لم تكن المرة الأولى التي أحضر فيها فعاليات مهرجان للهواة، وهذا المهرجان تحديدًا سبق أن حضرته عدة مرات –مهرجان مسرح الهواة الذي تقيمه إدارة الجمعيات الثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة- لكنني اعتبر هذه الدورة تحديدًا دورة استثنائية، فلم تكن بالنسبة لي الدورة السابعة عشر بل الأولى من نوعها، للحق تجربة ثرية على كل المستويات حيث البداية بحفل الافتتاح الذي أخرجه الفنان هشام عطوة وهو بالفعل حفل يليق بدورة استثنائية، والسؤال الذي لابد أن يتبادر للذهن هو لماذا اعتبرتها دورة استثنائية والإجابة ببساطة هي: أنه حينما نحضر مهرجانًا مسرحيًا به عدد كبير من النجوم لابد أن يكون دوليًا، فقد اعتدنا على ذلك فقلة من النجوم من يرحبون بالمشاركة في مهرجانات الهواة، لذا كانت مفاجأة كبرى حين علمت أن لجنة التحكيم تتشكل من الفنانين الكبار: مديحة حمدي، خالد الذهبي، ياسر صادق، ثم لجنة النقاد تتكون من الأساتذة الكبار: عبد الرازق حسين، محمد الروبي، أحمد عبد الرازق أبو العلا، د. حسام أبو العلا، بل ويكرم المهرجان الفنانين الكبار أيضًا: عثمان محمد علي، رجاء حسين، أمال رمزي، أحمد فؤاد سليم، نادية رشاد، عارفة عبد الرسول، المخرج السكندري محمد مرسي، وأن يجتمع كل هؤلاء في احتفالية ضخمة تحمل اسم فنان الشعب سيد درويش، وذلك ليس فقط لأن المهرجان ينظم بمسقط رأسه في مدينة “الأسكندرية” عروس البحر المتوسط، يشير إلى دور الفنان الحقيقي في المشاركة بفنه في الأحداث السياسية والإجتماعية التي يمر بها الوطن، وضرورة قيادته لمعركة التنوير والعمل على تنمية مشاعر الإنتماء للوطن، حيث كانت إبداعات سيد درويش خير مثال على ذلك. كما أنه تميز أيضًا بارتفاع عدد الفرق المشاركة بالمهرجان وارتقاء مستوى عروضها حيث وصل عددها لأول مرة بهذه الدورة إلى عشرة فرق (تمثل ثماني محافظات) قدمت عشرة عروض متميزة، كما يجب الإشارة إلى النشرة اليومية “بروجيكتور” التي تولى رئاسة تحريرها الشاعر والناقد المسرحي يسري حسان، وهي نشرة متميزة جدا وغير مسبوقة بشهادة الجميع، كذلك الندوات التي كانت بمثابة محاضرات في فن المسرح.
بالإضافة لكل ما سبق فإن المهرجان يحمل شعار “تواصل أجيال.. إبداع بلا حدود” إذن لابد أن تكون دورة استثنائية بكل المقاييس، وطبيعي أن يكون وراء كل ذلك راعي الهواة في مصر دكتور عمرو دوارة رئيس المهرجان لهذه الدورة، فها هو عشقه للمسرح وتبنيه للهواة يتجلى في أبهى صوره، والتي لم تكن تتحقق أبدًا لولا إيمان مسئولي الهيئة العامة لقصور الثقافة بالفنون والمسرح والهواة ودورهم الكبير كقوة ناعمة في مواجهة التطرف والإرهاب وكل ما يحيط بالبلد من مؤامرات لإيقاعها، بداية من د. أحمد عواض رئيس الهيئة، د. هاني كمال رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، إدارة الجمعيات الثقافية، وكل الإدارات التي كان لها دور بارز في إنجاح المهرجان.
