لا شك أن تاريخنا المسرحي كبير وممتد لسنوات تشعرنا بالفخر. لكن أيضا لا بد لنا من الاعتراف بأن هذا التاريخ يمكن أن يذهب هباء إذا لم نحرص على استعادته وتقديمه كل حين بما يتيح للأجيال الحاضرة أن تنعم به وتتعلم منه وتدرس حركة تطوره ومن ثم تبني عليه وتثريه.
ومن هنا تحديدا تأتي أهمية (الريبورتوار) الذي هو ليس أبدا القديم بالمعنى السلبي، وليس هو القديم بمقاييس (الموضة) لكنه هو القديم بمعنى (الكنز) بمعنى (النبع) الذي يجب علينا أن نزوره بين حين وحين ووفقا لخطة محكمة ذات هدف واضح.
الريبورتوار ليس هو فقط – كما يفهم البعض خطأ – إعادة تقديم العرض المسرحي كما قدم من قبل، بذات الرؤية والممثلين والمنظر والموسيقى و.. و.. صحيح أنه في أحد معانيه هو كذلك تماما، وصحيح أن هذه الاستعادة ضرورية في ظل الرغبة في التوثيق والحفاظ على التراث. لكن الريبورتوار أيضا في جانب آخر من معناه هو تقديم العرض القديم برؤية معاصرة وبممثلين جدد وبمنظر مختلف يتسق والرؤية الجديدة.
في الجانب الأول (تقديم العرض كما هو) سنحتاج إلى استدعاء المخرج الأول (إن كان حيا) لإعادة تقديم ما سبق تقديمه كما كان تماما (اللهم إلا تغييرا بسيطا يخص الممثلين لعامل الزمن). وإذ لم يكن المخرج حاضرا لأسباب قهرية على رأسها الرحيل الجسدي، سنستعين بآخر ينحصر دوره في التنفيذ لرؤية سلفه، مستعينا هنا بكراسة الإخراج – إن وجدت – أو بتسجيل مصور يفترض أن المسرح يحتفظ بهما أو بأحدهما، أو على الأقل هيئة أخرى (وفي مصر، هي المركز القومي للمسرح).. وهنا يبزغ السؤال: هل تمتلك مسارح مصر الرسمية أرشيفا يتيح لكل منها تقديم الريبورتوار الخاص بها؟ لو أنها لا تمتلك ذلك، فقد أجرمت في حق نفسها، وفي حق تاريخ المسرح، وفي حق الأجيال المتعاقبة. وعليها أن تشرع في ذلك وفورا. فعلى كل مسرح (قومي، طليعة، حديث.. إلخ) أن يشرع في إنشاء وحدة لحفظ تراثه المسرحي (نصوص، وكراسات إخراج، وتسجيل بالصوت والصورة).
يبقى الجانب الآخر من معنى الريبورتوار، الذي لا يقف فقط عند حدود تقديم العروض القديمة كما هي، ولكن تقديمها برؤى أخرى عصرية. وهنا لا بد أن نؤكد على أن تقديم نصوص مسرحية قديمة سبق وأن قدمت منذ سنوات طويلة هو نوع من (الريبورتوار) سواء قدمها المخرج نفسه الذي قدم القديم أو قدمها مخرج حديث. علينا أن نتذكر أن تقديم نصوص لشكسبير أو بيكيت أو ميللر أو الحكيم أو ألفريد فرج أو دياب أو غيرهم من العالميين أو المحليين هو نوع من الريبورتوار. وهنا لا بد أن أعرب عن فرحتي بسماعي خبر أن المخرج القدير سمير العصفوري يستعد لتقديم نص (بير السلم) للقدير سعد الدين وهبة وبرؤية عصرية على خشبة مسرحه (مسرح الطليعة)، فهي خطوة على درب استعادة الذاكرة المسرحية بأحد جانبيها، وهو ما نحتاجه الآن وبشدة في ظل هجمة خارجية تستهدف النيل من تاريخنا المسرحي ومن حاضره. الأمر الذي يستوجب معه تقديم الشكر لإدارة مسرح الطليعة وعلى رأسها المخرج شادي سرور، وكذلك إلى البيت الفني وعلى رأسه الفنان إسماعيل مختار. فأن تأتى متأخرا خير من ألا تأتي أبدا.
وأخيرا، لا بد العودة للتأكيد مرة أخرى على ضرورة الاهتمام بالريبورتوار باعتباره أكسجين الحياة للجسد المسرحي المصري، ولنا عن تفاصيل ذلك حديث ممتد