ضفتان أم ضفة لا أنتهاء لها؟!
ثانيا: قراءة في العرض:
1/ تمثل هذا العرض بأكمله في فضاء متحرك؛ ضاج بالتحولات الحركية الدائبة التي لا تتوقف لحظة واحدة طوال العرض، وهذا الأمر تطلب جهدا جسديا كبيرا اجتهد الممثلون الأربعة على النهوض به بمهارة ومرونة مشهودتين؛ كما تطلب العرض من المتلقين متابعة دقيقة وسرعة في تحليل وتأويل الصور المعروضة أمامهم؛ ويزعم قارئ العرض أن هذا العرض بدا مرهقا في التلقي ويتطلب من المتلقي أكثر من مشاهدة واحدة؛ حتى يستوعب ما فيه من معانٍ ودلالات كثيرة متغيرة؛ بل متحولة في كل لحظة من لحظات العرض؛ غير أن صانعي العرض، أكتفوا بعرض ليلة واحدة؛ وحرموا المتلقين من متعة التحليل والتأويل المتأنيان لكل ما ورد في العرض من تحولات دلالية وجمالية تشير الى أكثر من مستوى في المضان والمعاني. وعلى وفق ما تقدم فأن هذا العرض لا يمكن استيعاب دلالاته وأهدافه دون الرجوع الى النص المكتوب؛ الذي يمكنه أن يفسر أو يجيب على العديد من الأسئلة التي أثارها العرض في عملية التلقي الوحيدة له.
2/ يفتتح العرض بنعيق غراب وأصوات رياح وقرعات طبول وأصوات نبض قلبٍ مضخمة جدا؛ ما ينذر بخطرٍ أوشرٍ قادم، لينفتح العرض على برج بسلالم أربعة تحيط به من كل الجوانب؛ وقد نصب البرج في وسط المسرح؛ ليشير الى عدة دلالات تتغير أثناء العرض فمرة يمثل برج نفط؛ ومرة يدل على برج للاتصالات؛ وتارة يشير الى برج مراقبة؛ وتارة يدل على برجٍ لفنار. ومن المفيد – هنا – الإشارة الى أن أيقونة (البرج) الثابتة في وسط فضاء هذا العرض؛ تكررت في أغلب عروض (الكتيباني)؛ وقد تحولت نتيجة تكرراها الى رمز من الرموز المهيمنة في عروض هذا المخرج. وإذا ما عرفنا أن هدف شخوص (دعبلك) هو الوصول الى الضفة الأخرى؛ فأن (البرج) كرمز سيحيل الى دلالات عديدة بحسب المعنى الذي تشير اليه صورته في كل مرة؛ فأن كان يرمز الى (برج نفط) فأنه يشير الى أن بيئة شخوص العرض هي بيئة نفطية؛ وإن كان يرمز الى (برج اتصالات) فأنه يشير الى أن هدف الشخوص هو السعي للاتصال بالآخر البعيد عنها وتحلم بالوصول إليه؛ وإن كان يرمز الى (برج مراقبة) فأنه سيكون مكانا لمراقبة الآخر أو الضفة الأخرى؛ أما إن كان يرمز الى (برج فنار) فأن البرج سيمثل برج شاطئ الأمان الكائن في الضفة الأخرى. فضلا عن دلالات أخرى طرحها العرض وسيأتي ذكرها في سياق هذه القراءة.
