الخلاصة
مسرح الشارع من فنون الأداء الشعبيه التي تمتد جذوره في موروثنا الشعبي العربي وينطوي علي فلسفة خاصه بالمتلقي العربي رغم عزوف النقاد والمنظرين في التصدي لعروضه والتحقير منها مدعين غياب النسق المفاهيمي له.
- يتألف البحث من مقدمة تعريفيه لمشكلة البحث ثم الأهمية والحاجة إليه .وهدف البحث .
ويأتي الإطار النظري ليكشف النسق المفاهيمي والفلسفي العربي لعروض مسرح الشارع وينتهي بما أسفر عنه الإطار النظري
- اما إجراءات البحث فقد تم إختيار عينة البحث قصديا وهي مسرحية (موت صالح للشرب ) تأليف وإخراج العراقي /محمد زكي والتي تم عرضها في محور مسرح الشارع والفضاءات المغايره بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في الدورة الثالثه .
ينتهي البحث بالإستنتاجات وقائمة المصادر التي اعتمدتها في بحثي هذا .
- المقدمه
إن الإشكالية التي تواجهنا كباحثين عرب هي غياب المسرح العربي فإننا نجتر مشاهدة عروض مسرحيه ناطقه باللغة العربيه لا مسرحا عربيا شكلا ومضمونا . فعلي الرغم من التأثير الكبير الذي مارسه التفكير الأغريقي علي العالم العربي ظل المسرح غائبا ومغيبا .وكيف أن العرب الذين نقلوا الإرث الأغريقي في القرون الوسطي إلي اوربا بفضل ترجماتهم لأفلاطون وارسطو عن اللاتينيه لم يترجموا النصوص الإغريقيه ؟ او أن يخترعوا شكلا مسرحيا خاص بهم ؟
ولاشك إننا لا نستطيع ان ننكر الإرتماء الكامل في أحضان الثقافة الغربيه والإنبهار بالعقل الغربي الذي بلغ حد الإيمان بقدراتهم علي التغلب علي جميع الإشكاليات و كأن التفكير في نقائص الحضارة الغربيه يجب ان يؤجل إلي أن نصبح جزءا من هذه الحضارة بالفعل .
لكن هل ونحن في عصرنا الحاضر نستطيع أن نجاري التفكير الأوربي أو نضيف إليه إضافات حقيقيه ؟
ونحن مازلنا نعاني جمود حياتنا الروحيه عاجزين عن تغيير إتجاهاتها وقيمها .وهل الحداثة التي ننشدها تتجه ناحية التراث العربي القديم لتفككه ام لتسخر منه ؟
إن التمرد علي الماضي او التحرر منه ليس هو المدخل الطبيعي لتحقيق حداثة عربيه .بل هو مؤشر للخلط بين التحديث التكنولوجي المادي والتحديث الثقافي .إذ ليس كافيا أن تكون هناك تطبيقات تكنولوجيه للعلم لكي نؤكد حداثوية المجتمع فالتغيرات التي طرأت علي علاقات القوي الإجتماعيه والتحولات الفلسفيه العديده التي مر بها الفكر الغربي أدت في النهايه الي إنتاج الحداثة الغربيه .
بل إن لهفتنا للحاق بركب الحضارة الغربيه دفعتنا إلي تبني حلول الآخرين الجاهزه دون أن نتوقف ونطرح السؤال علي أنفسنا هل كان واقعهم وازمتهم هي واقعنا وازمتنا ؟
- إشكالية البحث :
لذلك ومن هذا السؤال انطلق في البحث حول هل مسرح الشارع الذي يقدم في عالمنا العربي يمكنه أن يقدم مفهوم خاص وجديد للحداثة العربيه وما بعدها لقالب مسرحي عربي خالص ام لا ؟
ويقتصر الإطار النظري لهذا البحث علي:
1-إثبات جذور القالب المسرحي من خلال توثيق تاريخي لبدايات فنون الأداء في الوطن العربي.
2-التأكيد علي أن الظاهره الدراميه كانت مسرحا مكتمل البناء.
3- تحديد ظاهرة الخلط الشائع واسبابها في عروض مسرح الشارع نتيجة للهفة واللحاق بركب الحداثه الغربيه.
4- تحديد النسق المفاهيمي لمسرح الشارع وفلسفته ودور المتلقي في عروضه 5-ما أسفر عنه الإطار النظري من نتائج توصل إليها الباحث .
*اهمية البحث:
تعود أهمية هذا البحث في تأصيل الإمكانيات الدراميه التي تحتويها الظواهر او اشباه أشكال التمثيل في تراثنا العربي وكيف يمكن الإفادة منها في تأصيل مسرح الشارع عربيا من خلال الكشف عن نسق مفاهيمي وفلسفة خاصه للمتلقي العربي .
*حدود البحث :
عروض محور مسرح الشارع والفضاءات الغير تقليديه بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي من سنة 2018 -2020.كعروض عبرت عن نسق مفاهيمي عربي لمسرح الشارع .
إن الإرهاصات الأولي لفن التمثيل والتي يزعم الكثير أن ثيثبس وعربته ذائعة الصيت هي البدايات الأولي حين كان يقف عليها ليشخص مرتجلا مقاطع من الأساطير الإغريقيه لجمهور تجمع حوله في الميادين قبل وجود العمارة المسرحيه وقبل تاريخ نشأة المسرحيه كقالب أدبي 534 ق.م كان له بالغ الأثر في تشدق بعض من المسرحيين العرب بأن« فن المسرح فن مستورد نقلناه عن الغرب »
وهنا لنا أن نتوقف ونتسائل هل وجد قبل ثيثبس ممثل؟ ام انه اول ممثل في تاريخ البشريه ؟ ولماذا يعد هو الأول طالما سبقه غيره ؟
بل إن كان هناك ممثل قبل ثيثبس ؟فهل وجد مسرحا؟ ام انه كما تم ذكره في كتب تاريخ المسرح أن الأمر يعد ظاهره؟ .ولماذا نؤمن بالآخر الغربي ونصدقه مما لا يدع لدينا فكرة تصويب إخطاؤه المعرفيه وبلوغ معرفة جديده ؟
إن علينا كمصريين ان نسأل انفسنا ،هل كان هناك مسرح مصري قديم ام لا ؟ وهل الحضارة الفرعونيه التي سبقت الحضاره اليونانيه هل انتجت مسرح ام لا ؟.
- بدايات موثقه للقياس عليها
يقول دكتور نادر معتوق في ورقة بحثيه له بعنوان «المسرح الفرعوني وبدايات موثقه» والتي ذكر فيها بأن (جوان بنديت (1) )الأستاذ المساعد بالقسم المصري بمتحف اللوفر كتب عام 1900م يقول[إن الطقوس الجنائزيه حفلت بالتمثيل والحوار وأقيمت اعياد الآلهة ولا سيما اوزوريس ،وكانت هناك مسرحيات (السر)التي هي اشبه بإحتفالات (ديونيسوس) بذرة المسرح الإغريقي ،إن ارتباط المسرح الإغريقي بالدين يحفزنا للإيمان بوجود مسرح مصري قديم ]
ونظرا لإرتمائنا في احضان الغرب ومستشرقيه ولتحقيرنا لعقولنا وتراثنا فلم نصدق مقولة (جوان بنديت)بل آمنا بمعارضة (فيدمان)لها ففي عام 1905 ميلاديه ادعي فيدمان ان العناصر اللازمه لوجود مسرح من عدمه لم تكتمل لتلك العروض الطقسيه التي كانت تؤدي في مصر القديمه .
لكن سرعان ما جاء تأكيد لمقولة (بنديت) في عام 1896 م فقد نشر العالم الألماني (كورت زيتيه) النصوص الدراميه واضاف إليها تعليقات تثبت قيمتها المسرحيه وفي عام 1992 م نشر للمرة الأولي (البرديه التي عثر عليها (كوبيل) في حفائر الرمسيوم عام 1896م والتي تضم (مسرحية السر ) حول وراثة الملك ،وفي عام 1933م نشر (ده بوك)نصا دراميا كان منقوشا في المقبرة الخاليه (سيتي الأول ).
وقد اثبت(اتيين دريوتون)في كتابه (المسرح المصري القديم )اثبت بما لا يدع مجالا للشك انه كان هناك مسرح ناضج مكتمل العناصر وأن هناك عددا لا بأس به من النصوص المسرحيه وكان ثمرة لأبحاث هذا العالم هي مسرحية (إنتصار حورس) حيث كان النص منقوشا علي جدران معبد( إدفو ) حيث سجل النص في عهد (بطليموس التاسع عام 88 ق.م وحسب ما أورده دريوتون في كتابه أن اللغة التي كتب بها النص تدل علي انه كان متداولا في عهد الدولة الجديده اي قبل الف عام من إنشاء هذا المعبد ، كما أن الشعيرة التي تناولتها المسرحيه موغلة في القدم مايقرب من ثلاثة آلاف سنه ق.م
وبذلك يكون هذا النص (إنتصار حورس) هو أول نص مسرحي مكتمل لأقدم مسرحيه عرفتها الحضارة الإنسانيه في التاريخ . وهو ما يخالف إكذوبة أن المسرح ولد إغريقيا وأن أول مسرحيه إغريقيه معروفه(الضارعات)لإسخيلوس
قد سبقتها مسرحية (إنتصار حورس )
ويشير د.نادر معتوق في ورقته البحثيه الي أن المعبد لم يكن بالضرورة هو المكان الأوحد الذي تقام فيه الشعائر التي اتخذت صفة المسرحيه بل إن أحد اماكن وجود العرض المسرحي في مصر القديمه (المعبد/غرفة الأسرار/الشارع ) اي ان المسرح كان المدينة بأسرها ولذا لم يكن هناك ضرورة لإنشاء مبني خاص للمسرح .
إن القول بأن المسرح لم ينشأ في مصر القديمه لعدم وجود مباني للمسرح ضمن الآثار المعماريه المختلفه يصبح أمر غير منطقي ،فالمسرح كان جزء من الطقوس والشعائر الدينيه ويقوم علي خدمتها.
وفي عام 1933م نشر (ده بوك)نصا دراميا كان منقوشا في المقبرة الخاليه (سيتي الأول ).
وقد اثبت(اتيين دريوتون)في كتابه (المسرح المصري القديم )اثبت بما لا يدع مجالا للشك انه كان هناك مسرح ناضج مكتمل العناصر وأن هناك عددا لا بأس به من النصوص المسرحيه وكان ثمرة لأبحاث هذا العالم هي مسرحية (إنتصار حورس) حيث كان النص منقوشا علي جدران معبد( إدفو ) حيث سجل النص في عهد (بطليموس التاسع عام 88 ق.م وحسب ما أورده دريوتون في كتابه أن اللغة التي كتب بها النص يدل علي انه كان متداولا في عهد الدولة الجديده اي قبل الف عام من إنشاء هذا المعبد ، كما أن الشعيرة التي تناولتها المسرحيه موغلة في القدم مايقرب من ثلاثة آلاف سنه ق.م
وبذلك يكون هذا النص (إنتصار حورس) هو أول نص مسرحي مكتمل لأقدم مسرحيه عرفتها الحضارة الإنسانيه في التاريخ . وهو ما يخالف إكذوبة أن المسرح ولد إغريقيا وأن أول مسرحيه إغريقيه معروفه (الضارعات)لأسخيلوس قد سبقها مسرحية (إنتصار حورس )
ويشير نبيل معتوق في ورقته البحثيه الي أن المعبد لم يكن بالضرورة هو المكان الأوحد الذي تقام فيه الشعائر التي اتخذت صفة المسرحيه بل إن أحد اماكن وجود العرض المسرحي في مصر القديمه كلمة(المعبد/غرفة الأسرار/الشارع ) اي ان المسرح كان المدينة بأسرها ولذا لم يكن هناك ضرورة لإنشاء مبني خاص للمسرح .
