فيلم ” ما بعد الكلمات”محنة الخروج من عالم القراءة والانطواء إلى مواجهة الحياة/ كاظم مرشد السلوم
ماذا يحدث لو أن شخصا أفنى معظم سنين حياته يقرأ وينظم ويفهرس الكتب في مكتبة عامة، لا ينتبه إلى أن الزمن يمضي، والحياة في الخارج تتغير، كيف سيواجه هذه الحياة حين يتقاعد، وهو الذي لا يسقط الكتاب من يده إلا ما ندر .
هذه هي ثيمة فيلم ” after words ” لجوان فيلدمان، جين امرأة تعمل في مكتبة، تقضي معظم وقتها في تنظيم كتبها، وقراءة ما تيسر من كتب فيها، تعرف كل عناوين الكتب الموجودة فيها ومعلومات كاملة عن مؤلفيها ، إلى أن تفاجأ في أحد الأيام بقرار إغلاق المكتبة، لأن التقدم التكنلوجي والانترنيت تسببت بانحسار الدور المهم الذي كانت تلعبه المكتبات، ليتسبب ذلك في إرباك كبير لها، ولتتخلص من هذا لإرباك تقرر السفر إلى كوستريكا، كونها تؤمن بأن المرء حين تقترب نهايته وهو على وشك الموت تمر أمامه كل الأشياء الجميلة التي رآها في حياته ، لكن ما الذي رأته هي لتي أفنت عمرها وأهدرت حياتها بين الكتب ، إذن ستسافر لترى وتصنع جمالا يمكن أن يمر من أمامها وتراه في لحظات احتضارها،
تصل الى كوستريكا لتلتقي ب” خوان ” الشاب الذي توفيت زوجته ويعيل أمه وابنته التي يريد لها أن تدرس في المدارس الخاصة حتى يضمن مستقبلها، مستغلا السائحات الكبيرات في السن اللواتي يبحثن عن المتعة.
توافق على أن يكون خوان دليلها في رحلتها، يطوف بها في كل الأماكن الجميلة، يريها أماكن وحيوانات وحشرات لم تشاهدها في حياتها، يحاول أن يتقرب منها، لكنها لا تقبل، فأخر قبلة لها كانت قبل عشرين عاما، بعد رأت كل هذا الجمال تقرر الانتحار، لكن في اللحظة التي تتناول فيها الحبوب التي أعدتها لهذا الغرض، يدخل خوان ليخبرها بوجود مكان جميل يجب أن يذهبا إليه وعليها أن تجلب معها ملابس سباحة، تتذكر أنها لم ترتدي يوما مايوه سباحة، وكيف سيكون شكل جسدها بهذا المايوه، ولتشعر بعد هذه الرحلة أن في هذه الحياة الكثير من الأشياء التي تستحق العيش من أجلها، لتدخل في علاقة حب مع الشاب خوان، ولتتغير حياتها بعد ملايين الكلمات التي قرأتها، لكنها الآن تتفرغ للحب ولمشاهدة ما جادت به الطبيعة من جمال .
*** الاشتغال
أكثر ما يشد انتباه المشاهد في هذا الفيلم هو قوة الحوار فيه، حيث بلاغة الجمل التي تعبر عن الحالة النفسية لفتاة عاشت حياتها بالطريقة التي عاشتها جين / هذا الحوار وظفه مخرج الفيلم بطريقة تتناغم مع دفق المشاهد الذي توفرت على جماليات المكان الذي جرى فيه تصوير الفيلم، حيث حرك كاميرته لترصد كل تفاصيل المكان، معبرا بذلك عن وجهة نظر بطلته التي لا تريد أن تفرط بأي دقيقة من الوقت الذي تقضيه أو أي جزيئة من جزيئات المكان لكي تراه فيما بعد كشريط يمر أمام عينيها حين تموت. فيما أظهر الشاب خوان كمثل حقيقي لمحنة الشباب الذي يعاني من عوز كبير في بلدان تعتمد السياحة موردا رئيسا فيها.
لم يجد مخرج الفيلم صعوبة في تأثيث المكان كون كل الأماكن تمتاز بجمال خلاب وساحر، فقط اختار زواياه بالطريقة التي تمتع المشاهد بها، من خلال تمتع بطلته جين، مع فارق أننا نشاهد فيلما ونبحث عما سيؤول إليه حال بطلته، وكيف يمكن أن يتغير حالها.
*** الأداء
أدت بطلة الفيلم مراكاهاردن دورها بإتقان كبير، ساعدها في ذلك تركيبتها الجسدية وشكلها الذي وظفته بشكل ممتاز ليتلاءم مع الدور، والتحولات التي طرأت عليه .
كذلك أجاد الممثل أوسكار جينادا دوره، متقمصا دور دليل سياحي، أعتقد أنه عايشهم أو شاهدهم وهم يؤدون عملهم لفترة طويلة .
بعد الكلمات، فيلم درامي جميل يستحق المشاهدة لأنه يبعث بارقة أمل في النفوس التي ينتابها اليأس لهذا السبب أو ذاك .