3/ في بداية العرض يظهر أربعة شخوص ؛ أثنان طويلا القامة وأثنان متوسطا القامة؛ أثنان بشعر قصير؛ وثالث حليق الرأس تماما؛ والرابع بشعر طويل ينزل الى الكتفين؛ وهذا ما يشير – بحسب قارئ العرض – الى أن الشخوص الأربع هي أما انشطارات أربع لشخصية واحدة؛ أو أنهم جميعا شخصية واحدة بمراحل أربع مختلفة؛ وما يؤكد هذا الرأي أن شخوص العرض الأربعة يرتدون ملابس زاهية، مع أنها مختلفة من ناحية الخطوط؛ غير أنها متشابهة من ناحية الألوان وهي تظهرهم بهيئة مهرجين؛ وتتأكد هذه الهيئة من خلال تلك الحركات والقفزات المفاجئة التي تقوم بها الشخصيات طوال العرض؛ فمع أنها تناقش قضية هامة ومصيرية تتعلق بوجود وكيان وهوية تلك الشخصيات؛ وهي قضية الانتماء الى هذه الضفة أم الهروب منها للانتماء الى الضفة الأخرى؛ غير أن تلك الشخصيات بالرغم من جدية الموضوع فأنها تظهر بمظهر مهرجين؛ وهذا ما يثير عند المتلقي تساؤلاً مهما: إذا كان الإنسان جادا – فعلا – في البحث عن مصيره؛ فلماذا جعله العرض يرتدي زي مهرج ويتصرف ويتحرك كما يتحرك المهرجين؟ وللإجابة عن هذا التساؤل المهم؛ فإن هناك عدة احتمالات يطرحها العرض منها: أن العرض غير أسماء شخوص العرض من (أشياء) وجعل كل منها تحمل أسم (مهرقع) الذي هو مقاربة لسمة (الأخرق)؛ وهذا يعني أن العرض جعل الشخصيات تتصرف وتتحرك كالمهرجين بوصفها شخصيات خرقاء؛ والاحتمال الآخر الذي أراد العرض إيصاله – بشكل غير مباشر – الى متلقيه هو : أن أي تفكير جاد يفكر فيه الإنسان؛ وسط الفوضى العارمة التي تجتاح كل العالم الآن؛ يعد تهريجا لا فائدة ترجى منه؛ والاحتمال الثالث الذي يطرحه النص ويؤكده العرض: إن الشخصيات كلما وجدت صعوبة أو عائقا – مهما كان بسيطا أو معقدا – فإنها تتنصل عن المسؤولية هاربة بعبارة يكررها شخوص العرض على انفراد تارة ومجتمعين تارة أخرى؛ وهي: ((أسأل غيري)) (1).
4/ من العلامات المهيمنة في هذا العرض تلك الحبال الأربعة المشدودة بأسفل أقدام البرج؛ التي يتعامل الممثلون معها بأشكال ومواقف متعددة؛ ونظرا لحيوية استخدام تلك الحبال وتوظيفها بصور مختلفة؛ فقد أخذت هي الأخرى معطيات دلالية تختلف باختلاف استخدامات وتوظيفات البرج؛ فإن كان البرج هو (برج نفط) فأن دلالة الحبال تشير الى أنها الوسائل التي توصل الشخوص الى ذلك البرج؛ أو الوسائل التي ستجعل الشخصيات تستحوذ عليه؛ وإن كان البرج يمثل (برج اتصالات) فإن الحبال ستشير الى خطوط الاتصال التي تؤمن الاتصال بالضفة الأخرى؛ وإن كان البرج يمثل (برج مراقبة) فإن الحبال ستدل على حبال التسلق للصعود الى قمة برج المراقبة؛ إذ كانت الشخصيات في بعض لحظات العرض تتسلق البرج من خلال استخدامها للحبال؛ أما أذا كان البرج يمثل (برج فنار) فإن الحبال ستمثل المسارات التي تؤدي الى شاطئ الأمان.