إن القول بأن المسرح لم ينشأ في مصر القديمه لعدم وجود مباني للمسرح ضمن الآثار المعماريه المختلفه يصبح أمر غير منطقي ،فالمسرح كان جزء من الطقوس والشعائر الدينيه ويقوم علي خدمتها
أما عن الممثل المحترف فقد أشار (أخر نوفرت) أن هناك ممثلين قاموا بأدوار مسرحيه ليست طقسيه ولم ترتبط بالمعبد وإن كانت ذات صبغة دينيه فهناك نص منقوش علي لوحة تم إكتشافها في (إدفو) يتضمن النقش إهداء للإله حور من شخص يدعي (امحب) كان تابعا لممثل جوال وصيغة هذا النص علي لسانه تقول (كنت ذاك الذي يتبع سيده في كل جولاته دون ضعف في الأداء وقد كنت أرد علي سيدي في كل أدواره فإذا قام بدور الإله كنت أقوم بدور الحاكم )
ويشير (دريوتون) أن هناك من النصوص التي وصلت إلينا ما يسمي ب(كراسات المخرجين )وب(كراسات الممثلين ) فالأولي تتضمن توجيهات للمشاركين في الأداء حول ما سيقومون به من أدوار تلخص الشعائر وتفسر رموزها كما تتضمن فواتح الحوار الذي علي الممثلين إستظهاره.
أما الثانيه ففيها يثبت هؤلاء الأدوار المسندة اليهم دون الحاجة الي اثبات غيرها ودون الحاجة الي اسم الشخصيه التي يؤدون كلماتها ]
*أنه يحق لنا بعد قراءة هذه الدراسه أن ندعو الي إعادة كتابة تاريخ المسرح الواعي وإستكشاف جذوره لا في الحضارة اليونانيه ولكن في مصر القديمه.ولكن كيف ومازلنا نرتمي في أحضان الآخر الغربي؟ كيف نستطيع إعادة كتابة تاريخ المسرح دون صرخة نطلقها في وجه المؤسسات المالكه للخطاب والقوه والمعرفه في العالم ؟
إن( الهوية الواقيه) التي تحدث عنها عباس العقاد اصبحت ضرورة ملحه في كشف الزيف والتشويه المتعمد لتراثنا العربي من قبل الآخر الغربي
مع مراعاة أن أصل الثقافة العربيه لن يحمل في ذاته حيوية التجاوز إلا إذا تخلص من المبني القديم التقليدي الإتباعي وبواسطة آلة من داخل التراث نفسه والتأكيد علي ان الحقيقه ليست في الذهن بل في التجربه .
لذا تكمن الإشكالية التي يتشدق بها الغرب تحت مسمي (الظواهر المسرحيه) فالمصريين القدماء أول من مسرحوا الفضاءات المغايره والغير تقليديه التي يتزعم الغرب اكذوبة أخري اطلقها تحت مسمي (العمارة المسرحيه) ليأتي هو بنفسه ويحاول كسر هيمنتها علي العرض المسرحي مدعيا ريادته لها في حين أنه أطلق علي فنون الحكواتي، وبابات خيال الظل، الأراجوز، صندوق الدنيا ، المحبظاتيه (ظواهر دراميه مسرحيه)
- الفرق بين الظاهره والمسرح
وهنا نتوقف لنسأل انفسنا ما الفرق بين الظاهره المسرحيه؟ والعرض المسرحي المكتمل العناصر؟
وللإجابة علي هذا السؤال ينبغي علينا في إيجاز التطرق لثلاث مراحل هي :
1- مرحلة التمثيل الفردي عن طريق اللعب والرقص والغناء والإنشاد، إذ ولد المسرح مع الإنسان كغريزة فطرية وشعور داخلي وانجذاب سحري إلى اللعب والتمثيل، وهذا ما تؤكده الدراسات الأنتروبولوجية والإثنولوجية والاجتماعية؛
2- مرحلة الظواهر الاجتماعية، ويعني هذا أن الفعل المسرحي انتقل من ظاهرة فردية إلى ظاهرة جماعية تتكون من شخصين فأكثر، كما تتشكل هذه الظاهرة الاجتماعية من الممثلين واللاعبين لأداء مجموعة من الطقوس الدينية والفنية. ويسمى هذا النوع من التشكيل الدرامي الاجتماعي بالظواهر المسرحية أو الأشكال ماقبل المسرحية أو الطقوس الاحتفالية؛
3- مرحلة المسرح التي ظهرت مع المسرح الإغريقي والبناية المفتوحة في أثينا ووجود النصوص الدرامية سواء أكانت تراجيديات( سوفكليوس- أسخيلوس- يوربيديس) أو كوميديات (أريستوفان).
*وتتميز مرحلة التمثيل عن مرحلة الظواهر في كون الأولى محصورة في إطار الإنسان المفرد، بينما تتعلق المرحلة الثانية بالجماعة. والجماعة تقتضي بالضرورة الحوار أي الكلام. من هنا كان الربط بين الحوار والجماعة. وهاته الأخيرة تبدأ من اثنين فما فوق. لذلك كان الحرص على صفة “المفرد” بالنسبة للإنسان في المرحلة الأولى مرحلة التمثيل.
وهاته الظواهر الموصوفة بالمسرحية هي التي أدت إلى المسرح لاحقا. لكن هذا المسرح يختلف عن الظواهر المسرحية في أمر أساسي. ذلك أن المسرح، بمعناه الخاص، بدأ مع (المسرح اليوناني ذي القواعد المحددة). أما الظواهر المسرحية فهي موجودة عند كافة الشعوب، لأنها “ممارسة فطرية عامة”.(2) وهنا يتساوى العرب مع غيرهم من الشعوب لأن لهم ظواهرهم المسرحية الخاصة بهم، وعبارة “الخاصة بهم” تعني أنها ذات خصوصيات محلية ومنبثقة من الداخل. ووجود هاته الظواهر المسرحية عند كافة الشعوب سابق، بالقياس إلى المسرح بمعناه الخاص، ولاحق بالنسبة لمرحلة التمثيل. وإذا كانت هذه الأخيرة تتميز بالحركة والصوت والإشارة والرقص، فإن مرحلة الظواهر تتميز بالحوار و الأداء الجماعي الذي يبدأ من إنسانين فما فوق، اقتضى استعمال مصطلحات هي: اللاعب والممثل والمتلقي والمشاهد والإخراج والمسرح.
وعليه، فإن “المسرح” في مرحلتي التمثيل والظواهر يتميز بانعدام القواعد وانعدام الفن وانعدام التقاليد. كما تتميز مرحلة الظواهر -وكذلك مرحلة التمثيل- بعدم وجود النص المسرحي. إذ إنحصر في مرحلة الظواهر الأداء وغاب النص المسرحي. وعليه، فإن الأداء سابق في الزمن بالمقارنة مع النص المسرحي. وبناء على ذلك، “فإن الأداء هو الذي أوجد النص وليس العكس”
وتنتهي مرحلة الظواهر ببداية المسرح اليوناني عند الغربيين، ولكنها تمتد عند العرب إلى منتصف القرن التاسع عشر.(نظرا لعدم وجود نظريه عربيه وإكتشافات تؤكد أن ما أطلق عليه ظواهر هو مسرح مكتمل الأركان ).
وهنا نتوقف لنسأل انفسنا سؤال هام هل فنون الحكواتي وخيال الظل والأرجواز والمحبظاتيه تعد ظواهر مسرحيه ؟ ام تعد مسرح مكتمل ؟ بعد الكشف عن وجود مسرح مصري قديم ؟
إن الإشكالية الرئيسيه تكمن في عدم وجود نظريه مسرحيه عربيه فأصبح العقل العربي يسير في إتجاه تقليد الغرب من حيث وجود مبان مسرحيه (عمارة مسرحيه)دائمه ومخصصه تقدم عليها العروض ويتوافد عليها الزوار في مواعيد ومناسبات رسميه
فتم نعت «طقوس التجليات التوليفيه»ب (فنون الأداء) performance art التي كانت تقدم في الشارع العربي علي انها ظواهر مسرحيه رغم توافر عناصر العرض المسرحي فيها (فكره /ممثل/جمهور) بل ان اغلبها تتوافر فيه شروط صناعة العرض المسرحي بدءا من النصوص وشكل العرض المسرحي إخراجيا بما يتناسب مع الفضاء المادي الطارئ والمغاير للفضاء الغربي التقليدي الذي عاودت تياراته المسرحيه إلي مرحلة الظواهر وإلي الجذور حينما ارادت التجديد والتحديث .
إن البحث عن الصيغة المسرحية العربية يعني الارتباط بالظواهر وبالجذور. لكن الغرب هو الذي كان سباقا إلى ذلك، دعوة وتطبيقا. وفي هذا السياق نفسه، نلحظ أن “الذي يثير الانتباه هو أن ترتبط مرحلة التجديد عند العرب بكاتب مسرحي غربي كذلك، لكنه من ألمانيا هذه المرة، هو “برتولود بريشت!”.للأسف إن منطلق التجديد عند العرب هو الغرب. ويمكن القول بأن الصيغة المسرحية هي القالب المسرحي. وهذا القالب لا يوجد في المرحلتين الأولى والثانية. ولكن وجوده مقترن بالمرحلة الثالثة مرحلة المسرح.
إن بحث العرب عن قالبهم المسرحي لم ينطلق إلا في الخمسينات من القرن العشرين. ولعل دعوات د. علي الراعي ودراساته البحثيه ونتائجه التي توصل فيها لوجود مسرح شعبي مكتمل في مصر قبل ظهور مسرح مارون النقاش المستورد من الغرب ومقولة (يوسف إدريس )حين تكلم عن مسرح العلبة الإيطاليه [انه مسرح صحيح ولكنه ليس كل المسرح ] في إشارة داله علي تعدد الفضاءات التي يقدم فيها العرض المسرحي . دليل دامغ علي اننا اغلقنا عقولنا وسيرنا خلف أكذوبة مستشرقي الغرب الذي افقدنا هوية مسرح عربي له واقعه وازمته الخاصه التي تختلف عن واقع وأزمة الآخر الغربي .
حتي المحاولات اليائسه التي سعي لها «توفيق الحكيم »في إيجاد قالب عربي او شكل مسرحي عربي إستمده من الحكواتيه والمقلداتيه والمداحين وبشرطيته ان يتم صب افكار وموضوعات كل الكتاب الأوروبين وغيرهم فيه باءت بالفشل في حماية الهوية المسرحيه العربيه.
