عديد كتاب المسرح في القارة الافريقية حاولوا في كتاباتهم الخروج من جبة المسرح الغربي. والعودة الي الموروث الثقافي الشعبي الشفاهي في دولهم. لما لهذا المورث من تأثير في حياة الجماهير الامية بنسبة كبيرة، مما يجعل اعتمادهم اكثر علي المروي شفويا. من بين كتاب هذه الدعوة بالعودة الي الموروث الشفاهي الكاتب اولا بالوغان.
ولد بالوغان في قرية ابا سنة 1945 وبها زاول تعليمه . ثم انتسب لجامعة دكار بالسنيغال لينتقل بعدها الي معهد الدراسات السنيمائية العليا بباريس اين درس فن السنيما تخصص اخراج. ثم عاد الي بلده بعد التخرج ليدرس في جامعة ايف النيجيرية ثم تولي ادارة معهد السمعي البصري بمتحف مدينة لاغوس سنة1970 .اخرج بالوغان للسنيما عدة افلام منها الوثائقية ومنها الطويلة وقد نال بها عدة جوائزة في مهرجانات دولية وافريقية.
بالوغان جرب الكتابة للمسرح وهو ما يزال علي مقاعد الدراسة بمعهد السنيما في باريس واذن كانت بدايته بداية مسرحية ليصدر ستة 1968 اول كتاب له وهو عبارة عن نصين للمسرح . الكتاب صدر عن منشورات اوسوالد في سلسلة المسرح الافريقي . وضم كما اسلفنا نصين هما:(شانقو) و(الفيل الملك). اعتمد فيهما القصص الشعبي من الموروث الثقافي النيجيري بتبني ما عرف فيما بعد بتقاليد مسرح اليوروبا في نيجيريا. وهو مسرح شفوي يعتمد الحكي من طرف راوي وكانت هذه الظاهر منتشرة بشكل كبير في نيجيريا وتقدم الحكايات في الساحات والاسواق العامة. وتعد هذه الظاهرة اقرب الي تلك التي عرفتها كذلك دول الشمال .شمال القارة السمراء اعني ظاهرة القوال او الروي او المداح .وعرفته بعض الدول العربية الاخري باسم الحكواتي او السامر. وغيرها من التسميات. ولان هذا النوع من العروض كان يعتمد علي الذاكرة ـ ذاكرة الراوي وحفظه ـ فقد كان الاعتماد اكثر علي قوة صوت الراوي وقدرته علي توصيل الفكرة للمستمع واحداث التاثير المطلوب . هذا النوع من العروض اسماه الراحل عبد القادر علولة الذي كانت له تجارب في ذلك . اسماه مسرح السماع مسرح الكلمة وليس مسرح الحركة . لان المتفرج في هذا النوع يلتذذ اكثر بسماع الكلمة منه بالحركة المسرحية. فالراوي هنا لابد ان يكون صاحب صوت عذب حتي تصل كلماته في الحكاية الي المتلقي الذي.. الجمهور..الذي هو متحلق حوله ويشارك في العرض الحكاية بما يبديه من انفعالات وتجاوب او بالتعليقات والتدخلات التي قد تضطر الراوي الي التغيير في مسار الحكاية واحداثها.
يقول بالوغان : “المسرح بشكله والمعروف غريب عن افريقيا. واذن فانه لا وجود لتقايد مسرحية في افريقيا. نحنفي افريقيا. نقدم العروض من التراث الشفاهي والقصص الشعبية .ليس عندنا سوي الرقص.والحكايات.التي يحكيها الراوة او الحكواتية. وهم اقرب الي التروبادور.”
ان السؤال هو هل يمكن لكاتب المسرح في افريقيا تبني تقايد المسرح الغربي.دون ان يعمل علي دمج موروثه الثقافي فيما يكتبه من نصوص مسرحية.؟. سؤال كان محل نقاش واثار جدلا بين كتاب النص المسرحي في افريقيا وخاصة في سبعينات القرن الماضي وسنوات المد الثوري في افريقيا والتحرر من الاستعمار الامر الذي دفع بالكثير الي المطالبة بالتحرر من كل ما له علاقة بالغرب تلاستعماري. وانتهت أغلب هذه النقاشات الي كون المسرح في افريقيا ليس هو نفسه وفي الغرب..وانه للقارة السمراء ثقافتها الشفاهية التي لا يجب تجاهلها بل من الضروري الاخذ بها والاستعانة بها كذلك في الكتابات المسرحية. وقد تمسك بالوغان بهذا وعمل علي تنفيذه حتي و في افلامه.
وفي نصيه المسرحيين . شانقو والفيل الملك وهما وخير دليل لما دعا اليه بالوغان مسرحيا وسنيمائيا..وقد اعتمد في نصيه علي القصص والحكايات الشعبية لقبيلة اليوروبا وهي من اكبر القبائل في نيجيريا .قصة شانقو تحكي بروايتين تقول الاولي انشانق ملك طاغية.دموي . ويتم طرده من كرسي الملك بعد انتفاضة شعبية ضده لينتهي منتحرا . وفي الرواية الثانية نجد شانقو ملك له ممارسات مريبة وانه يمارس السحر والشعوذة وتقول الحكاية انه هو من احرق قصره اثناء تجريبه لتعويذة يحرية كان ينوي الاستعانة بها لهزم اعدائه وامام ما لحقه من من ذل وما اصبه من يؤس يضع وحدا لحياته بالانتحار يقول بالوغان:”اننا نجد الكثير نن شبه هذه الحكايات في مجتمعاتنا وهي اقرب الي الانسان الافريقي وفي قبيلة اليوروبا نجد مثل هذهزالحكايات الشعبية. وهي اقرب الينا من تلك التي تحكيها وكتب المسرح الغربي”
“ان الروخ الفنية في هذه الحكايات روح افريقية شعبية لها جذورها في موروثنا الثقافي”. وباختصار فان بالوغان يدعو الي تبني هذه الحكايات واعتماد الارث او الموروث الثقافي الشعبي في كتابة نصوصنا المسرحية والحفاظ علي روحها عوض اللجوء الي تقليد الكتابات الغربية. الامر الذي جعل مسرحيات بالوغان قريبة من العقلية الشعبية ومن بسطاء الجمهور عند عرضها اذ يجد نفسه وموروثه الثقافي فيها عكس تلك التي قلد كتابها النصوص الغربية فجاءت نصوصهم تحمل غربتها في حروفها وحروفها. والتزام بالوغان بالموروث الشعبي في بلده قد يفسر لنا ذلك الاقبال الكبير الذي حظيت به مسرحياته واحتفاء وسائل الاعلام والنقاد بها والاشادة بكاتبها.
أن النص المسرحي عند بالوغان نص دمه وروحه افريقية يوروبية خالصة التزم فيها بالوغان بما نشا عليه من تقاليد الحكي في القرية عند قبيلة اليوروبا الامر الذي اوصل الي تسمية المسرح عنده بمسرح اليورة.
المؤسف وان بالوغان اخذته السنيما وخسره المسرح ليس في نيجيريا وحدها ولكن في قارة افريقيا كلها. وهو صاحب الرؤية الواضحة وصاحب نظرية الروح الافريقية في النص المسرحي الافريقي. ويبقي ما دعا اليه من تأصيل في كتابة النص المسرحي الافريقي محل بحث عند كتاب الجبل الجديد من المسرحيين في القارة السمراء..