5/ الإضاءة :إن الإضاءة الرئيسية التي تضيء فضاء العرض تأخذ شكل عمودين ضوئيين متقاطعين في المنتصف؛ ومركز تقاطعهما هو البرج؛ أي أنهما يتخذان شكل علامة الخطأ (X) بالعربية أو شكل حرف (X) في اللغة الإنكليزية؛ وفي كلا الحالتين فإن هذا التكوين من الإضاءة يحيل الى مقترحات دلالية عديدة؛ يشير إليها العرض: فهو يحيل الى وجود خطأ ما في بعض الأحيان؛ أو يحيل الى (مقص الممنوع) في أحيان أخرى؛ أو يشير الى علامة الرفض التي تأخذ مساحات عديدة من العرض؛ فعلامة الخطأ (X) التي يتوشح بها برج النفط تشير أولا الى أن المنطقة هذه هي منطقة مغلقة يمنع الاقتراب منها بوصفها منطقة خطرة؛ وثانيا فإنها تشير الى أن هناك خطئاً ما يقترن بوجود برج النفط؛ ولو أحلنا هذه الدلالة الى الواقع المعاش؛ فأننا سنجد أن كل المناطق التي تتواجد فيها آبار النفط هي مناطق ملتهبة ومليئة بالأخطاء والمشاكل؛ ويكفي أن نشير في هذا الصدد الى منطقة الشرق الأوسط أو روسيا أو فنزويلا أو البلدان الأخرى التي يكثر فيها النفط؛ لندرك تأثير هذه العلامة والرسائل العديدة التي يرسلها العرض من خلال تثبيتها علامة مهيمنة في هذا العرض. أما إذا كانت دلالة البرج تشير الى (برج اتصالات)؛ فان وجود علامة التقاطع ستدل على عدم وجود تواصل بين أي طرفين في واقعنا المعاش؛ أبتداءً من الضفتين اللتين يشير إليهما النص؛ وأنتهاءً بمحاور الصراع الدولي في العالم؛ وإن كان البرج هو (فنار) فأن العلامة ستشير الى عدم وجود إمكانية الوصول الى شاطئ الأمان؛ وإن كان البرج هو (برج مراقبة) فأن ذلك يعني أن أي رأي يقال فيما يتعلق بالبرج أو حوله هو خاضع للرقابة والممنوع؛ ومن هنا تتأكد علامة (مقص الممنوع) التي نوهت عنها القراءة أعلاه؛ فجميع البلدان التي تحاول التحول الى الديمقراطية والتحرر تخضع لمحاولات تعسفية لإسكات الرأي الحر أو الرأي المعارض.
6/ المؤثرات الصوتية: لا يستخدم (الكتيباني) في عروضه التي تندرج تحت نمط (مسرح اللاتوقع الحركي القصير) أي موسيقى سواء كانت تصويرية أو جمالية؛ بل إنه يؤثر استخدام المؤثرات الصوتية التي تقدم علامات تنبيهية أو إيقاظية تضيف معانٍ ترفع من المستوى الدلالي للمواقف الدرامية؛ وفي هذا العرض أستخدم (الكتيباني) مؤثرات صوتية كانت تأتي خاطفة في البداية تشير – في الغالب – الى أنذار بخطرٍ قادم أو بشرٍ آت؛ وتتحول في أحيان أخرى الى صوت صرير أبواب مزعج؛ أو الى أصوات قطارات أو طائرات أو مركبات سريعة جدا؛ وأحيانا تتحول الى قرعات طبول ضخمة؛ تقرع بين الحين والآخر؛ مشكلة عوامل ضاغطة على الشخصيات وموقعة إياها في حالات من الفزع والهلع والخوف ما يجعلها في كل ما تقدم من مؤثرات تلتجأ للاختباء داخل البرج؛ وهي بذلك تهرب من خطر قادم الى خطر ماثل؛ لذا فأن المؤثرات الصوتية في هذا العرض قدمت لغة موازية للغة العرض شأنها في ذلك شأن لغات الإضاءة ولغة مفردات السينوغرافيا الأخرى .
7/ جمر النار: إن جميع المكونات والعناصر التي تنذر بالخطر والتي أمتلأ بها العرض جعلت الشخصيات تتحرك طوال العرض وكأنها تسير على جمرٍ من النار؛ فهي لا تستقر في أي مكان؛ بل تتحرك متنقلة في جميع البقع المحيطة بالبرج أو البقع التي تقع داخله؛ او تتسلق بسرعة عليه؛ هاربة من جمر النار المحيط بالبرج دائما؛ وكأنها تهرب من جمر نارٍ الى جمر نارٍ أشد.
