..سأكون مثلك..دمية مُباعة..في سوق الدمى.. سأتلو صمتي عاليا، للجميلة وهي تمر..لتشتريني مني.. سأبيعها.. أقصد سأبيعني..أنا.. دمية وديعة..تأخذني إلى سريرها..أنام على ملئ مراياها استيقظ على صدر سخاءها..أتلو خيبتي على (سوالف) عينيها..أغار.. عندما يجيء نعاسها تتركني.. حافية الروح..لا أفارق وقتها أتمعن.. بكل التفاصيل من شروق غيبتها.. حتى انطفاء الليل.. في حضرتها (برهة) وأنا (بصوت خافت) اقلب وجهي..غياباً بعد غياب.. اغيّر قلبي..سؤالا بعد سؤال..فلا بريد سيأتي..ولا جواب سأحاول أن أكون..معلقا..مثل الغيم أرمي خيبتي بعيدا..بلا سجال ( برهة ) الدهر مثل أغنية.. تنتهي حتما الكراسي شاغرة إلا من عدة نزلاء..القاعة مملوءة بالصمت (يكرر ) القاعة مملوءة بالصمت..مملوءة بالصمت..الصمت..صمت..مُتْ..ت ..لا أحد سيجيء (يصيح بهدوء) لا أحد سيجيء لكنهم في انتظار شخص ما..في انتظار مساء آخر..دمية أخرى.. كاهن آخر..ليلة أخرى..سياسي آخر..امرأة أخرى..فجر آخر..رواية أخرى..كرسي آخر..سأكون مثل كرسي الحلاق.. ثابت والجميع يتغيرون..لا .. سأكون مثل كرسي البابا المفقود..لا .. سأكون مثل دمية حافية من دون روح ..لا ..سأكون مثل عطار الكلمات..لا أحد يشتري مني كلمة..فكلماتي لا تُباع .. ولا تُشترى !!!