ولكن كيف لنا أن نحمي هوية مسرحنا العربي ونحن لا نستقرأ تجاربنا التي تعبر عن قضايانا اليوميه ؟وكيف لنا أن نخرج بنظرية عربيه في المسرح والبحث العلمي مازال يرتمي في أحضان الآخر الغربي ؟
لقد بات البحث العلمي في مسرح الشارع الذي يناقش قضايا المتلقي ضرورة حتميه في ظل هرطقات ودوغمائية كل من زج بنفسه الي الفضاء المادي الطارئ ظنا منه أنه يصنع مسرح شارع.بل تعدت الإشكاليه الي مرحلة بالغة الخطوره اطلقت عليها في مقالات سابقه بقلمي مرحلة (الخلط الشائع )والتي يتجلي فيها غياب الأنساق المفاهيميه وعدم وضح السمات المميزه لعروض مسرح الشارع فأصبحت العروض المسرحيه التي تقدم في الشارع لا تختلف عن العروض التي تقدم علي الفضاء التقليدي (العلبة الإيطاليه) واصبح مسرح الشارع يعاني الخلط الشائع بين الأشكال الفرجويه التي تقدم في الشارع وبين مسرحة الفضاء المادي الطارئ .ولنا أن نتوقف أمام عروض مسرح الشارع في وطننا العربي ونتسائل هل عروض الشارع هي عروض مسرحيه؟ ام فنون ادائيه؟بمعني هل تنطبق العناصر الأساسيه للعرض المسرحي عليها ؟ أم اننا نشاهد طقوسا للتجليات التوليفيه ؟
إن الإجابة علي مثل هذه التسأولات تستدعي أن نغوص تاريخيا فيما أطلق عليه ظواهر مسرحيه عربيه وسنصف هذه الظواهر ب(الحكواتيه) نسبة للحكواتي العربي الذي تطور فنه فإنبثق عنه الأراجوز و المحباظاتيه وخيال الظل
- مظاهر الحكواتيه:
في بداية الأمر استخدم الأثرياء لاعبي خيال الظل في حفلاتهم مثلما كانوا يستقدمون كبار القصاصين والمنشدين والمغنين . وحينما كثر المخايلون (لاعبي خيال الظل) وتطورت ألعابهم وفنونهم أخذوا يجوبون القرى والأرياف وأحياناً المدن . ويقدمون عروضهم في موالد الأولياء والمناسبات الدينية والسياسية وفي حفلات الزواج والختان . والأماكن التي يؤدون فيها عروضهم هي المقاهي والحانات والأسواق إضافة إلى دور الأعيان من ساكني الريف أو الحضر وذلك أيام شهر رمضان وحفلات النذور
وأول عربي كتب في خيال الظل
هو( أبو الحسن علي بن محمد) المعروف( بالشابشتي)
ولابن دانيال الكحال كتابه المعروف ( طيف الخيال ) الذي انتشر الفن على يديه وبتأثيره في أرجاء البلاد العربية. وأشار إليه جماعة من المؤرخين كابن شاكر والغزولي والمقريزي وابن إياس وغيرهم.
ويرى د.( إبراهيم حمادة) إن عملية الزحف الظلي إلى العالم الإسلامي والعربي(3) بدأت ” أواخر القرن العاشر
وأوائل القرن الحادي عشر حيث أمكن بالتدريج تقديم مستويات ظلية محلية لها قيمتها الفنية بعد أن امتزج الوافد بخصائص التراث الاجتماعي العربي وتطبع بطابعه وصبغته واستقرار ملامحه الأخيرة أتاح له فرصة هضم قوميته ”
وان اقتران خيال الظل بالتنقل هو الذي فرض شكل هذا النوع من المسرح وجمهوره . .
ويصف الدكتور( عبد الحميد يونس) داراً لعرض خيال الظل في مصر(4) , على شكل ردهة متسعة واحدة , والدخول فيها لم يكن بأجر , ولكن ينقطع التمثيل بعد التمهيد , وفي الاستراحة يدفع النظارة كل حسب طاقته , وهذه سمة يتسم بها الفن الشعبي التمثيلي . ووضعت المنصة والتي يمكن أن نطلق عليها المسرح , مقابل باب الدخول . ونصب حاجز يفصل النظارة عن اللاعبين , وقد شيدت عليه ستارة من القماش الأبيض الرقيق الشفاف وراءها مصباح كبير من مصابيح الزيت وتحرك بين المصباح والشاشة رسوم من الجلد مثبتة على قصبات , فتظهر ظلالها على الشاشة المواجهة للجمهور , ويقوم بتحريكها شخصان على الأقل ويعاونهما اثنان آخران لتبادل الإنشاد والحديث , وهم لذلك يلونون أصواتهم بحيث تلائم الشخوص والمواقف المعروضة وكثيرا ما قلدوا أصوات الحيوانات . •نستخلص من هذا كله وجود مسرح ثابت أو متنقل لهذا الفن . وكلاهما يشترك مع الآخر في المقومات وطرق الإضاءة وعدد اللاعبين.
وموضوعات خيال الظل عبارة عن تمثيليات تصاغ صياغة أدبية, نثراً أو شعراً بالفصحى أو بالعامية . وتقترب في خصائصها من الكوميديا المرتجلة وتلائم الذوق والتفكير الاجتماعي السائد آنذاك . إذ يبتكر المخايلون نكات ومواقف ساخره .
لقد اثبتنا بالدليل أن خيال الظل هذا الفن الأدائي كانت تنطبق عليه قواعد المسرح التي وضعها اليونانيون والتي لا يجب علينا القياس عليها نظرا لإختلاف واقعهم وازمتهم ومتلقيهم عن الواقع العربي وازماته . بل أن القياس علي ما اطلقوا عليه ظاهرة خيال الظل هو ذاته ما نستدل به في وصمهم”للمحباظاتيه»بالظاهره
* فنجد المستشرق الدنماركي « إدوارد لين» يتحدث عن فرق “المحبظين في مصر(5) وكان ذلك في إحدى حفلات ” محمد علي باشا” عام 1830م، بمناسبة ختان واحد من أنجاله وقد أشترك المحبظون في الحفلة بمسرحية أقرب للعروض السياسية على بساطتها حسب وصف “لين” من حيث خطوطها الرئيسية وشخصياتها، حيث يقدم المحبظين عروضهم تلك أمام ( سلطان مصر ) بجرأة شديدة كما لو كانوا يعرضونها في حفلات الزواج والختان داخل بيوت العظماء وحلقات المتفرجين حين يقدمون ( مسرحهم ) في الأماكن العامة من حيث اعتماد عروضهم على النكات والحركات الخارجة، كما أن الممثلون ( المحبظاتية ) كلهم من الذكور، مابين رجال وصبيان يقدمون جميع الأدوار الرجالية والنسائية.
يقول “لين”:
[تدور المسرحية حول فلاح فقير فقراً مدقعاً أسمه “عوض” وتقول سجلات ” العمدة” أن عليه ديناً يساوي ألف قرش أي عشرة جنيهات لجباة الضرائب لم يدفع منهم سوى خمسة قروش فقط، فيذهب له شيخ البلد ليسأله لماذا لم يدفع ماعليه من مال لجباة الضرائب فيرد عليه “عوض” بأنه معدم ولا يملك مليماً واحداً ليدفعه، وحينئذ يأمر شيخ البلد الغفير النظامي أن يطرح “عوض” أرضاً ويتم جلد المسكين عشرين جلدة ثم يساق إلى السجن بأوامر من العمدة الذي يري أن العشرين جلدة ليست عقاباً وأن ذل السجن هو العقاب اللائق حتى يدفع ماعليه أو يموت بداخله ميتة الكلاب، ويذهب “عوض” للسجن وتزوره زوجته هناك فيطلب منها “عوض” أن تاخذ بيضاً وقليلاً من الكشك الصعيدي والشعرية وتذهب للمعلم “حنا جرجس القبطي” فتعطيه البيض والكشك والشعرية كأتعاب دفاعه وتوسطه لإخراج “عوض” من السجن، وبالفعل تأخذ الزوجة كل ماطلبه منها زوجها في ثلاث أسبته وتمضي تسأل عن بيت المعلم ( حنا جرجس ) فيقال لها أنه هذا الرجل الذي يرتدي العمامة السوداء والذي يضع في حزامه محبرة كبيرة، وإذ ذاك ترجو الزوجة المعلم “حنا” أن يبل منها هداياها كأتعاب لدفاعه عن زوجها المسكين والتوسط لإخراجه من السجن، فيقبل المعلم ” حنا جرجس” ويطلب من الزوجة أن تتحصل بأي شكل على عشرين قرش وتذهب لتعطيها لشيخ البلد، وبالفعل تعمل الزوجة بنصيحة ” المعلم حنا” وتذهب لشيخ البلد وتعطيه العشرين قرشاً وهي تقول له صراحة: إقبل مني هذه ( الرشوة ) وأخرج لي زوجي! .. المدهش أن شيخ البلد يقبل الرشوة وينصحها أن تتوجه لبيت الناظر وترجوه في إلحاح أن يطلق سراح زوجها وتبتسم له وهي تستعرض جمالها أمامه فيقبل الناظر عرضها ( الشهي ) وينحاز للزوج ويعمل على تحريره من السجن.]
- ويعود «لين »ليصف فرق المحبظين[ الذين يضحكون الناس بنكات هابطة مفسدة. وكان هؤلاء يُشاهدون في حفلات الزواج والختان في بيوت الكبراء، وأحيانا في ميادين القاهرة العامة يتحلق المشاهدون حولهم. لم يكن بين هؤلاء “المحبظين” أي امرأة، بل كان يقوم بهذا الدور رجال وصبيان في لباس امرأة.]
إن «إدوارد لين» لم يعي ماتقدمه فرق المحبظين من عروض كوميديا إنتقاديه تنتزع موضوعاتها من الواقع الحي المحيط بالمجتمع وتتناسب وفضاء الشارع
- ويقول دكتور « علي الراعي»
[قد كان هناك طوال القرن التاسع عشر – على الأقل – دراما محلية تماماً، خالية من المؤثرات الأجنبية التي أخذت تتعامل مع فن التمثيل في مصر منذ بداية القرن التاسع عشر، وما لبثت أن أثرت تأثيراً بارزاً على حرفية هذا التمثيل.]
ويعود بنا ” دكتور على الراعي ” للتعليق على الصورتين الكوميديتين السابقتين اللتان قدمتهما فرق المحبظاتية(6) – ورواهما كل من «بلزوني »و«لين »وهما جزء صغير من عشرات النصوص التي ساقها في كتابه – بالقول[ أن هاتين الصورتين عبارة عن كوميديا انتقاديه انتزعت موضوعاتها من الواقع الحي المحيط بالممثلين والمتفرجين ومن ثم فهي ترضي جمهورها بالإمتاع والنصح معاً، على عادة الفن الشعبي في مصر.]
ويصف الراعي هذه العروض بأنها [ كانت على درجة لا بأس بها من التقدم الفني فهي تبدأ بعرض موسيقي ( شعبي ) واقعي يقدمه بعض الفنانين مع راقصتين أو أكثر( يقوم بأدائها فنانين ذكور )، وهي لاشك عروض ناطقه بانتمائها إلى البيئة التي أنتجتها، كما أنها في تركيبها الفني وطريقة صنع شخصياتها لا تبين عن أي أثر فني آخر غير مسرح خيال الظل والأراجوز وكلاهما من فنون مصر المحلية، ومن هذه المحلية وبفضل التبسيط الظاهر تنطلق الشكوى الموجعة والسخرية الدفينة من الحكم والحكام كما ينطلق الصاروخ الموجه تجاه هدفه المعلوم، فمن وراء الضحك الظاهر تقول غالب هذه العروض في تلك الفترة بمصر أن المصري كان لا يحصل على حريته إلا إذا فقد كل شئ، ماله وشرفه معاً.]