8/ الحبال المربوطة وهيكل البرج: هناك أربعة حبال غليظة مربوطة بهيكل البرج الحديدي وممتدة الى جوانب البرج على خشبة المسرح؛ وهذه الحبال تتغير اتجاهاتها واستخداماتها في كل موقف درامي؛ بخاصة في المواقف المتعلقة بالضفة الأخرى؛ لذا فإن الحبال التي تحملها الشخصيات أثناء تلك المواقف؛ تتقاطع في حركتها عندما تفشل الشخصيات في إيجاد حل لمشكلتها؛ وبكل تقاطع يحدث بين الحبال فأن تعقيدا مضافا يحدث يزيد من تعقيد مشكلة الشخصيات؛ ويضاعف هذا التعقيد بدخول الشخصيات من خلال فتحات البرج الى مركزه ثم الخروج منه ؛ وعليه فإن الحبال وهيكل البرج يمثلان عاملان ضاغطان آخران على الشخصيات؛ الأمر الذي جعل الشخصيات لا تستطيع التخلص لا من الحبال ولا من البرج؛ ما جعل حركة الشخصيات تتمحور حول البرج وداخله وعليه؛ وهي في كل موقف درامي تذهب الى البرج وتجتمع حوله أو فوقه أو تحته أو الى جوانبه؛ لذا أصبح مصير الشخصيات مقترن بذلك البرج ؛ بل مربوطا ربطا محكما بالحبال الغليظة التي تشد الشخصيات الى البرج ولا تتيح لها الانفلات منه.
9/ تحولات البرج أثناء العرض : في الفقرة الثانية من هذه القراءة بينا الدلالات العامة ل(أيقونة البرج) بوصفها صورة ثابتة؛ غير أن هذه (الأيقونة) التي تحولت الى (رمز) في عروض (الكتيباني) نتيجة التكرار كما أسلفنا؛ أخذت في هذا العرض تحولات دلالية عديدة ؛ فهي تارة تدل على سلمٍ للتسلق؛ وتارة تمثل صندوقا لساعة كبيرة؛ بندولها الرئيسي يكون أحد الشخصيات؛ وتارة ثالثة تتحول الى سطح بناءٍ عالٍ تحاول الشخصيات الصعود عليه لرؤية الضفة الأخرى؛ ورابعة يتحول الى كراسٍ تجلس عليها الشخصيات؛ وخامسة يتحول الى طاولة اجتماع تتحلق حولها الشخصيات؛ وفي تحول سادس يصبح البرج منصة توجه فيه أحدى الشخصيات خطابا للشخصيات الأخرى؛ ومن الملاحظ في العرض: أن الشخصيات كلما غادرت البرج أو ابتعدت عنه؛ فإنها سرعان ما تعود إليه أو تجتمع عليه أو حوله أو داخله؛ في تكوينات جسدية مختلفة: وقوفا أو جلوسا أو أنحناءً أو تكورا أو قرفصاءً؛ وهي تبدو طوال العرض وكأنه ملتصقة بالبرج ولا تستطيع مغادرته؛ حتى وإن تعرضت الى صعقات كهربائية شديدة ومؤلمة – مرات عديدة – جراء مسها أو التصاق أجسادها بالبرج.
10/ (أسئل غيري) : تشكل عبارة (أسئل غيري) –التي وردت إشارة اليها في بداية هذه القراءة –أحدى العلامات المهيمنة في العرض؛ حتى أن هذه العبارة تصبح هي الفاصلة بين موقف درامي وآخر؛ و تأتي هذه العبارة عادة عندما تفشل الشخصيات في إيجاد حل للعبور الى الضفة الأخرى أو تعجز عن الوصول إليها؛ ليعقب ترداد تلك العبارة – سواء جاءت على لسان شخصية واحدة أو ألسنة الشخصيات الأربع – قفزة اندهاش أو شهقة تعجب أو دوران الى المام أو الى الخلف؛ وكل ذلك يدل الى عدم قدرة الشخصيات تحمل المسؤولية والتنصل عن البحث لحل لمشكلتها؛ وعليه فأن العرض يحاول من هذه العبارة إيصال رسالة تحذير الى المتلقين بعدم التخلي عن مسؤولياتهم في إحداث تغيير أو التنصل عن إيجاد حلٍ لمشاكلهم وتحميل غيرهم مسؤولية إيجاد الحلول أو إحداث التغيير.
