** أمنية و السلسلة المسرحية عدد 36 :
عن إصدارات أمنية للإبداع الفني والتواصل الأدبي صدر لناقدنا الدكتور حسن المنيعي كتابه الجديد (عن المسرح المغربي: المسار و الهوية) وهو كتاب في 188 صفحة من الحجم المتوسط وتحمل رقم 23 من ضمن ما صدر له من كتب منذ أواسط السبعينات حين أصدر كتابه البكر ( أبحاث في المسرح المغربي ) سنة 1974 إلى يومنا هذا.
وقد سبق أن أصدرت له مؤسستنا أمنية ضمن السلسلة المسرحية في عـدد :5 سنة 2003 كتابه (المسرح فن خالد) والذي يتضمن بالإضافة إلى دراسات مترجمة نصين مسرحين مترجمين من تجارب عالمية.
يندرج هذا الكتاب ضمن النقد المسرحي استهله الكاتب بعتبة وضح فيها أن الإنتاج المسرحي يرتبط بزمانه، معتبرا أن المتابعة النقدية تعد شهادة تفاعل حقيقي مع تراكماته الفنية وقضاياه الجوهرية.
فالمسرح يستمد حضوره ووجوده من الواقع الاجتماعي والسياسي، وهذا ما أسس له عشاقه وصانعوه من المسرحيين الهواة منهم والمحترفين الذين يرجع لهم الفضل في تأسيس ثقافة مسرحية جادة، لعب فيها النقد المسرحي حضوره الفعلي في دراسة أبعادها الفنية والفكرية.
قسم حسن المنيعي فهرسة كتابه إلى ثلاث عشرة دراسة حدد إطارها منهجيا بين النقد التأريخي والتحليلي القرائي والتوثيقي مع الوقوف عند بعض التجارب المسرحية المغربية استأثرت باهتمام المسرحيين والتي بصمت حركياتها في مشهدنا المسرحي بثبات وقوة وتفاعل جماهيري.
ففي النقد التأريخي توقف حسن المنيعي في أول دراسة في الكتاب عنونها ب:” إطلالة على تاريخ المسرح المغربي ومساره الفني” عالج فيها بالدراسة والتحليل بعض الأشكال المسرحية ذات الطقوس الدينية والاحتفالات الجماعية أو كفرجات رسمية يحكمها الفكاهة والارتجال، ليعرج بعد ذلك إلى البدايات الأولى للمسرح المغربي والذي يقوم على التمثيل الحقيقي. بمعناه الحديث فيركز على زيارات الفرق الشرقية التي توافدت على العديد من المدن المغربية، وعن طريق الاحتكاك معها بدأت الممارسة للمسرح في بلادنا تأخذ مسارا تواصلا منفتحا ومتجددا. لقد حاول ناقدنا أن يعطي في هذا المضمار مسار تطور الحركة المسرحية عبر تطورها الزمني، بدءا من مرحلة الاستعمار ثم عند الاستقلال، ثم مرحلة النضج الفعلي للمسرح، فيتوقف عند كل مرحلة من هذه المراحل على بعض التجارب وبعض الرواد الفاعلين في هذه التجربة. ليختم الدراسة بظهور الحساسيات الجديدة في المسرح المغربي.
يتناول الكتاب أيضا بالدراسة والتحليل مجموعة من القضايا المرتبطة بالمسرح المغربي ويتوقف عند المسرح في مدينة فاس من خلال قراءته لكتاب المرحوم محمد الكغاط “الممثل و آلته” ثم مسرح الشباب المغربي ما بعد الربيع العربي ويرى في هذا الباب أن أعلام مسرح الشباب هم من مسرح الهواة تشبع معظمهم بمدارس اتجاهات المسرحية وقرأوا التراث العربي الفرجوي جيدا، ونبشوا في مخزونه التاريخي. من هنا يرى أن هذا النوع من المسرح يتسم بالتنوع في آفاقه وأن تاريخه ظل دوما مرتبطا بانتفاضات شعبية منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي وقد أعطى في هذا المضمار بعض النماذج فحلل تجاربهم، وتوقف عن بعض أعمالهم.
في دراسات أخرى تطرق الدكتور حسن المنيعي إلى هوية المسرح المغربي ثم عن نحو مسرح مغربي يفي بحاجيات صانعيه المادية والمعنوية، فناقش إشكالية المسرح في ارتباطها بالمؤسسة الرسمية خصوصا (وزارة الثقافة) ومشروعها للدعم المسرحي. وعلاقته بالجمهور، ليخلص إلى أن مستقبل المسرح المغربي رهين بمبدأ احترام جمهوره.
وفي سياق التنويع تطرق أيضا الكتاب إلى دراسة هامة ترتبط بالمسرح ومؤسسة التعليم والتكوين ليعطي في البداية كيفية تدريس المسرح في فرنسا ويحدد آفاقه وبرامجه المعدة له مع الوقوف على الحلقات والتداريب والمختبرات المخصصة له، لينتقل إلى تدريس المسرح في المغرب الذي يرجع حضور المسرح في المدرسة المغربية إلى جهود بعض المعلمين والأساتذة الذين كانوا حرصين على تقديم بعض الأعمال في مناسبات عامة إلى أن تمت برمجة هذا النوع من المسرح سنة 1987 ضمن السلك التعليمي بحيث ستعرف بعض التحول حين أدرج هذا المسرح ضمن برامج ومناهج هذه الوزارة من خلال مادة التربية الفنية الجمالية. ولم يقتصر المسرح على المؤسسة التعليمية فقط بل الجامعية أيضا من خلال الإجازات التطبيقية الخاصة أو بعض وحدات السلك الثالث، وهذا يعكس تحقق الجمع بين الطرح النظري و التطبيق الميداني.
الشق الثاني من الكتاب خصصه أستاذنا حسن المنيعي لقراءة بعض التجارب المسرحية التي بصمت تجربتها الفنية بتباث سواء كأعمال مسرحية أو كتجارب لأصحابها، ومن مثل ذلك توقف الدكتور المنيعي على تجربة محمد قاوتي ومساره الفني، ثم على تجربة عبد القادر السميحي من خلال قراءة في مسرحيته: “حارس المرحضة العمومية”، ثم تجربة الزبير بن بوشتى من خلال قراءته لمسرحيته: “طنجيتانوس” التي قدمها للمسرح قبل أن تنشر في كتاب.
وفي ختم الكتاب يقدم حسن المنيعي ثلاث شهادات: الأولى لثريا جبران، والثانية للطيب الصديقي والثالثة لعبد الحق الزروالي. وقد توقف عند كل شخصية من هذه الشخصيات عبر مسارها التاريخي الحافل بالعطاء والجودة في الأداء والحب الكبير لهذا المسرح.
وقد تذبل الكتاب في نهايته بحوار طويل مع حسن المنيعي أنجزه الزميل عبد الجبار خمران باح فيه أستاذنا بالكثير من القضايا المرتبطة بأبي الفنون مع التوقف على مساره النقدي الطويل منذ أواسط الستينان إلى ألان توج باستصدار الكثير من الكتب النقدية الوازنة أعطت لمسرحنا المغربي إضافات وعرفت به في محافلنا الإقليمية والدولية.
د . ندير عبد اللطيف