وقد لاحظت منذ قراءة دليل المهرجان أن هناك إطارًا عامًا يميز العروض االمشاركة، ولا أعلم إذا كان عن قصد من قبل لجنة المشاهدة أم أنها مجرد صدفة، وهو أن أغلبها ينتمي للمسرح العالمي، ومنهم نصان لمؤلف واحد، أما العروض العربية فقد تميزت بالتنوع حيث تمثل أجيال مختلفة من المؤلفين فمنها الرصين مثل عرض “بدائع الفهلوان في وقائع الأزمان” تأليف رأفت الدويري، ومنها ما يمثل الجيل الجديد مثل “قابل للكسر” تأليف أحمد نبيل، كما أن عرض “حكايات شعبية” تم إعداده عن أشعار صلاح جاهين، مما يدل على مدى الجهد المبذول من قبل الفرق المشاركة والذي يبدو واضحًا من اختيارهم لنصوص صعبة، ولأن المساحة لا تسمح بالكتابة عن كل العروض سأكتفي بثلاثة فقط:
“أوسكار” تأليف إيمانويل شميث، إخراج عبد الله عساكر، وقدمه فريق المسرح بكلية التجارة جامعة المنصورة، حيث شارك فيه محمدعبدالخالق، وعبدالمالك الجوهري، وبسمه الباهي، وعماد مدكور، محبوبة الموجي، وعمر عبدالعزيز، نوران احمد، وانس عبدالعظيم، زكريا حسام، وتدور الأحداث حول طفل في العاشرة من عمره مصاب بمرض السرطان منذ السابعة ويعيش في عزلة موحشة بالمستشفى التي يتلقى فيها علاجه فتنصحه ممرضتة ” السيدة الوردية ” بأن يكتب رسائل إلى الله يسطر فيها كل مايشعر به، فيفعل فتبعث الرسائل بداخله الأمل من جديد ، وترعاه الممرضة حتى تتحول أيامه الباقية إلى بهجة ورضا وإيمان قوي حتى يحين موعد رحيله من الحياة، وأهم ما تميز به هذا العرض الذي قدم من قبل مرات عدة، هو تناوله بأفكار جديدة وتحمل فلسفة الهوية والوجود حيث تحويل الدمى إلى شخصيات حقيقية تحاوره وتجلب له السعادة، وقد أدى أبطال العمل هذه الشخصيات ببراعة ومرونة فائقة، كما تميزت أيضًا بالأزياء والمكياج للفنانات نورهان محمود، إسراء محمد، أميرة محمد، اللذان جعلا المتلقي يرى أمامه شخصيات العرائس الحقيقية. كما لعبت إضاءة الفنان عز حلمي دورًا كبيرًا في الأحداث، مع موسيقي حسين العراقي، نادر صلاح، وهشام عاطف وديكور محمد ابو الخير، ومحمود الزيني، ليثبتوا لنا أنه عرض لمحترفين وليس هواة.
“حكايات شعبية” قدمته ، وهو معد عن رباعيات صلاح جاهين، رؤية وإخراج عصام رمضان، ويتناول الحارة الشعبية وأخلاقياتها وما كانت عليه من مودة وحب بين الأهالي والمشاركة الفاعلة فيما يتعلق بحب الوطن والانتماء له.
العرض قدمته فرقة المسرح بجمعية المصريين بجد، لذوي القدرات الخاصة الذين نجحوا في بث روح البهجة والتفاؤل لدى المتلقين حيث روعة الغناء وروح المرح والتشكيل الحركي بالكراسي المتحركة مما عمل على بث طاقة إيجابية للمكان، وذلك على الرغم من أن العرض يفتقد لأهم عنصر وهو السياق الدرامي للأحداث.
“الإمبراطور جونز” تأليف يوجين أونيل، إخراج أسامة جميل قدمته الجمعية المصرية للتوعية الفنية والثقافية
وفيه اعتمد المخرج على المنهج التعبيري المتمثل في الصورة التي تم تشكيلها من أشياء بسيطة تتماشى مع فكرة النص وفكر المؤلف يوجين أونيل، كذلك قلة الميزانية حيث اعتمد على خامتي الورق والقماش بديلا عن الديكور، مما أضاف أيضًا عنصرًا جماليًا للعرض، الذي تدور أحداثه حول معاناة جونز الذي وصل لكرسي الإمبراطور بعد أن قتل الإمبراطور السابق، مما يجعله يترك القصر ويذهب إلى الغابة رغبة في التطهر، وهو بلا شك اعتمد على أداء الممثلين بشكل أساسي خاصة محمد عبدالفتاح، وعادل عبدالنبي، اللذان جسدا شخصيتا الصراع بشكل يؤكد على امتلاكهما لموهبة التمثيل، لكن الإعداد كان جائرًا حيث تم اقتصاص أجزاء مهمة من النص جعلت من لا يعرف النص مسبقًا لا يتفاعل معه كمن يعرفه.
وشارك معهما بالتمثيل محمد حسني، إسلام حمادة، محمد حفني، عبد العال نور، ديكور أحمد محمد، إضاءة احمد شحاته، استعراضات أبوالمجد حسين، إعداد موسيقي سعيد فؤاد.
في النهاية فإن هذه العروض تمثل مجرد نماذج لما قُدم في المهرجان وليس أفضلها لأن عروض المهرجان جميعها –وإن كان بها بعض الهنات- فإنها تثبت وتؤكد وجهة نظري التي أؤمن بها وهي أن بعض الهواة يتميزون بأنهم أكثر احترافية من المحترفين.