11/ هل أن الحلم هو هروب أم حل؟ : هذه واحدة من الإشكاليات التي يطرحها نص وعرض مسرحية (دعبلك)؛ فالشخصيات عندما تعجز في الوصول الى حل؛ وعندما لا تجد عند (الغير) حلولا لمشكلتها ؛ فإنها تحاول الهروب من الواقع الى الحلم؛ وإذا بها في الحلم تتحول الى موديلات للتصوير؛ تتشدق بعبارات متعالية ومتفلسفة على غرار (لا أتفق معهم رؤيويا!)(2)؛ بل إنها وسط هذا الحلم تغرق بحلم آخر باقتراح من أحدى الشخصيات ؛ وهكذا تتحول الشخصيات هي الأخرى الى حلم داخل حلم ؛ غير أن ريحا عاصفة تجتاح فضاء المسرح تخرج الشخصيات من أحلامها المتداخلة وتعيدها الى واقع مشكلتها الأساسية؛ وهي البحث عن الضفة الأخرى وكيفية الوصول إليها.
12/ الريح والظلام: في النصف الثاني من العرض وتحديدا بعد الدقيقة السابعة(3) تبدأ الريح العاصفة هي التي تحرك الشخصيات وتطوح بها يمينا وشمالا والى الأمام والى الخلف؛ بل إن الشخصيات تصطدم ببعضها موقعة بعضها البعض الآخر على الأرض؛ وكأن الريح هي العقوبة القدرية التي أنزلت على تلك الشخصيات لعجزها وهروبها المتواصل من إيجاد حل لمشكلاتها؛ فإن كنا نعد الشخصيات هي أربعة أشطار لشخصية واحدة؛ فإن محاولات تدافع الشخصيات وأسقاطها لبعضها أرضا يمكن أن تُعد محاولة من كل شطر من الشخصية التخلص من الشطر المضاد له أو الخاذل له أو حتى المشابه له. وإن كنا نعد تلك الشخصيات على أنها مراحل أربع لشخصية واحدة فإن التدافع والإيقاع بالأخر ستتحول دلالاته الى رغبة الشخصية الواحدة التخلي عن مراحل ما من عمرها. من جهة أخرى يلاحظ في النصف الثاني من العرض: أن الإضاءة أصبحت تختفي بين حين وآخر؛ محولة فضاء العرض الى ظلام؛ وفي ذلك دلالة على أن الشخصيات كلما سعت للتخلص من جهلها لمعرفة الحل؛ ازدادت جهلا وابتعادا عن الحل؛ وقد تزامن تكرر الإظلام مع تصريحات للشخصيات بان الضفة الأخرى تزداد بعداً؛ كلما سعت الشخصيات للاقتراب منها.
13/ إشارة الإنــذار: قبيل نهاية العرض تأتي أحدى الشخصيات حاملة لشارة الإنذار الحمراء التي يوضع عادة فوق سيارات الشرطة أو سيارات الإسعاف أو توضع فوق البنايات المرتفعة أو الأبراج الشاهقة للتنبيه أو التحذير؛ وهي إشارة تحمل رسالة إيقاظية للمتلقين بضرورة التحرك وعدم الاعتماد على الغير لإيجاد حلول لمشاكلهم؛ وإلا فإن الخطر قادمٌ وسيقضي على الجميع؛ وأن ضفة الآمان ستصبح بعيدة ونائية ويستحيل الوصول إليها؛ في حين تعلن أحدى شخصيات العرض بأن الضفة التي يقفون عليها ((هي ضفة بلا أنتهاء))(4)؛ وهي ضفة ملتهبة مليئة بالمخاطر كما يوحي النص والعرض معا؛ وتأكيدا لعجز الشخصيات عن الوصول الى حل ما؛ فإنها في نهاية العرض ترمي الحبال – التي كان يمكن ان تصبح حبال نجاة لها من هذه الضفة – الى داخل البرج ؛ ليختم العرض برقصة إيقاعية لكادر العمل من فنيين وممثلين ومخرج؛ يقدمون من خلالها التحية لجمهور المتلقين .
الهوامش
(1): ماهر عبد الجبار الكتيباني، مسرحية (دعبلك) ضمن كتاب مسرح اللاتوقع الحركي القصير –بيان رؤية ونصوص، البصرة: دار الفنون والآداب، 2021، ص: 81 وما بعدها.
(2): المصدر نفسه، ص: 84
(3): إن زمن العرض بأكمله هو 15 دقيقة فقط.
(4): ماهر عبد الجبار الكتيباني، مسرحية (دعبلك)، مصدر سابق، ص:86.