- ومن هنا يمكننا أن نلحظ ان نظرة الإستهجان لفنون الشارع هي نظرة منبعها اراء المستشرقين وعدم وعيهم بسيكلوجية جمهور المتلقين المصري من جهة وكتاباتهم التي كان لها الأثر البالغ في عزوف الطبقة البرجوازيه او النخبة السياسيه التي روجت لإستهجان هذا الفن ووصمته بأبشع التهم وألصقتها بالشارع في محاولة للقضاء علي فن ينتقد وينتزع موضوعاته من الواقع الحي للممثلين والجمهور فتم نبذ هذا الفن خشية إثارة القلاقل والتظاهرات ضد الحكام وتم نبذ كل من يحاول ان يكتب عنه او يتعاطف مع صناعه وليس غريب علي النقاد المعاصرين عزوفهم عن التنظير لمسرح الشارع فما تم وراثته تاريخيا يغفر لهم عزوفهم هذا . فضلا عن الخلط الشائع الذي يعانيه مسرح الشارع لعمومية تعريفه في المعاجم المسرحيه وإستسهال صناعه له .
ولذا فإن عودة خروج المسرح الي الشارع في السنوات الأخيره بوطننا العربي لم تكن أذان بموت المسرح بل كانت إعلاء لقيمة المسرح ودوره الإجتماعي كفن يذهب الي المهمشين والغير قادرين من أجل تبصيرهم ومد يد العون لهم لتمييز صحيح الفكر من فاسده
- الخلط الشائع
ورغم أن الأشكال المسرحيه التي خرجت الي الشارع كانت في باطنها تحمل إحتجاج علي القهر السلطوي والظروف المعيشية القاسيه والنقد اللاذع لأنظمة الحكم مما أفقد بعض العروض جمالياتها الفنيه فتحولت الي مظاهرات إحتجاجيه وهتافيه افقدت العرض المسرحي في الشارع الي القيمة الفلسفيه التي يهدف إلي تحقيقها وهي التثقيف والتبصير
فنري مثال في الغرب مسرح العصابات (7 )هذا الشكل الإحتجاجي.
الذي نشأعام 1965 على يد سان فرانسيسكو مايم تروب، وبإلهام من كتابات تشي جيفارا التي تم من خلالها الحصول على تعبير حرب العصابات. وقد اشترك فرانسيسكو في عروض مسرحية في أماكن عامة تلتزم “بالتغير الاجتماعي السياسي الثوري وقد هدفت العروض التي تقدمها المجموعة إلى مناهضة حرب فيتنام والرأسمالية، وكانت تتضمن في بعض الأحيان موضوعات عن العري والألفاظ النابية والعزل، والتي كانت صادمة لبعض أفراد الجمهور في ذلك الوقت.
وتهدف هذه العروض عادة إلى لفت الانتباه إلى قضية سياسية أو اجتماعية من خلال الهجاء والاحتجاج والتقنيات المهرجانية. وكان الكثير من هذه العروض نتيجة مباشرة للحركات الاجتماعية الراديكالية في أواخر الستينيات مرورًا بمنتصف السبعينيات من القرن العشرين .ويُعرف مسرح العصابات أيضًا باسم عرض العصابات، والذي يرتبط في بعض الأحيان بالمسرح السياسي الدعائي التحريضي الذي انتشر في ثلاثينيات القرن العشرين،
*ومن هنا يتلاحظ لنا ان الشارع في الغرب يختلف عن شارعنا العربي وأيدولوجيات المتلقي العربي تختلف عن إيدولوجيات المتلقي الغربي ومن هذه الملاحظه ينبغي علي صناع التجارب خارج العمارة المسرحيه ان تسبق تجاربهم دراسات ديموجرافيه وسيسيولوجيه وسيكولوجيه للمتلقي في شارعنا العربي هذه الدراسات هي المدخل الأول للخروج بالعرض المسرحي الي الشارع بقصد إحداث تفاعل إجتماعي إيجابي مع متلقي هذا العرض وحتي لا تخرج إتهامات لهذا المتلقي بأنه غير مؤهل لإستقبال المسرح في الشارع هذا المكان المادي الطارئ الذي تتم مسرحته أثناء العرض ثم تزول عقب إنتهاؤه
والذي يتطلب خصوصية نابعه من إنفلاتاته الجغرافيه وطابعه المعماري وطابعه الإجتماعي المكون لأيدولوجيات المتلقي المستهدف
ولذا فإن ممثل العرض المسرحي في الشارع يجب ان يمتلك مهارات فائقه عن تلك التي يمتلكها نظيره الذي يمثل داخل العمارة المسرحيه إذ أن طبيعة المكان الممسرح في الشارع تتطلب الي طاقة فائقه من الممثل في استخدام الصوت والجسد وردة الفعل إضافة الي مهارات التفاعل الإجتماعي الإيجابي واهمها إدارة الحوار مع المتلقي وإستيعاب الأخر والمنطقيه في طرح الأفكار والديالكتيكيه التي تقود الي معرفة
*إن الإعتراف بأهمية دور المتلقي كمشارك في بلوغ الغايات الدلالية للعرض هو في ذاته التغيير الذي ننشده من خروج العرض المسرحي الي الشارع وهذا لن يتأتي لصناع مسرح الشارع إلا بالتفاعل الإجتماعي الإيجابي مع المتلقي ولن يتأتي هذا التفاعل إلا بالدراسات العلميه للمتلقي كي تكون بمثابة تكوين روابط العلاقه الثنائية بين المتلقي وممثل مسرح الشارع فتحدث تفاعل مع قضية العرض
*وعلي سبيل المثال فلقد استخدم بعض صناع مسرح الشارع في فرنسا(8) تقنية المسرح الخفي بأن قاموا بإستيقاف السيارات الماره في الشارع وسحبوا التراخيص الخاصة بقائديها فظن الجمهور أنهم من أفراد الشرطه وظل الأمر لبضع دقائق ضجر فيها الجمهور وتعالت اصواتهم بالرفض ليكشف لهم صناع العرض ان ما تعرضوا له خلال دقائق معدوده يتعرض له كل يوم الفلسطيني الذي يعيش تحت سطوة الإحتلال الإسرائيلي .
ومن خلال هذا الموقف الذي تعرض له المتلقي استطاع أن يتجادل ديالكتيكيا مع ماحدث له ويبلغ غاية دلاليه من العرض مفادها تغيير وجهة نظره بالنسبة للقضية الفلسطينيه وما يتعرض له الفلسطيني داخل الأراضي المحتله .
هذا هو مسرح الشارع ببساطة طرحه للقضايا اليوميه حتي الإحتجاج فيه لا يأخذ الشكل الهتافي التظاهري إنما يهدف للتبصير والتوعيه لهذا المتلقي .
وكان للبرازيلي «اوجوستوبوال» الذي. سعي لنشأة مسرح المقهورين والذي أزعم أن عروض مسرح الشارع في العالم قد تأثرت بمنهجه هذا ولذا وجب علينا أن نتحدث عن نبذة مختصره عن مسرح المقهورين
- مسرح المقهورين
هو نوع من أنواع المدارس (المسرحية الحديثة) نشأت على يد البرازيلي (أوغيستو بوال) تكتشف هذه المدرسة المسرحية الجوهر الاجتماعي الجمالي الإبداعي الذي يظهر بصورة جديدة وغير مألوفة وعلاقة جديدة تماما بين الجمهور، وبين العرض المسرحي يحاول هذا المسرح في تكوينه الخاص بتأسيس علاقة شراكة جديدة، بين هاتين القاعدتين المسرحيتين بشكلا من أشكال الاندماج بين الاثنتين لأجل دفع العمل المسرحي، نحو الحل الاجتماعي الذي يطرحه مسرح المقهورين ألا وهو تغيير الواقع، وليس التماهي معه . كما ينشد المسرح الكلاسيكي. كان أوغستو بوال يرى في أشكال الفصل المسرحي التي يتأسس عليها الفضاء الجمالي والابداعي للمسرحية التقليدية أكثر من مجرد تقسيم مكاني شكلي، بل هو عزل للناس عن دائرة الفعل، وعن ممارسة (التغيير)، أي بتحويل المتفرج لمتلقي دون اعطائه فرصة ممارسة التاثير المباشر على موضوع العرض المسرحي. و هنا يعمل مسرح المقهورين ويحاول كما يقول بوال أن يكون مرآة تمكن المتفرج أو المتلقي من التدخل لتعديل صوره الحدث لا مجرد النظر إليها – التغيير- و تخلص تجربة بوال الي العمل على بناء صورة للواقع كما يحللها ويراها الجمهور، بترتيبها من جديد وتبديل ما يلزم وكما يحلوا لهم – المقهورين-، فالمقهورين يصورون نفسهم ومشكلاتهم داخل الحل المسرحي الذي يعطونة للعمل المسرحي من هنا سعى بوال إلى إخراج المتفرجين من البقاء على هامش حركة النص إلى حيز الفعل والتأثير الحقيقي من خلال صيغة حلقة نقاش الحل المسرحي أو كما سميت (مسرح المنتدى) التي عززت التشابك بين الممثلين والمتفرجين في إنتاج العرض، فالمسرح برأيه[ هو نحن؛ لأننا جميعا ممثلون، ولأن المسرح ليس بحاجة إلى جمهور ومنصة، بل إلى مؤدٍ ليكون قائما وموجودا] .
أنني اري ان مقولة( بريشت) السابقه كانت سبب رئيس في عوار الخلط لدي العروض المسرحيه التي يتم نعتها بعروض مسرح الشارع بل أن البعض أطلق خطأعلي تجربة عبد القادر علوله في الجزائر (مسرح القوال او السارد في الحلقه) مسمي مسرح شارع وهي تجربة لتوظيف التراث وكسر الهيمنة الغربيه للمسرح تأثرت بمنهج الألماني بريشت من التباعديه وكسر الإيهام ونقل التمثيل من المنصه الي صالة المتفرجين ونستخلص من ذلك :
- •إن ليست كل فرجه في الشارع هي من قبيل مسرح الشارع
- •ان اسباب الخلط الشائع التي تعتري عروض مسرح الشارع في عالمنا العربي ترجع للفهم الخاطئ للوظيفة الأساسيه لمسرح الشارع هذا فضلا عن الميل الجارف لدي صناع مسرح الشارع بكسر القواعد العلميه تحت مقولة (وضعت القواعد ليكسرها المبدع )فتتحول العروض من مسرح شارع الي عروض مسرح في الشارع يمكن أن تقدم داخل العمارة المسرحيه ولن نلحظ اي تغيير في التفاعل او الإداء .كما يؤكد علي غياب المفهوم التعريفي لمسرح الشارع.
