صدر عن دار الفنون والآداب للطباعة والنشر والتوزيع بالبصرة ـ العراق ـ الطبعة الثانية من كتاب “من مسرح المثاقفة إلى تناسج ثقافات الفرجة”، ترجمة وتقديم الباحث المغربي خالد أمين من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان. يقع الكتب في 256 صفحة من الحجم المتوسط ويتضمن مقدمة المترجم ودراسات مختارة لفيشر ليشته وحوارين الأول مع روستم باروتشا والثاني مع المترجم. كما يشمل الكتاب عصارة بحث دؤوب بدأته المفكرة الألمانية إيريكا فيشر ليشته، منذ أواسط الثمانينات بجامعة بايروت الألمانية تحت عنوان: “مسرح المثاقفة”، ليمتد إلى ريادتها الحالية لمشروع بحثي حالم يتحلّق حوله ثلة من الباحثين من مختلف بلدان المعمور في إطار “المعهد الدولي لتناسج ثقافات الفرجة” بالعاصمة الألمانية برلين. ومن بين هؤلاء: هومي بابا، وروستم باروتشا، ومارفن كارلسن، وكريستوفر بالم، وبراين سنجلتن، وجاكلين لو، وبيودان جييفو، وميتسويا موري، وهيلين غيلبورت، وربيع مروة، وأون كين سون، وريك نويل، وفليب زاريلي، ونيكولا سافاريسي، وخالد أمين، ونورا أمين…
تعدّ الباحثة الألمانية إيريكا فيشر ليشتهErika Fischer-Lichte من الأصوات المؤثرة في حقل دراسات الفرجة على المستوى الدولي. فهي أستاذة الدراسات المسرحية، ومديرة المعهد الدولي لتناسج ثقافات الفرجة التابع للجامعة الحرة ببرلين. كما ترأست الجمعية الألمانية للمسرح خلال الفترة الممتدة بين عامي 1991 و1996، والفيدرالية الدولية للبحث المسرحي IFTR في الفترة الممتدة بين عامي 1995 و1999. وشغلت العديد من المناصب ذات الصلة بالمسرح، سواء في ألمانيا أو خارجها… كما تشرف على أهم سلسلة للدراسات المسرحية المتخصصة ضمن منشورات راتلدج المرموقة.
قدّمت إيريكا فيشر ليشته إسهامات رائدة في مجال التنظير المسرحي. فهي محبة للمعرفة، سالكة إليها من طريق الاجتهاد والتواضع والصدق، وقارئة نهمة تفتح ما تقرأه على آفاق غير متوقعة. كما تمتاز بقدرة كبيرة على التركيب بين الأفكار والنظريات التي تلوح – للوهلة الأولى- كأنها متناقضة ومتنافرة لا رابط بينها.تبلور المشروع النقدي لإيريكا فيشر ليشته في مجموعة كبيرة من المصنفات، من بينها: كتاب “سميائيات المسرح” الذي قدّمت فيه نظرية متكاملة لنظام السيميوزيس المسرحي، وأثارت ترجمته إلى اللغة الإنجليزية عام 1992 نقاشا مهما في الأوساط الأكاديمية الأنجلو-ساكسونية. ثم كتاب “جماليات الأداء: الطاقة التحويلية للفرجة” الذي نشر باللغة الألمانية عام 2004 وترجم عام 2008 إلى الإنجليزية وإلى العربية من لدن الباحثة المصرية الرصينة الدكتورة مروة مهدي عام 2012، وكتاب “عودة ديونيسوس” (2013) الذي يفكك البنيات الثقافية الغربية؛ إذ أسهم في إعادة إحياء “الباخوسيات” ليوريبيدس منذ أواخر الستينات من القرن الماضي، وذلك من خلال تحليل هذه العروض المعاصرة ووضعها في سياقات محددة. وقد كشفت فيشر ليشته في هذا الكتاب عن تقابلات بين ما يحدث في المسرحية والأحداث الحقيقية لفترة إعادة إحياء النص اليوريبيدي، وكتاب “تناسج ثقافات الفرجة: نحو إعادة التفكير في مسرح المثاقفة” عام 2014، وهو عبارة عن مصنف جماعي يجمع بين دفتيه أولى ثمرات أبحاث التناسج، وقدّمت له فيشر ليشته بتوطئة نظرية في غاية الأهمية (وهي من بين الدراسات التي ضمنتها في هذا الكتاب أيضا)…
يكتسي المشروع البحثي والتنظيري لفيشر ليشتهباختصار أهمية خاصة في مجال الدراسات المسرحية سواء في أوروبا أو أمريكا، أو في باقي بلدان المعمور. لقد كانت فيشر ليشته دائما في صلب النقاش المرتبط بمختلف التبادلات المسرحية بين أوروبا وآخرها. والحال، أن هذا النقاش الذي تمظهر في ما سمي في تسعينات القرن الماضي بـ “حروب المثاقفة المسرحية” لم يكن نقاشا هادئا، بل اعترته حدة التدافعات الهوياتية التي تلت مرحلة الاستعمار الأوروبي. لذلك نَعُدٌ المداخل الآتية مهمة ليس فقط للإلمام بمواقف فيشر ليشته، بل أيضا لتمثل أفضل لسياقات وأبعاد المثاقفة المسرحية بين الشرق والغرب، ابتداء من النصف الثاني من القرن التاسع عشر: سؤال المثاقفة وبناء الهوية ـ هل توجد فعلا قطيعة بين الشرق والغرب كما يوهمنا البعض؟ ـ مسرح المثاقفة وهيمنة النموذج المسرحي الغربي ـ لقاء الغرب بالشرق (من أجل إعادة النظر في الحداثة المسرحية الغربية) ـ ما بعد المستعمرة كأفق لتناسج ثقافات الفرجة (نحو تفكيك مركزية المثاقفة المسرحية الغربية)..