- •أن الخلط غير المبرر بين المدارس المسرحيه والمناهج الخاصه بالإداء التمثيلي او الخلط بين القوالب المسرحيه التراثيه من حيث الشكل التي تقدم به أحدث خلط شائع أثر بالسلب علي عروض مسرح الشارع وساعد علي طمث هويتة العربيه واصبح الخلط الشائع هو المنهج المفعل في عروض مسرح الشارع .
- ••••• لذا وجب علينا ضبط مصطلح «مسرح الشارع» من خلال مفهومه التعريفي
- المفهوم التعريفي لمسرح الشارع
لقد انبري الباحثون والمهتمون بمسرح الشارع بوضع عدة تعاريف جميعها اتفقت نظريا ومعجميا حول أن مسرح الشارع هو « كل عرض مسرحي يقدم خارج العمارة المسرحيه»
إلا أنني لا اميل لهذا التعريف الذي لم يحدد طبيعة التفاعل مع المتلقي ولم يفسر اطر تكوين العلاقة الثنائيه في إختيار موضوعات مسرح الشارع وطبيعة الرسالة المقدمه فضلا عن ان عمومية هذا التعريف هي أحد اسباب الخلط الشائع في عروض مسرح الشارع لكون هذا التعريف لم يحدد هوية ووظيفة مسرح الشارع ولم يعترف بدور المتلقي كأحد أهم العناصر الفاعلة في عروض مسرح الشارع.
وإن كنت أري أن اقرب التعريفات لمسرح الشارع والتي تتماس مع التطبيق العملي لعروضه هو التعريف الذي ساقه الباحث العراقي دكتور «بشار عليوي» والذي عرفه بوصفه (9)[كل عرض مسرحي يقدم في الشارع والساحات والأماكن العامة متخذا من الناس المتواجدين عشوائيا جمهورا له ومستلهما موضوعاته من الواقع اليومي بهدف إيصال أفكاره عن طريق المشاركه التفاعليه مع العرض ]
ونري من هذا التعريف ان مفهوم مسرح الشارع خاضع للعلاقة الثنائيه التي تربط مكان تقديم عروضه بتفاعل الجمهور المتجمع بشكل عشوائي معها من خلال إشراكه في اللعبة المسرحيه حيث ان مسرح الشارع يستهدف الجمهور اينما وجد وخارج العمارة المسرحيه وخصوصيته تكمن في انه يخلق فرجة ذات طابع حيوي يكون المتلقي فيها مختلف عن علاقة التلقي التقليديه ..
إلا أنني مازلت اطوق الي تعريف يزيل الخلط الشائع بين مسرح الشارع وأي شكل فرجوي آخر لذلك حاولت جاهدا عقد مقاربات بين هذه الأشكال الفرجويه التي تقدم في الشارع مثل (مسرح الحلقه والقوال والسارد وبعض عروض المسرح الملحمي وتجربة عبد القادر علوله في الجزائر وعروض المسرح الإحتفالي وطقوس المسرح الجنائزي من جهة وبعض العروض التي تقدم في المهرجانات المختصه بمسرح الشارع) من جهة اخري وكانت نقاط المقاربة من حيث طبيعة المكان والسينوجرافيا ووضع المتلقي بالنسبة لهذه الأشكال الفرجويه وتقنيات الأداء التمثيلي ومهارات التفاعل الإجتماعي الإيجابي
لأتوصل لتحديد المفهوم التعريفي لمسرح الشارع.
* لذلك أري ان المفهوم التعريفي لمسرح الشارع هو [كل عرض مسرحي يصادف المتلقي خارج العمارة المسرحيه ويناقش قضاياه اليوميه خالقا حاله ديالكتيكيه تجعل المتلقي مشتبك في بلوغ الغايات الدلالية للعرض»
وقد يري البعض ان هذا التعريف يحاول حصر و تضييق الخناق علي مسرح الشارع لكنني حاولت ان يشمل تعريفي للخصائص والهويه والأعتراف بدور المتلقي في عروض مسرح الشارع
**وهنا يثور سؤال هام حول الطبيعة الخاصه للمكان الممسرح في عروض مسرح الشارع وهل خصوصية المكان هي المحفز الرئيسي لصناع مسرح الشارع في الذهاب بعروضهم الي المتلقيين
- طبيعة المكان في مسرح الشارع
إن المكان في مسرح الشارع هو اي مكان خارج العمارة المسرحيه الذي لا يخرج عن كونه مكان بكر جري مسرحته وليس له علاقةبوظيفةالعرض المسرحي أصلا اي ان المكان في مسرح الشارع له خصوصية تنبع من:-
1-طابعه المعماري وإنفلاته الجغرافي
2- طابعه الإجتماعي وقضايا الناس اليوميه .
وهذه الخصوصيه خلقت غربه للمكان علي طبيعة العرض المسرحي التقليدي من حيث وضع المؤدي ومن ثم وضع المتلقي وهو يشاهد العرض وكيف تحفز المؤدي من خلال وضعيته الجديده خارج العمارة المسرحيه ؟ وكيف تمنح المتلقي إحساس مغاير لوضعه وهو يشاهد عرض مسرحي علي مقعد داخل العمارة المسرحيه ؟
والخصوصيه التي نقصدها والنابعة من الطبيعة الطارئه للمكان في الشارع لأن فضاء الشارع المسرحي هو فضاء طارئ تتم مسرحته أثناء العرض وتزول بعد إنتهاء العرض ويعود الشارع الي طبيعته المكانيه التي كان عليها قبل العرض .
ومن ثم وجب علينا تعريف المكان الممسرح في عروض مسرح الشارع
فالمكان الممسرح هو «ذلك الحيز أو الفضاء المادي الطارئ المشغول من خلال وجود المؤديين وعلاقاتهم بالجمهور او المتلقيين»
وحيث إن طبيعة المكان الغير ثابتة في مسرح الشارع تخلق تلقائيا جوا من التحفيز ينطلق من حيوية الشارع ومسرحه الذي يتبني شعار إستخدام كل المساحة المتاحه جغرافيا ودون تقسيم بين منطقة الأداء ومنطقة التلقي التي تذوب في عروض مسرح الشارع
فإن وضع المتلقي في عروض مسرح الشارع ذلك المكان المحايد خلق تحديا أمام صناع مسرح الشارع ينبغي بحثه جيدا قبل الشروع في تنفيذ عروض مسرح الشارع وكيف تمنحه إحساس مغاير لوضعه وهو يشاهد عرض مسرحي في قاعة مسرحيه.مما يعني الزج بهذا المتلقي داخل رقعة الحركة والتمثيل من أجل إخضاعه لتجربة مغايره بها نوع من الصعوبة والمتعه وإحساس التشاركيه التي يجد المتلقي نفسه جزء من نسيج العرض.
إن هذه التشاركيه هي امتزاج كل عناصر المسرح في منطقة فضائيه واحده هي فضاء الشارع الذي يدخل في حالة صيرورة الإندماج الذاتي مع عناصره مكونا سينوغرافيا طبيعيه قائمة بذاتها. ولذا فالخيال الذي يخلقه او يصنعه الممثل في مسرح الشارع يتحول تلقائيا الي مدرك حسي بطبيعة المكان وحدوده الجغرافيه والزمانيه
إن إدراك المتلقي لخصوصية المكان عامة يحدث التحول في ذهنيته من مجرد تصور اللعبه التشخيصيه التي تحدث امامه الي وعي بأن ما يشاهده حقيقه ومن هنا يصبح المكان الممسرح في الشارع والذي ليس وظيفته الأصليه العرض المسرحي مكان يعتمد التجسيد الخيالي من خلال التوظيف الأشاري لهذا المكان الفارغ العشوائي
إن التعارض بين العرض والمكان عادة ما يؤدي الي تحييد تأثير العرض ذلك ان قابلية تحول المكان الي مكان ممسرح تتسق مع الرسالة والموضوع الذي يكرسه المكان في اسلوبه
فإذا تم طرح مشكلة وضع المقاعد علي الأرصفة خارج المقهي وكيف تؤثر علي حركة الماره علي الرصيف وتعرضهم للخطر اثناء سيرهم في الشارع فإن الرسالة التي يطرحها هذا المكان العارض بوضعه المقاعد علي الأرصفه هي رسالة دعائيه لجذب الماره ليكونوا من رواد المقهي لكن الرسالة الأصليه هي رسالة الشارع الذي يصبح الرصيف فيه ملاذ لكل الماره فإذا كان العرض المقدم في المقهي متفق مع موضوعه ومتسقا في اسلوبه مع النظام الذي يكرسه المكان (رصيف الشارع) ازدادت قوة تأثير العرض.
إن الممثلين في مسرح الشارع عليهم ان يجذبوا المشاهدين وإن يكونوا حيز العرض ولذا فإن المكان في الشارع اصبح بعد مسرحته مكان مادي مشغول بالمؤدين والمتلقيين واكتسب صفة الفضاء المسرحي الذي يشترط لتحقق هذه المسرحه هو حركة الممثل فيه ووجود الجمهور داخل حيزه معتمدا علي نمط عشوائيته او شكل تكوينه الطبيعي او المعماري ولذا فإن فضاء الشارع الممسرح هو فضاء محدد وسينوجرافيته سوف تشمل منطقتين هما منطقة الأداء ومنطقة التلقي اللتين تذوبيين في لحظة تتمحور حول أبعاد قيميه وإنسانيه
فالمكان في مسرح الشارع لايعطي المتلقي احساس انه يشاهد عرض او لعبا متأثر بالفضاء التخيلي او الوهمي ويرجع ذلك لأن عروض الشارع لا يستخدم فيها الإضاءة المسرحيه وعادة ما تعرض نهارا فتنتفي الفضاءات الوهميه والنفسيه والتخيليه حتي لو تم استخدام الإضاءة المسرحيه فإن الفضاء في مسرح الشارع اصبح وحدة واحده مندمجة لعدم الفصل بين المتلقي وممثل مسرح الشارع
ان العشوائية الجغرافيه تبقي علي حالها في شكل ومحتوي المكان المختار للعرض وبالتالي فطاقة الممثل تتناسب طرديا وتلك العشوائيه فطاقة الممثل في عروض مسرح الشارع كمكان ممسرح بعشوائيته الجغرافيه قد يعطيه الأنفلات في الإرتجال وقد يدفع الممثل الي التمرد والمشاكسه علي الإرتجال والذي يعني فن الخلق في لحظة التنفيذ وهذا الإنفلات الإرتجالي نابع من هواجس صناع مسرح الشارع القائمة علي إمكانية توليد علامات متدفقه فالمكان في مسرح الشارع غايته توليد إشارات مسرحيه بلا حدود لتدل علي معاني متناهية ناتجه عن التشكيل في المكان او الفضاء او حيز الشارع .
وهذا التشكيل في مساحة المكان لا يهتم بالمساحة من الناحية النظريه بل يهتم لكونها اصبحت أداة تميز لنشوء علاقة بين الممثل والمتلقي لا تتحقق إلا بالتركيز الذي لن يتأتي إلا إذا توحدت الرؤيه في ظل ظروف موضوعيه بين المساحة والأداء.
ولذا فإن طبيعة الأداء في الشارع تكون ذات خلق وارتباط المبدع بالمكان ذاته
فالمكان في مسرح الشارع يشكل العرض ويشكل طبيعة الأداء وبالتالي فإن المكان في مسرح الشارع يعتمد قيمة ما يقدم من شكل ومضمون للعرض وقيمة اداء الممثل لبلوغ الغايات الدلاليه لعرض مسرح الشارع
لذا فإن المكان في مسرح الشارع هو المحفز الرئيس لصناع العرض الساعين دائما لأن يبلغ فنهم الي المهمشين والغير قادرين للذهاب إلي المسرح في مكانه التقليدي الثابت داخل العمارة المسرحيه .ولأن المكان في الشارع يكتسب جماليته من كونه فضاء صاخب ومنفلت تتحرك فيه الدلالات بسهولة ويسر ولأن هذا المكان هو في الأصل فضاء للمتلقي الذي تتم مناقشة قضاياه اليوميه فيه اثناء عرض مسرح الشارع الذي يبحث
عن التفاعل الإيجابي مع المتلقي من خلال « الإشتباك »الذي يعد سمة مميزه لعروض مسرح الشارع
ولا أقصد «بالأشتباك» إنسياق ممثل مسرح الشارع خلف رغبات هذا المتلقي التافه ولكن قصدت تلك الحالة (الديالكتيكه) التي يخلقها الحوار مع المتلقي الي ان يجد المتلقي نفسه داخل عرض مسرح الشارع فتتكون العلاقة الثنائيه بينه وبين ممثل مسرح الشارع فيتم كسر جميع الحوائط والحواجز ليجد المتلقي نفسه قد وصل الي غايات معينه وبوسيلة نقل تبادليه تبدأ من الممثل وتنتهي عند المتلقي للوصول للغايات الدلاليه للعرض تلك هي اللحظة التي ننشدها جميعا في عروض مسرح الشارع لحظة تتمحور حول أبعاد اجتماعيه ذات طابع إنساني وقيمي .
هذه اللحظه هي اللحظة التي أطلقت عليها مسمي «الإشتباك» او (الديالكتيكيه) وطالما اننا نتحدث عن حوار بين المؤدي والمتلقي في مسرح الشارع فأن السؤال الذي يثور ماهو دور المتلقي في صناعة مسرح الشارع ؟
- دور المتلقي في عروض مسرح الشارع (10)
«حين تنفجر فوضوية المؤدي تعبيرا عن حريته خالقة نظام جمالي يكسر كل الجدران والفواصل بينه وبين المتلقي فتتبدل الأدوار ويتحرر المتلقي» .فإننا إزاء عرض مسرح شارع . وهذا التعريف يحدد دور المتلقي في عروض مسرح الشارع هذه العمليه الإتصاليه التي تتكون من عناصر هي القضية اليوميه او الرساله ثم المرسل او القائم بالإتصال او المؤدي الممثلين وأخيرا المستقبل او المتلقي الذي يعتبر من أهم عناصر العمليه الإتصاليه في العرض المسرحي . ولايتصور ان يتحقق الإتصال دون المتلقي او دون معرفة المستقبل الذي يتعامل معه المرسل القائم بالإتصال . ويجب علي صناع مسرح الشارع معرفة المتلقي ودراسته وتقسيماته حتي يتثني لهم تحديد الرساله او القضيه اليوميه وتحديد لغة الإتصال التي ستساعد في خلق الحاله الديالكتيكيه التي تزج بالمتلقي داخل رقعة التمثيل ليشارك في بلوغ الغايات الدلالية وهنا يثور السؤال الهام من هو المتلقي في عروض مسرح الشارع ؟
- والمتلقي والمستقبل هو : الفرد المحتمل (المصادف عشوائيا للعرض ) الذي توجه له الرساله الإتصاليه ويستقبلها من خلال واحد او اكثر من حواسه المختلفه (السمع، البصر، الإدراك) ثم يقوم بتفسير الرموز ويحاول فهم معانيها (بلوغ الغايات الدلاليه من العرض المسرحي ) ويثور السؤال الهام ما هي تقسيمات المتلقي وتصنيفاته ؟
- وينقسم جمهور المتلقيين الي جمهور المتلقيين العام [وهو الذي نعنيه بمفهوم الحشد الذي يعرض نفسه تلقائيا وفرديا وبطريقة شخصيه للعرض المسرحي ورد الفعل عند عضو هذاالجمهور يكون مستقلا، لإستقلال تعرضه واستجابته، ولعدم وجود اهتمامات مشتركة بين أفراده وقد يكون هذا الجمهور من المتلقين غير متحد اللغه او اللهجه وبالتالي فإن إستهداف هذا الجمهور يتطلب دراسة دقيقه وعلميه تبتني في الأساس علي إيجاد لغة مشتركه لتوصيل رسالة العرض .
- جمهور المتلقيين الخاص وهو النمط الذي يجمع بين أفراده بعض من الإهتمامات، أو الحاجات، أو الإتجاهات المشتركة التي تميز عضويتهم في هذا الجمهور . وهناك ميل كبير لتصنيف الجمهور في إطار التخصص، حسب اهتماماته واتجاهاته واحتياجاته.
وهناك تصنيف آخر للجمهور المتلقي اقترحه ميلر:
أ – الجمهور الأمي وهو الجمهور الذي يقرأ ويكتب ولكنه لا يميل إلى فعل ذلك وهو جمهور يميل إلى مشاهدة العرض ، ويكون ولاء هذا الجمهور ذاتيًا ، فيبحث عن الترفيه، ويكتفي بمتابعة أحداث العرض دون أية محاوله منه لتفسير الرموز او فهم معانيها وهذا النمط من المتلقين كسول، لا يبحث عن الإثارة ولا يجهد نفسه بداء الأراء بالتفكير، وليس لديه دوافع للمشاركة .
ب- الجمهور النفعي، العملي و هو جمهور مشارك، يتعرض للعرض المسرحي رغبة منه في الأرتفاع بمستواه، يهتم بالمعرفة التي تساعد على التميزوالتقدم. وهذا الجمهور يشبه الجمهور الأمي في أنه لا يميل إلى التفكير، ويظهر اهتمامه بالأراء والأفكار كمظهر فقط، لأنه يعتقد أن ذلك ينفعه في الأمد الطويل لأسباب نفعية بحتة.
ج- المفكرون وهو الجمهور المتلقي ألأقل عدداً ونسبة، ويتكون ممن يهتمون بالأراء ووجهات النظر، والمفاهيم، وألأحداث الفنية والجمالية، وهذا النوع من الجمهور ليس معارضًا للحياة الإجتماعية، كما أنه ليس متحمساً لها، وهو ضد مفهوم الجمهور العام،
ويذهب بعض الباحثين إلى تقسيم الجمهور إلى فئات مختلفة منها:
أ- الجمهور صاحب الإتجاه العلمي: وهم الذين يميلون إلى الحكم على الأشياء أو الأشخاص والمعاني، وأوجه النشاط الإنساني في إطار القوانين والنظريات والعلاقات العملية.
ب- الجمهور صاحب الإتجاه المادي العملي: وهم الذين يصدرون أحكامهم في إطار المنفعة المباشرة، والعائد المادي. وكذلك بمفهوم الجزاء المباشر للسلوك الإتصالي مع العرض
ج- الجمهور صاحب الإتجاه المعنوي: وهم الذين تتأثر أحكامهم بالتوافق والإنسجام والإشباع الوجداني والعاطفي، والمعايير السائدة في هذا الإتجاه هي المعاني والرموز التي تدعم الحب والخير والسلام والمحبة والمودة.
د- الجمهور صاحب الإتجاه الإجتماعي: ويرتبط أصحاب هذا االإتجاه بإطار الأحكام التي تتوارثها الجماعات والمجتمعات لنمط سائد من التقاليد والأعراف والعادات التي تحكم علاقة الفرد بغيره داخل الجماعات بأنواعها المختلفة.
وهناك تقسيمات أخرى للجمهور تبعًا للنطاق الجغرافي الذي يتواجد فيه: (جمهور محلي، جمهور وطني، جمهور إقليمي، جمهور عالمي). وتقسيمات الجمهور تبعاً لشرائحه العمرية أو الإجتماعية: (جمهور الإطفال، جمهور الشباب، جمهور كبار السن، جمهور المرأة… إلخ)……
ومن خلال معرفتنا بتقسيمات جمهور المتلقين يتثني لنا دراسة السمات العامه او الدراسه الديموجرافيه والسيسيولوجيه والنفسيه للمتلقي ومما لا شك فيه أن إدراك المرسل القائم بالإتصال لأنماط المتلقيين وتصنيفاتهم يضع محددات الرساله التي ينتجها ويوجهها للمتلقيين ويقدم له تصورا عن كيفية إستمالتهم لها . وهنا يثور السؤال لماذا مسرح الشارع جاذب للمتلقي ؟ إن الإجابة علي هذا السؤال هي ذاتها الأهميه التي وضعها واولها “أنطونان أرطو” للمتفرج في مسرحه فجعل من جسده محور التلقي وبؤرة التوتر التي يدور حولها الحدث، حيث حدد الآثار النفسية والعقلية أثناءا لفرجة المسرحيه.
ويعلن أرطو أن “المتفرج يذهب إلى المسرح من الآن فصاعدا كأنه يقصد جراحا أو طبيب أسنان في نفس الحالة الفكرية . فكرة أنه لن يموت طبعا لكنه يعي أن الأمر خطير، وأنه لن يخرج من العملية سليما، ونحن إن لم نتوصل إلى إصابته بأخطر ما يمكن، فإننا سنكون دون مسؤولياتنا وعملنا، يجب أن يعلم أنه باستطاعتنا جعله يصرخ.إن المسرح عند أرطو ليس مكانا للتسلية، بل هو مكان لزعزعة كيان المتفرج وجعله يشعر بالقسوة، إذ هو يطلب منه الدخول في المناطق القديمة للمسرح ومخالفة المسارح السيكولوجية المبنية على الحوار المجاني والفارغ.
يقترح أرطو فضاءا مسرحيا جديدا مرتبا وفق رؤياه، فهو يهدم كل الحدود، ويخلق إتحادا والتحاما بين الممثل والمتفرج، فهدم الخشبة ودخول المتفرج وسط الحدث المسرحي يجعل منه ممثل بامتياز، ولاحاجز يفصل بينه وبين الممثلين وهذا هو الهدف الأساسي في عروض مسرح الشارع والذي سيقودنا الي عملية تبديل الأدوار ومن ثم حصد إستجابة المتلقي المستقبل لرسائل العرض في مسرح الشارع.
* وهناك نوعان من الأستجابة أو رد الفعل للرسالة:
– الإستجابة العلنية: التي يمكن ملاحظتها واكتشافها.
– الإستجابة المستترة: وهي استجابة خاصة او تغيير وجه الرأي او التعاطف مع رسالة العرض او ما نطلق عليه التفاعل الإجتماعي الايجابي ومثالنا علي ذلك تقنية المسرح الخفي في فرنسا واستيقاف صناع العرض للسيارات الماره في الشارع وسحب تراخيصهم حتي ضجر قائدي السيارات فكشفوا لهم عن رسالة العرض والتي مفادها إن دقيقة واحده ضجرت فيها عزيزي المتلقي من استيقافك في حاجز مروري لا تعادل الأهانات والمواقف التي يتعرض لها الفلسطيني يوميا عند مروره علي حواجز مروريه خاضعه لسلطة الإحتلال .إن الاستجابه المستتره في هذا المثال تتمثل في خلق حاله ديالكتيكيه مع المتلقي وذاته في تغيير وجه الراي او التعاطف مع القضيه او تأثير عملية الإتصال.
ـ التأثير: يقصد بتأثير عملية الإتصال حدوث الإستجابة المستهدفة من هذه العملية، والتي تتفق مع هدف الإتصال المتوقع. فالتأثير يتمثل في النتائج المترتبة على االإتصال، وهل أدى إلى تحقيق الهدف منه أم لا.
ويمكن حصر التأثيرات التي تحدثها الرسالة الإتصالية في ثلاثة مجالات:
أ- التأثير في معلومات ومعارف المتلقي.
ب– التأثير في اتجاهات ومواقف المتلقي، أما تثبيتاً او تغييرا
ج– التأثير في السلوك. ولايشترط أن يحدث التأثير بشكل فوري بل قد يكون محصلة عملية معرفية ونفسية واجتماعية عديدة يختلف تأثيرها من فرد إلى آخر، أو من جماعة إلى أخرى، مما يؤدي لحدوث ألأثر بدرجات متفاوتة بين الأفراد المتلقين.
إن التلقي في المسرح هو تلقي جماعي ، فمتلقي العرض المسرحي الذي ينتمي إلى جماعة الجمهور، قد يتأثر ويؤثر حتما في طبيعة التلقي وذلك من خلال التعليقات الجماعية المصاحبة لجملة المشاهد أو الأحداث التي يقدمها العرض، وقد ينقاد المتلقي إلى تفاعلات ليست ذاتية، بل هي نتيجة سلوك جماعي على نحو الضحك، أو الصراخ، فالمشاهد يتقيد بالإشارات السمعية البصرية والإيماءات الحركية ، حيث تنشأ علاقة تفاعل بين المشاهد وبين عناصر العرض المسرحي.حيث يقفز المشاهد المتلقي إلى مرتبة المرسى الأخير لرسائل النص كما العرض كما الإخراج كما التمثيل، “لقد غدا المتلقي الضرورة الختامية التي تصور هدف وأهمية خطاب العرض المسرحي.
إن التلقي في المسرح فعل متواصل ومستمر، يضبطه زمانية العرض، حيث يبدأ قبل العرض ويحدث خلاله ويستمر إلى ما بعده،
إن التصور الأشمل لعمل الاتصال، الذي يعدّ مقبولاً بشكل عام اليوم، هو أن يكون المتلقي (ملمّاً بشفرة المرسِل) وكفى، لكي يصبح قادراً على فك شفرة الرسالة. في ضوء هذا التصور،..
*وإذا طبقنا ما سبق علي عرض مسرح شارع نشأ في مقهي مصادفة لرواد المقهي الجالسين علي رصيفها في الخارج وعند مرور بطلة العرض امامهم تحرش بها لفظيا احد رواد المقهي الذي هو أحد الممثلين في العرض فنشأت حالة تشخيصيه شبيهة بالشجار بين شاب وفتاه استفزت رواد المقهي (المتلقيين) للتدخل لفض هذا الشجار فما كان من كل طرف في الشجار إلا أن يسوق لرواد المقهي حججه وبراهينه حول قضية التحرش ومن السبب فيها الفتاه بملابسها وسلوكها؟ ام الشاب الذي لم يغض بصره ؟ وبهذا تنشأ الحالة الديالكتيكيه التي يتحول فيها الشاب والفتاه من مؤدين الي متلقيين ينصتا ويديرا حوار إرتجالي مع رواد المقهي اللذين تم الزج بهم الي داخل رقعة التمثيل فتحولوا الي مشاركين في العرض وتحولوا من مشاهد او متلقي الي متلقي ممثل شارك في بلوغ الغايات الدلالية للعرض .
إن المثال السابق ينتهي العرض فيه بالكشف عن شخصية الممثلين المشاركين في العرض وعن الهدف الإساسي لهذا العرض وهو تبصير المتلقي بجوانب القضية المطروحه وتجادل هذا المتلقي مع ما رسخ سابقا لديه حول هذه القضيه كي يستطع تمييز صحيح الفكر فيها من فاسده.
ولذا فإن أثر التفاعل الإجتماعي الإيجابي من المثال السابق يمتد الي مابعد العرض في نفس المتلقي المشارك او المتلقي الممثل ويخلق نوع من الديالكتيك مع نفسه حول القضية وابعادها وتغيير وجه الرأي فيها في بلوغ لفلسفة عروض مسرح الشارع وهي تبصير المتلقي وتمييزه لصحيح الفكر من فاسده
إن دور المتلقي في عروض مسرح الشارع يكمن في بلوغ الآثر الناتج عن التفاعل الإجتماعي الإيجابي من العرض والذي يندرج الي سلوكه المجتمعي كفرد في جماعه تم تبصيره بجوانب قضية ما فتغير وجه الرأي لديه فيها ليبلغ معرفة جديده.ويرضي رغبة لديه في المشاركه والتحول اثناء العرض من مشاهد الي متلقي ثم الي متلقي ممثل يلقي بحججه وبراهينه الي ممثل تحول الي متلقي .
وخلاصة ما سبق :
1- المتلقي هو صاحب القضية اليوميه التي تنبثق منها رسالة عرض مسرح الشارع.
2- المتلقي صاحب قرار التأطير في تكون العلاقه الثنائيه في مسرح الشارع.
3- المتلقي هو الشخص المستهدف المراد تبصيره وتثقيفه لتمييز صحيح الفكر من فاسده.
4- المتلقي هو المستقبل لرسالة العرض.
5- المتلقي يشارك في بلوغ الغايات الدلالية لعرض مسرح الشارع وهو الشريحة المستهدفه لقياس تأثير رسالة العرض.
6- لحظة التحول او تبديل الأدوار هي اللحظة الجماليه التي ينشدها صناع مسرح الشارع وهي لحظة التفاعل الاجتماعي الايجابي.
7-إن الحديث عن مفهوم حداثي او ما بعد حداثي او التأصيل لقالب عربي خالص يستوجب دراسة المتلقي العربي وإستهدافه من خلال رسالة تناقش الهامشي والعرضي واليومي في حياته مع مراعاة اللغه التي تناسب وضع محددات هذه الرساله وكسر عوائقها . كي نبلغ كينونة مسرح الشارع وفلسفته ومنطقه .
- فلسفة مسرح الشارع (11)
إن الرسالة الفلسفيه لعروض مسرح الشارع تتمثل في بلوغ المهمشين والفقراء واللذين لا يستطيعون الذهاب إلى المسرح ان يصل المسرح بذاته اليهم ويستهدفهم ويعبر عن قضاياهم من خلال رسالة توعويه وتثقيفيه وحوار ديالكتيكي باحث عن الخير ومفرغ لطاقات هذا المتلقي وجعله مشارك في العرض المسرحي الجمالي من خلال التعبير عن رأيه في اطر ديمقراطيه تصل به الي غايات دلاليه ذات طابع إنساني وقيمي
إن القيم أهمية عظمي في حياة الفرد والمجتمع تساهم في بنائه وتكوينه .ولكن ماذا تعني كلمة (القيم)؟ التي هي مفرد لكلمة (قيمه )؟
القيم :هي جملة المقاصد التي يسعي القوم الي أحقاقها متي كان فيها اصلاحهم عاجلا او آجلا
وهي القواعد التي تقوم عليها الحياة الإنسانية وتختلف عن الحياة الحيوانيه وقد وردت في القاموس التربوي بأنها صفات ذات أهمية لإعتبارات نفسيه وإجتماعيه وهي بشكل عام موجهات للسلوك والعمل
والتفسير البيلوجي للقيمه يري أن القيمه نوع من المنفعه الحيويه التي يحققها هذا الموضوع او ذاك .
أما التفسير الإجتماعي يري أن القيم وليدة الحياة الإجتماعيه فالجماعة تدفع الفرد للإتصاف بمبدأ الغيريه الذي يحقق نسيان الذات والتجرد من المصلحة الشخصيه والمضي نحو تحقيق الغايات المشتركه بين الجماعة بروح ملؤها النزاهة والإخلاص ونبذ الذات
أما التفسير النفسي فيري أنه ليس ثمة قيمه إلا ما يرضي رغبة او يثير انفعالا .
وللقيم خصائص فهي مرتبطه بنفسية الإنسان ومشاعره وايضا متغيره وليست ثابته فتتغير بتفاعل الإنسان مع البيئه المحيطه
والقيم متعدده نتيجة لإختلاف حاجات الناس .
وتتنوع القيم حسب المجال الذي تعني به الي عدة أنواع :-
«القيم النظريه »
وهي رغبة الفرد بالتعلم وسعيه نحو إكتشاف المعلومات والبحث عن مصادرها
«القيم الإجتماعيه»وتظهر من خلال رغبة الإنسان بتقديم العون لمن حوله
«القيم الدينيه»وتتضح من خلال إلتزام الإنسان بالتعاليم الدينيه وحرصه علي نيل الثواب والبعد عن العقاب
«القيم الأقتصاديه»وتتمثل في البحث الدائم عن الإنتاج المربح
«القيم الجمالية» ويعبر عنها بالبحث عن الجمال في الأشياء وتقدير الفن
«القيم السياسيه» وتظهر في حب القوه والتحكم وفرض القوانين
وللقيم مصادر متعدده ومن أهم مصادرها (الدين -العقل الذي يحلل الأمور وينظر في عواقبها ويستنبط الخير والشر -المجتمع الذي تتنوع فيه القيم التي تلائمه ولا تلائم غيره من المجتمعات )
وتتكون القيم من عدة مكونات
*مكة
*مكون عرفي :عن طريق إختيار قيمه معينه بين مجموعه من البدائل
*مكون وجداني :-ويظهر من خلال الفخر بقيمه معينه وسعادة الفرد بإختيارها
*مكون سلوكي :-يحدد طريقة الممارسه والتجربه وذلك من خلال ممارسه فنيه معينه في ظروف مختلفه
- علاقة مسرح الشارع بالقيمه
إن القيمة الماديه في مسرح الشارع تبرز من خلال القدرة الأدائيه والوظيفيه والنفعيه لعروض مسرح الشارع التي تحمل رسالة تثقيفيه وتوعويه لمتلقي الشارع المستهدف عشوائيا لمناقشة قضاياه اليوميه من خلال مكونات عرفيه ووجدانيه وسلوكيه تنتج عنها قيمة نفعيه هي التفاعليه التي تحدثها تلك العروض في نفوس متلقيها في الشارع .
والقيم الفلسفية جزء من الأخلاق
فقيمة الحق التي يتناولها علم المنطق من خلال تحديد القواعد التي تسمح بتمييز صحيح الفكر من فاسده تتمثل في مسرح الشارع الذي يسعي لطرح القضايا اليومية للمتلقي واشراكه في حوار ديالكتيكي لتمييز صحيح الفكر من فاسده في قضية يوميه معينه
أما قيمة الخير والتي توضح القواعد التي ينبغي علي الفرد إتباعها فتتمثل في مسرح الشارع من خلال رسالته التثقيفيه والتوعويه التي يقدمها العرض وصناعه بمد يد العون لمتلقيهم
أما قيمة الجمال والتي يتم فيها البحث في القواعد والمعايير التي يجب توافرها في اي عمل نطلق عليه صفة الجمال اي مراعاة القواعد والنظريات النقديه لمسرح الشارع حتي تتصف عروضه بالجمال والكمال
- فلسفة مسرح الشارع
مسرح الشارع نتاج تمازج بين ملكات الإنسان (العقل -الوجدان-السلوك )
لذا فإن مسرح الشارع هو تعبير عن (نظريه فلسفيه) من خلال رأي او مذهب او أيدولوجيه
والنظريه تعني خلفية المعرفه للنظريات العلميه المرتبطه بالفن سواء من نواحي العلوم الأساسيه او غيرها من العلوم التطبيقيه بينما الممارسه ترتبط اساسا بتكنولوجيا الإنتاج ويتم ذلك عادة بواسطة اشخاص لديهم قدر كاف من المعرفه
٠منطق مسرح الشارع
يتولي علم المنطق دراسة ما يتعلق بجوانب قيمة الحق من خلال سمات لغة التفكير العقلاني
ومن السمات المنطقيه في مسرح الشارع
1-مسرح الشارع مرتبط بالشكل او بفضاء المتلقي (الشارع)او خارج العمارة المسرحيه
2-موضوعات عروض مسرح الشارع تدرس صورة الفكر او التفكير بوجه عام أيا كان الموضوع الذي يدور حوله هذا التفكير
3-ان الطريقة العلميه الأساسيه في تفسير وفهم التفكير العلمي لمسرح الشارع تبني علي دراسات سيسيولوجيه وديموجرافيه للجمهور المستهدف وبالتالي فإن إستنتاج النتائج من المقدمات لا يتم جزافيا وإنما وفق قواعد معينه هي القواعد المنطقيه
4- ان مسرح الشارع يضع القوانين العامه التفكير السليم من خلال طرحه ومناقشته للقضايا اليوميه للمتلقي ومن خلال الحوار الديالكتيكي الجدلي الذي يجد المتلقي نفسه مشارك بالعرض المسرحي من خلال تعبيره عن رايه وتفاعله مع العرض وممارسته الديمقراطيه التي تقودنا لوضع القواعد العامه للتفكير السليم
- أخلاق مسرح الشارع
قيمة الخير تتمثل في عروض مسرح الشارع كون تلك العروض
1-تخدم المجتمع والناس وتمد يد العون للمهمشين والفقراء الغير قادرين للذهاب للمسرح فتذهب تلك العروض اليهم أينما وجدوا قاصدة بذلك تثقيفهم وتوعيتهم وتمييز صحيح الفكر من فاسده لديهم
2- إعلاء قيمة الإنسانيه من خلال معايير الجمال والنفعيه والملائمه والجودة التي يطرحها العرض وصناعه
3- التشاركيه التي ينشرها العرض من خلال طرحه للقضايا اليوميه للمتلقي الذي يتفاعل معها من خلال حوار ديالكتيكي يعبر فيه عن رأيه الذي نستطع من خلاله تمييز صحيح الفكر من فاسده .
«الجمال في مسرح الشارع»إن عروض مسرح الشارع والتي هي تعبير عن القضايا اليوميه للمتلقي هي في حقيقتها إرضاء لرغبات هذا المتلقي ليس علي المستوي الفيزيقي او الإجتماعي فحسب بل ايضا علي مستوي اللذة الخياليه .
وللخيال هنا معني واسع وهو ان أساسيات العمل الفني مثل الإتزان والإنسجام وكذلك المعني والدلالات التي يحملها العرض في مسرح الشارع من الوجهة الوظيفيه النفعيه تثير الي إستجابة الخيال لدي المتلقي فتشعره بحالة إرضاء معينه تجعله يشعر كما لو أنه حصل علي فائده معينه والقيم الجماليه تتلخص في تحويل القيمه العلميه الي قيمة علي مستوي الجمال .
*ما أسفر عنه الإطار النظري البحث من نتائج
1-عند إستعراض الظواهر الدراميه والمسرحيه المختلفه والمنتشره في العديد من أرجاء الوطن العربي ،نجد سمات مسرح الشارع ومسرحة الفضاءات الغير تقليديه متجسده من ناحية الشكل والمضمون في عروضه
2-وجد بعض دارسي الفنون المسرحيه أن فنون الشارع الحكواتيه (خيال الظل والقراقوز والمحبظاتيه ) ماهي إلا نقله بين المؤدي الواحد وجماعة المؤدين ومرحلة وسطي بين عروض مسرح الشارع وعروض المسرح القائم بذاته
3-إن الفنون الشعبيه التي كانت تؤدي في الشوارع كخيال الظل كانت نقلة بين المنشد والحكواتي والشاعر الشعبي وبين فن المسرح من حيث الموضوعات الخاصه التي كانت تناقش قضايا المتلقي في وقتها
4-الوطن العربي لم يكن غريبا عن فن التمثيل والمسرح إذ كان لديه فنونه التمثيليه وموروثه الشعبي الذي يعبر عن واقعه وازمته ولكن لم يكن لديه عمارة مسرحيه لأن الفن كان يذهب للجمهور في الشارع وليس العكس
5-عروض مسرح الشارع المعاصره في وطننا العربي يشوبها عوار الخلط الشائع الناتج عن عمومية النسق المفاهيمي بأن كل عرض مسرحي يقدم في الشارع هو عرض مسرح شارع
6-ستظل إشكالية الظاهره والمسرح عائق في التأصيل لقالب عربي خالص
7-لبلوغ المفهوم الحداثي او ما بعده لمسرح الشارع ينبغي علي صناعه إختيار مكان العرض ودراسة طبيعته الجغرافيه والمعماريه والإنفلاتيه وتحديد فئة جمهور المتلقيين المستهدف له وتحديد دورهم في عرض مسرح الشارع كي يتثني للباحثين إيجاد نظريه عربيه جديده خاصه لمسرح الشارع.
8-المصادفه والديالكتيكيه هي أبرز سمات عروض مسرح الشارع والتي تميزه عن اي شكل فرجوي آخر
9-كينونة مسرح الشارع هي مد يد العون الي المهمشين والبسطاء بأن يذهب المسرح اليهم من أجل تثقيفهم وتبصيرهم لتمييز صحيح الفكر من فاسده
10 -مسرح الشارع نتاج تمازج ملكات الإنسان (العقل والوجدان والسلوك ) فهو يعبر عن نظريه فلسفيه من خلال عروضه التي تعبر عن أراء ومذاهب صناعه
1-مجتمع البحث
يتكون مجتمع البحث من ثلاثة مسرحيات عربيه مخرجة من قبل مخرجين عرب فقد تم اختيار هذا
المجتمع وفق الفترة المحددة في حدود البحث والحدود المكانية له وكما مبينة أدناه للتأكيد علي إختلاف النسق المفاهيمي لمسرح الشارع
عرض صدأ :نقل عرض مسرحي جاهز الي الشارع دون مراعاة لقواعد مسرحة الفضاء المادي الطارئ ولم نشعر بدور المتلقي الذي اقتصر دوره علي المشاهدة السلبيه للعرض فضلا أن عملية الإتصال شابها عائق اللهجة الأماراتيه فأفقد المتلقي التواصل مع العرض .
عرض عجاف :رغم أنه أنطلق بفوضوية من المؤدي صادفت جمهور المتلقين الذي تجمع في حلقة دائريه لمتابعة العرض إلا أن الأداء التمثيلي المبالغ فيه وخصوصا في محاولات الزج بأحد المتلقيين داخل رقعة التمثيل أفقد المتلقي الحالة الديالكتيكيه الناشئه عن حوار المؤدي مع جمهور المتلقيين .
اسم المسرحية | المؤلف | المخرج | عام مشاهدتها |
موت صالح للشرب | محمد زكي(العراق) | محمد زكي(العراق) | 2018 |
صدأ | احمد عبدالله راشد(الأمارات) | ابراهيم القحومي (إمارات) | 2019 |
عجاف | سعد هدابي(العراق) | وسيم بورويص (ليبيا) | 2020 |
2- عينة البحث
لغرض زيادة التعمق والكشف عن النسق المفاهيمي لمسرح الشارع تم إختيار تسمية عينه البحث قصديا وهي مسرحية “موت صالح للشرب” تأليف وإخراج العراقي محمد زكي
3-أداة البحث:
اعتمد الباحث الأداة التاليه :القضية اليوميه الشعبيه كفكر ومعرفه وقيمه جماليه
4-منهجية الباحث : انتهج الباحث المنهج التاريخي والوصف والتحليل
عرض موت صالح للشرب :
إستطاع مخرج العرض ومؤلفه أن يطرح قضية يوميه عربيه وهي قضية الهجرة غير الشرعيه الي بلاد الغرب نتيجة للحروب والفتن وضيق الرزق الذي يعيشه المواطن العربي .
وتميز في توظيف الطبيعة الجغرافيه للمكان المنتخب للعرض المسرحي واستخدم فضاء الشاطئ ومياه البحر والجبال المحيطه كتشكيل طبيعي وسينوجرافي للعرض الذي يبدأ من لحظة غرق قارب الهجره غير الشرعيه ليخرج المؤدون من البحر ويطرحوا تسأولات ديالكتيكيه جعلت المتلقي يتجادل مع القضيه المطروحه ويرفض الموت .واعتمد المؤلف علي لغة فصحي يتخللها بعض المرادفات اللسانيه من العامية العراقيه واستطاع كسر عوائق اللهجات واللغة العربيه باستخدام جسد الممثل والتعبير الكيروجرافي في بعض المشاهد من العرض .لقد حقق العرض افق التوقع الخاص للمتلقي فخرج بنسق مفاهيمي ما بعد حداثوي في صرخة للمؤسسات المالكه للخطاب والقوه والمعرفه .صرخة ترفض الموت لأنه آسن وغير صالح للشرب .
برز في العرض إعتماد المخرج علي الدراسات العلميه للمتلقي المستهدف مكان العرض مصادفة فرأي الجمال وتذوقه وتجادل فكريا مع قضية العرض .
- المصادر التي اعتمد عليها الباحث
1-كتاب المسرح المصري القديم ترجمة د.عادل سلامه (ص22،23،24)
2-كتاب المسرح وفضاءاته،(ص71)
3-كتاب خيال الظل وتمثيليات ابن دانيال .تأليف دإبراهيم حماده(ص 8)
4-كتاب خيال الظل تأليف عبد الحميد يونس (ص 51)
5- كتاب مسرح الشعب. تأليف د.علي الراعي (ص72،73،74،75)
6-كتاب المسرح في الوطن العربي تأليف د.علي الراعي (ص23،24)
7-Television Sets Than Toilets.” Radical Street Performance. Jan Cohen-Cruz, ed. New York: Routledge, 1998, pp. 190–195.
8– مقال الباحث تم نشره علي موقع الحوار المتمدن بعنوان الخلط الشائع في مسرح الشارع
9-كتاب دكتور بشار عليوي مسرح الشارع دراسه ونصوص (ص 6،7،8،9)
10-نص محاضرة ألقاها الباحث علي موقع التواصل الإجتماعي يوتيوب وتم نشر نصها في موقع الحوار المتمدن يوم 11/6/2021
11-مقال للباحث تم نشره علي موقع الفرجه المسرحيه يوم 19/6/2020.
- الباحث/حسام الدين مسعد -مصر.